اليمن الثورتان الجمهوريتان الوحدة الخوض في مسيراتها وسبر أغوار فصولها وتعاقب حكوماتها يتطلب قراءة منمقة تقف على الحياد ولا تغفل البيئة المحيطة بكل مرحلة من مراحلها بدءاً من فجر الثورة وحتى العقد الثاني للوحدة اليمنية المباركة((الجمهورية))حاولت تشخيص التاريخ اليمني المعاصر من خلال وقفات متأنية مع أداء الحكومات التي عقبت الثورة والاستقلال وصولاً الى الوحدة المباركة كل ذلك بهدف تقديم رؤية واضحة لحاضرنا وما يشهده من نتؤات حنين للماضي المظلم ومسلسل لصراعات والمؤامرات فالحاضر يسعى جاهداً لحلحلة تركة ثقيلة من الماضي ليجبرها البعض عليه إخفاقات في محاولة للقفز على شواهد التاريخ التي استحضرناها حكومات فترة الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري - استطاعت الثورة اليمنية 26سبتمبر و14 أكتوبر أن تغي وجه الحياة في الأرض اليمنية التي تركز عليها شخصيته المبدعة. والتغير الثوري الذي أحدثته الثورة الحضارية 26 سبتمبر في اليمن أرضاً وإنساناً عبر مسيرتها النضالية العملاقة بفضل الإرادة الوطنية الثورية والعمل الثوري الحاسم وتضحيات الشهداء الأبرار ورغم أنها بدأت من الصغر فإنها تجسد عظمة المنجزات والمكاسب التي غيرتْ طبيعة الحياة في بلادنا عما كانت عليه قبل قيام الثورة من حياة عانت من وطأة الظلم والتخلف والفساد إلى حياة تتسم بالحرية والكرامة والديمقراطية والسيادة الوطنية وتحقيق المنجزات والمكاسب التنموية وتحديث مؤسسات الدولة وتطوير أساليب عملها وأدائها وتمكين الشعب بإرادته الثورية الأصيلة من صنع حاضره ومستقبله بعد أن اتجهت الثورة ومسيرتها التحديثسة الحضارية عبر برامج عمل حكوماتها وخططها التنموية صوب الاهتمام بالإنسان باعتبار هدف التنمية ووسيلتها ورغم أن الطريق إلى الانجاز لم يكن معبداً فقد عملت حكومات الثورة على صياغة الإنسان اليمني الحضاري الجديد من خلال التغيير الذي أحدثته في نفسية المواطن وحياته وأسلوب ممارسته له فعززت ثقته بنفسه وبقدرته على بناء وتطوير حياته بإرادته الحرة عبر الوسائل والأساليب الحضارية التي عكست فعالية مشاركته القادرة خلال مسيرة الثورة التي واجهت التحديات والصعوبات والتي تجاوزت أنفاق الزمن المظلم إلى رحاب البناء والانجاز والحرية والديمقراطية. سلطات بيد الإمام - عاش الإنسان اليمني في ظلمة نظام الحكم الإمامي البائد( 1962-1904م) مسلوب الحقوق في كل جوانب حياته إذ اتسم هذا النظام بانعدام المشاركة -غياب الرقابة الشعبية- العزلة عن كل جديد وحديث وفوق ذلك كله حكم فردي مطلق تتركز فيه السلطات بيد الإمام. ورغم أن رأس النظام الإمامي خالف القاعدة التي أوصلته وهي انتخابه من قبل أهل الحل والعقد وقام بتحويل القاعدة إلى ملك يتسلسل في الأسرة فأوجد منصب ولي العهد وقام النظام ب التخلص من العلماء الناجحين الذين يخشى منهم على سلطته وتقليص نفوذ مشائخ القبائل وتعطيل الشورى والمشاركة في الحكم وتكميم الأفواه وقصر التعليم على كتب العبادات، وقمع كل صوت معبر عن إرادة التغيير وعدم إعطاء رغبات الشعب أي اعتبار لكن العمل المستمر للحركة الوطنية والمطالبة بالإصلاح قاد إلى عدم الرضا والرفض وكانت النتيجة الحتمية هي الثورة 1948م ثم حركة 1955م ولقد ارتبطت الدعوة للشوروية والبرلمانية بالحركة الوطنية التي قامت معها تاريخياً منذ منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي ولم تستطع محاولاتها إقناع الإماميين بالتغير ومحاولات ثورة 48 التي هدفت إلى تأسيس نظام نيابي لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتخلص من الفاسدين،وكفالة حرية الرأي والكلام والكتابة والاجتماع وإنهاء سياسة العزلة وإقامة علاقات صداقة مع العالم المتحدث. مجلس السيادة - في يوم 29 سبتمبر أذاع راديو صنعاء تشكيل مجلس السيادة من رئيس الجمهورية:عبد الله يحيى السلال، عبدالله جزيلان،علي عبد المغني، عبد السلام صبرة، محمد إسماعيل المنصور.