قال تعالى: (إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) سورة الرعد:11 وهذه الآية تقرر إحدى السنن الاجتماعية الهامة وهي: أن تغيير المجتمع يبدأ من تغيير ما بالأنفس. وهذه السنة تشمل كل الناس، بدليل أن كلمة قوم في الآية لم تأت مخصوصة بقوم معينين ومجيئها نكرة في سياق النفي يدل على هذا. فمضمون الآية إذن ينطبق على كل البشر، وكلمة قوم في الآية تعني الجمع، أو الجماعة التي يطلق عليها أمة أو مجتمع. والآية تشير إلى تغييرين: الأول: تغيير القوم لما بأنفسهم. الثاني: تغيير الله لما بالقوم. وتغيير القوم لما بأنفسهم يراد به تغيير المعتقدات والأفكار والمفاهيم والظنون في مجالي الشعور واللاشعور. وهذا التغيير هو الذي ينبغي أن يحدث أولاً، ثم يتبعه تغيير الله لما بالقوم، والله عز وجل سيغير ما بالقوم حتماً إن هم غيروا ما بأنفسهم وأما مايرجوه البعض( بأن يحدث الله التغيير الذي يخصه قبل أن يقوم القوم(المجتمع) بالتغيير الذي خصهم الله به، فهو مخالف لنص الآية، وبالتالي إبطالاً لمكانة الإنسان وأمانته، ومسئوليته، ولما منحه الله من مقام الخلافة على أرضه، لأن هذا التحديد الذي قضت به الآية في مجالات التغيير وهذا الترتيب فيما ينبغي أن يحصل أولاً، ومايحدث تالياً، هو الذي يضع البشر أمام مسئولية حوادث التاريخ ومن هذه النافذة يمكن إبصار أثر البشر في أحداث التاريخ ومسئوليتهم إزاءها). الاستفادة من هذه السنة في إصلاح المجتمع: إن هذه السنة الربانية هي القاعدة الأساس في إصلاح المجتمع والمحافظة على صلاحه، وعلى دعاة التغيير ورواد الاصلاح أن يفقهوا هذه السنة حق الفقه حتى لاتذهب جهودهم أدراج الرياح. وهذه السنة لها شقان: الشق الأول: التغيير الإجتماعي الإيجابي، وإليه الاشارة بقول الله تعالى(إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) سورة الرعد:11 فإذا أراد المصلحون إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع، فعليهم أن يدركوا أن البداية لذلك هي من تغيير ما بالأنفس، وعليهم ان يبذلوا قصارى جهدهم للعمل على تغيير ما بالأنفس أولاً لأن تغيير ما بالأنفس هو الخطوة الأولى، والركيزة الأساس التي لابد منها، ولابديل عنها لتغيير ما بالواقع، فالتغيير يبدأ أولاً في عالم الأفكار، ثم ينتقل إلى عالم الأشياء. والشق الثاني لهذه السنة هو: التغيير الاجتماعي السلبي، وإليه الإشارة بقول الله تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) سورة الأنفال: 53. ومهمة المصلحة هي حماية المجتمع من هذا التغيير السلبي، الذي هوفساد يطرأ على الأفكار والمشاعر والتصورات، ثم تنعكس آثاره بعد ذلك على السلوكيات والتصرفات. فالانحراف يبدأ في المجتمع من انحراف ما بالأنفس أولاً، ثم يصيب المجتمع نتيجة لذلك من الضعف والهوان ماقد يكون سبباً في انحساره أو اندثاره، بحسب حجم وطبيعة الانحراف الذي حل بالنفوس، وظهرت أعراضه في السلوك.