حققت الصناعة والتجارة قفزات نوعية كبيرة في بلادنا خلال العشرين عاماً الماضية التي جرى فيها التحول من نظام الاقتصاد المخطط (أو المنغلق) إلى نظام الاقتصاد الحر أو نظام السوق المفتوحة .رغم تدني مستوى مساهمة القطاع الصناعي في النشاط الاقتصادي لبلادنا إلا أنه يعول على هذا القطاع كثيراً في أن يكون مرتكزاً للتنمية الاقتصادية في ظل التحديات التي تواجهها القطاعات الاقتصادية الأخرى ..وقد سعت الحكومة من أجل تحقيق هذه الغاية المتمثلة في الدفع بالقطاع الصناعي ليكون قائداً وموجهاً للاقتصاد الوطن ولا زال ذلك هدفاً إستراتيجياً يجرى العمل على وضع المعالجات والمقترحات اللازمة باتجاهه . وفيما يلي نستعرض التطورات التي شهدها القطاع الصناعي خلال العهد الوحدوي والظروف الراهنة التي تجعل من الاهتمام بهذا القطاع ضرورة ملحة والسياسات والإجراءات التي تم تبنيها بهدف تذليل المعوقات أمامه ، والتوجهات الحالية والمستقبلية للنهوض به . توجه متأخر بداية يجب الإشارة بصراحة بأن القطاع الصناعي لم يحظ بأي نصيب من الاهتمام إلا بعد قيام الوحدة اليمنية المباركة ، أي بعد بروز أهمية هذا القطاع في النشاط الاقتصادي الوطني ولم تدرك الدولة تلك الأهمية إلا بعد أن بدأت القطاعات الاقتصادية الأخرى تحديات كبيرة فقد كانت البرامج التنموية والخطط الاقتصادية في بلادنا مهتمة بالدرجة الأولى ..بالقطاع الزراعي باعتباره القطاع التقليدي للنشاط الاقتصادي السكاني ، ولكن التحديات التي برزت للقطاع الزراعي والمتمثلة بعدم كفاية الموارد المائية المتاحة للزراعة من ناحية ، وتشتت الحيازات الزراعية من ناحية أخرى وغيرها من التحديات فرضت وتفرض التوجه نحو تنمية القطاعات الاقتصادية الأخرى ومنها القطاع الصناعي وخصوصاً مع التحديات الأخرى التي برزت القطاع إنتاج وتصدير النفط الذي بدأ يواجه الانخفاض والتراجع خلال السنوات الأخيرة ..ولذا أصبح من الضروري دفع القطاع الحديث (الصناعي) ليقود الاقتصاد نحو التنمية المستدامة . تمثيل بسيط في هيكل الاقتصاد رغم التحسينات والتطورات التي شهدها القطاع الصناعي في بلادنا والذي يشكل أغلبه صناعات تحويلية إلا أنه وحسب التقارير الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة لا يزال قطاع الصناعة التحويلية في اليمن يمثل جزءاً بسيطاً من الاقتصاد الكلي حيث يساهم بحوالي (4 %) فقط من الناتج المحلي الإجمالي ( بعد استبعاد تكرير النفط ) وقد وصل إلى هذا المستوى رغم تواضعه بعد سنوات من النمو التراكمي ..إذ تزايد نمو ناتج الصناعة التحويلية (بدون تكرير النفط ) خلال السنوات الماضية محققاً معدل نمو وسطي قدره (5.8 %) سنوياً . كما تضاعف عدد المشتغلين ( العاملين) في القطاع الصناعي ليصل إلى حوالي (343900) عامل وعاملة خلال السنتين الأخيرتين مقارنة بحوالي (110126) عاملاً وعاملة كانوا يشتغلون في هذا القطاع عام 1996م أي إنهم زادوا بحوالي (233774) عاملاً وعاملة وبنسبة زيادة (212 %) عن العام 1996م . كما أشارت تقارير وزارة الصناعة إلى أن القيمة المضافة للقطاع الصناعي زادت بنسبة (3190 %) خلال سنوات الوحدة إذ ارتفعت القيمة المضافة للقطاع من حوالي ( 67.833.000.000) ريال عام 1996م إلى حوالي (2.164.040.000.000) ريال عام 2008م . أي بزيادة قدرها (2.096.207.000.000) ريال وقد تبدو هذه الأرقام غير دقيقة لكننا نعرضها كما وردت من مصدرها لعدم تمكننا من تمحيصها وموازنتها مع ما ورد في الجداول المرفقة بتقرير وزارة الصناعة . الصادرات الصناعية إن التقييم الحقيقي لمستوى مساهمة وفاعلية القطاع الصناعي لأي بلد في النشاط الاقتصادي الوطني لها ..