أي فكر هذا الذي يحمله فرد ما ليوصله إلى دائرة مغلقة يحوم في جميع اتجاهاتها فلا يهتدي إلى محور ارتكازها.أية فكرة هذه التي تأصلت عند قوم يغطون في سبات عميق، ويعيشون عصور ظلام دامس دون معرفة نقطة بداية نهضة الأمة العربية والإسلامية.. إن من يسعى إلى إعداد الإنسان الصالح بكل المعاني والقيم لابد أن تكون الدراسات التربوية محط نظره، وتكمن أهمية تلك الدراسات عند تناولها قضايا التربية سواء التربية للفرد أو الجماعة، فالتربية ذاتها مرادفة للحياة. وإذا كنا نعلم أن التربية قد مرت بمراحل تطورية واسعة وعديدة منذ اللحظات الأولى للتكوين الإنساني بفعل الإرادة الإلهية عند خلق أول البشر في هذا الوجود فإن ذلك التطور لم يكن عبثاً بل جاء لحكمة بالغة أرادها الخالق وهو جعل خليفة في الأرض يستخلفها ويعمرها وذلك تحت رعايته سبحانه..يقول سبحانه في سورة البقرة آية «03» ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) واقتضت الحكمة إلالهية بقوله سبحانه: «إني أعلم مالاتعلمون» يقول الدكتور عبدالله الذيفاني في كتابه التربية: النشأة والمكونات صفحة «6»: «إن الباحث ينظر إلى التربية نظرته إلى الحياة ويرى في التربية الإنسانية ترجمة حية لقوله تعالى «إني جاعل في الأرض خليفة» ومعنى الاستخلاف لايتحقق بالتعامل المجرد والجزئي مع الإنسان، بل يتحقق بالتعامل مع الإنسان والكون والحياة واستثمار التسخير والكرم الرباني المودع فيه وعليه، وبما يؤدي إلى حسن العمل المتمثل بالنتيجة التي تحملها حياة الإنسان على هذا الكون وتظهر بنوع العمل الذي ينجزه الإنسان» وهذا الاستخلاف لايكون إلا عند طريق العقل الناضج المميز بين الخير والشر بين النافع والضار، هذا العقل يوصلنا إلى العلم بكل مايدور في واقعنا المعيش. ولا علم إلا بتعلم أو تعليم، ولاتعليم إلا بتربية؛ لذلك قال علماء التربية والاجتماع بتقديم التربية على التعليم، يقول الدكتور سعيد التل وزملاؤه في كتابهم: المرجع في مبادئ التربية صفحة «9»: تقديم التربية على التعليم أهم المبادئ التي قامت عليها التربية الحديثة في مطلع القرن العشرين ويعني تكوين الطفل تكويناً متكاملاً متسعاً وشاملاً من الناحية الفكرية والجسدية والجمالية والمهنية. وهذا المبدأ لايتم إلا وفق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف القائم على التربية الحق. بعد هذا العرض النظري هل من عودة إلى الجانب التطبيقي وتمثله في حياتنا المعاصرة.. نقرأ في الصحف: ابن قتل أباه وفتاة عصت والدها أو والدتها وولد يخرج من منزل والده في الصباح الباكر ولايعود إلا في المساء أو قد لايعود وقصص وحكايات يشتعل الرأس شيباً من قراءتها. كما نسمع ونرى فساداً أخلاقياً لأولادنا وبناتنا ولايهتز كياننا لذلك. هذا الفساد الأخلاقي قائم على تربية عمياء يسمع الوالد ولده أو ابنته في قيل وقال وغيبة ونميمة وسب وشتم وقدح وذم للآخر وكأن الأمر لايعنيه. يرى مسئول المنزل رعيته متشبهين بالغرب في الملبس والمظهر وغيره ولم يعد إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم المتفق عليه القائل:«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته». يسمع رب الأسرة أن ابنه أو ابنته يمشون ويعايشون أناساً اشتهروا بفساد أخلاقهم وقد ظهرت بوادر التقليد والاقتداء في سلوكهم ولم يعلم بأن الإنسان على دين خليله وأن القرين بالمقارن يقتدي..إذا كنا نشكو عقوقاً من أبنائنا وبناتنا هل رجعنا إلى أنفسنا وتأملنا سبب ذلك، إذا كنا نلاحظ على أبنائنا وبناتنا التدهور الفكري أو الجسدي أو الجمالي أو المهني أو..أو.. فهل عملنا على تكوينهم بصورة شاملة ومكتملة منذ الصغر فكما قيل: تربية أو تعليم الطفل منذ الصغر كالنقش على الحجر، والتربية في المنازل تحل كثيراً من المشاكل. وعود على بدء لاشك أننا عرفنا محور ارتكاز الدائرة المغلقة ونقطة بداية نهضة الأمة العربية والإسلامية.. إن ذلك هو تربية الأبناء التربية الحق ابتداءً من المنزل، ولانلقي باللائمة على المدرسة أو المسجد أو الجامعة وإن كان كل ذلك مكملاً لتربية الفرد وبهذا يكون الطفل محور العملية التربوية. وفي الأخير رمضان محطة تربوية إيمانية شاملة، فرصة ثمينة لاتعوض إذا استغللناها حق الاستغلال، فيه من الدروس والعبر مالايتسع هذا المقال لذكره وإحصائه.. ولنخرج منه بفائدة تربوية مفادها كما قال الدكتور اسحاق الفرحان في كتابه التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة صفحة «31» «عن طريق التربية يتربى الفرد الصالح، وتنمو المفاهيم الإنسانية الخيرة بين بني البشر من أجل تفاهم دولي أفضل وذلك وفق ثقافة الأمة وحضارتها وتراثها وتصوراتها عن الكون والحياة..» ويكون لب هذه التربية الأدوات التي حددها الله تعالى في قوله «إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً» كما أنه «من شب على شيء شاب عليه» فلنحذر من عواقب سوء التربية وليكن شهر التربية رمضان نقطة مهمة لنراجع مسئولياتنا ومن نعول..نربي أنفسنا ثم نربي أولادنا على مائدة التقوى ونجسد التقوى حق التجسيد لأنه نتيجة للصيام أعظم به من نعمة!