المهندس سعيد العريقي : عمليات إعادة تدوير الزيوت العادمة التي تتم في بلادنا ليست أكثر من غش وتزوير وتلاعب يحيى قائد صالح : قولوا لنا أيّن أحسن نسكب هذا الزيت الحارق فوق التراب..وإلا نجمعه ونبيعه فنفيد ونستفيد!؟ فجأة أصبح الطَلب المتزايد لزيوت المركبات العادمة سبباً في تلاشي خطرها على البيئة الذي استمر لعقود يفتك بملامح حياة الأرض من الأعماق..تَحول أولئك الذين كانوا يغذون التربة بتلك المهلكات إلى أناس ثُقات يتفانون في المحافظة عليها، ليس حباً بها وإنما طمعاً بالأموال التي باتت تدر عليهم من معامل ومصانع إعادة تدوير تلك الزيوت . زيت حارق.. أمام هذا التحول الذي هو باعتقادي واعتقاد كثيرين «أكثر من رائع» إلا أنه بالمقابل قد يضع البعض منا في الاتجاه الآخر..وهو ما تم بالفعل، وقد تجسد هذا التباين من الوهلة الأولى لإثارتي هذه القضية، فجميع من التقيتهم من أصحاب محلات البنشر وورش الصيانة يدعمون هذا التوجه وبقوة، وقد علق أحد السائقين على ذلك بالقول «يحق لهم..فهم المستفيدين في كل الأحوال..». سامي مقبل «صاحب محل بنشر» كان ضد توجهنا في مجابهة ظاهرة الزيوت المغشوشة، واصفاً من ينحون ذات التوجه بأنهم أعداء «لهم» وللبيئة! قد يكون صاحبنا سامي غير مطلع على خطورة تلك الزيوت المغشوشة التي ربما يتفانى في بيعها من الأبواب الخلفية، وما أتمناه أن يقرأ هذا الملف جيداً ليعلم أن كلتا الحالتين أخطر من بعضهما على البيئة تارة وعلى الإنسان تارة أخرى، وبدلاً من صب تلك الزيوت العادمة فوق الأرض وجعلها تتغلغل في عمق التربة لتفسدها وتلوث مياهنا الجوفية، فالأولى تجميعها في أحواض مخصصة لذلك وبيعها ليس لكل من هب ودب، وإنما لذلك « الثقة» الذي يتولى إعادة تدويرها وتكريرها وفق المواصفات العالمية تحت إشراف شامل من الجهات المعنية في هذا الجانب . معايير مهمة وما ينبغي التأكيد عليه أن عمليات إعادة تدوير الزيوت المستهلكة تتطلب إعادة التصنيع الجيد وإعادة التكرير وفق عمليات حديثة ومتطورة، تشغيلها عالي الكلفة خاصة حين الأخذ بكافة الاعتبارات البيئية والصحية، وهي عمليات فيزيائية كيميائية تهدف إلى إزالة كافة الملوثات من خلال الترسيب وإزالة المياه والتبخير والفلترة واستخدام الطرد المركز، والهدف من كل ذلك ليس إنتاج زيت يوازي نوعية الزيت الأصلي، بل تنظيف ذلك الزيت لدرجة معينة من الملوثات مثل الأوساخ والمياه والزيت الثقيل والمضافات الأخرى . الكلام في هذا الجانب بحسب اطلاعي على عدد من الدراسات المُهتمة قد يطول ويطول، وما ينبغي التأكيد عليه أن ثمة عوامل ومعايير مهمة اتفق عالمياً على وجوب مراعاتها عند اختيار وتحديد تكنولوجيا المعالجة المطلوبة لإعادة الاستخدام والتدوير، ومن هذه الاعتبارات التركيز على سؤال رئيسي يتمحور في الحدود التي يمكن في إطارها معالجة الزيوت المستهلكة للحصول على المنتجات المطلوبة، ومراعاة الأخطار المُحتملة على صحة الإنسان والبيئة، والتوازن الاقتصادي، ومتطلبات السوق، ومتطلبات كلفة النقل، وموقع وحدة المعالجة «التصنيع»، ومعالجة النفايات الخطرة والنواتج العرضية لها، وكذلك مراعاة سلامة وصحة العاملين. «لعب على الذقون» علماء البيئة يرون في عمليات تدوير وإعادة صناعة الزيوت بديل ناجح للحد من تلوث الأرض، مشترطين في ذلك أن يتم في إطار المواصفات العالمية المتعارف عليها..المهندس سعيد العريقي يدعم مثل هذا التوجه وهو أكثر إصراراً على أن تتم عملية التدوير وفق الشروط السابقة..لافتاً أنها إذا تمت بدون ذلك فلا ولن تجدي في تخليص البيئة والناس من التركيبات السامة والخطيرة لتلك الزيوت، واصفاً عمليات التدوير التي تتم في بلادنا «باللعب على الذقون» وأنها ليست أكثر من غش وتزوير وتلاعب..