لقد تجاوزت الثلاثين من عمري.. أصبحت عانساً.. وحيدة.. عبارات تحوي العديد من الدلالات والمؤشرات الخطيرة التى بدأت تنتشر وسط النساء في المجتمع اليمني لتصبح ظاهرة حديثة جلبها العصر الحديث للمجتمعات الشرقية عن طريق ما يسمى بالعولمة التي أدخلت العديد من المصطلحات والظواهر الحديثة الدخيلة زعزعت تقاليد المجتمع المحافظ فرغم محاولات مجاراة ما أتى به التقدم والتطور من قيم دخيلة إلا أن تطوير أو تعليم الفتاة أحدثت مشكلة تنفر الشباب بالارتباط بالمرأة العاملة في أغلب الأحيان. نظرة سلبية يقول الاخصائي الاجتماعي مجاهد حيدر إن الدراسات الأسرية تشير الى ان هناك مايزيد عن نصف مليون امرأة يمنية تعدت الثلاثين من عمرها ولم تتزوج خصوصاً في المدن الرئيسية وبين خريجات الجامعة والنساء العاملات في مختلف المجالات، حيث ولد دخول الفتيات الجامعيات وانخراطهن في سوق العمل المحلي نظرة سلبية تجاه الفتاة المتعلمة فأصبح المجتمع ينظر اليها نظرة ملئية بالشكوك والاستغراب والاستفهام قد تصل الى أحاديث وإشاعات أخلاقية مغرضة، كل ذلك أدى الى عزوف الشباب عن الزواج بجامعيات. ويضيف حيدر: مع الأسف مازال المجتمع ينظر الى المرأة المتعلمة العاملة نظرة سطحية قصيرة، فتجد البعض يخطئ تلك المرأة ويوصمها بالعديد من الإشاعات السيئة وتزداد تلك الأقاويل في قطاعات الأعمال التي تستدعي الاختلاط بكثرة أو العمل حتى ساعات متأخرة من الليل. ويستدرك قائلاً: كذلك ينظر البعض في اليمن الى المرأة خارج القبيلة أو العشيرة كامرأة دخيلة وبالتالي يواجه الشباب العديد من الصعوبات في الارتباط بمن أحبها خلال سنوات الدراسة أو في العمل نظراً الى التقاليد الخاصة بالنسب والمنطقة الجغرافية. رأي المرأة هذه النظرة السوداء للمرأة العاملة فاقمت المشكلة الاجتماعية وساهمت بشكل رئيسي في انتشار العنوسة بين النساء المتعلمات العاملات في مختلف المجالات خصوصاً في قطاع الصحة والمجالات الخدمية والشركات الخاصة والقضاء والمحاماة و غيرها.. ففي المجال الطبي نجد النساء العاملات في مجال التمريض أقل حظاً في الزواج من النساء العاملات في مجال طب الأسنان مثلاً، وأيضاً نجد النساء العاملات في مجال السكرتارية أقل حظاً من النساء العاملات في مجال التعليم. ميثاق الحكيم تعمل في مجال خدمة الاستعلامات في إحدى المستشفيات الخاصة بالعاصمة اليمنيةصنعاء تقول: أعمل في مجال خدمة العملاء وتعديت سن الثلاثين مؤخراً ولم أتزوج حتى الآن نظراً لارتباط شروط الزوج المتقدم بتوقفي عن العمل وهذا ما أعارضه دائماً. سن اليأس ويعد سن الثلاثين في اليمن سن اليأس! وتوافقها ليلى الحضوري التي تقول: لم أتزوج حتى الآن تخرجت منذ ما يقارب الثماني سنوات من جامعة عدن وعملت في مجال الترجمة منذ ذلك الوقت ولم أستطع الزواج من أجل الحفاظ على عملي، لأني لو تزوجت باعتقادي سيكون من الصعب التوفيق