سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الهجرة المفتوحة يقول السيد علوي بن عبدالله العيدروس في هذه المناسبة العظيمة بإمكان الانسان أن يفتح باب الهجرة بنفسه وأن يجعل من ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم سبباً في هجرته من الذنوب والمعاصي إلى التوبة والإقبال إلى الله.
في هذه الذكرى بالذات «الهجرة النبوية» تنبثق معان ودلالات لاعد لها ولاحصر لايكتشفها إلا متصل بحبله تعالى، وفي المقابل وفي ظل واقعنا المعاش الذي ألنا إليه تتصاعد آهات وأنات وتتقافر دموع لإسلام شوهناه بأيدينا قبل أن يشوهه الغرب. صحيفة الجمهورية توهجت بهذه الذكرى العظيمة مستنبطة معانيها ودلالاتها، و التقت بالسيد علوي بن عبدالله العيدروس مشرف قسم الحلقات والمساجد بدار المصطفى الذي بدأ حديثه بالقول : مقابلة الإساءة بالإحسان الحمدلله الذي اختص هذه الأمة بالنبي العظيم، والإمام الحكيم، نبي الرحمة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه حيث تستقبل الأمة في أيامنا هذه ذكرى عظيمة من ذكريات الإسلام، وهي الهجرة النبوية التي قام بها المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما كثر عليه الأذى من أهل مكة، فبدأوا بتهديد أصحابه، وإظهار الدون له ولاصحابه، فأذن له الخالق سبحانه وتعالى بالهجرة فخرج من مكة وهو منبوذ مردداً عن مكة: «والله إنك لأحب البلاد إلي، ولولا ان قومك اخرجوني منك ماخرجت»، ولذلك فإن هذه الهجرة النبوية تحمل في طياتها دلالات ومعاني عظيمة لهذه الأمة، بل دروساً ومناهج يمكن للامة ان تستعملها في حياتها، وتكون سبباً لها في التخلص من كثير من مشاكلها الواقعة فيها اليوم، ومن تلك الدلالات أن الحبيب صلى الله عليه وسلم حين تعرض للأذى والتعذيب مع أصحابه في مكة، لم يقابل الأذى بالأذى، ولم يقابل التعذيب بالرد، ولم يقم بالحرب، وهذا يدل ان الإسلام ماجاء ليحارب أحداً أو ينازع أحداً أو يهين أحداً، وإنما جاء لينقل هذه البشرية من الهلاك إلى النجاح، فلما سئم من القوم بماهم فيه، أمره ربه سبحانه وتعالى بالصبر، فصبر ثم لما اشتد الأذى أمر بالهجرة فهاجر، وامر أصحابه أن يغادروا قبله من مكة إلى المدينة، ثم هاجر هو صلى الله عليه وسلم مبيناً للأمة أن يحملوا دعوة السلام. الاعتماد على الله ويضيف السيد علوي في سياق حديثه بالقول: الإسلام هو دعوة السلام، ومعنى أحملها لكم «رسالة السلام» ان لا أحمل حقداً ولا كراهية ولا بغضاء، ودليل ذلك انه لما عاد إلى مكة منتصراً قال : ماتظنوا أني فاعل بكم، قالوا : أخ كريم وابن اخ كريم، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء، كما ان من المعاني والدلالات التي تحملها هذه الحادثة العظيمة المباركة انه صلى الله عليه وسلم عقل الأمة بهذه الذكرى بضرورة الاعتماد على الحق سبحانه وتعالى في جميع الأمور، وانه لا ناصر للناس والخلق إلا سبحانه وتعالى وعند دخول أبي بكرالصديق إلى الغار أتى إليه كفار مكة وكانوا حول الغار، فقال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم لو نظر أحدهم إلى أسفل قدميه لرآنا، فقال له سيدنا محمد : ياأبابكر ماظنك باثنين الله ثالثهما، وهذا يدل على الطمأنينة التي كانت في قلبه صلى الله عليه وسلم حتى انه نام على حجر أو على رجل سيدنا أبي بكر، فلم يكن هناك خوف، وإلا لما استطاع ان ينام والأعداء محيطون به، وهذا يدل على اطمئنانه بالله، ويجب على الأمة المسلمة ان تتعلم منه وتعتمد في أمورها على الله، وحينما كان في طريقه ماشياً إلى المدينة كان معه سيدنا أبوبكر وكان كثير الالتفات بكل الاتجاهات ويمشي مع الرسول في كل الاتجاهات عن يمينه وعن يساره وأمامه وخلفه، فلما سئل ابوبكر عن ذلك قال : حتى إذا جاء العدو من أي جهة فسأعترضه أولاً لأدافع عن رسول الله، أما هو صلى الله عليه وسلم فكان يمشي بلا التفات لأن القلب معتمد على الله، فلما أتى إليه سراقة