يعتمد على تحليل وتمحيص مؤشرات تجارتها الخارجية ومعرفة النسبة التي تحوزها الصادرات الصناعية من إجمالي الصادرات الكلية للبلد ، وبغير الاعتماد على هذه الطريقة فإن الأرقام الأخرى قد تخفي أكثر مما تظهره من بيانات كما بدا لنا في الأرقام السابقة المتعلقة بالقيمة المضافة للقطاع الصناعي وبالنظر إلى مؤشرات الصادرات الكلية لبلادنا سنلاحظ مدى المستوى المتدني الذي تمثله الصادرات الصناعية من إجمالي قيمة الصادرات الكلية ومن إجمالي قيمة الصادرات غير النفطية رغم معدلات النمو الذي تحققه الصادرات الصناعية إذ تشكل قيمة الصادرات الصناعية نسبة (2 %) فقط من إجمالي قيمة الصادرات الكلية وحوالي (35 %) من إجمالي قيمة الصادرات ..وهده الأخيرة بمجملها لا تمثل سوى ما نسبته (8-6 %) من إجمالي الصادرات ، وقد تزيد أو تنقص هذه النسبة تبعاً لزيادة أو انخفاض الصادرات النفطية التي تقود مؤشر الصادرات هبوطاً أو ارتفاعاً وخلاصة القول إن القطاع الصناعي يحتاج إلى مزيد من الاهتمام والتطوير ليكون داعماً رئيساً للاقتصاد الوطني بزيادة وتطوير صادراته التي تعد هي المؤشر الحقيقي على مستوى مساهمته في التنمية الاقتصادية . مؤشرات إيجابية إن المستوى المتواضع الذي يمثله حجم القطاع الصناعي في الهيكل الاقتصادي الوطني لا يعني أن هناك جموداً أو تخلفاً لهذا القطاع أو أن هناك تطورات إيجابية لم يلمسها في الماضي بل يعني أن هناك طموحاً للتنمية وتطوير وتوسيع هذا القطاع ليصبح رائداً في التنمية الاقتصادية فهو أحد القطاعات الهامة التي شهد تطورات ملموسة خلال عهد الوحدة المباركة إذ تم حشد موارد واستثمارات مالية كبيرة في مجال النشاط الصناعي حيث تم التركيز على فروع الصناعات الغذائية ، والصناعات النسيجية ومواد البناء بهدف وضع اللبنات الأولى للقاعدة الصناعية والإسهام في تلبية احتياجات السكان بالإضافة إلى تحسين وتطوير الصناعات الحرفية القائمة كما جرى التوسع في فروع الإنتاج القائمة ودخول النشاط الصناعي أنماط متعددة من التصنيع في فروع الصناعات المختلفة كما تم توجيه استثمارات متزايدة في مجال الصناعات الإستراتيجية والبحث والتنقيب عن النفط والمعادن مما أدى إلى ارتفاع حصة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي وكان من نتائجه أيضاً إقامة العديد من المنشآت الصناعية وتوسيع قاعدة الإنتاج الصناعي في فروعه المختلفة وقد زاد عدد المنشآت الصناعية بنسبة (50 %) خلال السنوات الماضية من عمر الوحدة المباركة ..إذ ارتفع عددها من حوالي (29.3) ألف منشأة صناعية عام 1990م ليصل إلى أكثر من (44) ألف منشأة الآن ، وتجري الاستعدادات حالياً لتنفيذ مشروع المسح الصناعي لحصرها وتحديد طبيعة عملها ومقوماتها وإمكانياتها ..وما هذه الزيادة في أعداد المنشآت الصناعية إلا دليل على ما شهده القطاع الصناعي من تطورات تعد مؤشراً على إمكانية الدفع بهذا القطاع ليكون قائداً للتنمية الاقتصادية والوطنية وتهيمن كل من الصناعات الغذائية والمشروبات وصناعة المشتقات النفطية والمنتجات الإنشائية ومنتجات التبغ على هيكل الصناعات التحويلية بنسبة تزيد عن ( 71 %) بينما تتوزع الباقية على صناعة الورق والطباعة والمعدات والآلات والمنسوجات والملابس التي تعد من أهم الصناعات الجاذبة للاستثمار . سياسات وإجراءات لا شك أن القطاع الصناعي كان يعاني من وضع متدن بالنسبة لمساهمته في النشاط الاقتصادي الوطني وهو ما يتطلب تدخلاً فاعلاً لرفع مستواه وتطويره وتنميته ..وفي تقرير نشاطها خلال الفترة (1990م _ 2010م ) أكدت وزارة الصناعة والتجارة أن عملية الدفع بهذا القطاع تشكل إحدى أولويات اهتماماتها من خلال دراسة وتشخيص الوضع الراهن للقطاع الصناعي لتحديد جوانب الضعف والقوة فيه ووضع تصورات ومعالجات ومقترحات تطويره وزيادة كفاءته الإنتاجية والتنافسية وبما يعمل على زيادة مساهمته في النشاط الاقتصادي وفي التخفيف من الفقر والحد من البطالة ..