يشكو فنانون من أن الدراما اليمنية مقصورة على الأعمال الرمضانية، ويتهمون بذلك شركات الإنتاج الذين يقولون عنها بأنها شركات ربحية.. بالمقابل توجه شركات الإنتاج اللوم على القنوات التي تعمل وفق أجندة خاصة أو أنها غير معززة بالدعم المالي الكافي.. والحديث عن الدراما اليمنية ودورها في خدمة قضايا الإنسان اليمني يضع لديك عدداً من التساؤلات الفنية الخاصة بنوعية الإنتاج والمناظر الجمالية أو الموضوعية الخاصة بكتابة السيناريو وحبكة القصة الدرامية.. ثم تتساءل، لماذا الأعمال الكوميدية مليئة بتشويه منظر الإنسان اليمني؟ تابعت “يمنات” شكاوى الفنانين، ووجدت هجوماً لاذعاَ على الجهات المعنية بالفن “نقابة الفنانين، المؤسسة اليمنية للإذاعة والتلفزيون وشركات الإنتاج الإعلامية” حيث هاجم الفنان الكوميدي محمد قحطان الجهات المعنية بالفنانين، وقال إنهم لا يعرفونهم ولا يتذكرونهم إلا في رمضان من كل عام، مؤكداً إن الأعمال الدرامية والتلفزيونية الأخرى لا تتم صناعتها سوى في رمضان فقط.. أدوار موسمية.. وبغض النظر عن الأدوار الموسمية والربحية للأعمال الدرامية أو أي أعمال مختلفة؛ فإن المناقشة عادة ما تكون بشكل يسيئ للفن اليمني أولاً ثم المجتمع والمتابع لها؛ فالكوميديا مثلاً حين يتم تسخيرها لخدمة القضايا التنموية تتحول إلى عبث بوجوه الممثلين وحركاتهم كمحاولة لإضحاكنا غصباً، ويتم نسيان القضايا المهمة ذات البعد التنموي، أما الدراما الأخرى فمازالت لم ترتق إلى الشكل المطلوب.. ناهيك عن غياب الأعمال السينمائية وموسمية الأعمال المسرحية الهادفة التي وإن وجدت فإنها لا تجد دعماً لتحاول مناقشتها، أو ربما قد تتعرض لحرب عنيفة مقابل دورها الخادم لقضايا تنمية الشارع اليمني معرفياً وسياسياً واقتصادياً وغير ذلك.. وشكا الفنان الكوميدي خالد البحري بقوله “الوسط الفني يترقب كثيراً فتح القنوات الفضائية الجديدة ولكن سرعان ما يفاجأ بأن القناة لا تقدم لهم الكثير ولا تعمل حتى على تحسين دخلهم المادي، مضيفاً أن الفن في اليمن موسمياً لذا فالقانون لا يملكون غير الشهرة فقط، على الرغم أن الفن -خاصة الدراما- هو من أقوى الطرق لمحاربة أو تعزيز كل الظواهر المتواجدة عند المجتمع، مشيراً إلى أنه لا يمكن للمحاضرات التوعوية أو الدروس اليومية أن تقدم ما تقدمه الدراما من معالجات.. ويظهر فيديو لمشروع تخرج شباب من كلية إعلام صنعاء أن فنانين آخرين يسخرون من وضعهم، فالفنان توفيق الأضرعي يقول “الفنان اليمني كالسنبوسة، يظهر في رمضان” والفنان أنيس العنسي يقول “من السنة للسنة ساع المرأة الحامل”! مناقشة سلبية.. الأمر لا يعدو أكثر من مجرد أمنيات؛ فما تقدمه الدراما اليمنية يعزز السلوك السلبي لدى المتابع بصورة غير مباشرة، فمثلاً عرضت إحدى الفضائيات مسلسلاً كوميدياً يحاول معالجة قضايا التسول؛ لكن الأثر كان مغايراً لنجد أغلب الأطفال يتقمصون شخصية الأبطال في تصرفاتهم غير الجيدة، وحتى المتسولين حالوا تقليد “متسول المسلسل” عند مد أياديهم.. كُتّاب السيناريست والمخرج يتناسون -أو ربما لا يعرفون- أن علماء النفس قالوا إن الإنسان بطبيعته الفسيولوجية يبحث عن أي شخصية لتكون قدوة له، وفي الغالب يكون اختيار الشخصية القدوة بناء على الشهرة أو المكانة الاجتماعية؛ ولأن الفنانون يملكون الشهرة والمكانة الاجتماعية فهم أساس الاختيار لدى المجتمع.. العلماء يؤكدون أنه حين يتم اختيار الفرد لقدوته فبالتالي يعمل الفرد على تقمص شخصيته وتفضيل ما يفضل وتحبيذ ما يحبذ؛ لذا تستخدم أكثر الشركات الفنانين للترويج لسلعهم.. وهذا ما كان قد صرّح به سابقاً الفنان محمد القطاع الذي قال إن أي جمهور يحاول تقليد الفنانين كثيراً ويتأثر برسائلهم كيفما كانت.. بشكل عام، يُعد الفن، الوجه المشرق لأي بلد، وهو الذي يعمل على إظهار ما تملكه البلدان من اقتصاد ونمو وتطور أو حتى مشاكل وأعباء حياة يومية، ولهذا استطاعت “تركيا” مؤخراً، الظهور وبقوة، وتقديم نفسها كبلد ثقافي يحترم الإنسان وحقوقه، وكي ترتقي اليمن يجب أن ترتقي أعمالها الفنية والسينمائية ومسلسلاتها الدرامية.. انتقاد.. الفنان الشاب سلطان الجعدبي ينتقد نقابة الفنانين اليمنيين ودورها غير الفعّال في خدمة الوسط الفني، بالمقابل أتذكر أنه