العمل الفني عادة ما يلجأ إلى الاستعارات والرموز في التعبير عن مفاهيم دلالة النص، ويكون مرتكزاً على مفردات استعارة تتشابك مع مفردات اللوحة، أو التمثال، او القطعة الخزفية، فالاستبدال أو استعارة المعنى هو محور العمل الفني لتنقله من نص المقدرة إلى العرض (المتلقي)، كون لغة العمل الفني ليست بالضرورة كلامية.. ولكن هناك أنظمة أخرى من الدلالات إن وجدت تقدم عدداً من القراءات المحتملة) (1) والفكرة المفترضة الواحدة للنص في العمل الفني (الخزفي) يمكن بفعل الدلالة أن تنتج لها صورة وأفكاراً متعددة للتعبير عنها، وبهذا كونت نوعاً من الاعتماد على القدرة التأويلية، عند الفنان أو عمله أو إنتاجه الفني، هذه الخاصية الدلالية تمكن العمل من القفز على المعنى الواحد، ولاسيما أن العمل، أي العمل الفني بدلالته يتضمن عدة معان، وبهذا الانطلاق نحو هذه التعددية، والمرهونة بأسس النص الدلالي ومن ثم انفتاحه على التأويل عبر تجاوز اللغة النصية بلغة الدلالة، قد يعطيها نوعاً من التكثيف لأن تختزل الكثير أو على اقل تقدير تختزل عدداً من المفردات من معطى الدلالة الذي هو أصلاً معطى (سيميائي) المحمول بمفرداته العلامة - الشفرة - الرمز وعلامات نص العمل الفني الذي يترجم المفاهيم والأفكار بالاعتماد على المعطيات الذهنية، هذه كونت نوعاً من العلاقات الدلالية، في سلسلة أعطت نوعاً من الحقيقة، لفن الخزف في أن يتعدى المفاهيم الاستعمالية والاستخدامية وحتى عامل التزيين التقني وبالمقابل هناك علاقات متخفية تربط مجموعة من العناصر التي تعتمد على ذهنية الفنان الخزاف نفسه وهذا يعتمد بشكل اكبر على المرجع (فالعلاقات الإيحائية هي علاقات غيابية تربط مجموعة من العناصر، اعتماداً على الذاكرة)(2 )، ابرز ما يمكن استخدامه في العمل الفني، عندما تتحول دلالة المفردة النصية، إلى دلالات محددة ضمن بنية النص، وهذا يعطيها صيغة فنية قادرة على أن تتحول إلى عناصر، علاماتية تتشكل وفق نسق ونظام يظهر من خلاله عبر منظومة عرض العمل الخزفي (يمتلك طاقة تعبيرية عالية تقوض الإحساس بترابط الدال والمدلول عند التشكيل، فالدال يبحث عن مدلول متغير غير السائد وبهذا يتحرك الدال بعيداً عن دائرة المدلول الثابتة)( 3) هذا المتحرك البعيد عن دائرة المدلولات الثابتة، مولداً معاني جديدة بصفة دلالية من خلال، ضخه أفكاراً جديدة وهو ما يزيد من تعدد القراءات ومن اتساع مساحة التأويل، وأيضاً يأخذ نمط الحركة المتسلسلة، (التوليد الدائمي للدال داخل مجال النص لا يتم وفق النمو العضوي أو بطريقة تأويل فحسب، وإنما وفق حركة تسلسلية للتداخل والتغيير)(4 ) وبهذا إن مفهوم المعنى في العمل التشكيلي الخزفي لم يكن أحادي النص حتى وان كان ذات أفكار مختلفة أنتجتها معايير المدارس الفنية المعاصرة، وبما ان التأويلات هي البنى الأساسية لتوليد المعاني في العمل الفني التشكيلي الخزفي، والتي تكمن داخل إطار النص وليس خارجه والمعنى يتركب من عدة مراحل. الدائرة الذهنية (المخيلة)مروراً بالمعنى الموجود (داخل) النص (العمل الفني التشكيلي)المعنى التأويلي حسب رؤية المتلقي. عند القراءة (أي العمل الفني) يتحرك المعنى عبر مراحل ليكون (رسالة تصل إلى المتلقي)عبر سياق خاص هو الذي يحدد المعنى في مرحلة إنتاج العمل الفني التشكيلي والذي ترتبط فيه نسبة عالية من المعنى الدلالي الذي يراد إيصاله بفهم من السياق- الشفرة- وسائل الاتصال والمعنى هنا فعل اتصالي. تعددية المعنى هي من السمات الجيدة التي تحسب للنص الدلالي في العمل الفني التشكيلي الخزفي، الذي