أثناء زيارتي لأحد مستشفيات العاصمة صنعاء من أجل تحصين طفلتي الصغيرة شاهدت شابا في العشرينيات من عمره تذرف عيناه بغزارة وحرقة ،اقتربت منه لأهدئ من روعه وسألته عن سبب حزنه الشديد وبعد تنهيدة انطلقت من أعماق صدره، علمت منه أن زوجته خيرية التي لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها قد فارقت الحياة أثناء ولادتها بمولودها البكر. فضولي الصحفي أجبرني على معرفة سبب وفاتها ، وبعد تقص للحقيقة من الأخصائيين في المستشفى علمت أن السبب هو إصابتها بنزيف حاد أثناء ولادتها في المنزل فتم إسعافها إلى المستشفى وهي في غيبوبة لتفارق الحياة في بوابة المستشفى. حالة خيرية جعلتني أتساءل كم غيرها من الأمهات يمتن يوميا بسبب الحمل أو الولادة ومضاعفاتهما. الأسباب الرئيسية الدكتورة نبيلة الحيمي أخصائية أمراض النساء والتوليد تؤكد أن الأسباب الرئيسية والعوامل المساعدة المتعلقة بوفيات الامهات في اليمن متفقة مع ما هو صادر عن منظمة الصحة العالمية وأهمها النزيف المرافق للحمل والولادة يليها التسمم الحملي ( حالات الارتجاج) والانتانات النفاسية وعسر الولادة وانفجار الرحم ومضاعفات الاجهاض غير المأمون . ولأن اليمن لديها خصائص تساعد علي حدوث وفيات الامهات بهذا القدر العالي مثل الجهل والفقر وصعوبة الانتقال لوعورة المناطق الجبلية وبعدها عن اماكن تلقي الخدمات الصحية والتجمعات السكانية فإن هذا يزيد من التأخر في طلب الخدمة الطبية أو الانتقال إليها علاوة على العادات والتقاليد الراسخة في المجتمع حول المعالجة . ولذا فان الحالات تصل في اشد المضاعفات المرضية مثل الصدمة النزفية أو الانتانية او بحالة تشنجات الاكلامبسيا أو عسر الولادة أو انفجار الرحم وهذه المضاعفات تواجه قصوراً في تقديم الخدمة الطبية على مستوى التشخيص والمعالجة ونقل الدم لأسباب تتعلق بتلبية الخدمة كانعدام أو قصور في جوانبها المختلفة بشرية , دوائية , أو دم . وماوصلنا اليه ان اسباب وفيات الامهات تتعلق بجوانب يمكن الوقاية منها وتشخيصها ومعالجتها دون تكلفة مادية باهظة لأنها تتعلق بجوانب الخدمة الطبية والممكن تدبيرها وترشيدها في الحضر والريف مع ربط بعضها ببعض واخرى تتعلق بالتثقفيف الصحي الهادف عبر وسائل الاعلام المختلفة عن الحمل والولادة ومخاطرها وكيفية الوقاية منها مع التشخيص والعلاج . أرقام مرعبة وبحسب تقرير لليونيسيف تفقد اليمن 8 أمهات كل يوم أثناء وضعهن لمواليدهن. إذ قال التقرير الذي صدر مطلع 2009م حول وفيات الأمهات والأطفال في اليمن أن معدل الوفيات النفاسية في اليمن من المعدلات المرتفعة (366 امرأة لكل 100الف ولادة حية) بما يعادل 8 وفيات باليوم الواحد . وأرجع التقرير ذلك إلى انخفاض مستوى الرعاية الصحية وحدوث مضاعفات الحمل والولادة السيئة، وانتشار الممارسات الاجتماعية السيئة كختان الإناث، والزواج والحمل المبكر، ومعدلات الخصوبة العالية، والإصابة بفيروس الإيدز. ورغم تحسن بعض المؤشرات خلال العشر السنوات الاخيرة إلا أن الرقم ما زال مرتفعا اذ تفيد المؤشرات الحديثة التقديرية ان ثلث وفيات النساء يكون في سن النشاط التناسلي ( 13 - 50) سنة وله علاقة بالحمل والولادة يصل إلى (366) حالة وفاة لكل مائة الف ولادة حية . وفقا للمصادر الطبية لحالات الوفاة في المستشفيات أما في المنازل وفي المناطق الريفية فما زا ل علمها عند الله. وفيات غير مسجلة هذا ما تقول به التقارير من سجلات المستشفيات، فماذا عمن يفقدن حياتهن في ولادة المنازل في الأرياف والعزل البعيدة جداً عن مراكز المدن الرئيسية والمناطق ، المحرومة من الخدمات الصحية؟. يؤكد الدكتور أحمد الحملي - الخبير الوطني للإعلام الصحي والاتصال السكاني أن الأمهات في الأرياف يفقدن حياتهن لثلاثة أسباب أساسية هي تأخر اتخاذ قرار إسعاف الأم الحامل، وتأخر وصول المسَعفة إلى المركز الصحي بسبب بعد المسافة ووعورة الطريق، وثالثها تأخر