لا إله إلا الله محمد رسول الله.. لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. بهاتين العبارتين افتتحت يومي هذا قبل أن الجأ إلى النوم بعد صلاة الفجر لأجدني قد انتفضت من فراشي وهرعت إلى النافذة لأسمع هاتين العبارتين لا إله إلا الله.. محمد رسول الله وهما يترددان بنبرة مخيفة وبمقام متكرر ومرعب.. أفتح عيني اللتين كانت قد تهيأت لعناق النوم بعد ليلة رمضانية مليئة بالسهر ومتخمة بالأكل والقات والسمر.. أصخت بأذني وأمعنت النظر إلى الأضواء الخافتة المنبعثة من بعض “التليفونات التي يحملها أصحابها أو الموتورات التي تمشي خلف الجمع الذي يمشي بسرعة كبيرة جداً استعداداً وتشوقاً للنوم الأصغر أو لعلهم مسرعين ليطبقوا السنة في المشي بالجنازة.. لمحت من بين تلك الأضواء الجموع صندوقاً خشبياً يحمله أربعة أشخاص وهم يتدافعون يمنة ويسرة وأنا أرقب هول المشهد الذي باغتني فجأة وعلى غير موعد.. فلم أر مشهداً لتشييع جنازة بعد الفجر وفي رمضان بالذات إلا هذه الجنازة. سقط القلم من يدي والريق من فمي ولم أعد أدري عن أي شيء أكتب وماذا عساي أقول للجمهورية التي اكتب فيها هذه الزاوية المتواضعة.. وقفت قليلاً بلا شعور وأنا أفكر في الخروج للحاق بالجنازة لكن قدمي لم تسعفان في الحركة أو المشي وبقيت متلبداً ومتبلداً في مكاني أتكئ على النافذة برأسي وعيناي زائغتان في اللاشيء ولم أدري أين وجهها فلجأت إلى إغماضهما فاكتشفت فعلاً أنني لا زلت على قيد الحياة وان هذه كانت رسالة ربانية وموعظة إلهية جعلتني أسأل نفسي : من ترى يكون فوق هذا النعش ؟! وإلى أين المصير ؟! وهل هو محظوظ لأنه مات في هذا الشهر الكريم أم محروم من الأجر.. “ اللهم اغفر له ولنا” ؟! ماذا لو كنت أنا ذلك المحمول على ظهور القوم وهم يتقاذفونه بسرعة البرق ليذهبوا إلى النوم بعد السهر الطويل؟! إنها أسئلة صعبة جداً ومحيرة وعليها يدور الكون وتدور الحياة : من أنت ولماذا جئت وإلى أين المصير ؟! إن عشرات المحاضرات ومئات المحدثين والخطباء والدعاة والوعاظ لن يستطيعوا جميعهم ولو اجتمعوا ان يبعثوا في داخلي مابعثته هذه الجنازة أو ان يحركوا ماحركته تلك العبارات وبتلك الألحان التي تقطع كل الموجات وكل الإشارات والذبذبات.. وتبقى إشارة واحدة.. لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. وكفى بالموت واعظاً.. بعد فجر يوم كان الفجر بعده..