قال مصعب بن عبد الله بن الزبير:( كان الحكيم بن المطلب من أبر الناس بأبيه وكان أبوه- المطلب بن عبد الله- يحب أبناً له يقال له( الحارث) حباً شديداً مفرطاً،وكانت بالمدينة جارية مشهورة بالجمال والفراهة، فاشتراها الحكم من أهلها بمالٍ عظيم،فقال أهلها- وكانت مولدة عندهم- دعها عندنا حتى نصلح من شانها ثم نزفها إليك بما تستأهل الجارية منا، فإنما هي لنا ولدٌ. فتركها عندهم حتى أصلحوا حالها، ثم نقلوها كما تزف العروس إلى زوجها، وتهيأ الحكم بأجمل ثيابه وتطيب ثم انطلق فبدأ بأبيه ليراه في تلك الهيئة ويدعو- تبركاً بدعائه- حتى دخل عليه وعنده الحارث بن المطلب(أخوه) فلما رآه أبوه في تلك الهيئة أقبل عليه فقال: إن لي حاجة.قال ما تقول يا أبه؟! إنما أنا عبدك، فمرني بما أحببت قال:تهبُ جاريتك هذه للحارث أخيك، وتعطيه ثيابك هذه التي عليك، وتطيبه من طيبك وتدعه حتى يدخل على هذه الجارية،فإني لا أشك أن نفسه قد تاقت إليها فقال له الحارث: لم تكدر على أخي وتفسد عليه قلبه؟! وذهب يريد أن يحلف فبدره الحكم قائلاً: هي حرة إن لم تفعل ما أمرك به أبي، فإن قٌُرّة عينه أسرٌ إلى من هذه الجارة وخلع ثيابه فألبسه إياها، وطيبة ودفع إليه الجارية.. قال: وكان الحكم بعد حالهِ هذه قد تخلىّ من الدنيا ولزم الثغور، حتى مات بالشام بمنبج وفيه قال ابن هرمة: ماذا بمنبج لو تنبش مقابرها من المقدم بالمعروف والكرم سألوا عن المجد والمعروف:مافعلا؟ فقلت إنهما ماتا مع الحكم وروى مصعب أيضاً أن عبيدالله بن عباس- رحمها الله- خرج يريد معاوية فأصابته السماء، وهو في أرضٍ قفر ليلاً،فرفعت له نارٌ، فقال لغلامه مِقْسَم: أقصد بنا النار، فاتاها، فإذا شيخ معه أهله، وكان عبيد الله من أجمل الناس،فلما رآه الشيخ أعظمه، وقال لامرأته: إن كان هذا قرشياً فهو من بني هاشم، وإن كان يمانياً فهو من بني آكلِ المرُار، فهيئي لنا عنزك أقضي بها ذمامه، فقالت له امرأته: إذاً تموت ابنتي من الجوع، قال الشيخ: الموت خيرٌ من اللؤم،فأخذ الشفرة،وقام إلى العنز،وهو يقول:برُّ وإيثار: قرينتا لا توقظي بنيّهْ إن توقظيها تنتحب عليّهْ وتنزع الشفرة من يدّيهْ أبغض بهذا وبذا إليّهْ فذبحها وحدث عبيد الله حتى نضجت، فأكل عبيد الله منها،وبات ليلته، فلما قرُب الرحيل قال المقسم: كم معك من نفقتنا؟قال خمسُمائة دينار، قال ألقها إلى الشيخ،قال مقسم:سبحان الله!! إنما كان يكفيه أن تضاعف له ثمن عنزه،والله ما يعرفك ،ولا يدري من أنت !!قال:لكني أعرف نفسي، وأدري من أنا! هذا لم يكن له من الدنيا غير هذه العنز، فجادلنا بها، وهو لا يعرفنا، فخرج من دنياه، وأعطيناه بعض دنيانا، فهو أجود منا. وسار عبيد الله حتى قدم على معاوية، وقضى حوائجه،فلما انصرف قال: يامقسم،مُرّ بنا على الشيخ ننظر كيف حاله،فإذا إبلُ عظيمة، وأنشد الشيخ شعراً قاله فيه: توسمته لما رأيتُ مهابةً عليه وقلتُ المرءُ من آل هاشمِ وإلا فمن آلِ المرار فإنهم ملوكٍ من ملوكٍ خضارمِ فقمتُ إلى عنزٍ بقية أعنُزٍ فأذبحها فعل امرىء غير عاتم فعوَّضني منها غناي ولم تكن تساوي عناقي غير خمس دراهمِ فقلتُ لعرسي- في الخلا- وصبيتي: أألحق هذا أو هو أضغاث حالمِ فقالوا جميعاً لا بل الحق هذه يخبُ بها الركبان وسط المواسمِ بخمس مئينٍ من دنانير عُوّضتْ من العنز ما جادت بها كفُّ حاتمِ