هي مجموعة قصص وحكايات يحكيها شيخ علماء اليمن القاضي الفقيه محمد بن إسماعيل العمراني أعدها وحققها الدكتور محمد عبدالرحمن غنيم. العنوان لكتاب أدبي مشوق ولطيف من تراثنا الأدبي العربي.. “الجمهورية” تنشر مجموعة القصص والحكايات التي حواها الكتاب لتعميم الفائدة والمتعة للقارئ. يحكي القاضي محمد حفظه الله : كان السيد العلامة هاشم بن يحيى الشامي من أكابر عُلماء صنعاءواليمن في القرن الثاني عشر الهجري وكان يسكن بحارة “العلمي” بصنعاء القديمة، فمرض بالفالج، “أي الشلل النصفي” فجاء إمام اليمن في تلك الفترة المنصور حسين بن المتوكل لزيارة الشامي في بيته، فلما وصل حسين إلى بيت الشامي، كان في استقباله خادم قديم للعلامة الشامي، فأراد الإمام المنصور أن يداعب ذلك الخادم، فقال له: كم لكم عند الوالد هاشم الشامي؟ قال الخادم: أنا في خدمته منذ عشر سنين، فقال المنصور: منذ عشر سنين، هذه المدة خدم فيها أنس بن مالك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم آلاف الأحاديث، وعلماً جما، فماذا حفظت أنت من علم الوالد هاشم الشامي؟ فقال الخادم: ما كان عند النبي صلى الله عليه وسلم بقرة يعصب لها أنس بن مالك “التعصيب نوع من طعام الحيوانات يعصب بالقصب من عيدان الذرة يأخذ في إعداده جهداً”، ولو كان للنبي صلى الله عليه وسلم هذه البقرة ما حفظ أنس بن مالك حديثاً واحداً، فضحك المنصور وتعجب من قدرة الخادم على الجواب المسكت!! قلت: ولك عندي هنا عزيزي القارئ فائدتان: الأولى: أن العلامة الشهير محمد بن إسماعيل الأمير “المعروف بالصنعاني” صاحب “سبل السلام” و “منحة الغفار” وغيرها من الكتب القيمة، كان متزوجاً بالشريفة “محصنة” ابنة السيد العلامة هاشم بن يحيى الشامي المذكور في هذه الحكاية، وكان هذا الزواج في شوال سنة 1136ه، وأنجبت له في سنة 1141ه أول أولاده إبراهيم، وتربى إبراهيم في أحضان الكمال والعفة، حتى أصبح عالماً كبيراً، وبرز في الوعظ والخطابة، وكان حسن التلاوة جداً. فمما يحُكى عنه أنه قصد اليهود في يوم عيد لهم إلى كنيستهم، وهم يستمعون إلى أحبارهم، فصلى في الكنيسة ركعتين، ثم تلى سورة القصص، فأقبلوا عليه يستمعون وتركوا ما هم فيه، فلما ختمها التفت فإذا كبير الأحبار يبكي ويقول: صدق الله، فطمع إبراهيم في إسلامه فتأخر، فقال: مالك تأخرت؟ فقال: قد سمعنا القرآن من غيرك فما فعل بنا شيئاً، وإنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء. ومما يُحكى عن إبراهيم أنه كان يدخلُ على المهدي عباس، فيعظه ويقبل منه المهدي، ويتعجب من شأنه، ويرغب في محادثته لكمال إحسانه في تبيانه ولما مات المهدي عباس دخل على ولده المنصور علي بن العباس في سنة 1191ه إلى دار البهمة ببئر العزب، فناصحهُ، وأنكر عليه التوسع في البنيان، وأشياء أنكرها، ثم قصد في تلك الليلة المسجد الجامع بصنعاء ونحى إمام المحراب، وتقدم لصلاة العشاء بالناس، فقرأ في الركعة الأولى: “إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي” “آل عمران: 68” إلى قوله: “وما كان من المشركين” “آل عمران:95”، وقرأ في الركعة الثانية: “إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين”آل عمران: 96”، وأصبح خارجاً من صنعاء إلى الحديدة،وصعد منبر جامع الحديدة في يوم الجمعة، فخطب،وذكر للناس انتكاس الزمان، وتغير أمر السلطان وغير ذلك، وركب في البحر إلى مكة المشرفة، وكان مغري بها شديد الحب لها. ومن شعر إبراهيم رحمه الله : برئت من المنازل والقباب فلا يعسر على أحد حجابي فمنزلي الفضاء وسقف بيتي سماء الله أو قطع السحاب فأنت إذا أردت دخلت بيتي عليَّ مسلماً من غير باب لأني لم أجد مصراع باب يكون من السماء إلى التراب ولا أنشق الثرى عن عود نحت أؤمل أن أشد به ثيابي ولا خفت الإ باق على عبيدي ولا خفت الرصاص على دوابي ولا حاسبت يوماً قهر ماناً فأخشى أن أغلب في الحساب ففي ذا راحة وبلوغ عيش فذاب الدهر ذا أبدا ودابي الفائدة الثانية: كان من اجتهادات العلامة هاشم بن يحيى الشامي رحمه الله : أن إقرارات النساء لقرابتهن، وتمليكهن لهم وإباحتهن، ونحو ذلك لا تصح عنده، لضعف إدراكهن، وعن خبرتهم وحكِي عنه: أنه وصل إليه بعض أهل صنعاء بقريبه له، وقد كتب عليها مرقوماً “كتاباً” في تمليكه أموالاً، وجاء بمعرفين بها، فقرأ عليها الشامي ذلك المرقوم، فقالت له أن يكتب عليها أنها قد ملكته، فعرفها أنه مالٌ كثير، فقالت: قد ملكته ولو كان كثيراً، فقال لها: هل معك حلقة “خاتم” في يدك؟ قالت: نعم، فتناولها منها، ثم قال لها: وهذه “أي الحلقة” نكتبها من جملة التمليك، فقالت: أما الحلقة فلا “لأنها حقي” فكرر عليها ذلك، فلم تسعد، فعلم من هذا أن المرأة لا تعد ما غاب عنها ملكاً لها، وأقبل على قريبها يعظه ويخوفه من الله تعالى، ومزق ذلك المرقوم. وقال الشوكاني في “البدر الطالع” بعد إيراده هذه الحكاية في ترجمة العلامة الشامي المذكور: “وأقول: لا ريب أن غالب النساء، ينخدعن ويفعلن لا سيما للقرابة، كما يريدونه بأدنى ترغيب أو ترهيب خصوصاً المحجبات، وقد يوجد فيهن نادراً من لها من كمال الإدراك، ومعرفة التصرفات، وحقائق الأمور ما للرجال الكملاء، وقد رأيت من ذلك عجائب وغرائب، والذي ينبغي الاعتماد عليه والوقوف عنده، وهو البحث عن حال المرأة التي وقع منها ذلك، فإن كانت ممارسة للتصرفات، ومطلعة على حقائق الأمور، وفيها من الشدة والرشد ما يذهب معه مظنة التغرير عليها، فتصرفها، صحيح كتصرف الرجال، وإن لم يكن كذلك، فالحكم باطل، لأن وصاياها التي لا تتعلق بقربة تخصها من حج أو صدقة أو كفارة هو الواجب، وكذلك تخصيصها لبعض القرابة دون بعض، بنذر أو هبة أو تمليك أو إقرار يظهر فيه التوليج، وأما تصرفاتها بالبيع إلى الغير والمعارضة، فالظاهر الصحة، وإذا ادعت الغبن، كانت دعواها مقبولة وإن طابقت الواقع، ولا يحل دفعها بمجرد كونها مُكلفة، متولية للبيع، ولا غبن على مكلف أشبه إلا في النادر”.