بين المنزل والعمل سيكون هناك تقصير وهذا ما أخافه ولا أريد أن أتوقف عن العمل نظراً لتحملي مسئولية رعاية أسرتي بعد أن توفي والدي كرد للجميل لما فعلوه من أجل تعليمي. وأضافت: لا أبالغ فيما قلته سابقاً.. أعرف صديقة تعمل ممرضة في مركز صحي قبل أشهر تطلقت من زوجها رغم أنها تزوجته منذ 15 عاماً والسبب كان رغبتها في مواصلة العمل والزوج رافض الفكرة نظراً لعدة مشاكل !! ضريبة العمل في حقيقة الأمر المرأة تدفع ضريبة العمل من حياتها الخاصة فغالباً ما تقع مشاكل أسرية جمة بين الأزواج نتيجة عمل المرأة قد تصل أحياناً الى الطلاق ولذا نجد أن الغالبية الاكبر من النساء العاملات إما عوانس أو مطلقات، ويعامل المجتمع اليمني النساء العوانس معاملة النساء المطلقات أيضاً. وفي هذا السياق تروي نهى السعيدي تجربتها في الزواج فتقول: خلال دراستي في الجامعة تزوجت عن طريق الاهل من شاب متعلم ميسور الحال وفوجئت به يمنعني من إنهاء دراستي الجامعية، ازداد الامر تعقيداً بعد أن أنجبت طفلاً منه فطلبت الطلاق، وأنهيت دراستي الجامعية وأعمل الآن في إحدى الشركات الخاصة. أما هدى عبد القادر فتقول: أعمل في مجال الكوافير منذ سنوات طويلة، تجاوزت الثلاثين من عمري منذ فترة طويلة، لم أرزق بابن الحلال، النصيب السبب الاول، السبب الآخر طبيعة العمل الذي أمارسه حيث يمقت الناس في اليمن طبيعة عملي وينظرون اليه بأنه خارج التقاليد والعادات والمألوف بسبب العمل تعرضت للعديد من الإشاعات والاتهامات من قبل ساكني المنطقة حتى وصل الإمر الى قذفي بممارسات لا أخلاقية مما جعلني أقبل الزواج برجل تجاوز الستين عاماً السنة الماضية لكن هذا الزواج لم يستمر سوى أربعة أشهر وقتلت فرحتي به. هذا ما يحصل دائماً، حيث تلجأ النساء العاملات اللاتي تجاوزن الثلاثين عاماً الى قبول الزوج الاكبر سناً منهن أو الموافقة على أن تكون الزوجة رقم اثنين من أجل الهروب من ألسن وهمسات الناس. وتقول مفيدة السامعي: من الانعكسات السلبية قبول المرأة العاملة الزواج بشاب أصغر منهن وربما يكون السبب لقبول الشاب هو الطمع ومعظمهن يعلمن ذلك. الأستاذة آمنة الحشيبري عبرت عن رأيها في انتشار ظاهرة العنوسة فقالت: لا أحمل الأهل والشباب فقط فالمرأة شريكة في انتشار العنوسة، فمثلاً اذا تقدم أحد ما لخطبتها فتثقل الطلبات أو تشترط شروطاً كأن يكون في مستواها الثقافي أو تشترط عليه ان تستمر في العمل أو تفضل العمل على الزواج فتظل عانساً. رأي الشباب آراء الشباب في هذه الظاهرة لا تختلف عما ذهبت إليه النساء في أسباب انتشار العنوسة في اليمن.. يقول الشاب حسن اليعبري: كنت مرتبطاً بزميلة لي من العمل لكنني أنهيت الخطوبة و تزوجت في عيد الأضحى الماضي بامرأة من الأهل.. السبب يرجع الى مشاكل أسرية حدثت نتيجة اختلاف العادات والتقاليد بين الأسرتين. ولا تختلف قصة محمد النجار عن قصة حسن الذي