تقديم الخدمات الصحية في حال وصول المرأة إلى المركز الصحي. بما معناه أن فرص نجاة الأمهات في الأرياف منخفضة بخاصة إذا نظرنا للنسبة 25% والتي تشكل نسبة تغطية الخدمات الصحية في الأرياف، مقارنة بالمدن ومراكزها والتي تصل إلى 80%، بحسب ما ذكر في وثائق المؤتمر الرابع لسياسة السكان 2007. مراكز بلا خدمات مركز العلفي بالعاصمة صنعاء رغم وجوده في حي ذي كثافة سكانية مرتفعة إلا أنه لا يقدم خدمات الولادة مثل القيام بالتوليد أو إجراء عمليات توليد قيصرية لعدم جاهزيته لتقديم مثل هذه الخدمات الصحية حسب مديرة المركز الدكتورة أروى السعيد وإنما تقتصر خدماتة على التحصين للأم والطفل وتقديم النصح والمشورة فقط ، أما المراكز الريفية فخدماتها ما زالت تعاني الكثير من القصور ، حيث تفتقد الى أبسط الخدمات الصحية والوسائل الضرورية التي تساعد في السيطرة على ظهور علامات الخطورة على المرأة النفساء، والتي يحتل النزيف الدموي أولها لجهة الخطورة. بالاضافة الى أن نقص الإمكانيات من المواد الطبية اللازمة لعملية التوليد مثل القفازات الطبية المعقمة والإبر، ناهيك عن عدم توفر فصائل الدم لدى المستشفى”،وهذا ليس في المراكز الريفية فحسب بل حتى في أغلب المستشفيات في العاصمة كمستشفى السبعين حسب تأكيد مديرة المستشفيات اضافة إلى ذلك الصعوبات المادية التي تواجه الزوج (أو المسعف) إذا ما احتاجت الأم إلى عملية قيصرية..إذ يعجز الزوج عن شراء العقاقير والمستلزمات الصحية الخاصة بالولادة وما بعد الولادة وهذا يؤخر علاج الحالة ويسبب لها مضاعفات خطيرة، تؤدي أحياناً إلى فقدان الحياة. الأمر الذي يجبر العديد من الأسر والأمهات من الولادة في المنازل بعيداً عن الإشراف الطبي ، وتقتصر عمليات الإسعاف عند حدوث مضاعفات خطيرة ،وهو ما معناه أن فرص نجاة الأمهات في الأرياف منخفضة خاصة إذا نظرنا للنسبة 25% والتي تشكل نسبة تغطية الخدمات الصحية في الأرياف، مقارنة بالمدن ومراكزها والتي تصل إلى 80%، بحسب ما ذكر في وثائق المؤتمر الرابع لسياسة السكان 2007.الأمر الذي يؤكد أن نسبة وفيات الأمهات في اليمن بسبب الحمل والولادة ما زالت مرتفعه جدا أكثر بكثير من النسبة المعلن عنها رسميا قرار بمجانية الولادة وزارة الصحة العامة والسكان أصدرت قراراً بمجانية الولادة في 2007 تم تفعيله بعد عام إلا أن أغلب المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية لا تلتزم بتطبيق القرار، رغم تشديد الدكتور يحيى عبدالكريم راصع وزير الصحة العامة على هذا الأمر ودعوته للصحفيين بالإبلاغ عمن لا ينفذ هذا القرار لتقديمه للمساءلة.حيث وجدنا أثنا نزولنا الميداني أن معظم المستشفيات الحكومية لم تنفذه معللة ذلك بمحدودية الإمكانات بمستشفى السبعين للأمومة والطفولة بصنعاء مثلا والذي تقول الدكتورة جميلة عبد الكريم المؤيد مدير عام المستشفى بأن ميزانية المستشفى لا تتجاوز (24) مليون ريال سنويا والمستشفى يستقبل يوميا أكثر من خمسين حالة ولادة يوميا تكلفة الولادة الواحدة لا تقل عن عشرة آلاف ريال ،وحوالي عشر حالات ولادة بعمليات قيصرية لا تقل تكلفة العملية الواحدة عن خمسة عشر الآف ريال أو عشرين ألف ريال على أقل تقدير ، وتقول: لذلك ليس أمامنا سوى الدعم الشعبي لتخفيف الحمل ومساعدتنا في تغطية العجز الموجود نتيجة الازدحام الشديد على المستشفى اليمن هو الأسوأ وبمقارنة الوضع مع دول أخرى نجد أن الوضع في اليمن هو الأسوأ، إذ تشكل نسبة وفيات الأمهات في سلطنة عمان (12) حالة لكل (100) ألف ولادة حية والبحرين (19)حالة، وفي جمهورية مصر العربية (84) حالة رغم الكثافة السكانية العالية (80 مليون نسمة).. أما في دول الاتحاد الأوربي فإن الإحصائيات تشير إلى أن نسبة وفيات الأمهات لكل 100 ألف ولادة حية هي فقط (2-12) حالة وفاة، وفي كل من أمريكا واليابان تسجل حالتان فقط ويخضع الكادر الصحي للتحقيق للبحث في أسباب وقوع الوفاة.