وأن الخطر في هذه الحالة أشد ضراوة من ذي قبل! يوضح المهندس سعيد هذه الجزئية أكثر فالزيوت المشابهة التي يتم استيرادها أو تهريبها من دول مجاورة - كدبي مثلاً- هي أقل خطراً من تلك المصنعة محلياً؛ لأن عمليات تدويرها وتكريرها تمت وفق المواصفات العالمية.. «قاطعته» حتى تلك مغشوشة وفيها نظر.؟. «فأجاب» قد يكون كلامك صحيحاً إلا أن الغش الذي فيها ليس بذلك الحجم المهول الموجود في بلادنا..!! ثم عاد المهنس سعيد واستدرك: الغش عموما مسلك من المسالك الضارة التي عرفها الإنسان وحاربتها التشريعات، معتبراً فترة التحول التي يمر بها مجتمعنا اليوم فترة خصبة لازدياد معدلات الجرائم، وبخاصة الجرائم الاقتصادية ومنها جرائم الغش، مرجعاً ذلك لأسباب أهمها ضعف الإطار الأخلاقي، وازدياد الفرق بين طبقات المجتمع، وضعف الأجور، الأمر الذي يترتب عليه رغبة المواطن في شراء المنتج الأرخص ثمنا، مضيفاً السبب الأبرز المتمثل بالنظام الاقتصادي الحر وما يتبعه من عدم تحمل قوى منافسة داخل السوق؛ مما يزيد من معدلات الجرائم والغش إحداها . نفايات مهلجنة يشاركه الرأي الباحث في شئون الزراعة والبيئية المهندس مختار الصلوي فالضرر في الزيوت العادمة يكمن حد وصفه في مكوناتها السامة والخطرة..لافتاً إلى وجود زيوت محظورة «غير مكررة» في بلادنا بعيدة كل البعد عن المواصفات والاعتبارات العالمية، على عكس الدول الأخرى التي تحظر استهلاك الزيوت المحتوية على (هالوجينات) تتجاوز ال(1000) جزء من المليون؛ لأنها تكون مخلوطة بالنفايات المهلجنة التي تقضي على عناصر المكونات العضوية للتربة، ويفقدها سمة الإخصاب وخاصية الحيوية.. يضيف مختار: المواصفات العالمية في هذا الجانب حددت أن الزيوت التي تحتوي على تراكيز(pcbs ) يجب أن تكون أقل من (5) ملغم/لتر ويتم التعامل معها كنفايات غير خطرة، وبالتالي يمكن استخدامها كوقود آمن وسليم، ومن هذا المنطلق فإن عملية التدوير لتلك الزيوت الموجودة في بلادنا لن تؤتي أكلها بفعل الاختلال القائم في مواصفات تلك الزيوت، هذا جانب، يضاف إليه عدم وجود معامل لإعادة التدوير بالطرق الحديثة كما في الدول المتقدمة . ونبه مختار في آخر حديثه إلى الأضرار الكبيرة التي يسببها احتراق الزيوت غير الأصلية والمقلدة والمغشوشة على البيئة والمجتمع . «كالأسيد» “ قولوا لنا أين أحسن نسكب هذا الزيت الحارق فوق التراب..والا نجمعه ونبيعه فنفيد ونستفيد..» عبارة دارجة انبعثت من لسان يحيى قائد صالح «بنشري» لخصت ببساطتها الحل من وجهة نظره البعيدة كل البعد عن باقي الخطر..لا أنكر أن صاحبنا «يحيى» حسن النية غير مدرك لباقي التفاصيل الموجعة..وهو للعلم أحسن تفاعلاً ممن يشاركونه ذات المهنة في هذه الجزئية تحديداً..فقد أثيرت في مخيلتي مصفوفة من التساؤلات والشكوك أثناء نزولي الميداني لإعداد هذا الملف..فيما نزلت المفاجأة عليّ كالصاعقة حين وجدت غالبية من التقيتهم من أصحاب محلات البنشر في مدينة تعز وأطرافها متحفظين بخوف صامت في الرد عن استفساراتي اللامتناهية وفي الأخص..»إلى من يبيعون تلك الزيوت العادمة» ، ليأتي الاتهام بعد ذلك مصبوباً «كالأسيد» من بعضهم بأني لست سوى «قاطع أرزاق»!!، وهو الأمر الذي أثار استغرابي فأدركت لحظتها أن في الكواليس تفاصيل محظورة، لأكتشف بعد استقصاء مشوب بالحذر أن تلك المحلات مُعتمدة بشكل رئيس على بيع تلك الزيوت العادمة.. فالبرميل الواحد قيمته عشرة آلاف ريال. لا أنكر أنني مع بيع تلك الزيوت..ولكن لمن.!؟ وهو السؤال الذي رفض غالبية من التقيتهم الإجابة عليه خوفاً من «قطع الرزق»الذي صيروني بسببه طرفاً رئيسياً فيه، حينها أدركت أن اللجان الضبطية التي تحدث عنها مدير مكتب الصناعة والتجارة في محافظة تعز أتت أكلها..قد يكون ذلك جانبا من مدعى ذلك الخوف، فيما الجانب الآخر»أصل الحكاية» مُبهم حتى اللحظة، والسؤال الذي يفرض نفسه هل تتكفل الجهات المعنية بالإجابة على «ذات السؤال..؟!!».