مقتضى الاستخلاف والتسخير للإنسان في الأرض المحافظة على البيئة وكل مظاهر الحياة “عناية التربية الإسلامية بالبيئة مفهوماً، ومنهجاً، وهدفاً” تحت هذا العنوان عرض الدكتور علي عبدالرحمن آل باعلوي ما لديه وهو غيض من فيض حيث يرى أن البيئة في التربية الإسلامية تتكون من: الكون الذي يعيش فيه الإنسان والحيوان، والنبات والهواء والتربة وأن الإنسان سيد هذه البيئة وكلها مسخرة له ووُكّل إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع، والتكوين والتحليل، والتركيب، وكشف ما في هذه الأرض من قوى وطاقات وكنوز وأسرار وفي الإشارة إلى هذه السيادة والتسخير يقول سبحانه وتعالى{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض}ومقتضى هذا الاستخلاف والتسخير، المحافظة على هذه البيئة التي جعلها الله أمانة على عاتق الإنسان وعليه تسليمها للجيل الذي بعده، كما تسلمها من سابقيه من غير أي تصرف يؤدي إلى إفساد البيئة وتلويثها، ولما كان من لوازم الطبيعة الإنسانية النقص، كان احتياج صاحب هذه الطبيعة شديدا إلى ما يوجهه ويرشده إلى المنهج السليم في معرفة ما له وما عليه في هذه الحياة، وهذا ما تقوم به التربية الإسلامية حفاظاً على الإنسان وحماية البيئة التي يعيش فيها . سلوك قويم وعن أهداف التربية الإسلامية في حماية البيئة يقول الدكتور علي عبدالرحمن: الفرد المسلم منذ نعومة أظفاره يحرص على احترام ما حوله من بيئة حيوية أو غير حيوية والابتعاد عن كل التصرفات والسلوكيات التي تفسد البيئة أو تتسبب في إفسادها وأيضاً تربيته على النظرة المستقبلية المتفائلة نحو البيئة وعمل كل ما ينميها ويحافظ عليها، كما يحرص على أن يتعلم أفراد الأمة ذلك من خلال المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، لأن معرفة ذلك من العلم النافع الذي شددت التربية الإسلامية على معرفته. الإنسان خلق للبناء وليس للهدم الشيخ ناصر الشيباني من جانبه قال: إن الله جل شأنه أحسن كل شيء خلقه وأنشأ ما نرى وما لا نرى وفق نظُم وقوانين دقيقة وجعل السكون والحركة منضبطة داخل نطاق لا يتطرق إليه عبث أو خلل فما تحمل الريح ورقة في الجو إلا كان ارتفاعها وانخفاضها بقانون، وما يلقى جسم في الماء إلا كان غوصه وطفوه على السطح بقانون، وما ينبثق من الأرض إلا كان طعمه ولونه وثمره بميزان قال تعالى{والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} ويقول تعالى{إن كل شيء خلقناه بقدر} ويقول سبحانه:{وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدرٍ معلوم}. وأضاف الشيخ العلامة ناصر محمد الشيباني بالقول: كشف لنا الخالق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أنه ما من شيء في الأرض والسماء إلا خلق مقروناً بالحق ملتبساً بمعناه فلا مكان في خلقه للعبث أو للفوضى أو للتفاوت أو للمجازفة. قال تعالى{.. ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون}سورة الدخان.. فعلى الناس أن يتصفحوا كتاب الكون المفتوح ليعرفوا من حقائقه ما يزيدهم بخالقه إعجاباً وإيماناً وما يزيدهم في هذا العالم رسوخاً وإتقاناً. قال تعالى{قل انظروا ماذا في السموات والأرض}هذا الأمر المتكرر بالنظر يقوم على ناحيتين مهمتين؛ أولاهما أن العالم الرحب الذي نعيش فيه لم تُبن جنباته كيفما اتفق ولم تتراكم مواده بعضها فوق بعض على طريق الجُزاف.. الناحية الأخرى للأمر بالنظر، أن أبناء آدم لا يولدون علماء ولا ينساب العلم في أنفسهم كما ينساب الماء والهواء في إناء فارغ. إن تحصيل المعرفة يحتاج إلى جهد منظم وعمل دؤوب تشترك فيه حواس الإنسان الظاهرة والباطنة وخصائصه المادية والأدبية قال عزوجل {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} سورة النحل. فنحن نولد لا نعلم شيئاً وبتلك الوسائل وحدها من سمع وبصر وفكر تبدأ مراحل التعلم، وهي وسائل نحاسب عليها بدقة بالغة فلا يجوز إرخاص قيمتها ولا إضاعة ثمرتها..قال تعالى{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}سورة الإسراء. هذه الملكات خلقت لتتجاوب مع حقائق الكون، خلقت لتكون مفتاح خزائنه وكواشف أسراره، خُلقت لتعانق الحق لا لتتعايش مع الباطل وتدور معه في كل منعرج. والحضارة الإسلامية قامت على تسخير العقل والبصر في مجال الحقيقة النافعة فأفادت لنفسها الخير الكثير وورثت العالم الخير الكثير.