كما أذاع بلاغاً كلف فيه شيوخ الضمان في مناطق شمال الشمال بحماية حدودهم ومنحهم مناصب وزارية إلى جانب ريع زكوات مناطقهم ومن هؤلاء أعلن تشكيل مجلس الدفاع، وكان هذا بسبب تدخل شريف ببيحان وإرساله المسلحين إلى مأرب وحريب إذكان راديو لندن أذاع أن الحسين بن يحي حميد الدين قد اعلن نفسه ((أماماً))نظراً لغموض مصير البدر وبعد أيام استشهد علي عبد المغني في مأرب. وحيث إن بعض المناضلين كانوا في خارج البلاد فقد تشكلت القيادة الجماعية من عدد محدود إذ تكون مجلس (السيادة) بعد يوم من قيام الثورة من خمسة أشخاص أما الحكومة فقد قام رئيس الجمهورية بتأليفها وحسب قول المناضل محمد الفسيل كان الاتجاه أن يؤلفها القاضي عبد الرحمن الإرياني الذي عين فيها وزيراً للعدل فيما عين محمد علي الأكوع وزيراً للأوقاف ومحسن العيني وزيراً للخارجية وعلي محمد سعيد وزيراً للصحة وحسن العمري للمواصلات. وبسبب الأوضاع السائدة بفعل تكالب فلول النظام البائد وصغر حجم مجلس السيادة وعدد الوزارة وعودة مناضلين من القاهرة إلى صنعاء فقد استحدثت وزارة الإدارة المحلية “البلديات” بعد أسبوعين من التشكيل وأسندت للأستاذ النعمان الذي كان مرشحاً لحقيبة الخارجية إلى جانب الزبيري الذي تقلد وزارة التعليم “المعارف” وعبدالطيف ضيف الله تولى وزارة الداخلية في هذه الحكومة وتقلد حمود الجائفي منصب وزير للحربية منها. مجلس قيادة الثورة - وفي حين شكلت قيادة الثورة “محكمة الشعب” ومعها إجراءات أخرى على طريق ترتيب البيت الداخلي توجت في 31 أكتوبر 1962م بتشكيل مجلس قيادة الثورة مؤلفاً من: عبد الله السلال رئيس الجمهورية عبد الرحمن البيضاني عضواً عبد الله جزيلان محمد قائد سيف عبدالطيف ضيف الله عبد الرحيم عبد الله عبد الرحمن الإرياني عبد السلام صبرة العقيد حسن العمري الملازم أول سعد الأشول الملازم أول محمد مفرح عبد القوي حاميم عبد الغني مطهر محمد المأخذي محمد مهيوب ثابت علي محمد سعيد محمد الأهنومي حسين الدفعي وكان هذا المجلس بديلاً عن مجلس السيادة وبتأثير الظروف الحربية التي استدعت تدخل القوات المصرية إلى جانب الثورة السبتمبرية. مجلس الوزراء جاء تشكيل مجلس متزامن مع تشكيل مجلس الوزراء على النحو التالي: - عبد الله السلال رئيساً للجمهورية ورئيساً لمجلس الوزراء وقائداً عاماً للجيوش. الدكتور عبد الرحمن البيضاني نائباً لرئيس الجمهورية ووزيراً للخارجية. المقدم عبد الله جزيلان وزيراً للدفاع. قائد سيف وزير دولة الشئون رئاسة الجمهورية والإعلام. الطيار عبد الرحيم عبد الله وزيراً للطيران. القاضي عبد الرحمن الأرياني وزيراً للعدل. - عبد السلام صبره وزيراً للأوقاف وشئون القبائل حسن العمري وزيراً للمواصلات عبد القوي حاميم وزيراً للبلديات والقرويات عبد الغني مطهر وزيراً للتجارة محمد مهيوب ثابت وزيراً لشئون المغتربين محمد سعيد وزيراً للصحة محمد الأهنومي وزيراً للتموين. حسين الدفعي وزيراً للعمل الرائد محمد