( نقلاً عن مجلة دبي الثقافية العدد72 مايو 2011م ) لماذا لم تستطع الدراما اليمنية،حتى اليوم، بعد أربعة عقود تقريباً من ظهورها،تحقيق تطور يتجاوز بها عنق الزجاجة ويخرجها إلى المشاهد العربي أو على الأقل إقناع المشاهد المحلي بمتابعتها ؟؟!.. منذ ظهور التلفزيون اليمني في سبعينيات القرن الماضي، بدأت تظهر أعمال درامية تلفزيونية يمنية، بواقع عمل في كل سنة، وتحديداً في رمضان، وهي التجربة التي أخذت تتطور نسبياً في عقد الثمانينيات، وصولاً إلى إنتاج أعمال درامية يمنية سورية مشتركة، ويمثل مسلسل«وضاح اليمن» عنواناً لتلك المرحلة التي لم تستمر لأسباب مختلفة، إلا أنها استفادت وحققت تطوراً لافتاً في الدراما اليمنية، ويعد مسلسل «نجوم الحرية»من أهم الأعمال التي أفرزتها تلك الفترة، وكنموذج يعكس مدى حرص القائمين على العملية الإنتاجية، حينها، على تقديم أعمال نوعية.. وشهدت هذه المرحلة في الثمانينيات إنتاج عدد من الأعمال تجعل من ذلك العقد المرحلة الذهبية لمسار تطور الدراما التلفزيونية في اليمن سواء في صنعاء أو في عدن. منذ تسعينيات القرن الماضي ألقت خلافات العملية السياسية بظلالها على كل مجالات الإنتاج، وكانت الفنون الأكثر تضرراً لأنها تحتاج إلى بيئة مهيأة بالإمكانات والحرية وقبل ذلك الوعي بقيمة العمل الفني، ونتيجة لتراجع الابتعاث الدراسي في هذا المجال وإغلاق المعاهد والمسارح وانحسار العمل في هذا المجال إلى إنتاج عمل أو عملين سنوياً دون اهتمام ووعي بإنتاج درامي نوعي؛ فكانت المحصلة استمرار تراجع مستوى هذه الأعمال، إلى أن وصلت إلى مرحلة صارت هذه الأعمال في نظر المتابعين أقرب إلى التهريج منها إلى التمثيل. كان ذلك نتيجة طبيعية لإدارة إنتاجية لم تكن على علاقة واعية بالعمل الفني، كوجه من وجوه فساد الإدارة الثقافية والفنية التي أُوكلت إلى إداريين لا علاقة لهم بالعمل الإبداعي، وأبلغ دليل على ذلك تجلى عندما فكرت هذه الإدارة بالعودة إلى تجربة الأعمال الدرامية المشتركة، فكان مسلسل «سيف بن ذي يزن» الذي أنتجته المؤسسة اليمنية للإذاعة والتلفزيون، وأخرجه المخرج السوري مأمون البني وشارك في بطولته عدد من نجوم الدراما السورية واليمنية، تجربة كشفت عن مستوى الفساد في الإدارة الثقافية والإعلامية في اليمن، حيث أثار المسلسل بمجرد عرضه ردود فعل انتقدت إدارة إنتاج المسلسل بدءاً من عدم توفير النص التاريخي السليم والمبالغة في توظيف الفنتازيا بشكل شوّه تاريخية الشخصية محور العمل الدرامي، ولذلك فشل تسويق المسلسل، على الرغم من الميزانية الضخمة التي سُخّرت لإنتاجه، فتوقفت تجربة الأعمال المشتركة، وبقيت الأعمال المحلية دون أي جديد، وهي المشكلة التي ظل الفنانون يربطون تجاوزها بدخول القطاع الخاص والاستثمار في هذا المجال، على اعتبار أنه من غير الممكن على التلفزيون الحكومي أن يحدث تطوراً على هذا الصعيد،في ظل افتقاد