كشفت دراسة علمية حديثة النقاب عن معلومات بشأن الواقع البيئي والصحي في محافظة إب حيث أشارت إلى ارتفاع معدل الإصابات المرضية في أوساط السكان القاطنين في ضواحي مدينة إب والتي تشمل منطقة ميتم نتيجة التلوث الهائل الذي تخلفه الكسارات وخلاطات الإسفلت التابعة لأصحاب شركات المقاولات، وأكدت الدراسة عدم ظهور تلك الأمراض قبل إقامة الكسارات في المنطقة، وأهم تلك الأمراض الالتهابات الصدرية الحادة والمزمنة إلى جانب تأثر الأراضي الزراعية والمزروعات. الموقع الخطأ الدراسة ذاتها والتي أعدها الدكتور المهندس نعمان محمد احمد عامر أستاذ مواد البناء والإنشاءات المساعد بكلية الهندسة والعمارة في جامعة إب حذرت من مغبة تجاهل الأخطار الناتجة عن عمليات التخلص غير المبرمج للنفايات في مقلب مدينة إب الواقع في السحول، حيث إن موقع مقلب النفايات لم يكن موفقاً بالاختيار لأنه لم يُراع في اختيار موقع المقلب تجاه الرياح السائدة التي تنقل الملوثات الجوية نتيجة استخدام طريقة الحرق والدفن بالمقلب وتنقلها إلى القرى المجاورة وأطراف المدينة، مما سبب إيذاء وإزعاجاً لسكان هذه المناطق والذي بدوره كذلك كان احد الأسباب التي عملت على شبه توقف للتمدد العمراني في الجهة الشمالية من المدينة القريبة من المقلب وبعكس ذلك ازدادت سرعة ذلك التمدد في المناطق الجنوبية والغربية من المدينة. تراكم مخلفات صناعة مواد البناء ويشير الدكتور المهندس نعمان عامر إلى خطورة مخلفات صناعة البناء في الواقع العام للمدينة بقوله: يمثل تراكم مخلفات صناعة مواد البناء وتجمعها بعد رميها على جوانب الشوارع الرئيسية والفرعية ووسط الأحياء السكنية للمدن وعلى مداخلها ظاهرة تعاني منها معظم المدن اليمنية نظراً لتأثيرها سلباً على البيئة والمظهر العام والحضاري لهذه المدن، ومدينة إب واحدة من هذه المدن اليمنية التي تعاني كثيراً من وجود هذه المخلفات التي يتم التخلص منها برميها في أماكن مختلفة من شوارعها وأراضيها الزراعية ومجاري السيول التي تمر في وسط وأطراف المدينة، وهذه المخلفات مصدرها مصانع وورش وكسارات مواد البناء بمختلف أنواعها إلى جانب محارق الإسفلت للطرقات والتي غالباً ما تتواجد على مداخل المدينة. غياب الإحصاءات الدقيقة ويشخص الدكتور نعمان عامر واقع مخلفات مصانع مواد البناء فيقول: لابد من الإشارة إلى أن هناك غياباً وقصوراً ونقصاً واضحاً في تقدير حجم مخلفات صناعة مواد البناء في الجمهورية اليمنية سواءً تلك الناتجة في مواقع المشاريع الإنشائية أو التي يتم التخلص منها في مقالب النفايات العمومية أو حتى التي يتم التخلص منها بطرق غير نظامية، وللأسف لا توجد أي إحصاءات أو أرقام دقيقة توضح حجم مخلفات صناعة مواد البناء حتى في أمانة العاصمة وكذلك المدن الأخرى لا يوجد لديها أي إحصائية أو معرفة بحجم هذه المخلفات التي تنتج والموجودة فيها . واقع مترد ويشير عامر إلى رداءة أوضاع مصانع مواد البناء بقوله: من خلال الزيارات والنزول الميداني إلى مصانع البلاط والطوب الإسمنتي ومصانع الرخام الموجودة في مدينة إب تبين أن معظمها يقتصر إنتاجها على نوع واحد من مواد البناء دون أن يكون لها مبانٍ لممارسة الأعمال المكتبية أو مرفقات خدمية أو حتى عمالة مدربة واتضح أن هذه المصانع والورش عند إنتاجها لمواد البناء والتشييد المختلفة مثل البلاط والطوب الإسمنتي بأنواعه المختلفة والرخام تتكون نتيجة لذلك مخلفات مواد التصنيع والتي يلاحظ أنه يتم تجميعها بالجانب الخلفي أو المساحة المجاورة للمصنع أو الورشة على شكل أكوام وهذه المخلفات لها أنواع عدة مثل الرمل، الركام ، الحصى، التراب، كسر الطوب والبلاط ، بقايا بودرة صناعية. التخلص من النفايات ويشرح كيفية قيام هذه المصانع بالتخلص من نفاياتها بقوله: بعض هذه المصانع والورش المتواجدة في المدينة تقوم بعملية النقل والترحيل لهذه المواد كمخلفات للمواد المصنعة إلى أماكن مقالب القمامة والنفايات الموجود في منطقة السحول شمال مدينة إب، أما البعض الآخر من هذه المصانع فتقوم بالتخلص من هذه المخلفات بإلقائها على مجاري السيول أو بجوانب الطرق الفرعية، أو بالقرب من الأراضي الزراعية المجاورة لها ولعل أهم أسباب قيامهم بتلك التصرفات يتمثل بغياب الرقابة واعتقادهم أن كمية النفايات والمخلفات في بعض هذه الورش تعد قليلة لا تقتضي بالضرورة القيام بترحيلها ونقلها إلى مقلب النفايات والمخلفات الموجودة خارج المدينة، وبالتالي فإن طريقة التخلص من مخلفات صناعة مواد البناء والتشييد بإلقائها في مجاري السيول وعلى التربة الزراعية يكون له مردود سلبي على البيئة والتي بدورها تؤثر على صحة وحياة السكان في المدينة سواء كان ذلك على المدى القريب أو البعيد، ومما يلفت النظر أن المخلفات الصلبة بما فيها مخلفات مواد البناء بلغت كميتها في عام 2006 في مدينة إب لوحدها طبقاً للإحصاء السنوي الذي أصدره الجهاز المركزي للإحصاء حوالي 46096 طناً. أمراض غريبة وكشف الدكتور نعمان عامر عن إصابة السكان بأمراض غريبة كنتيجة لعبث الكسارات بالبيئة فيقول: الكسارات وخلاطات الإسفلت المتواجدة في ضواحي مدينة إب (منطقة ميتم) التابعة لأصحاب شركات المقاولات سببت مخاطر وأضراراً صحية ناتجة عن التلوث الذي طال مناطقهم، فانعكس على أبناء المنطقة بالأمراض جراء استنشاقهم للهواء الملوث بالأتربة والأدخنة الناتجة عن خلاطات الإسفلت وكسارات الأحجار، والمؤكد أن ظهور هذه الأمراض مرتبط بإقامة الكسارات في منطقتهم، وأهم تلك الأمراض الالتهابات الصدرية الحادة والمزمنة والأمراض الجلدية إلى جانب تأثر الأراضي الزراعية (وادي ميتم) والمزروعات. تدوير مخلفات مواد البناء ويقدم الدكتور عامر رؤيته في معالجة مخلفات صناعة مواد البناء بأساليب صحيحة واقتصادية حيث يقول: التخلص من مخلفات صناعة مواد البناء والتشييد المحلية بجميع أنواعها مكلفة من الناحية المادية نتيجة ارتفاع تكلفة عملية النقل والترحيل والشحن إلى جانب دفع الرسوم، بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على البيئة، فلابد من العمل على تجنب كل هذه التكلفة المادية والصحية من خلال استخدام المخلفات في أعمال البناء أو أعمال أخرى يمكن الاستفادة منها أو إعادة تدويرها في إنتاج مواد بناء أو استخدامها كبدائل عن مواد يتم شراؤها لإنتاج مواد البناء والتشييد، فمخلفات مواد البناء الناتجة عن تصنيع الطوب الإسمنتي الخفيف أو الثقيل بجميع مقاساته من رمل وركام واسمنت، وقطع كسر الطوب الإسمنتي التالف يمكن تجميعها وخلطها مرة أخرى وإعادة تصنيعها وتدويرها في إنتاج الطوب الإسمنتي المصمت المستخدم في جوانب الطرقات، ويمكن كذلك استخدام هذه المخلفات بصورتها الجماعية في أعمال تثبيت التربة في الطرق الفرعية الرملية أو الطينية، أما القطع الصغيرة من الرخام والناتجة عن قطعه وتشكيله فبالإمكان إعادة تدويرها وذلك بطحنها للحصول علي بودرة ناعمة يتم استخدامها كبديل للبودرة الصناعية التي تدخل في تغطية أوجه البلاط الأسمنتي عند تصنيعها لتغطية اللون الأبيض الناعم والمظهر المطلوب لهذه البلاطات، وكذلك الحال مع المخلفات المختلطة مع الماء والناتجة من عملية قطع الأحجار وعملية الجلي للبلاط الأسمنتي فيمكن استخدامها في أعمال الطرق. عوائق حادة غير أن عامر يعترف بوجود العديد من العوامل التي تعيق إعادة