هل تعلم كيف نجى الله أصحاب الغار؟ ما علاقة هذا بالصبر؟ إن أصحاب الغار الثلاثة نجاهم الله بعدما دعا كل واحد منهم بالأعمال الصالحة الخالصة.. فإذا فهمت موضوع الصبر إلى هنا، فسوف تزحزح الصخرة قليلاً.. فلما كان الصبر نصف الإيمان، وخلقاً فاضلاً من أخلاق النفس، وقائداً للنفس إلى طاعة الله، صارفاً لها عن معصيته، كان ضرورياً أن نبين أنواع الصبر. وأنواع الصبر ثلاثة كما قال أهل العلم وهي: 1 الصبر عن المعاصي. 2 الصبر على الابتلاءات. 3 الصبر على الطاعات. ومرجع هذا أن العبد في هذه الدنيا بين ثلاثة أحوال بين أمر يجب عليه امتثاله، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما، وهو لا ينفك عن هذه الثلاثة مادام مكلفاً، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منها، هي التي أوصى بها لقمان أبنه في قوله: {يابني أقم الصلاة، وأمر بالمعروف، وأنه عن المنكر، واصبر على ما أصابك} لقمان/17. تجد البعض منا عند الابتلاء صابراً جلداً قوياً، ولكن عند المعصية لا صبر له، وتجد البعض يصبر على طاعة الله من قيام وصيام، ولكن لايصبر عن المعصية أبداً، وهو العابد الطائع لله، ولكنه لايستطيع مقاومة المعصية، وهذا نموذج عجيب.. ولكن الأعجب هو الآتي: تجده حسن الأخلاق، ولكن، أيصلي الفجر؟ لا، يمكن أن يحدث هذا أليس كذلك؟.. ولكن من هو أفضلنا؟ إنه الذي تجتمع فيه هذه الصفات الثلاث: عند المصيبة يصبر، وعلى الطاعات يصبر، وعن المعاصي يجتنبها، ويصبر، وهكذا يكون قد استكمل الصبر، واستكمل نصف الإيمان.. أي منزلة هذه؟ هل عرفت من هو أفضلنا؟ أيهما أفضل: الصبر على الابتلاء، أم الصبر على الطاعات، وعن المعاصي؟.. الصبر على الطاعات وعن المعاصي أفضل. كيف ذلك؟ إن الصبر ابتلاء عظيم.. إن الابتلاءات تكون شديدة جداً، ولكن الصبر على الابتلاءات صبر اضطراري، أما الصبر على الطاعات وعن المعاصي فهو صبر اختياري. أيهما أكمل: صبر يوسف عليه السلام في محنة السجن وامرأة العزيز، أم صبر أيوب المبتلى في جسده وماله وولده؟ صبر يوسف طبعاً، لأن سيدنا يوسف دخل السجن بإرادته. أيهما أفضل وأكمل: صبر يوسف عليه السلام في فتنة البئر، أم صبره في فتنة السجن؟ صبره في فتنة السجن بالرغم من أن السجن فيه أناس، ولكنه دخل بإرادته.. أما البئر فقد كان رغماً عنه، وإن كان قد عذب في البئر، وتألم ألماً شديداً، ولكن مقامه في السجن أعلى من مقامه في البئر، فلقد أبى المعصية ودخل السجن وصبر. إذن خلصنا إلى أن الصبر على الطاعات وعن فعل المعاصي أفضل وأكمل، لماذا؟ 1 ذلك لأن سر وجودنا والسبب الأساسي هو عبادة الله ومعرفة الله، وبم تحقق عبادة الله؟ بالطاعات. 2 الحسنة بعشر أمثالها، أما السيئة بمثلها، إذن فعل الطاعات أحب إلى الله. إذا فعل الإنسان الطاعات والمنكرات بالتساوي، حتى تساوت في ميزانه في النهاية، فإلى أين يذهب؟ الله سبحانه وتعالى يقول: “إن رحمتي سبقت غضبي” إننا نقول ذلك لنستدل على رحمة الله عز وجل وعفوه سبحانه، وليس لكي ندعوكم إلى المعاصي.. إذن، أعلى المراتب: الصبر على الطاعات، ثم الصبر عن المعاصي، ثم الصبر على الابتلاءات.