الرعيني وزيراً للزراعة عبد الله الكرشمي وزيراً للإشغال - الدكتور عبد الغني علي وزيراً للمالية الدكتور حسن مكي وزيراً للاقتصاد محمد محمود الزبيري وزيراً للمعارف تشكيل 31 إكتوبر جاء مُرضياً وكان تعديلاً لتشكيلة 29 سبتمبر وقد تتابع التغيير والتنقل: فتحول وزير محافظ لواء وتعين وزير سفيراً وكان هذا التغيير والتنقل واستحداث وزارات جديدة فترات قصيرة فالعيني مكث في الخارجية شهراً لا غير وأمين عبد الوسع نعمان مكث شهرين في وزارته ثم عين محافظاً للواء تعز ليحل محله أحمد المروني ثم تسارع التعديل والاستحداث في كل وزارة باستثناء المالية والأشغال فمثلاً أحمد المروني تنقل خلال سنتين على الإرشاد،والتربية والتعليم،والأوقاف، والإعلام ومثله وزير الشئون الاجتماعية،والعمل، والعدل، وكذلك الوزارت المستحدثة حيث تعاقب وزراء على وزارة الإدارة المحلية التي كان اسمها وزارة الحكم المحلي وكان أول من تقلدها النعمان بعد أسبوعين من تشكيل أول حكومة للجمهورية العربية اليمنية وزارة الوحدة تتالى عليها أربعة وزراء في ظروف خمس سنوات حتى حل محلها مكتب شئون الوحدة التعديلات في حكومات الثورة المتعاقبة في سنواتها الأولى تعدد شأنه شأن تعدد التشكيل الحكومي.. ترأس الحكومات المتعاقبة بعد قيام الثورة وفي ظل رئاسة السلال: عبدالله السلال رئيس الجمهورية ترأس أيضاً أول حكومة في تاريخ اليمن الجمهوري في سبتمبر 1962م. عبداللطيف ضيف الله تولى رئاسة الوزراء (المكتب التنفيذي) في 1963/4/25م القاضي عبدالرحمن الإرياني ترأس المكتب التنفيذي الحكومة ثم أصبح عضواً في مجلس الرئاسة ونائباً لرئيس الجمهورية في هذه الفترة. حسن بن حسين العمري أصبح رئيساً للوزراء في 10فبراير 1964م ثم مرة ثانية عاد إلى رئاسة الحكومة في 6يناير 1965م ثم مرة ثالثة في 20 يوليو 65ورابعة في 16إبريل 66ثم مرة خامسة في 21ديسمبر 1967م بعد انقلاب 5نوفمبر على المشير عبدالله السلال الذي استمرت رئاسته خمس سنوات وأربعين يوماً. حكومة الجائفي أصبح رئيساً للوزراء في 64/5/3م وكان أول وزير للحربية المنصب الذي تقلده أيضاً لاحقاً في 14/4/66بعد أن كان قد عين عضواً في المجلس الجمهوري في 4/9/65وكان قد عين سفيراً ل ج.ع.ي في القاهرة عام 63ثم في ليبيا عام 1974سفيراً لليمن لدى السعودية عام 1976م. حكومة المشير السلال عام 1967قبل انقلاب 5نوفمبر. حكومة النعمان في عهد السلال: عمل الأستاذ أحمد محمد نعمان أول وزير للإدارة المحلية في أول حكومة عام 1962م ونائباً لرئيس الوزراء في 2/ 64/10م فرئيساً للوزراء في 1965/4/20.. ارتبطت هذه الحكومات بأوضاع التخلف والإرث القديم من عهد الإمامة وتصدرت مهامها ترسيخ أهداف الثورة وبناء الإدارة والدفاع عن النظام الجمهوري الوليد وتمكين كل ذي استعداد من الإمساك بمفاتيح التعليم والمشاركة في معركة البناء والحرب ضد أعداء الثورة ولأنها لم تكن حكومات مستقرة فقد تعثرت مهامها وواجهت كوابح الأمية والجهل مما هو موروث واعتمدت في بناء الأمن والاستقرار ونشر قيم الثورة ومبادئها على استمالة رموز القوى الاجتماعية والقبلية ومداراتهم ولعبت ثقافة الماضي دوراً في إبراز سلبيات هذه السياسة التي بدت مبررة في اعترافات وبيانات ومواقف متناثرة في صفحات مذكرات بعض المناضلين الكبار وأعمدة في الحكم خلال هذه الفترة، إلا أن الأساس القانوني لنظام الحكم ظل يراوح مكانه حتى ما بعد حركة 5نوفمبر بسنوات ثلاث وإقرار الدستور الدائم.