أهمية التعاون مما لاشك فيه أن الجمهورية التركية من الدول المعروفة في العالم التي تمتلك أسسا قوية لمقومات النهضة الشاملة لمختلف مناحي الحياة. فالجمهورية التركية تقف في مصاف الدول الصناعية الكبيرة، وتمتلك مساحة لا بأس بها في السوق العالمية، وبالخصوص السوق الأوروبية حيث إن مخرجات الصناعة التركية تمتلك من معايير الجودة العالمية ما جعلها تحتل مكانة تنافسية جيدة في الأسواق الأوروبية والعالمية، وذلك ليس بمستغرب فالجمهورية التركية انطلقت من الأساس القوي للدولة العثمانية التي كانت قوة عالمية لا يستهان بها حيث حكمت العالم العربي، وأجزاء من آسيا وأوروبا لعدة قرون، وكانت تتمتع بامتلاك إمكانيات الدولة العظمى لمختلف المجالات الصناعية والعسكرية والزراعية، والمستوى العالي للإدارة والتنمية البشرية، كان ذلك مستهل ورقة العمل التي قدمها م. عبدالله محسن الأكوع عضو مجلس إدارة منارات، والذي أشار إلى أن الدولة العثمانية عملت على نقل خبرتها وتجاربها في النهوض الصناعي، والتنموي، والسياسي إلى البلدان التي حكمتها حينذاك، ومن تلك البلدان اليمن التي وصلت مراحل التصنيع والتنمية فيها قبل أكثر من مائة وخمسين عاما إلى مستويات لا يصدقها من لم يطلع على الجزء اليسير من ملامحها، وتنوعت في العديد من المجالات، مثل الصناعة والإنشاءات والطرقات والتعليم والإدارة وغيرها، واستعرض الأكوع مجالات التصنيع، ابتداء بصهر المعادن والإنتاج الحربي مثل المدافع والبنادق، والمسدسات، والذخائر المختلفة، وكذلك تصنيع قطع الغيار لبعض الأجهزة وغيرها من المعدات، وكذلك التصنيع المدني بتنوعاته مثل صناعة السجاد، والزجاج، والنسيج وغيرها من المجالات المتعددة، وأما في المجال الإنشائي فالشواهد الإنشائية التي لايزال البعض منها قائماً تحكي المستوى المتطور لهذا المجال آنذاك.. كما أشار إلى الجانب التعليمي الذي أخذ بعداً كبيراً حيث تم إنشاء العديد من المنشآت التعليمية بالمستويات المختلفة. فرصة لإحداث نقلة تنموية وذهب الأكوع في ورقته إلى القول: لو قدر لبلادنا أن تستمر في المضي بنفس المستوى الذي وصلت إليه قبل أكثر من مائة وخمسين عاما لكانت اليمن اليوم تحتل مكانة متميزة في الكثير من المجالات على المستوى الإقليمي، وقد تكون متفوقة على العديد من الدول التي يقدر عمر النهضة فيها بحدود نصف قرن من الزمان. واليوم نحن نعيش عالما تفتحت فيه وسائل المعرفة وتوفرت فيه آليات انتقال العلوم والتقنية بمختلف تنوعاتها ومستوياتها فليس لنا من عذر في عدم انتهاز ما يلوح في الأفق من الفرص لإحداث النقلة العملية والصناعية والتنموية الشاملة التي تستحقها بلادنا. وبما أن العالم العربي عموماً واليمن خصوصاً يشهد مرحلة هامة في التاريخ التركي حيث ظهرت فيها الجمهورية التركية بمظهر الدولة الكبيرة التي تمتلك المقدرة على الانطلاق بنوع متميز ومنفتح من العلاقة الجادة مع العالمين العربي والإسلامي والاستعداد للانطلاق نحو مرحلة جديدة من التعاون والتكامل في العديد من المجالات وتبني القضايا المصيرية. فبلادنا اليوم بحاجة ماسة إلى الاستفادة في إطار علاقات التعاون والتكامل من واقع تجربة النهضة التركية بتحقيق التبادل التجاري والصناعي الذي تمتلك بلادنا مقومات نجاحه وخاصة في ظل وجود قوة بشرية تقارب خمسة وعشرين مليون فرد ويشكل هذا الرقم مؤشراً اقتصادياً هاماً على الصعيدين الإنتاجي والاستهلاكي، بالإضافة إلى وجود الأسواق المجاورة، وخصوصاً دول القرن الإفريقي. وانتقل الأكوع للحديث عن انطلاقه تركيا بالتركيز في أعمالها على قطاع التكنولوجيا والابتكارات منذ تطور عهد التقنيات التي جعلتها تسعى نحو البحث والتطوير الذي كان من نتائجه انتعاش الإنتاج ورفع جودته وإنتاجيته وبهدف خفض التكاليف وزيادة الجودة، وهو ما أدى إلى زيادة القدرة التنافسية التي رفعت من حصة تركيا في الأسواق العالمية، وزيادة عائداتها من الأرباح، وبالتالي ساهمت في زيادة رؤوس الأموال، لهذا السبب، فإن قطاع التكنولوجيا والمعلومات هو القطاع الذي يفتح الطريق أمام المستقبل، ويختصر المراحل الزمنية في النهضة والتنمية، ومن فروع هذا القطاع تأتي تقنيات المعلومات، وعلم الوراثة أو التكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا النووية بجيلها الجديد، وخلايا الوقود