الفكرة الأخيرة.. هو أحد الكتب الحديثة في مجال التنمية البشرية للكاتب المصري كريم الشاذلي.. كتاب أكثر من رائع سيجعل كل واحد منا يفكر ويحاول أن يغير حياته نحو الأفضل، التقاطاً لبعض معاني الحياة، وتسجيلاً لمواقف وصور ذات أهمية فيها.. حكمة سمعت، قرأت..شوهدت، قررنا اصطيادها خشية أن تطير، لنقدمها قرباناً لك!. في رائعته ( الخيميائي ) يحكي الكاتب البرازيلي باولوا كويلو قصة ذات مغزى مدهش فيقول : أرسل أحد التجار ابنه لكي يتعلم سر السعادة من أكبر حكيم بين البشر ، فسار الفتى أربعين يوماً قبل أن يصل أخيراً إلى قصر جميل يقع على قمة جبل حيث يعيش الحكيم الذي يبحث عنه.. وبدلاً من أن يلقى رجلاً قديساً دخل قاعة تعج بالحركة والناس ، تجار يدخلون ويخرجون وأناس يثرثرون في إحدى الزوايا ، وجوقة تعزف قطعاً موسيقية عذبة ومائدة حافلة بأشهى أطعمة هذه المنطقة من العالم ، وكان الحكيم يتكلم إلى هؤلاء وأولئك فاضطر الفتى أن يصبر ساعتين كاملتين قبل أن يحين دوره. استمع الحكيم بانتباه إلى الفتى وهو يشرح سبب زيارته ، لكنه قال أنه لا وقت لديه الآن ليكشف عن سر السعادة ، واقترح على الفتى أن يقوم بجولة في القصر وأن يعود إليه بعد ساعتين ، وأضاف الحكيم وهو يعطي الفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتا زيت : بيد أنني أريدك أثناء تجوالك أن تمسك بهذه الملعقة على نحو لا يؤدي إلى انسكاب الزيت منها. بدأ الفتى يصعد وينزل سلالم القصر مثبتاً عينيه باستمرار على الملعقة ، وعاد بعد ساعتين إلى مقابلة الحكيم.. سأله الحكيم : هل شاهدت السجاجيد الفارسية في غرفة طعامي؟ هل الحديقة التي استغرق إنشاؤها عشر سنوات على يد أمهر بستاني ؟ هل شاهدت الرف الجميل في مكتبتي ؟ اعترف الفتى مرتبكاً أنه لم يشاهد شيئاً بل كان همه الوحيد عدم انسكاب نقطتي الزيت اللتين عهد الحكيم بهما إليه. فقال الحكيم : حسناً عد الآن وتعرف إلى روائع عالمي الخاص..لأننا لا نستطيع الوثوق برجل إذا لم نتعرف إلى المنزل الذي يسكنه. أخذ الفتى الملعقة وقد غدا أكثر ثقة بنفسه وعاد يتجول في القصر مولياً انتباهه هذه المرة إلى شتى التحف الفنية المعلقة على الجدران وعلى السقوف وشاهد الحدائق والجبال المحيطة بها وأناقة الأزهار ورهافة الذوق في وضع كل تحفة فنية في المكان الذي يلائمها ، ولدى عودته إلى الحكيم تحدث بدقة عن كل ما شاهده.. وحين سأله الحكيم : أين هما نقطتا الزيت اللتان عهدت بهما إليك ؟ أدرك الفتى وهو ينظر إلى الملعقة حينذاك ضياعهما. عندئذ قال حكيم الحكماء : تلك هي النصيحة الوحيدة التي يمكنني أن أسديها إليك : إن سر السعادة هو في أن تشاهد كل روائع الدنيا دون أن تنسى إطلاقاً نقطتي الزيت في الملعقة.. فما هما نقطتا الزيت اللتان عناهما حكيم الحكماء في هذه القصة ؟! .. إنهما أهداف المرء وأحلامه.. تمتع بالحياة دون أن تنسى أن لك هدفاً تسعى من أجله ، ومبدأ عليك أن تنصره ، وحلماً له حقوق عليك!.. معظم البشر يسير بشق مائل ، فنرى جدية المرء وقوته من أجل تحقيق حلمه قد طغت على حق نفسه وروحه ، ومنعاه من الاستمتاع بمزايا الحياة وزينتها ، أو نراه في المقابل قد أغرته زينة الحياة الدنيا ينهل من متعها بغير حساب أو انضباط.. إن الشخص المثير للإعجاب - كما يصفه المفكر الكبير عبد الكريم بكار - هو الذي يجتمع فيه ما تفرق في غيره.. فما أكثر الذين يحملون صفة أو أكثر من صفات العظماء بينما يواجهون مشاكل ويعانون من قصور شديد في جوانب أخرى.. بينما العظيم حقاً ، والسعيد بصدق ، هو الشخص الذي يحيا متزناً ، متكاملاً ، فيرتقي في الشيء الذي يتقنه ويتميز به ، ويسدد ويقارب في المساحات الأخرى ، بحيث يكون أقرب للعظمة البشرية والفطرة السليمة.. فإذا أردت أن تعيش سعيداً في الدنيا ، فإن أحد أهم مقومات تلك السعادة هي أن تنتبه لنقطة الزيت ، بينما تجول بناظريك مستمتعاً بجمال الحياة.. وألا يطغى جانب على آخر.. دعوة من ( إبداع) : بعد أكثر من سبعين فكرة صغيرة اقتبسناها من كتاب المؤلف كريم الشاذلي لتصبح حياتنا كبيرة .. وبعد رحلتنا الممتعة مع تلك التأملات .. ندعو القراء الكرام الذي تفاعلوا معانا دوماً وعبروا من خلال إيميلاتهم واتصلاتهم لنثر انطباعاتهم حول الأفكار السابقة .. واعدهم بنشرها على صفحات (إبداع). خاتمة لا بد منها نعم .. اقتضت حكمة الله أن يكون لكل قصة نهاية، ولكل رحلة منتهى ، ولأي حديث انقطاع.. وهنا يا صديقي موقف الوداع .. هنا يدير كل منا ظهره للآخر مودعاً ومتمنياً له التوفيق والسداد.. أتركك يا صديقي آملاً أن أكون قد أعطيتك ما تتقوى به في رحلة حياتك ، عبر أفكاري الصغيرة ، وتأملاتي المتواضعة ، وسفري المضني في بطون الكتب كي آتيك بما يهون عليك وعثاء السفر ، وطول الطريق..