إدارته الإنتاجية للوعي الفني.. في السنوات الخمس الأخيرة، شهدت الساحة الإعلامية في اليمن إطلاق قنوات تلفزيونية فضائية جديدة؛ فصار هناك أربع قنوات حكومية بالإضافة إلى دخول القطاع الخاص هذا المجال بثلاث قنوات فضائية،وهو ما ارتفعت معه الحاجة إلى أعمال درامية تلفزيونية محلية لهذه القنوات، ولتلبية هذه الحاجة نشأ عدد من شركات الإنتاج، بيد أن المشكلة بقيت في أن العقلية التي كانت تدار بها العملية في التلفزيون الحكومي سابقاً، هي نفسها العقلية التي تدير العملية في التلفزيون غير الحكومي؛ فالتنافس بين القنوات محتدم على الفوز بأكبر نسبة من الحصة الإعلانية الرمضانية لتمويل إنتاج هذه الأعمال، لكن بقيت ميزانية إنتاج هذه الأعمال في مستويات لا تكفل تقديم عمل قابل للتسويق، إذ إن المنتج في القنوات اليمنية لا يفكر بإنتاج أعمال بهدف تسويقها وبيعها للأقنية التلفزيونية العربية، ولهذا يكتفي بميزانية زهيدة لإنتاج أعمال يعرضها على شاشته في رمضان، والمحصلة أن تلك الأعمال بقيت كما هي،بل صارت تكرر نفسها حتى في أسمائها كمسلسل «همي همك» في أحد القنوات الحكومية ومسلسل «عيني عينك» في إحدى القنوات غير الحكومية، وكذا الوجوه هي نفسها،والموضوعات تكاد لا تختلف ولا تقترب من هموم المجتمع. بعد أن جاءت تجربة استثمار القطاع الخاص في هذا المجال في اليمن مخيبة لآمال الفنانين، بدأت نقابة الفنانين للمهن التمثيلية، التي نشأت حديثاً، تفكر في تأسيس شركة تضامنية بين الفنانين لدخول سوق الاستثمار في هذا المجال وإنتاج أعمال قابلة للبيع والتسويق عربياً، باعتبار هذه التجربة هي الوسيلة الوحيدة في حال نجاحها لإقناع رؤوس الأموال التجارية للاستثمار في هذا المجال، حسبما أكد نقيب الفنانين اليمنيين الفنان محمد الحرازي، وبالتالي فإن النقابة تدرك- حسب الفنان الحرازي - أن المشكلة الراهنة في الدراما اليمنية تتمثل في غياب الوعي الإنتاجي بقيمة العمل الفني لدى القائمين على الإنتاج الدرامي في التلفزيون الحكومي وغير الحكومي في اليمن كانعكاس طبيعي لغياب الوعي الجمعي الإداري لقيمة وأهمية الفنون، أي أن المشكلة ليست في نصوص القانون بقدر ما هي في وعي قيادات العمل الثقافي والإعلامي في اليمن بدور الفنون بما فيها الدراما.. يختصر بعض الفنانين الحلول في حل واحد، وهو القرار السياسي؛ فبدون القرار السياسي يؤكد أصحاب هذا الرأي - لن تقوم قائمة للعمل الدرامي والمسرحي باليمن، لأن بقية العوامل هي عوامل مساعدة بحاجة إلى تأهيل كوادرها، واستمرار نشاطها، وتعزيز مشاركاتها الخارجية، والحضور الدائم في المهرجانات العربية، دون هذا؛سنظل (نحن الممثلين والمصورين والمخرجين وغيرهم) جانباً ترفيهياً مثلما أرادوا لنا، وستسخر هذه الكوادر الفنية لحفلات المناسبات الوطنية، وحتى حفلات هذه المناسبات يتم الإساءة إليها، بغياب الإعداد السليم لها، حسب تعبير أحد الفنانين.