بتقنياتها المختلفة.. ولذلك فإن الإصرار لدى الجمهورية التركية على مواصلة النمو في هذه المجالات حقق وبنجاح ملموس ارتقاء منتجات الصناعة التقنية التركية المتنوعة مما انعكس إيجاباً على زيادة وتنمية النشاط التجاري الدولي لتحقق العائدات الاقتصادية وتسجل أرقاماً مميزة حتى في ظل الانتكاسات المالية العالمية. الظروف مهيأة ونبه الأكوع إلى أننا اليوم نقف أمام حقيقة أن الظروف قد تهيأت للانطلاق نحو خطوات جادة تتخطى مشاعر العاطفة بين الشعبين اليمني والتركي للدخول في شراكات حقيقية وعملية مع مختلف القطاعات التجارية والصناعية التركية، والقطاع الخاص اليمني هو المحور المستهدف بهذه الفرصة التي هي نتاج حقيقي للمبادرة التركية الرائعة تجاه العالم العربي والمتمثلة برسائل الحكومة التركية المعلنة والداعية لفتح مرحلة جديدة من علاقات ومنافع متبادلة تتطلع لمستقبل واعد يستلهم علاقات الشراكة والتكامل للماضي المشرق من تاريخ الخلافة العثمانية. ومؤخراً ووفق ورقة المهندس عبدالله الأكوع فقد شهدت الأسواق اليمنية ازديادا ملحوظاً للمنتجات التركية المختلفة من أجهزة التقنيات والكهربائيات المنزلية والأثاث، بالإضافة إلى الملابس والمنتجات الغذائية وغيرها، وذلك يدعو للسعي الجاد في إقامة مشاريع صناعية مختلفة بالاستفادة من الخبرات التركية المتطورة في المجالات الصناعية والإنتاجية المختلفة، ويتم تحديد الجهات المعنية بذلك إلى جانب المؤسسات الرسمية وهي الغرف التجارية والصناعية، بالإضافة إلى شركات القطاع الخاص التي لها علاقات تجارية قائمة مع تركيا مع الأخذ في الاعتبار الامتيازات والتسهيلات المطلوبة من المؤسسات الحكومية المعنية؛ لما لذلك من أهمية كبيرة للانطلاق في مشاريع مشتركة صناعية، وإنتاجية في اليمن، وإذا تعذر تقديم التسهيلات فليكن هناك على الأقل حماية تلك المشاريع من المضايقات والابتزاز، وكذلك الإدراك الجاد لأهمية تبديل النظرة إلى القطاع الخاص، واعتباره أساساً لتحقيق النهضة المنشودة. علاقات علمية وفي إطار التصور للسعي نحو تكامل اقتصادي استحضر الأكوع الأهمية الكبرى للتعاون في مجال الدراسات العليا والبحث العلمي، فالمؤسسات العلمية والأكاديمية التركية معروفة بمستواها المتطور حيث أولتها الحكومة التركية اهتمامات كبيرة؛ لأنها تعتبر الأداة الأهم في صناعة النهضة من خلال تأهيل الكوادر البشرية التي تعتبر المحرك الأساس لمفهوم التنمية الشاملة.. فالجهات المعنية مدعوة بحكم اختصاصها لإنشاء علاقات علمية مع المؤسسات العلمية والأكاديمية لما سيتحقق من استفادة عملية من التجربة التركية المتطورة في المجال الأكاديمي والبحث العلمي، وبما ينعكس إيجاباً على مستوى التحصيل الأكاديمي والأبحاث العلمية، كما أننا في أمس الحاجة إلى الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في توجيه مجال الدراسات العليا لخدمة الأهداف العلمية، والتنموية في مجالات الحياة المختلفة، وبحاجة لأن ندرك الإمكانات الكبيرة لدى طالبي الدراسات العليا في البحث والاستعداد لقضاء ساعات طويلة مصحوبة بجهد كبير في إنجاز مشاريع التخرج التي تكون أحياناً وللأسف أداة للحصول على مسمى الدرجة العلمية فقط لدخول معترك الحياة العملية، وهذا يجعلنا ندرك الكم الهائل من الجهد للطاقات الشابة التي كان يمكن توجيهها لإنجاز دراسات، وأبحاث تخدم مجالات كثيرة ستنعكس إيجاباً في النهضة والنمو، وسيكون المردود منها عظيماً على الدولة والمجتمع، فالدول المتقدمة أدركت ذلك، وجعلت من مشاريع التخرج، ورسائل الدراسات العليا محققات لأهداف تنموية، وصناعية، وبحثية مستقبلية كثيرة لدرجة أن العديد من الشركات في العالم تقوم بكفالة باحثين توجه أبحاثهم لخدمة أهداف التطوير الصناعي، والتقني لهذه الشركات والدليل على ذلك أن ما يشهده العالم من ابتكارات، واكتشافات علمية، وتقنية يكون مصدرها في الغالب من الجامعات، ومراكز أبحاثهم.. واختتم الأكوع ورقته بالدعوة إلى إدراك الأهمية القصوى لقيام الجامعات اليمنية والمراكز البحثية بفتح قنوات التواصل اللازمة؛ وذلك لتحقيق إقامة شراكات علمية مع الجامعات والمراكز البحثية التركية؛ لما يمكن أن يتحقق من خلاله مستقبلاً إنجازات علمية وبحثية كبيرة في جوانب متعددة تقف اليمن دائماً في موقع الاستحقاق المنطقي لها.