من يزر مديرية الدريهمي في محافظة الحديدة فسيلمس مدى أوجه التشابه بينها وبين المدينةالمنورة، لاسيما أن مدينة الدريهمي تمتلك نفس الصفات الطبيعية التي تمتلكها المدينةالمنورة، فأشجار النخيل تنتشر بكثرة في أوساط وجوانب المدينة، نخيل الدريهمي يقف بشموخ وعزة.. وتجد سكانها البالغ عددهم 55080 نسمة.. رجالها 28421 رجلاً، ونساؤها تجاوزت 266509 وعدد أسرها نحو 10120 أسرة، ومساكنها تجاوزت أكثر من 11172 منزلاً بحسب تعداد 2004م، على امتداد ساعة من الزمن تقريباً بعد أن فارقت خط الأسفلت من مركز المحافظة 25 كم المسافة بين مديرية الدريهمي ومركز المحافظة، إلا أن الوعورة الشديدة والرمال الكثيفة والتعرجات الكثيرة كانت سبباً في تأخر وصولنا إلى مركز مدينة الدريهمي في هذا الطريق العجوز الذي يشكو حاله للجهات المختصة لسفلتته.. ولمزيد من التفاصيل عن هذه المديرية التهامية والتاريخية دونت في السطور العديد من الانطباعات والمشاهد هي حصيلة الاستطلاع الآتي: وفي هذه المدينة تابعت المسير لأرى بعيني آثار وملامح الإهمال رغم المكانة التاريخية والجغرافية للمدينة، فقد كانت في يوم من الأيام موقعاً هاماً للعمل الوطني في مقارعة ومناهضة الطغيان والاستبداد الكهنوتي، ومازالت حتى اليوم تحتفظ بتاريخ حافل من النضال الوطني وتعيش في سبيل حالها بصمت. بداية الطريق الدريهمي مرفأ العقل واحة العاطفة.. أنهر الوجد.. تأتيك دوماً.. نهرب من أنفسنا إليك، نضع أحلامنا على راحتيك نبوح إليك بكل خطايانا، نبحث عن المغفرة فيك، لك جمال لايشبه أي جمال.. ولك مفاتن لاتوازيك أية مدينة.. ولك رقة ولك روعة لم يصنعها أحد.. تركناك تبادلين الجفاء بابتسامة لاتذبل ولاتشيخ، وتتبخرين ليلاً وصباحاً بمباخر ابن الجنية.. السيد أحمد علي المقبول السيد البن دير الخميس الشريف. إن كنت ممن يتسم بحب الإثارة والكشف والمغامرة ويتسم إضافة إلى ذلك بنفس طويل فتأكد أن رحلتك في مديرية الدريهمي ستكون رحلة مميزة وممتعة، فهي الدريهمي، لاتمنح المتعة بسهولة ولا تكشف عن مفاتنها للكسالى والمسطحين وعابري السبيل، وهي أشبه بالفرس الجموح الذي تتعب كثيراً في ترويضه، لكنك تظفر في النهاية بأعز مكان في الدنا صهوة مسابح، تنسيك تعب الترويض. والدريهمي ليست بعيدة جداً عن تناول ناظريك، فهي هناك في الجنوب لمدينة الحديدة. خمسة وعشرون كيلومتراً، هي مسافة السفر من مركز المحافظة الحديدة تطويها عجلات السيارة في ظرف ساعة تقريباً، ولكن الصعوبة هي الطريق الرملي، وإذا كانت مسفلتة فإن ثلث الساعة زمن كافٍ لبلوغها.. تتبدى في ريعان النظرة والشباب، تنعم بالديباج والحلي بكرم قروي مضياف وشهامة حميري أصيل. ثقب في جدار الزمن للسياحة في الدريهمي ثلاثة أبعاد هي “المكان، الزمان، الإنسان” ولكن لكل من هذه الأبعاد الثلاثة دلالاته التي تجتمع بدلالات الآخر لتعطي الدريهمي طابعها الخاص المميز، وتعطي الحديث عنها نكهة تجعلها امتداداً للحديث عن اليمن كله، غير أن ذلك الامتداد يضيف ولا يتجانس. فالحديث عن المكان كبعد أول في الأبعاد الثلاثة المذكورة، وهو حديث عن شريان أخضر وادي رمان الذي يصب بالبحر ويمد العين بالجمال، ويمد الفم بالتمر والحبحب والذرة ونحوه، وهناك شواطئ كشواطئ القضبة ورمال والطايف وغليفقة، وشواطئ تبوح بالسحر والجمال، وهناك غابات من أشجار النخيل والدوم تضيف إلى المنطقة جمالاً وزهواً واخضراراً.. وتتمثل دلالاته في مجموعة القلاع كقلعة رمال وقلعة أبكر هادي وقلعة الطائف وقلعة قضبة والمساجد وأضرحة الأولياء والمواقع الأثرية التي تقرأ من خلالها “الأمس” بدفئه وطراوته وصليل سيوفه وصهيل خيوله وغبار وقائعه وأحداثه. ويبقى جامع السيد علي بن المقبول أقدم جامع؛ إذ بني في أواخر القرن الثامن الهجري، فتلك القلاع توحي بدور واسع لعبته المنطقة في التاريخ الحربي للبلاد، وأسهمت أيضاً في حركة المعرفة والعلم، فانتشرت في أرجائها العديد من أربطة العلم، وفيها علماء ومشائخ أجلاء، وليس مشائخ أئمة استبداد. أمنيات لاشيء أجمل من البحر الأحمر، الدريهمي “غليفقه” ولا شيء أجمل من العيش بالقرب من بحر إلى السكن بالقرب منه، في الليل تبدو حزينة لغياب الكهرباء عنها.. فناجين الشاي التي احتسيتها على شاطئ الطايف مواجهاً البحر ورذاذ “الأطلال” يمطر المكان من صوت “أم كلثوم” و”فيروز” وهي تغني “راجعين ياهوى” .. لحظات لاتنسى تدعونا للرجوع.. تمنيت كثيراً لو أنني أحد أحفاد هذا البحر الجميل، ولم يتنكر للمعروف، ورغم ذلك سرت وتركت الدريهمي تعاني هجوم البعوض وتفتقر للكوادر المؤهلة، وتحلم بالكهرباء العمومية والمياه النقية.. وغادرناها وتركناها تحلم بالأمنيات!!.