هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، أحد علماء الأندلس في عصره وواحد من أئمة الإسلام، ولد عام 384ه - 994م بقرطبة إحدى بلاد الأندلس، ونشأ في بيت غنى وثراء، كانت له ووالده رئاسة الوزارة وتدبير المملكة في الدولة العامرية فتولى ابن حزم الوزارة ثلاث مرات، وكان أهله من ذوي العلم والأدب. وعلى الرغم من النشأة الثرية المرفهة التي ترعرع فيها ابن حزم إلا أن هذا لم يمنعه أو يشغله عن الإقبال على العلم والدراسة فتعلم القرآن الكريم والحديث بالإضافة للشعر العربي وفنون الخط والكتابة، وحضر العديد من مجالس العلماء والتي كان يستقي منها العلم والمعرفة، فعرف ابن حزم فقيهاً وعالماً وشاعراً. تنقل ابن حزم بعد وفاة الخليفة وتغير الأحوال إلى مناطق عديدة وذلك لكي يبتعد عن الفتن والمؤامرات التي حيكت ضده، وتعرضه للنقد من قبل العديد من العلماء والفقهاء والذين قاموا بالإيقاع بينه وبين السلطان الذي قام بدوره بإبعاده، ولم يكتفِ الحاقدون بهذا بل تم إحراق كتبه في عهد (المعتضد بن عباد) وعاش متنقلا بين العديد من المدن بسبب اضطهاد الحكام له، واستقر بعد ذلك في بادية لبلة – من بلاد الأندلس وتوفي فيها عام 456ه - 1064م. مما قاله واصفاً حزنه لحرق كتبه: فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري يسير معي حيث استقلت ركائبي وينزل أن أنزل ويدفن في قبري دعوني من إحراق رقٍ وكاغدٍ وقولوا بعلم كي يرى الناس بدري وإلا فعودوا في المكاتب بدأة فكم دون ما تبغون للَه من ستر علمه عرف عن ابن حزم علمه الغزير وثقافته المتشعبة في العديد من المجالات وإلمامه بعلوم اللغة والأدب واطلاعه المستمر على الكتب والمؤلفات المختلفة مما جعله موسوعة علمية، فعرف فقيهاً وعالماً بإحكام الكتاب والسنة، وكان يدعو دائماً إلى التمسك بالقرآن والسنة مع إعمال العقل في استنباط الأحكام من منطوق اللغة. قام بتأليف الكثير من الكتب في العديد من المجالات فقام بالتأليف في علوم القرآن والفقه والحديث، وعرف كواحد من أشهر علماء الأندلس وأكثرهم ثقافة وعلماً، فكان بالإضافة لعلومه الدينية عالماً بقواعد اللغة والبلاغة والنحو والشعر وعالماً بالسير والأخبار. مؤلفاته ولابن حزم العديد من المؤلفات الهامة ويقول ابنه الفضل “أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تأليفه نحو 400 مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة” نذكر منها: الفصل في الملل والأهواء والنحل، المحلى في 11 جزءاً وهو كتاب في الفقه، جمهرة أنساب العرب، الناسخ والمنسوخ، والإحكام لأصول الأحكام ثماني مجلدات، وإبطال القياس والرأي، والمفاضلة بين الصحابة، رسالة مما اشتمل عليها كتاب ابن حزم الأندلسي لسعيد الأفغاني، ومداواة النفوس، رسالة في الأخلاق، شرح أحاديث الموطأ، ديوان شعر وغير ذلك من المؤلفات القيمة التي تركها ابن حزم، والتي يتألق فيما بينها كتاب “طوق الحمامة في الألفة والآلالف” هذا الكتاب الذي يعد من أشهر كتب ابن حزم حيث جمع فيه ثلاثين فرعاً في أصول الحب وأعراضه وصفاته وغيرها من الأمور المتعلقة به، كما وصف بعض تجاربه الشخصية في الحب، وقام بعرض العديد من قصص العشاق وحاز هذا الكتاب على اهتمام العديد من الباحثين العرب والأجانب على حد سواء وترجم إلى عدد من اللغات الأجنبية. ومن الأبيات التي قالها ابن حزم في الحب: وإذا قمت عنك لم أمش إلا مشي عانٍ يقاد نحو الغناء في مجيئي إليك احتث كالبدر إذا كان قاطعاً للسماء وقيامي إن قمت كالأنجم العالية الثابتات في الابطاء قالوا عنه “لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان” كما قال عنه الإمام أبو حامد الغزالي “وجدت في أسماء الله تعالى كتابًا ألفه (ابن حزم الأندلسي) يدل على عظيم حفظه وسيلان ذهنه”. ووصف الدكتور الطاهر المكي وهو أحد المختصين بالأدب الأندلسي كتابه “طوق الحمامة” بأنه “أروع كتاب درس الحب في العصر الوسيط في الشرق والغرب، في العالمين المسيحي والإسلامي، وأنه غير مسبوق في التراث العربي الإسلامي، فضلاً عن جسارة مؤلفه وصراحته، وجمعه في المعالجة بين التحليل النفسي والواقع التاريخي والتجربة الذاتية“. مما قاله ابن حزم واصفاً اتجاهاته العلمية: منأى من الدنيا علوم أبثها وأنشرها في كل بادٍ وحاضر دعاء إلى القرآن والسنن التي تناسى رجال ذكرها في المحاضر ومن قصائده الأخرى: ليس التذلل في الهوى يستنكر فالحب فيه يخضع المستكبر لا تعجبوا من ذلتي في ترحالةٍ قد ذل فيها قلبي المستنصر ليس الحبيب مماثلاً وكافياً فيكون صبرك ذلةً إذ تصبر تفاحة وقعت فآلم وقعها هل قطعها منك انتصاراً يذكر ومما قال ممتدحا الشقراوات من النساء يعيبونها عندي بشقرة شعرها فقلت لهم هذا الذي زانها عندي يعيبون لون النور والتبر ظله لرأي جهولٍ في الغواية ممتد وهل عاب لون النرجس الغض عائب ولون النجوم الزاهرات على البعد وأبعد خلق اللَه من كل حكمةٍ مفضل جرم فاحم اللون مسودٌ به وصفت ألوان أهل جهنم ولبسة باكٍ مثكل الأهل محتد ومذ لاحت الرايات سوداً تيقنت نفوس الورى أن لا سبيل إلى الرشد ومن شعره أيضاً: أنا الشمس في جوّ العلوم منيرةً ولكن عيبي أن مطلعي الغربُ ولو أنني من جانب الشرق طالع لجدد لي ما ضاع من ذكرى النهب