غارت قدماه بالتراب فاستنصر بالنبي طالباً منه الأمان فأعطاه الأمان، ومع ذلك بشره بالبشارة رغم هروبه من مكة إلى المدينة وفي أوقات عصيبة وشديدة فقال لسراقة: ياسراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى، ومن هنا تنبثق من هذه الهجرة دلالة عظيمة ومعاني جليلة تستفيد منها هذه الأمة انها إذا اعتمدت على الله وطلبت اعتمادها عليه في كل الأمور أتاها النصر. ضرورة هجر المعاصي ثم يستطرد في سياق حديثه عن معاني ودلالات الهجرة النبوية بالقول: مروا على أم معبد في خيمتها وطلبا منها ان يشربا شيئاً فقالت : ماعندنا شيء إلا هذه الشاة الهزيلة، فمسح رسول الله على ضرع هذه الشاة فدرت باللبن، فاعطى أولاً صاحبة الشاة لتشرب، ثم ناول سيدنا أبابكر الصديق، ثم شرب هو صلى الله عليه وسلم أخيراً ليعلم الأمة الأدب : ساقي القوم آخرهم شرباً، فكان المتخلق بهذه الأخلاق بأن سقى أهل البيت أولاً وهو أخيراً، والحكمة تخاطب الأمة من قريب ومن بعيد أنه صلى الله علىه وسلم هاجر ليحفظ هذا الدين، وقدم روحه رخيصة لأجل هذا الدين، بل سلك طريقاً وعرة ولم يسلك الطريق التي يسلكها الناس حتى لا يلحق به كفار مكة حفاظاً على الدين الذي وصل إلينا ظاهراً مبيناً كما أخبر به صلى الله عليه وسلم،، كما قال لأصحابه لاهجرة بعد فتح مكة فهاجروا قبل ذلك، كما أن الهجرة تحمل معاني أخرى وهي أن يهجر الناس الشر من الخير والمعصية من الطاعة، وهذه الهجرة بابها مفتوح إلى يوم القيامة، ويمكن للإنسان أن يفتح هذا الباب بنفسه بأن يجعل من ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم سبباً في هجرته من الذنوب والمعاصي إلى التوبة والطاعات والإقبال على الله سبحانه وتعالى، وأقل ما يُتشبه بالنبي أن يهجر الذنوب والمعاصي، وأن يتوجه بجميع أوقاته إلى الله، ليبين للأمة أن هذا هو الإسلام مع الأسف اليوم هناك تشويه للإسلام في الشرق وفي الغرب، وكثير أولئك الذين شوهوا الإسلام وصوره أنه دين قتل وأنه دين عداوة، لكن نبينا لم يقل ذلك ولم يرتضه، بل خرج من مكة وهو مبتسم، وعاد إليها ولم يقتل منها أحداً، فلم يذهب إلى المدينة من أجل أن يقوي شوكته، أو أن يلملم الجيوش ثم يعود إلى مكة ليحاربهم، أبداً والدليل على ذلك أنه حينما طلب منه أصحابه الخروج في غزوة بدر أبى حتى رفع سيدنا حمزة بن عبدالمطلب صوته على ابن أخيه وندم بعد ذلك طالباً العفو، وجاء الإذن من الله بالخروج للقتال ولم يكن الخروج للقتال وإنما الخروج لاسترجاع الأموال، وهذا دلالة على أنه لم يكن مقصدهم قتالاً أو حرباً، والذين شاهدوا النبي عندما رجع إلى مكة قال من دخل داره فهو أمن، وهذا ليس تصرف إنسان يريد أن يقاتل أو يحارب، ولكن هذا تصرف إنسان يريد أن ينشر السلام، ونجح نبينا محمد في نشر السلام. الاعتصام بحبل الله ويسترسل العيدروس بالقول: إن هذه المعاني وهذه الدلالات لها أثرها الكبير على المسلمين، وينبغي لنا أن نفرح بهذه الذكرى معتصمين بحبل الله وبرحمته، لأن الله وجه نبيه محمداً حينما خرج من بيته وقد أمر سيدنا علي بن أبي طالب أن ينام في فراشه، وأن يتغطى بجبته الخضراء الحضرمية، فخرج مستعيناً بالله وأهال التراب على رؤوس المشركين وهو يتلو «وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون» صلى الله عليه وعلى آله، ووصل إلى المدينة فأقام بها ونشر هذا الإسلام، ناصراً الأمة من غير حرب ولا سلاح، ولذلك ينبغي عليها أن تفرح بهذه الذكرى ذكرى نجاة النبي محمد وحفظ الإسلام قال تعالى: «وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين». دعاء في ظل الذكرى ثم اختتم بالدعاء فله متضرعاً خاشعاً: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل مقدم ذكرى الهجرة النبوية مقدم رفع الحرج عن الأمة الإسلامية في الشرق والغرب، وأن يرد المسلمين إليه مرداً جميلاً، وأن يعيد للأمة ما فات وأن يحيي فيها ما مات.. آمين اللهم آمين