المكلا.. مدينة السحر والجمال ودرة المدن الساحلية وشتاؤها دفء وحنان وصيفها غسيل للهموم ودواء للآلام.. فهي العروس كما يسميها البعض أو ريحانة البحر العربي وهي أشبه بفاتنة تنام على شاطئ البحر لأنها “أي المكلا” تأخذ في شكلها وتضاريسها امتداداً طولياً في الشريط الساحلي الذي يقع في إطارها ممتداً شرقاً إلى شواطئ المهرة الخلابة وغرباً إلى عاصمة اليمن الاقتصادية عدن وصولاً إلى باب المندب. ويحتل شاطئها مساحة كبيرة في الشريط الساحلي اليمني الذي يبلغ 2400كم تقريباً. وتعني كلمة المكلا في النقوش القديمة: الميناء أو المرسى وتقع هذه اللؤلؤة الحضرمية “عاصمة حضرموت” في الجزء الشرقي من ساحل الجمهورية اليمنية على خط طول 49.10درجة وخط عرض 14.33وتبعد عن العاصمة صنعاء بحوالي 650كم تقريباً. مواقع هامة وتتعدد مناطق وأماكن هذه المدينة الساحلية “الأخاذة” بتعدد تضاريسها فهناك مجموعة من الجبال متوسط الارتفاع بأشكال دائرية تحيط بها وتكسبها جمالاً إلى جمالها وكأنها تكتسي بحلل تجمع بين مناظر البحر والجبل والتلَّ والسهل. وتقع في جنبات المكلا مناطق ومواقع أثرية وتاريخية هامة عديدة ورئيسية لعل أهمها على الإطلاق مدينة المكلا القديمة التي ما زالت آثارها باقية إلى اليوم وبوابتها الشهيرة كما يوجد بها حصن الغويزي وقصر السلطان القعيطي والمكتبة السلطانية ومدرسة المنتسبين ومدينة الصيادين. وأهم المناطق الرئيسية التي تتكون منها مدينة المكلا ثمان مناطق وكل واحدة منها تتكون من عدة أماكن ومواقع وهي: منطقة المكلا القديمة: وتندرج في داخلها منطقة سكة يعقوب وقبر الشيخ يعقوب بن سعيد وحي الشهيد وحي السلام الذي يقع في إطاره الكورنيش. منطقة الشرج: وفي هذه المنطقة حي الثورة وغار باللحمر وحي الكود وحارة “التكارين” وأحياء العمال والمنقد. منطقة فوه: وفي إطارها أحياء فوه القديمة وابن سيناء والمناطق البحرية والشمالية والتي تحوي أكثر من 150شقة. منطقة الدسيس: ويقع بها أحياء وحارات باجمعان والغويزي وبعض الشعاب البعيدة عن مراكز المدينة والتي بدأ بها البناء العشوائي يظهر بوضوح. منطقة بويش: وهي بالأساس منطقة صناعية ويقع بها أحياء روكب وفلوك والحارشيات وجول مسحه. منطقة الستين: وهذه المنطقة جلها تقع في محاذاة البحر وموازية له وتمتد غرباً حتى مدينة ثغر اليمن الباسم “عدن” وتتميز بالشواطئ الرملية والنظيفة ويقع بها أيضاً كورنيش الستين والذي يعد الأكبر في المدينة كما تقع فيها منصة الاحتفالات الرئيسية التي أعدت حديثاً. منطقة خلف: وهي كذلك منطقة موازية لبحر العرب ولكن من جهة الشرق وإلا أن شواطئها صخرية ويقع فيها الميناء وهو أحد أكبر موانئ اليمن كما أن بها مصانع عديدة أهمها: مصانع تعليب الأسماك التي تشتهر بها المكلا وتصدرها للخارج. كما تقع فيها ملاهي بن هلامي وكورنيش المحضار وفنادق ومتنزهات شتى أهمها هوليدي إن. منطقة الخور: وهو يقع منتصف مدينة المكلا ويفصل أجزاء منها إلى نصفين عبر شريط وممر مائي قادم من بحر العرب وقد تم تزويده بالإضاءات وجسر المشاة وخصصت مساحات جانبية منه للجلسات العائلية والشبابية وبه خدمات سياحية متنوعة. منطقة الريَّان: ورغم أنها بعيدة عن المناطق الأخرى وبعيدة شيئاً ما عن مركز المدينة إلا أنها تعد منطقة هامة حيث ويقع فيها مطار الريان