في احدى الدورات التدريبية , كنا نتكلم حول تغيير العبارات السلبية إلى عبارات إيجابية, وأعطيت المشاركين بداية ً مثال وهو عبارة و جدتها على باب احد المحلات هي: (عفواً محلاتنا تقفل يومي الخميس و الجمعة) وطلبت منهم تغييرها إلى عبارة إيجابية, وكانت من احد المشاركين: (تبقى محلاتنا مفتوحة طوال أيام الأسبوع ما عدا يومي الخميس و الجمعة), فقالت احدى المشاركات : لكني لا أرى فرقاً, فقلت لها الفرق واضح فالعبارة الأولى ذكرت الإغلاق- وهو جانب سلبي بالنسبة للمخاطب – أولاً , أما العبارة الثانية فذكرت الجانب الايجابي أولا ً . فقالت : لا أظن أنه يوجد فرق بين العبارتين , فأردت أن أوضح لها وللمشاركين وجود فرق و أن صياغة العبارات بأسلوب جيد له أثر كبير , فقلت : كان يا ما كان في قديم الزمان كان هنالك ملك رأى في المنام أن أسنانه كلها تقع , فقام فزعاً من نومه , وفي صباح اليوم التالي طلب من وزيره أن يحضر مفسراً للأحلام , فلما جاءه : قال له : مولاي الملك أن تفسير رؤياك هو أنه سيموت كل أفراد أسرتك و ستبقى وحيداً , فغضب الملك ونسي الأمر , فأتاه الحلم مرة ثانية , فاستدعى وزيره في الحال وطلب منه إحضار أعلم مفسري الأحلام , و لو كان في بلاد أخرى , فأحضر له الوزير مفسراً للأحلام وكان حكيماً , فقص له الملك ما رآه في المنام , فقال له المفسر : سيدي الملك: تفسير ذلك هو أنك أطول أفراد أسرتك عمراً , فسر الملك من هذا الشيخ المفسر وأمر له بمكافأة , و عند ذلك أدركت المشاركة الفرق. لاحظ معي عزيزي القارىء أن أسلوب صياغة الكلمات له دور كبير , وكلما كان ايجابياً كلما كان أدعى للفهم وحسن استجابة المخاطب , فلتكن كلماتك و عباراتك ايجابية , و اختر الوقت المناسب لقولها ,و حتى لو كنت ناصحاً أو موجها فلتكن نبرة صوتك متوسطة و غير مرتفعة و ليكن هدفك التصحيح و ليس التجريح و ليكن ذلك مع الشخص المعني فقط لذلك يقول الإمام الشافعي - رحمه الله - : تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإذا كنت مديراً فبدلاً من قولك لأحد موظفيك : «ما هذا التقرير أنت لا تفهم .. الأخطاء بالجملة» . الأفضل أن تقول له : لقد قرأت التقرير و اتضح لي أنك قد بذلت جهداً في إعداده , ولدي بعض الملاحظات هي.... وأسألك سؤالاً : هل تهدف من كلامك للموظف أن تجرحه و تهينه , أو أن ينجز العمل بشكل جيد , طبعاً كل المدراء يسعون لتحقيق الهدف الثاني , لكنهم للأسف يستخدمون أساليب تحقق لهم الهدف الأول !! و هو إهانة وجرح الموظفين , ولقد أعجبني قول أحد المدراء و مفكري الإدارة حيث قال : ( نحن نوجه الموظفين لكي يتعلموا لا لكي يتألموا ) . و كم من الكلمات خرجت من أفواهنا تمنينا أنها لم تخرج , لذلك يقال أن الإنسان لا يستطيع اختيار كل ما يرى و يسمع , لكنه يستطيع اختيار كل ما يقول , فآذان و عيون الإنسان لا تخضع لإرادته , أما اللسان فلا ينطق إلا بأمر صاحبه , فالسمكة لا يتم اصطيادها إلا عندما تفتح فمها .... فالكلمات لها دور بارز ومهم إذا تم استخدامها بشكل و بأسلوب ايجابي , وسوف تحقق الهدف بشكل أفضل , وهذا ما توليه الشركات و كذلك الحكومات اهتماماً كبيراً عندما تريد إرسال رسالة للجمهور من خلال وسائل الإعلام المختلفة , و اذكر لذلك : فقد لاحظت الجهات التي كانت تنشر إعلان (أقم صلاتك قبل مماتك) على الفضائيات , لاحظت امتعاض الجمهور من هذا الإعلان , وخاصة ً اللقطات المصاحبة له , فقامت بتغييره على نحو أكثر ايجابية فكان ( أقم صلاتك تنعم بحياتك). و أختم بقصة لطيفة تبين اثر و سحر الكلمات إذا تم استخدامها بشكل جيد .. حيث يقال أن رجل أعمى جلس على إحدى عتبات عمارة ووضع قبعته بين قدميه وبجانبه لوحة مكتوب عليها:» أنا أعمى أرجوكم ساعدوني «. فمر رجل إعلانات بالأعمى ووقف ليرى أن قبعته لا تحوي سوى قروش قليلة فوضع المزيد فيها ومن دون أن يستأذن الأعمى أخذ لوحته وكتب إعلان آخر. عندما انتهى أعاد وضع اللوحة عند قدم الأعمى وذهب بطريقه.. وفي نفس ذلك اليوم مر رجل الإعلانات بالأعمى ولاحظ أن قبعته قد امتلأت بالقروش والأوراق النقدية , فعرف الأعمى الرجل من وقع خطواته فسأله إن كان هو من أعاد كتابة اللوحة وماذا كتب عليها ؟ فأجاب الرجل: « لا شيء غير الصدق, فقط أعدت صياغتها». وابتسم وذهب. لم يعرف الأعمى ماذا كتب عليها لكن اللوحة الجديدة كتب عليها: « نحن في فصل الربيع لكنني لا أستطيع رؤية جماله». *باحث ومدرب في الإدارة و التنمية البشرية مستشار التدريب في ديوان عام محافظة إب [email protected]