آمنة العدوفي، التي لم تقبل المفاوضات بينها وبين الشيخوخة مساراً للسيطرة على الأمور، فلا يكون منها إلا التسليم لهذه الأقدار المتجهة دفعة واحدة، وأخرى تتوالد لتكبر على جسدها المرن المتهالك من شدة الفاقة. بين الخمسين تبدو آمنة رزينة يكسوها العفاف إلى جانب ما يكسوها من فقدان للعاهل، فهي غير متزوجة ووحيدة، تعاني الوحدة، وقسوة العيش، وآلام المرض، وانحدار الخير إلى معاقله. وإلى غير ذلك، تعاني الحاجة آمنة من آلام حادة في المفاصل، ومرضها الذي أصبح عدواً كونه مرض العصر الصديق – بفعل الحاجة إلى علاجاته وحقنه. داء السكري الذي داهم خلايا جسدها من أعوام مضت، ومع تفاقم الجمعيات الخيرية التي اهتمت لطبائع “العرف” في توزيع التمور، وتناست ضرورة أدوية الأمراض المزمنة كضغط الدم والسكري في استمرار الحياة.. تحتاج آمنة العدوفي إلى رعاية طبية أولاً كي تتفادى المخاطر المحدقة، ومن ثم، تأتي حاجتها إلى المعونات اللوجستية حتى تستطيع التنفس دون أن تسقط الدموع من مآقيها. لقد تهدم منزلها الريفي، ولم يبق لها سوى غرفة واحدة تتسرب إليها المياه كلما هطلت الأمطار.. وقد كانت رسالتها إلى فاعلي الخير والضمان الاجتماعي بأن يتداركوا ما بقي من منزلها، وما تبقى في جسدها من رونق قليل.