تدوير نفايات صناعة مواد البناء وفي هذا السياق يقول: توجد في الواقع عدة أسباب وعوامل تحول من استخدام المخلفات الصناعية لمواد البناء أو إعادة تدويرها و تتمثل في - غياب الفكرة بمدى أهمية استخدام أو تدوير مخلفات تصنيع مواد البناء والتشييد وما ينتج عن ذلك من تفاد وتجنب لمشاكل اقتصادية وبيئيةعلاوة على أن معظم مصانع وورش مواد البناء تفتقر إلى وجود العمالة المدربة والمؤهلة، بالإضافة إلى قلة كميات المخلفات في معظم مصانع وورش إنتاج مواد البناء والتشييد وكذا غياب التوعية والإعلام بفوائد هذا الاستخدام والتدوير لهذه المخلفات من الجهات ذات العلاقة وعدم توافر عوامل التشجيع والتحفيز الهادف إلى إبلاغ الجميع بأهمية تدوير واستخدام هذه المخلفات كإلغاء رسوم أو ضرائب الإنتاج المعتمدة أساساً على مخلفات صناعة مواد البناء والتشييد، وكذا ندرة وغياب الدراسات والأبحاث في هذا المجال من قبل الأخصائيين من علماء وباحثين . غياب الرقابة كما يكشف عن جانب من العوامل التي تعزز بقاء خطر النفايات الصلبة داخل مدينة إب فيقول: الأخطر من ذلك وجود العديد من العوامل التي تعيق عمليات النقل والترحيل لمخلفات صناعة مواد البناء من مصانع وورش الإنتاج إلى مقلب القمامة والنفايات خارج المدينة من أهمها عدم توافر مقلب خاص لهذا النوع من المخلفات بحيث يكون مجهزاً ومعداً لذلك مطابقاً لمواصفات الطمر أو الردم لهذه المواد من المخلفات، -وغياب المتابعة والرقابة لمراكز الإنتاج والتصنيع لمواد البناء في ترحيل ونقل مخلفاتها وذلك من قبل الجهات ذات العلاقة والاختصاص ممثلة بمكتب الأشغال العامة بالمدينة، كما لا توجد طرق خاصة سهلة ومختصرة إلى مقلب القمامة الموجود حالياً خارج المدينة وفرض رسوم حتى ولو كانت قليلة مقابل وضع هذه المخلفات في مقلب القمامة تجعل أصحاب المصانع والورش المنتجة لمواد البناء يعيدون حساباتهم بنقلها وترحيلها إلى مقلب القمامة والنفايات، إضافة إلى أن وجود مقلب القمامة الحالي والوحيد في المكان الخطأ بالقرب من أحياء وقرى مأهولة بالسكان تنقل الرياح روائحه المنفرة إليهم وقد يصل تأثيرها إلى ضواحي مدينة إب من جهة مقلب القمامة وبحسب اتجاه الرياح الآتية منه. عدم دراسة اتجاهات الرياح ويعتقد الدكتور عامر أن موقع مكب النفايات في مدينة إب يمثل مشكلة خطيرة في الجانب البيئي والصحي فيقول: موقع مقلب النفايات في مدينة إب لم يكن موفقاً بالاختيار لأنه لم يُراع في اختيار موقع المقلب المذكور اتجاه الرياح السائدة التي تنقل الملوثات الجوية نتيجة استخدام طريقة الحرق والدفن بالمقلب والتي تنقلها الرياح إلى المناطق السكنية في القرى المجاورة وأطراف المدينة، مما سبب إيذاء وإزعاجاً لسكان هذه المناطق والذي بدوره كذلك كان أحد الأسباب التي عملت على شبه توقف للتمدد العمراني في الجهة الشمالية من المدينة نتيجة قربها من المقلب، وبعكس ذلك ازدادت سرعة التمدد في المناطق الجنوبية والغربية من المدينة. الشروط الآمنة لمكبات النفايات ويتحدث عن أهم الشروط التي يجب توفرها في مكبات النفايات والتي يوجزها بقوله: لابد من توفر عدة شروط في مكبات النفايات ومنها، اختيار موقع لها بعيد عن التجمعات السكانية والزراعية، و أن لا تكون المقالب واقعةً في منطقة تغذية للمياه السطحية والجوفية كمجاري الوديان والسيول وأن يراعى سهولة الوصول إليها، وتحديد أبعاد ومساحة المقلب والكميات المطلوب تصريفها في هذا المقلب، أي معرفة السعة الاستيعابية المتوقعة والمستقبلية للمقلب، كما يجب معرفة خصائص الموقع المقترح لموقع المقلب من حيث الوضع الجيولوجي والتركيبي وكذلك الظروف المناخية لمنطقة المقلب