أجبره الفقر على مغادرة المدرسة صبياً وكان حينها بصدد إكمال السنة قبل الأخيرة من التعليم الأساسي، رويداً رويداً تلاشت قدرة والده على توفير متطلبات البيت، ومهمة أخيه الأكبر الذي تسلم الراية من والده ليبدأ بمصارعة الفقر توقفت أيضاً حيث توفي بحمى شوكية مخلفاً وراءه 3من الأبناء أكبرهم لا يتجاوز ال12 من العمر. «نادر ياسين» يحمل وصية أخيه الذي توفي بجواره “كل من شقاء عرقك ولا تركن” وهي سلاحه الوحيد في مجاراة هموم الحياة. «نادر» بدأ العمل صغيراً وكانت البداية في بيع “الخضرة” بواسطة “حمار” كان يتنقل به في قرى وعزل جبل حبشي مسقط رأسه. يؤكد العامل الصغير أن سنوات بيع الخضرة ذهبت سدى وأن الريع الذي كان يتحصل لا يفي بمصاريف المنزل المتواجد بداخله 3أسر وأطفال يتامى. ويشير إلى أن غالبية المواطنين كانوا يشترون منه بنظام “الآجل” “سجل عندك لما تتيسر الأمور الأمر الذي اضطره إلى ترك العمل بعدها أنشأ متجراً صغيراً مستعيناً بأحد التجار لكنه لم يتعمر طويلاً فسرعان ما ذهبت به الديون وقلة الدخل أدراج المحاولات السابقة. «نادر» ترك قريته وقدم إلى تعز قبل خمسة أشهر بحثاً عن عمل يؤمن احتياجات الأسرة مشط شوارع المدينة ذهاباً وإياباً، رافق عمال الحراج في جولتي عصيفرة وحوض الأشراف لكنه حسب قوله لا يجيد أية حرفة تشفع له عند أرباب العمل، وبعد عناء مضنٍ اهتدى إلى مشروع صغير لم يكلفه كثيراً لكنه لم يدر دخلاً بقدر الجهد الذي يبذله. «نادر» اشترى “عربية” و”دافور” و”إناء كبير” وخمسة كيلو “بطاط” وبدأ يشرع بالعمل بمعونة ابن أخيه الذي فقده والده قبل أعوام، وما يحصده طوال اليوم مبلغ لا يتعدى ألف ريال وهو مكسب ضئيل بالنسبة لشخص يعول 3أسر، ناهيك عن إلحاح والده الذي يطالبه بمبلغ شهري غالباً لا يستطيع توفيره. «نادر» استأجر دكاناً صغيراً لا تتعدى مساحته “مترين” دون نوافذ تبلغ “6” آلاف ريال شهرياً بغرض السكن وحسب قوله: لا يمكن لأحد أن يتحمل العناء الذي يرافقه في حله وترحاله وحتى ساعات النوم، لكنه مجبرٌ على توفير مأوى يركن إليه كلما هدَّه التعب. مأساة هذا العامل المتواضع كبرت في هذا الشهر الكريم وقل الدخل اليومي كون بضاعته التي يعرضها لم يعد يأبه بها أحد، وخاصة الميسورين، فموائدهم عامرة بكل ما لذ وطاب، وأطفالهم منشغلون في التنقل بين وجبة وأخرى، و200ريال هي الفائدة التي يحصدها طوال اليوم في هذا الشهر الفضيل. يفكر «نادر» بالعودة إلى القرية لكنه خالي الوفاض وما كان يجنيه ذهب في توفير احتياجات البيت طوال الأشهر السابقة، ومصاريف رمضان لم يعد قادراً على توفيرها، غير أنه يمتلك حلماً عريضاً بسحابة صيف تمطر في طريقه “القاحل” ليفوق متوجاً بالاخضرار ومن يساعده في إقامة مشروع صغير يؤمن به حياته وأسرته والأطفال اليتامى.