تقلصت صناعة الفضة في مدينة المكلا بشكل لافت للنظر، وأصبح أكبر تجمع لمحلات الفضة محصوراً في منطقة الشرج والتي يتجاوز عددها أصابع اليد، ويديرها شباب في مقتبل العمر بعد أن ملّ منها كبار السن أو إنهم لم يستطيعوا القيام بهذا العمل المضني والشاق والذي أصبحت أرباحه قليلة، وتنحت صياغة الفضة لتترك المجال للإكسسوارات القادمة من خلف البحار، التي اكتسحت السوق وأصبحت مطلوبة من قبل النساء رغم سعرها المرتفع. تجول في سوق الفضة الواقع في الشارع الخامس بالشرج، أولاً دخلنا محل فضه يملكه الشاب فهيم عوض بابراهيم وهو بائع فضة، الذي أفادنا بأنه بدأ العمل في محله هذا منذ عام 1996م، واسترسل قائلاً وقبل هذا العام كنت أعمل عند والدي منذ الصغر، الذي تعلم مهنة صنع وبيع الفضة من والده، وأسرتنا أساساً لا تعرف مهنة أخرى غير بيع وصياغة الفضة، والآن لدي ثلاثة محلات. آل باحشوان وآل باقطيان وآل بابراهيم من أقدم الأسر التي ما زالت تبيع الفضة وعن الأسر المشهورة في بيع الفضة يقول فهيم: الأسر المشهورة في بيع الفضة في ساحل حضرموت آل باحشوان, وآل بابراهيم, وآل باقطيان ومازالت هذه الأسر تعمل في بيع وصياغة الفضة ويعمل فيها الآن الشباب من هذه الأسر. نقوم بتصميمها ومن ثم نرسلها إلى الورش فماذا يقول فهيم عن تشكيلات الفضة ؟ ويجيبنا بالنسبة لتشكيلات الفضة نقوم بتصميمها ومن ثم نرسلها إلى الورش أو المصوغة “محلات سباكة الفضة” لتقوم بصبها ونحن لا نملك ورشة بل نبيع الفضة فقط وأصحاب الورش مثل ورشة باقطيان وباحشوان هم من ينفذون لنا الأعمال بحسب طلبنا، وأقدم أسرة مازالت تعمل في سباكة الفضة هي أسرة باحشوان ومحلهم موجود بالشرج. الحجول نجلبها من الشحر ويزيدنا فهيم عوض معلومة عن الأحزمة والحجول وهي جمع “حجل” وهو عبارة عن سوار كبير من الفضة يلبس من قبل المرأة في الرجل، بقوله الحجول نجلبها من الشحر أما الأحزمة فنجلبها من دوعن. الفضة الدوعنية أشهر أنواع الفضة المحلية وأفضل فضة مشهورة في ساحل حضرموت هي الفضة الدوعنية، والفضة أنواع منها الحضرمية والدوعنية والشبوانية وهي أنواع كثيرة موجودة في السوق، و نحن لا نستورد الفضة من الخارج أو يتم جلبها من مناجم محلية فكل عملنا في الفضة معتمد على الفضة القديمة والموجودة في السوق والتي نشتريها من الأشخاص الذين يرغبون في بيعها ثم نقوم بسباكتها في ورش أخرى مثل ورشة باحشوان. مهنة الفضة تنتقل بالوراثة وننتقل من محل فهيم إلى محل طاهر محمد بابراهيم الذي يقول امتهنت هذه المهنة بالوراثة عن والدي الذي ورثها عن والده، وأنا لي تقريباً عشر سنوات أعمل في الفضة وأسرتي تمتهن صياغة وبيع الفضة منذ أكثر من خمسين عاماً أو أكثر. ويزيد طاهر المحلات التي تبيع الفضة تقلصت في السنوات الأخيرة حيث يبلغ عددها تقريباً في منطقة الشرج لوحدها ما يقارب خمسة إلى سبعة محلات تبيع الفضة فقط، وطغت على الفضة الأكسسوارات أو “الفالصوات” باللهجة المحلية والتي غزت المكلا في السنوات الأخيرة. نفتقر للإمكانيات في منافسة الفضة الخارجية ويضيف طاهر معظم التشكيلات نعملها هنا في حضرموت وبدأت الفضة الخارجية تغزو الأسواق المحلية ولو بنسبة قليلة ولكنها قد تطغى على الفضة المحلية في المستقبل، ونحن نفتقر للإمكانيات في منافسة الفضة الخارجية وتشكيلاتها والتي يتم شراء معظمها لتقديمها كهدايا فقط. الأوزان خفت عن الماضي فماذا عن تشكيلات الأمس واليوم ؟ يقول طاهر طبعاً تشكيلات الفضة اختلفت بين الأمس واليوم فقبل ثلاثين عاماً كانوا يرغبون في التشكيلات كبيرة الحجم فمثلاً الحزام قد يصل وزنه إلى أكثر من ستة أرطال بينما اليوم يصل وزنه إلى رطل وربع أو أقل أي أن الأوزان خفت عن الماضي. سبعين عاماً في مهنة صياغة وبيع الفضة ومن محلات باعة الفضة اتجهنا إلى محلات أو ورش صياغة الفضة حيث قابلنا محمد عثمان أحمد باحشوان بابتسامة عريضة، وأفادنا أن الشخص الذي يصنع الفضة يطلق عليه صائغ أما الذي يبيع فلا يطلق عليه صائغ بل هو بائع، ولكن بعض الباعة لديهم خبرة في تلحيم الفضة وصياغتها ويطلق عليهم صاغة، ورثت هذه المهنة من والدي ونحن كأسرة لنا أكثر من سبعين عاماً في مهنة صياغة وبيع الفضة وأنا لي أكثر من خمسة عشرة عاماً في هذه المهنة. يتخصص بعض صاغة الفضة في صناعات معينة فماذا يصنع باحشوان ؟ يجيبنا أنا أصنع “الأحزمة والحنيشات والدبل والخواتم” وكل أنواع تشكيلات الفضة ويتخصص بعض صاغة الفضة في صناعات معينة فمثلاً بعضهم يتخصص في الأحزمة أو “الحجول” وأنا أكثر عملي في “الحنيشات”. اختلفت التشكيلات عن الماضي واختلفت التشكيلات عن الماضي بل تختلف من عام إلى آخر، وكذلك الأدوات اختلفت وظلت بعض الأدوات على ما هي عليه كمكينة السحب وكنا قديماً نقوم بطباعة النقشات يدوياً أما الآن فوجدت هناك آلة تقوم بهذه المهمة، وأنا إذا أردت نقشة معينة أقوم بإرسالها إلى شخص متخصص في النقش ثم أرسلها إلى الهند لتعود في مكينة، وقديماً كانت تتم في آلة حديد أما الآن فأصبحت هناك مكينة كهربائية تقوم بالعمل وهذه الأشياء اختصرت لنا العمل وزادت من سرعته عكس ما هو موجود في الماضي. نزن الفضة بالأوقية فمن يتحكم في أسعار الفضة محلياً يقول باحشوان أسعار الفضة غير مستقرة فإذا تحرك السوق - زاد الطلب - ارتفع سعرها وإذا قل الطلب رخص ثمنها، وعن أوزان الفضة يفيدنا باحشوان نحن نزن الفضة بالأوقية فمثلاً نشتري الفضة ب”1550” للأوقية الواحدة ونبيعها ب”2400 أو 2500” وبعض الأعمال يصل سعرها إلى “2800” للأوقية وبحسب الصناعة فأحياناً يزيد عمل تشكيل الفضة عن قيمتها، ومازلنا نبيع الفضة بالأوقية والرطل، والرطل عبارة عن ستة عشرة أوقية. محلات الفضة في مدينة المكلا في طريقها للانقراض ومحلات الفضة في مدينة المكلا في طريقها للانقراض وتحديداً الأشخاص مثلي الذين يعملون في تشكيلات الفضة ويصل عدد هذه المحلات تقريباً إلى عشرة أو أقل، وفي مناطق أخرى خارج المكلا كثير منهم شغالين في الفضة مثل آل باقطيان في منطقة الريدة أغلبهم شغالين إلى اليوم فيها، أما في المكلا الصانعين قليل والبياعين كثير. وصل طلب الفضة إلى دول الجوار فماهو سبب انقراض صاغة الفضة ؟ يقول باحشوان أسباب انقراض الصاغة كثيرة، منها ارتفاع الأجرة وبعضهم مل هذه المهنة لأنها مهنة متعبة وأكثرهم من كبار السن بالرغم من أن الفضة زاد عليها الطلب وبالذات في السنوات الأخيرة حتى وصل الطلب عليها إلى دول الجوار، وأكثر وقت يزيد فيه الطلب على الفضة هي أوقات “الأعراس” والتي تزداد في أشهر الصيف والخريف، ويزيد باحشوان أكثر ما هو مطلوب الآن هو “الحنيشات” وكذلك الأحزمة عليها طلب ولكنها ليست بمثل الحنيشات والمطلوبة في الزواجات وكذلك نوع يطلق عليه “زمام نجو”. أكثر زبائن الفضة من السعودية والخليج فمن هم زبائن الفضة يفيدنا محمد باحشوان أكثر زبائن الفضة من السعودية والخليج، بالرغم من وجود الفضة في الخليج ولكن يبدو أن نقشاتنا المحلية أعجبتهم أكثر من الخارجي الموجود عندهم. نقوم بتغيير النقشات إذا قل الطلب عليها فكيف تأتي أفكار التصاميم ؟ معظم التصاميم نعملها في محلاتنا وتأتي الأفكار بحسب الإبداع وأحياناً توجد فكرة لدى زبون فيرسم لك النقشة التي يرغبها فنقوم بتشكيلها له، والنقشات لانقوم بتغييرها إلا في حالة أنه قل الطلب على هذه النقشة أو تلك حينها نقوم بعمل نقشات أخرى جديدة. عملية تشكيل الفضة فكيف تشكل الفضة ؟ عملية تشكيل الفضة وتحديداً عمل الحنيشات تبدأ أولاً بصب الفضة على شكل سبائك ثم نسحبها في مكينة خاصة لهذا الأمر بالمقاس المطلوب ثم ننقشها في مكينة أخرى وبعدها نقوم بقصها إلى قطع صغيرة، وأشهر فضة هي الدوعنية، وكل فضة قديمة تكون ممتازة، أما الآن فربنا يستر حيث قل العيار عن السابق بكثير. المسح والتفجير يبين جودة الفضة فهل يتم غش الفضة ؟ يقال أن الفضة يتم غشها أما بالنسبة لي فلم ألاحظ أو أعمل أي فضة مغشوشة، ونميز الفضة الصافية صبها فالمسح والتفجير يبين لك ذلك، كذلك هناك عيارات، فالفضة عيار 925 لا تستطيع أن تشكلها لأنها تكون لينة أما عيار سبعمائة فيسهل تشكيلها. فهل سيرى أبناؤنا في المستقبل محلات الفضة أم أنها ستختفي مثلما اختفت كثير من الصناعات المحلية ؟.