واتجاه الرياح السائدة في المنطقة. حلول مقترحة وبرغم إدراكه لفداحة المشكلة فإنه لا يترك الموضوع على عواهنه كما يقال، ولكنه يقدم عدداً هاماً من التوصيات والبدائل المقترحة التي تمثل خارطة طريق لإيقاف كوارث التلوث بالنفايات فيقول: من خلال نتائج دراستي الميدانية لابد من مواجهة المشكلة المتشعبة عبر العديد من الوسائل منها الاهتمام بنشر الوعي البيئي في المجتمع من خلال تفعيل الوسائل الإعلامية والدينية والتربوية المختلفة، وتوعية الناس وأرباب العمل والمصانع والورش بأهمية إعادة تدوير مخلفات مواد البناء والتشييد اقتصادياً وبيئياً وصحياً على المجتمع،وإلزام ومراقبة أصحاب المصانع والمعامل والورش بالقيام بعملية النقل والترحيل للمواد المتبقية والناتجة من عملية صناعة مواد البناء والتشييد من قبل مكاتب الأشغال العامة في المدينة، مؤكداً ضرورة إيجاد موقع لمقلب النفايات من ضمنها المخلفات الإنشائية خاصة للمدينة كبديل للموقع الحالي بعيداً عن التجمعات السكانية والأراضي الزراعية وأحواض المياه الجوفية يخضع للمواصفات الإنشائية والصحية وتسهل إليه حركة النقل والترحيل، وتحويل مواقع كسارات الأحجار [الكري والرمل] وخلاطات الإسفلت من مواقعها وأماكنها الحالية القريبة من التجمعات السكانية إلى مناطق بعيدة تماما عن هذه التجمعات، وتخفيض الرسوم المفروضة على أصحاب المصانع والورش مقابل وضع المخلفات في هذه المقالب الخاصة للقمامة والنفايات، وتوفير حاويات خاصة بمخلفات مواد البناء والتشييد من قبل الجهات ذات الاختصاص أو إلزام أصحاب المصانع والورش باقتنائها بحيث تكون ذات مواصفات معدة لهذا النوع من المخلفات. قاعدة معلوماتية ويضيف الدكتور نعمان عامر قائلاً: كذلك لابد من العمل على نقل المعامل والمصانع والورش الموجودة داخل المدينة والأحياء السكنية إلى أماكن بعيدة عنها غير مأهولة بالسكان تحمل اسم ما يعرف بالمنطقة الصناعية بحيث يتم دراسة وتحديد حركة الرياح في هذه الأماكن البعيدة والجديدة، وفرض غرامات تأديبية على مراكز الإنتاج من المصانع والورش في حالة بدرت منهم أية مخالفة في عملية التجميع للمخلفات والتخلص منها أو تأخير ترحيلها ونقلها إلى الأماكن المعدة لها، عدم فرض ضرائب أو رسوم إنتاج من قبل الجهات المختصة في الدولة على المنتجات البنائية المصنعة اعتماداً على مخلفات صناعة مواد البناء والتشييد وذلك تشجيعاً للمنتج والمستهلك مما يساعد على اتساع هذا النوع من تقنية الإنتاج، وتوعية المجتمع من قبل أجهزة الإعلام والجهات ذات العلاقة والاختصاص بمدى أهمية المحافظة على المواد الطبيعية في البلاد وخاصة المستخدمة في صناعة مواد البناء وما هي المخاطر المترتبة على شحتها أو نفاذها، ومنع المركبات والشاحنات الناقلة لمواد البناء أو موادها الأولية من التحميل الزائد لضمان عدم تناثرها على الطريق من وإلى المصنع أو من المحاجر والورش وحتى منطقة الإنشاء والبناء وتغطية هذه الناقلات المكشوفة بأغطية خاصة (طرابيل) ويكون ذلك بإلزامهم ومراقبتهم من الجهات ذات العلاقة في إدارة السلامة المرورية، وعمل حلول أو تقنية خاصة تقلل أو تمنع انبعاث الغبار الأسمنتي المتصاعد من مصانع الاسمنت خاصة الموجودة أو القريبة من المدن (كاسمنت عمران) وذلك من قبل الإدارة أو المؤسسة التابعة لها هذه المصانع، ضرورة إنشاء قاعدة بيانات لحصر كميات مخلفات صناعة مواد البناء التي تتزايد بصورة مستمرة الأمر الذي يعقد، بل يجعل التعامل معها مستقبلا شبه مستحيل خاصة في غياب الإحصائيات والأرقام الخاصة بهذه المخلفات، تشجيع القطاع الخاص ودفعه للقيام بدوره في الاستثمار بمخلفات تصنيع مواد البناء.