الدولي وبعض المجمعات الصناعية الهامة مثل مجمع حضرموت الصناعي ومصنع الريان لتعليب الأسماك ومصنع تونة أيضاً لتعليب الأسماك وعدد من الشركات والمصانع. الأشوليون أول السكان ويحكي التاريخ أن الأشوليين هم أول من سمى المكلا بهذا الاسم وهم كذلك أول من أسس لها إمارة لهم في القرن السابع عشر حيث كان أول حاكم للمكلا هو الشيخ سعيد بن مبارك الأشولي الذي أسس بها أول حي وسماه حي البلاد.. وكان سكان مدينة المكلا حينها وإلى التاريخ القريب لايتعدى الآلاف معظمهم يعمل في الاصطياد أما اليوم فيصل عدد القاطنين بالمدينة إلى حوالي نصف مليون نسمة حسب آخر إحصائيات في العام 2005م. لذة المندي وشهرة الباخمري ورغم أن مدينة المكلا مدينة ساحلية وبعض أهلها “البسطاء جداً” يمارسون الاصطياد والبعض التجارة ومهن حرفية أخرى إلا أن الزائر لعاصمة حضرموت يعجب أثناء تجواله بتلك الأسواق الشعبية والطقوسية التي يتميز بها أهالي المكلا كما أن هناك أكلات شعبية خاصة اشتهر بها أبناء المدينة محلياً وعربياً. وأهمها المندي وهي أكلة اللحم المطبوخ بالجمر والذي مذاقه لايفارق مخيلة الزائر كما يوجد نوع آخر من اللحوم المطبوخة والمعروفة بالمضبي وكذا يوجد أكلات شعبية أخرى الهريسة والصيادية والدهرة وأنواع من الحلوى الشبيهة بالحلوى العمانية والبحرينية والعصيدة المكونة من التمر وزيت السمسم وغيرها من الأكلات. تشويه الخور ومنذ أن حلت الفيضانات التي شهدتها المكلا خصوصاً وحضرموت بشكل عام وبعض مناطق المدينة تعاني من تحفر بعض الشوارع الرئيسية والفرعية إضافة إلى مشاكل الصرف الصحي فهناك مجاري تطفح في بعض أحياء المدينة والمصيبة أن جزءاً كبيراً من هذه المجاري تصب في خور المكلا الذي تحول بفعلها إلى مستنقع للأوبئة ونقل البعوض وانبعاث الروائح الكريهة التي تزكم المارة وبدلاً ماكان خور المكلا منطقة سياحية متميزة ومتنفساً للعائلات والسياح أضحى اليوم مصدر إزعاج للقاطنين بجانبيه أو المارين بالقرب منه بفعل مياه الصرف الصحي التي شوهته وألحقت الضرر فيه. فاتنة بكل المقاييس ورغم كل تلك الظواهر السلبية الموجودة إلا أن المكلا كميناء وكمدينة وكمنطقة صناعية وموقع سياحي متميز وتظل فاتنة بكل المقاييس وربما يتوق الزائرون إليها حالما يسمعون عنها كيف لا؟ أليس الأذن تعشق قبل العين أحياناً؟ لمن أراد الزيارة عموماً كل ماقيل مهماً لمن أراد أن يزور المكلا لكن الأهم من كل ذلك أن نشير من باب الإنصاف إلى أولئك الطيبين والبسطاء ألا وهم سكان وأبناء المكلا الذين بدماثة أخلاقهم المعروفة وتعاملهم الديني والدنيوي الخلاق والعقلاني والحكيم استطاعوا أن يجبروا الجميع على لفت الأنظار إليهم وجلب الانتباه وانحناء الهامات أمامهم تقديراً وإجلالاً. وحتى يتغنى الزائر بشمائل أخلاق وطقوس قاطني المكلا عليه أن يرقص معهم الدان الحضرمي ويحضر مهرجانهم السنوي المعروف باسم “مهرجان البلدة” الذي يقام منتصف كل عام “شهر يوليو” ولاينسى الزائر أو السائح وهو يغادر هذه المدينة الأسطورية الفرائحية أن يصطحب لأهله العطور والبخور الحضرمية والحناء الذي تبتاعه وتشتهر به المكلا. وإن لم يتذكر شراء تلك العطور فلا عليه فقد حمل معه ماهو أطيب وأعطر وأنقى ألا وهو جمال المكلا والعطر الفواح المنبعث من التعامل الخلاق لأبنائها.