لفت انتباهي في نتائج استبيان أجرته مؤخراً إحدى منظمات المجتمع المدني العاملة في محافظة تعز في المجال الطوعي الشبابي عن أهم الأسئلة التي تشغل بال الشباب حول مستقبلهم أن غالبية الشباب موضوع الدراسة وبنسبة كبيرة بلغت ال 75 % ذكروا أن أهم سؤال حول المستقبل هو ( كيف أصنع نجاحي ) . فمعظم المستهدفين من الدراسة أوحوا من خلال إجابتهم بأن نيل النجاح يعد أمراً ضبابياً وغامضاً وبحاجة إلى الكثير من التوضيح والشرح ، حتى يعرفوا كيف يصلون إليه !. والمشكلة الأخرى التي لفتت نظري أن الإبداع المكنوز في نفوس الشباب موضوع الدراسة كان يعاني كثيراً من حبس وأسر من قبل الشباب أنفسهم ، وتأكد لي ذلك من خلال أسئلتهم التي ساقوها في الإستبيان والتي منها ( كيف يمكنني أن أبدع ؟! ) ، ( كيف يمكن لي إطلاق العنان لإبداعي ؟!) ، ( هل باستطاعتي الإبداع أو النجاح والبيئة المحيطة لي محبطة وغير مشجعة ؟! ) ، وغيرها من الأسئلة التي تؤكد أن نجاح وتميز شبابنا أسير ضعف المعرفة ، وغياب التوجيه . هذا الغياب الذي تسجله المؤسسات التعليمية أولاً ، ثم مؤسسة الأسرة ثانياً ، وحتى المؤسسات والمنظمات المدنية والمجتمعية العاملة في خدمة الشباب ، والساعية لتأهيلهم وتنميتهم ، فالآليات العملية ، والأبعاد التنفيذية تنعدم كثيراً ، وتحضر بدلاً عنها الإرشادات النظرية والكلام الكثير عن ضرورة النجاح ، وحتمية تحقيق التميز والإبداع دون أدنى مبادرة عملية . فكتب ومراجع التنمية البشرية وتنمية الذات مليئة حد البذخ بكل تلك النظريات والأحاديث التي ترغب في النجاح الشخصي وتحبذ في التميز وصولاً لتحقيق الأهداف والغايات ، فلا نريد من مؤسساتنا التعليمية والأسرية ومنظماتنا المجتمعية والمدنية أن تكون نسخة طبق الأصل من تلك الكتب والنظريات التي تشبع بها الجميع ، ما نريده هو مشاريع عملية ، وخطوات تنفيذية تخرج الشباب والإنسان عموماً من شرانق السلبية ، وتدفعه نحو الفاعلية والإيجابية ، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال أنشطة نوعية ومميزة ينخرط فيها الشباب وتتمتع بامتداد أبعادها وأهدافها ، فلا تقتصر على الشباب أوالقائمين على المشروع أو الفئة المستهدفة من النشاط فقط ، بل تتسع لتعم فائدتها المجتمع بكل شرائحه ، وتضع تنمية الوطن نصب أعينها . قد يكون التوجيه والإرشاد ضرورياً في المراحل الأولى في مسيرة تحقيق التنمية والنهضة ، إلا إن الساحة الآن أصبحت متخمة بالنظريات ، وهي متعطشة حالياً لأعمال تطبق فيها نظريات الشحذ والتحفيز لتزهر في الواقع ثمارات ذلك الإرشاد الذي انتهت مراحله وبدأت أخرى . قرابة عشرة أعوام قضاها منظرو ومفكرو علوم التنمية البشرية والنظرية العصبية اللغوية - في واقعنا العربي واليمني على الأقل - في التأسيس لثقافة نهضوية ، أعتقد أن هذه المدة إذا زادت عن حدها ستتسبب في صرف النظر عن هذا العلم الحديث ، وسيحدث صدمة أيضاً للذين اعتقدوا في التنمية البشرية وعلومها المختلفة ملاذاً لتغيير الواقع العربي عموماً ، واللحاق بركب الحضارة والتطور. فالمطلوب الآن العمل وليس مزيداً من التنظير ...