لا مجال لديهم للهو واللعب ولم تعد تغريهم أشكال “الدمى” والطائرات الورقية ولعبة القط والفأر “توم وجيري” وفرص استثمار المناسبات في التنقل بين لعبة وأخرى داخل أسوار الحدائق والمتنزهات العامة والمخصخصة، لا موعد لديهم مع الفرح ولا وقت للبوح البريء بعبقرية “المحقق كونان” والتزامات الوالدين تجاه تفوقهم الدراسي وحفظ كذا سورة من القرآن.. أطفال كتبت أسماؤهم في سجلات المواليد بعد أيام قلائل من ساعة الميلاد بيد تحمل القلم وأخرى قد تحمل الممحاة عما قريب إذا لم تلامس استغاثتهم نخوة المحسنين وقيادة وزارة الصحة، كيف لا والألم يتسلى بهم ويسوقهم كقرابين إلى أروقة مستشفيات تقدم القليل من الخدمة مقابل الكثير من المال، حينها يعجز الآباء المعدمون عن مواجهة كل ذلك ولاشيء سوى الدموع تتساقط مطراً كلما عجزوا عن توفير “حقنة مهدئة” وعليكم أيها الأعزاء أن تقرأوا تفاصيل هؤلاء الموقوفين على ذمة الأمراض التي التهمتهم دون سابق إنذار، وعجز آبائهم الذين تبددت أحلامهم بأطفال “يتفتحون كالزهر ويتشكلون كالقدر”. خلدون فيصل محمد عبده الولي ثلاث سنوات مرت من لحظة الميلاد وقلبه مهدد بالتوقف، خلدون ولد بقلب مثقوب وعاجز عن أداء وظيفته على أكمل وجه وهو ما أكده تقرير صادر عن المستشفى الجمهوري بتعز.. الطفل خلدون مصاب بثقب في القلب وعدم قدرته على ضخ الدم إلى أجزاء الجسم بالإضافة إلى “تعاكس في الشريان القلبي أدى ذلك إلى ضمور ساقيه وأطراف يديه وهو ما أصابه بالشلل التام” هذا التقرير حصل عليه والد خلدون بعد رحلات متتالية إلى اكثر من مستثفى وعيادة متخصصة بغرض انقاذ فلذة كبده مستعيناً بمبلغ ضئيل جمعه من بيع ممتلكات متواضعة حسب قوله، بعدها أسدى إليه أطباء المستشفى الجمهوري بتعز نصيحة أجبرته على مغادرة تعز والتوجه صوب مستشفى الثورة بصنعاء بعد أن باع كل تلك الممتلكات. عشرون يوماً قضاها في صنعاء أنفق خلالها مبلغاً يزيد عن “350” ألف ريال في مواجهة تكاليف الفحوصات والأجهزة والمصاريف اليومية وحين استيقظ في صباح بائس ولم يجد ما يعينه على إكمال المهمة أخذ طفله المصاب وعاد به إلى القرية. أبو خلدون أكد أن أطباء مستشفى الثورة حاولوا قدر الإمكان إنقاذ طفله غير أن حالته الصعبة استدعتهم إلى تحرير تقرير طبي يقضي بضرورة تسفيره إلى إحدى الدول بغرض إجراء تدخل جراحي وهو مالا يقوى على فعله. أبو خلدون لم يجد طريقاً للخلاص سوى الذهاب بالتقرير إلى وزارة الصحة مستثمراً نصيحة أحد الأطباء - حسب قوله - وتقرير الحالة الذي يحمله كفيل إلى حد كبير بموافقة الوزارة على اعتماد منحة علاجية لطفله المصاب، وهو الذي لم يحدث حتى الآن. يؤكد أبو خلدون أن التقرير حبيس أدراج الوزارة منذ أربعة أشهر ومحاولاته المتعددة بالخروج بمنحة علاجية لم تنجح حتى الآن غير ذلك فقد غادر صنعاء صوب قريته نزولاً عند رغبة الفقر الذي لم يتح له قضاء وقت أكبر في متابعة مسئولي الوزارة الذين منحوه الكثير من الوعود حسب قوله. أبو خلدون يؤمل كثيراً بوعود الوزارة لكن حالة طفله لاتقبل المزيد من الصبر وتحتاج إلى تدخل جراحي سريع بحسب تقارير الأطباء فما الذي سيحدث لو أوفت الوزارة بوعودها بشكل عاجل وساهمت في إنقاذ طفل لاتقوى “أصابعه” على حمل “عود ثقاب”. يؤمل أيضاً أبو خلدون بمعونات الميسورين حيث وأن وضعه المادي لايسر، وليس لديه أي مصدر للدخل.. من سيفعلها؟ شوق محمد سعيد لم يعد لها من اسمها نصيب سنتان ونصف والألم جاثم على جسدها الغض والحزن يعشعش في زوايا المنزل، كلما ذهب بها والدها صوب مستشفى متخصص أو عيادة ويأتيه القول الصارم “شوق تحتاج إلى قسطرة قلب وعملية جراحية سريعة في مركز للقلب عالي التخصص” بسبب عيب خلقي معقد في القلب “ضمور شديد في الشريان الرئوي وفتحتين في القلب واحدة بين الأذنين والأخرى بين البطنين ووعاء دموي واحد يخرج من القلب، ومن جراء هذا العيب الخلقي فالطفلة تعاني من تأخر في النمو وازرقاق شديد. شوق تشاطر خلدون المعاناة نفسها ووالدها فقير معدم أيضاً لا إمكانيات لديه تتكفل بإجراء عملية جراحية معقدة في مركز للقلب عالي التخصص بحسب تقارير الأطباء. سنتان ونصف وشوق بانتظار من يطرد عنها شبح المعاناة ويساعدها في إنهاء عيب “خلقي” هكذا جاء به القدر يقف حائلاً بينها وبين اكتمال النمو كون كل الجهود التي بذلت في سبيل ذلك، من قبل والديها لم تتكلل بالنجاح، فالحالة معقدة والإمكانيات شحيحة وفي المقابل تجهيزات مستشفياتنا العامة والخاصة لاتقوى على تنفيذ المهمة بحسب تقارير الأطباء. كل مافي الأمر تذكرتا سفر ومبلغ مالي محترم يمكن شوق من السفر إلى أي بلد يتواجد به مركز للقلب عالي التخصص، ومنذ العام 2008م ووالداها يبحثان عن بارقة أمل ولا شيء يلوح في الأفق سوى الحزن. بإمكان وزارة الصحة انقاد الطفلة شوق بمنحة علاجية كونها بحاجة إلى عملية عاجلة للقلب، ماذا لو فعلها الوزير راصع؟ وما الذي سيحدث أيضاً لو رقت قلوب الميسورين؟! نورة صادق أحمد سعيد من جملة ضحايا فقر الدم المنجلي “S.C.A” وهو بحسب تقارير الأطباء “مرض دم وراثي مزمن ومعاود بأعراضه المزمنة والمتكررة منها الحمى وفقر الدم الحاد والمزمن والآلام المفصلية والعظمية وألم البطن بالإضافة إلى تعرض المريض إلى الإصابة بنوبات التمنجل “التكسر” العينية والرئوية والدماغية وأحياناً التعرض إلى حادثة التشظي في الطحال “وهي مميتة في غالب الأحيان.. وهذه الأعراض تنجم عن تعرض المريض للشدات النفسية والاجتماعية والتعرض لحالات نقص الأكسجة “نقص الأكسجين” وحالات الجفاف والتعرض للبرد والرشوحات والإجهاد الحركي والذهني، كما قد تعرض المريض للانتانات بسبب نقل الدم وتدني مستوى المناعة لديه. سنتان مرت من عمر المرض ونورة غالباً ما تراجع المراكز الطبية للمعالجة ونقل الدم المتكرر وبإمكانيات شحيحة أيضاً تواجه احتياجها للعلاجات اليومية ناهيك عن حاجتها للعلاج مدى الحياة وهو ماتؤكده تقارير الأطباء فكيف ستنجو وفقر آخر يتربص بوالديها ويذيقهم مرارة الألم والحسرة. مركز محمد الدرة الخيري لأمراض الدم الوحيد في تعز هو بر الأمان الذي يجر إليه والدي نورة كلما استاءت حالتها وداهمتها الأعراض المذكورة آنفاً لكن غالباً ما تغيب عنهم تكاليف العلاجات المخصصة لهذا المرض الوراثي. العلاجات المخصصة من وزارة الصحة والتي تصرف مجاناً لأمراض “فقر الدم” أحياناً لا تتواجد في الأماكن المخصصة للصرف بشكل مستمر وبحسب العديد من أولياء الأمور فأنها لا تنعدم لكنها تتأخر عن الوصول أحياناً وأحياناً لاتواجه احتياجات ذلك الكم الهائل من الضحايا لذا يقوم الميسورون بشرائه من الصيدليات لمواجهة الحالات الطارئة غير أن والد نورة لايقوى على ذلك وإمكانياته لا تسمح بتوفير “حقنة مهدئة” فكيف سيوفر أدوية تتجاوز كلفتها “30” ألف ريال في الشهر. نورة من جملة ضحايا كثر يكتظ بهم مركز محمد الدرة الخيري بتعز الذي يستقبل المئات من المرضى، وبإمكانيات ذاتية ومتواضعة .. هذا المركز بحاجة إلى دعم والتفاتة من قبل الجهات المعنية ورجال المال والأعمال حتى تجد نورة وأمثالها ملاذاً آمناً كلما استبد بهم هذا الكابوس المخيف.