يتضمن مفردات يتم الاشتغال عليها بانفتاح أكبر، لكونها تحمل علامات مكثفة تؤدي الى تأويلات متعددة، (وتعددية النص لا تعود لالتباس مستوياته، وإنما لما يمكن أن نطلق عليه التعدد المتناغم للدلالات التي يتكون منها)(5 ). الفنان التشكيلي (الخزاف) تحديداً عندما يختار نتاجه الفني، ومفردات النص بدلالات معينة فإنه يدرك آليات ارتباط النص بالرؤيا الخاصة، ويعمل على إجراء نوع من العمليات لإزالة التعقيد في العمل نفسه كون العمل الخزفي يحتاج إلى نوع من العمليات والمعادلات والتجارب لاستخراج اكاسيد لونية أو حتى الوصول إلى درجات الحرق المتناسبة مع نوع الخامة (الطينة)، وهنا عمليات التآلف والوحدة والانسجام يبدو للباحث في مجال فن الخزف مطلوبة لأنها تسهم إشراك نوع من الخيال، لتأليف نص جديد داخل العمل الفني التشكيلي الخزفي، هذا التركيز على الفكرة، يعطي فرصة لإبراز تفصيلات قد تكون هي الأخرى منتجة للقيمة، من خلال ملأ فجوات النص، بأفكار ذات قيمة دلالية، وتكون هذه حسب تأويلية المتلقي الذي يقوم بدوره بتصدير العلامات والإشارات وهذه لا تستطيع ان تغادر نص العمل، بأن تتشظى داخل النص المتشكل، الذي يتجاوز المستوى الوظيفي ويدخل إلى المستوى الإيحائي. هذا التأسيس الجديد، كان يتم وفق دلالات، ربما عملت في دائرة الجمال، ليحاول العمل أن يقرأ وفق مساحات جديدة مكونة تنتج المعنى، فعملية الدلالة موجهة داخل العمل، وتخضع لدلالات تصدر إلى المتلقي المعنى من خلال تلك العلامة نفسها. يرى الباحث أن الدلالة تصب في قراءة نص العمل التشكيلي الخزفي من حيث إنتاج المعنى، فالرمز يؤدي إلى الإيحاء وبدوره يؤدي إلى التأويل، هذا التتابع هو أحد المعطيات الذي توفر لدى المتلقي عند قراءته للنص، وتكون أدواته هي ليست الخامات فحسب وإنما هناك أدوات مولدة يستخدمها بفعل دلالات النص إلى اقتراح تأويلات مجددة، أي أننا نستطيع أن نوسع النص عندما يتصدى الفنان لمفردات ذات دلالات جديدة وثقافات جديدة تميزه للوصول إلى معان للنص أحدثتها دلالة العمل. تمتاز الدلالة في العمل الفني التشكيلي ولاسيما الخزف تحديداً بتصعيد المعنى، أي تشكيل صورة في ذهن الفنان، ومن ثم يتم مرورها من خلال جملة ضرورات يحتاجها العمل نفسه، بعيداً عن الخامات لتشكيل معنى ينمي بنية العمل أكثر ثراء في الأفكار، لذا الدلالة هي سلسلة من العمليات تشترك في مستوى الفهم عندما تعتمد على الحواس، ( تبدأ بالإدراك وهو المستوى الأول الذي يعتمد على حواس المتلقي، ثم التعرف بوصفه عملية ذهنية، ثم يلي ذلك مستوى الفهم الذي يساعد على فك رموز العلامات والتوصل إلى دلالة)(6)، بفعل الدلالة يشترك التأويل في العمل الفني التشكيلي ومع هذه الضرورات يصبح هناك نوع من التفرد في غرابة المعنى، ومن ثم إنتاج قيم جديدة ولكن بتأويلات جديدة. ......... (1 ) فرديناند سوسير، دروس في علم اللغة العام، ترجمة يوئيل يوسف، العراق، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1986م، ص24. (2 )فرديناند سوسير، دروس في علم اللغة العام، مصدر نفسه ص36. ( 3)موريس أبو ناظر، علم الدلالة الالسني، مجلة الفكر العربي المعاصر، مركز الإنماء العربي العدد 19-18 بيروت 1982 م ص245. ( 4)عواد علي ، شفرات الجسد، عمان، الأردن، دار أزمنة للتوزيع والنشر، 1996م. (5 ) رولان بارت، درس السيميولوجيا، ترجمة عبد السلام بنعبيد، المندب، دار ويقال للفكر والنشر، 1986م ص62. ( 6) احمد بوحسن، نظرية التلقي إشكالات وتطبيقات، المغرب، الدار البيضاء، منشورات كلية الآداب ط1 ص151.