مشير إلى أنه كان لتوظيف الإمكانيات والموارد المتزايدة وتشجيع وتحفيز المبادرات الفردية ثمار ملموسة تمثلت في إقامة العديد من المنشآت الصناعية وتوفير فرص العمل لأعداد كبيرة من الأفراد . وأكدت الوزارة أنها لامست مسئولية إنجاح وتطوير القطاع الصناعي منذ وقت مبكر حيث شرعت في تبني سياسات وإجراءات هدفت إلى تذليل المعوقات أمام هذا القطاع ومن تلك السياسات والإجراءات إعادة هيكلة نفسها (أي الوزارة ) وتطوير مهامها ومراجعة البنية التشريعية والقانونية للقطاع الصناعي وبما يكفل تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار وتطوير آليات السوق . وكذا شرعت بتحسين البيئة الاستثمارية وتشجيع الاستثمارات الصناعية المحلية والأجنبية وبناء القدرات الوطنية في مجال الترويج لهذه الاستثمارات ..إضافة إلى إقامة شراكة حقيقية مع الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص وإزالة العقبات من أمام المستثمرين ..وتقوية القدرة التنافسية للصناعات الوطنية وحمايتها من الإغراق وتخفيض الضرائب والرسوم على مدخلات الإنتاج ودعم فرص التصدير للمنتجات الصناعية من خلال تبسيط الإجراءات وتقديم المزايا والحوافز للتصدير وتشجيع القطاع المصرفي على توفير التمويلات اللازمة للمشروعات الصناعية ، وإنشاء المناطق الصناعية واستغلال الموارد المحلية المتاحة من المواد الخام وتنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة ودفع كفاءتها وتحديثها فنياً وإدارياً ودعم التعاونيات النسائية لإقامة المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة وتنمية مهارات وقدرات العامل الصناعي ورفع إنتاجية وتشجيع القطاع الصناعي على توظيف العمالة النسائية ، وكذا الحد من التلوث الصناعي والحفاظ على سلامة البيئة وتوفير المعلومات عن الأسواق وبناء قاعدة بيانات دقيقة ومتطورة عن قطاع الصناعة . توجهات حالية ومستقبلية ما عرضناه آنفاً في الفقرة السابقة كان اختصاراً لمجمل السياسات والإجراءات التي ذكرت وزارة الصناعة أنها تبنتها خلال المرحلة السابقة لتذليل العقبات والمعوقات أمام القطاع الصناعي ..فهل هناك توجهات أخرى حالية ومستقبلية للنهوض بالقطاع الصناعي ..؟ نعم هذا ما أكدته الوزارة في تقريرها الذي قال إن تحقيق الاستغلال الأمثل لقدرات القطاع الصناعي كقطاع اقتصادي واعد يتطلب رؤية واضحة للدور الذي يمكن أن يقوم به في ظل الامكانات والمزايا المتاحة أمامه حالياً من ناحية وفي ظل الظروف المحيطة به من ناحية أخرى ..ومن ثم فإن التوجهات الحالية والمستقبلية لتطوير القطاع الصناعي تسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف والغايات المرجوة من خلال إعداد إستراتيجية للصناعة ..من هذه الأهداف والغايات استكمال مشروعات المناطق الصناعية التخصصية والنوعية والخدماتية ومشروعات المناطق الصناعية الحدودية لليمن مع دول الجوار. وكذا استكمال المسار التشريعي والتنظيمي المتمثل بإنجاز مشروع قانون جديد للصناعة يمكن من التحديت والمواكبة للتطورات التكنولوجية ويمكن الصناعات اليمنية من رفع قدراتها ، التنافسية ، وكذا استكمال معايير تحديد حجم المنشآت الصناعية وإعداد إستراتيجية حديثة وتنفيذ المسح الصناعي الشامل 2010م وتطوير وتفعيل دور مجلس التنمية الصناعية تعزيزاً لمبدأ إقامة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والترويج للصناعة اليمنية من خلال برنامج (صنع في اليمن ) والترويج للقطاعات والاستثمارات الواعدة في الصناعة مثل الصناعات المعتمدة على المواد الخام المحلية وصناعة مواد وأحجار البناء والزينة ، وتعزيز التعاون الثنائي الصناعي بين اليمن والأطراف الخارجية ، والسعي إلى تخفيف الأعباء التي تثقل كاهل القطاع الصناعي .