قال: أعمل في مجال الاتصالات.. منذ 8 إشهر قمت بخطبة إحدى زميلاتي في العمل إلا أنني فسخت الخطوبة قبل شهر من العرس نظراً لاكتشافي وجود علاقة مع شخص آخر.. أعتقد أن الكثير من النساء العاملات لا يفكرن في نجاحهن في تكوين أسرة سعيدة، بل يسعين دائماً وراء نجاحهن في العمل مهما كانت النتيجة. ويوافقه الرأي فهد الحسيني الذي قال: لا أقبل الزواج بالمرأة العاملة التي تحدثت مع معظم الرجال واتسمت بصفات رجولية. ويعارضه علي حسن الصعدي موظف في إحدى شركات الطيران بقوله: عدم الزواج من المرأة كونها عاملة يعد جهلاً كبيراً فالمرأة شريكة الرجل في بناء المجتمع ووجودها ضروري في الحياة اليومية خارج المنزل خصوصاً في المجالات الإنسانية التربوية كالتعليم والطب وعدد من المجالات الأخرى ولا أدري لماذا البعض يشجع ويمدح وجود المرأة في منظمات المجتمع المدني ثم يرفض أن يقترن بها بحجة الاختلاط، هذا هو الجهل بعينه.. فما ذنب تلك الفتاة أن تعيش وحيدة طيلة حياتها بحجة العمل. أما الأستاذ شفيق عبدالله الذي يعمل في قطاع التدريس الثانوي فقال: بالعكس الزواج من المرأة العاملة شيء جميل ومفيد.. ولي تجربتي الشخصية في ذلك فقد كنت متزوجاً امرأة من الأهل إلا إنني كنت أختلف معها باستمرار مما تسبب في الطلاق وتزوجت قبل ستة أشهر من امرأة زميلة لي في المدرسة ونحن متفاهمان جداً. ويوافقه في الرأي محمد الضبيبي الموظف في مجال العلاقات العامة الذي قال: ليس الزواج بالمرأة العاملة فقط هو الذي يحدث فيه الطلاق فقد تزوجت منذ 6سنوات واستمر ذلك الزواج سنة فقط حدثت خلالها مشاكل أسرية من قبل أهل الزوجة أدت الى الطلاق تاركة طفلة لا ذنب لها.. في الصيف الماضي تزوجت مجدداً من امرأة عاملة جامعية ونحن متفاهمان ولا توجد حالياً أية مشاكل بل بالعكس كلنا يكمل الآخر. الزواج المبكر وقد شجع الخوف من العنوسة الآباء والأمهات باللجوء إلى ما يعرف بظاهرة الزواج المبكر، ففي تقرير رفع الى مجلس الوزراء اليمني أوضح أن 80.6% من النساء اليمنيات يتزوجن في سن تتراوح بين 10 19 سنة. ومن المؤكد أن النظرة السلبية التى يتبناها المجتمع اليمني كغيره من المجتمعات النامية تجاه المرأة الجامعية العاملة ولدت ظواهر جديدة بدأت تنتشر بين نساء اليمن أهمها العنوسة ومن أسبابها أيضاً المغالاة بالمهور وارتفاع تكاليف الزواج حيث يغالي الآباء بالطلبات مما يجعبل الخطيب يصرف النظر عنها. يقول محمد قايد علي العامل في كشك لبيع الكتب والمجلات بباب شعوب: مرّ من عمري 28 عاماً وأشعر اليوم آنني قد تجاوزت سن الزواج نظراً لتقاليد مجتمعنا فالشباب يتزوج قبل سن العشرين غالباً لكن الظروف المادية منعتني من الزواج حتى الآن ولا مانع لدي من اختيار شريكة العمر وإن كانت قد تجاوزت في عمرها سني بعامين على الأكثر فسوف أتزوجها لأنني أميل إلى المرأة التي تتمتع بالرشد والزهد الديني.