حين تعرضت نقابة الفنانين اليمنيين لقذيفة -أثناء حرب الحصبة- شعر أحد الفنانين بالسعادة وقال (والله إنهم تجملوا معنا).. اليمن تحوي كثيراً من المبدعين، هذه الحقيقة التي نعرفها جميعاً، فيجب على القطاع العام للتلفزيون أن يوفر الفرص لهم، فلا توجد دراما حقيقية ولا إبداع في القطاع الحكومي الذي أحدث فجوة كبيرة بين المبدعين والقنوات الحكومية، بينما القطاع الخاص ينجح كثيراً في لم المبدعين وانتاج دراما أكثر بكثير مما ينتجه القطاع الحكومي، بيد أن الفنان حسين الظفري يتهم أغلب شركات الانتاج الإعلامي بأنها لا تهتم بجانب التنمية أو مناقشة القضايا المجتمعية والكثير منهما يسعى للربح المادي فقط وليس تقديم خدمة حقيقية لهذا المجتمع.. اهمال حكومي.. المخرج الدكتور سمير العفيف صاحب شركة عدن فيلم للإنتاج الإعلامي يعد أول من وضع خطوة أولى لصنع دراما يمنية حقيقية، بعد أن حاول المخرج الشاب “عمرو جمال” صناعة مسلسل “أصحاب” بقالب متميز، لولا أن الإمكانيات لم تكن متوفرة لديه للتفرد بعمله، سيما إن ميزانية المسلسل كانت بسيطة للغاية ومن خلالها أنتج أغان متعددة.. شركة عدن فيلم وبإمكانياتها الخاصة استطاعت أن تكسر حاجز فكرة أن تعمل شركات الإنتاج على التعاقد مع قنوات وتحصل على الدعم، فعملت على إنتاج عدد من الأعمال الخاصة بها لتعمل بعد ذلك على تسويقها بحرية أكثر، وهذا بحد ذاته خطوة جديدة وجريئة لم يشهد لشركات الإنتاج أن عملت بها.. بالمقابل يشكو العفيف من عدم تواجد صالات عرض سينمائية في اليمن، وقال إن هذه المطالبة تقع مهمتها على الإعلام.. مشيراً إلى أنه لو تواجدت صالات العرض فلن تبحث شركته عن قنوات محلية أو خليجية لعرض ما تقوم بإنتاجه، وقال إن القنوات ستعمل بعد عرض الأعمال على التواصل مع الشركة لتعرض ما أنتجته، وبهذا ستشهد الدراما حراكاً، حيث ستعمل شركات الإنتاج على التسابق لإنتاج الأفلام والدراما بما يعود بالنفع على الوسط الفني والجماهير المتعطشة، وأيضاً على اليمن من حيث الترويج الإعلامي والسياحي لها.. يؤكد العفيف أن اليمن تحوي كوادر مؤهلة قادرة على عمل شيء ولكن شركات الإنتاج غير قادرة على عمل شيء، مضيفاً أنه يجب على الدولة أن تعمل على تنظيم مهرجان للسينما حتى تظهر اليمن على المستوى العربي كما ظهرت على المستوى الخليجي من خلال “خليجي 20” وهذا سيخدمها أولاً وأخيراً، ولكن يجب أن يكون هناك توجه دولة وشعب لتنظيم حدث مثل هذا وليس وزارة فقط.. الفنان نادر المذحجي رئيس فرقة النوادر الفنية قال إن الفرقة حين استعدادها لأي عمل ومناقشة أي قضية فإن أول المحبطين لعملها تكون الجهات الحكومية التي لا توافق على منح التمويل أو المساعدة والتسهيل لعملها إلى بعد شق الأنفس وبعد تكبد عديد من الخسائر المالية للمقربين من المانح، وناشد وزارة الثقافة الاهتمام بالفن اليمني ليظهر بالشكل اللائق.. وقال إن قسم الإنتاج بالفرقة يملك عدداً من الأعمال الخاصة بخدمة قضايا الإنسان اليمني ويحمل الكثير من الرسائل الإيجابية، إلا أنهم لا يملكون أي دعم لتنفيذ أعمالهم.. صناديق كشركات إنتاج.. خالد المرولة صاحب شركة النبيل للإنتاج الإعلامي قال عن المناقشة السلبية إنها بسبب وجود شركات إنتاج لا تمت إلى العمل الفني بصلة ولا تملك حتى كاميرات احترافية أو وحدات إنتاج جيدة، ويقول إن هذا ما يؤثر على عملهم كشركات انتاج، متهماً إياها بأنها عبارة عن صناديق تملك تصاريح عمل و”علاقات شخصية” مع القنوات وتظهر في المواسم بحثاً عن الدعم لإنتاج مسلسل خالٍ من الفنون التصويرية والقصص الدرامية.. ويضيف “السبب الرئيس لعدم توافر أعمال فنية حقيقية هي القدرة الشرائية عند القنوات” ويؤكد أنهم مؤخراً أنتجوا ستة أعمال متنوعة، عرض منها ثلاثة أعمال وبقيت ثلاثة أعمال لم تعرض إحداها مسلسل اجتماعي يتحدث عن الفساد بطريقة واضحة وجريئة تم انتاجه بالتعاون مع الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، متمنياً عرضه بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. أعمال جديدة.. المرولة يقول إنهم ينتجون أعمالاً طوال العام ولا يقتصر عملهم على رمضان فقط، وأعمالهم تتنوع بين فلاشات توعوية، اعلانات، أغاني، برامج، كاميرات خفية، وأيضاً مسلسلات درامية، وقال إنهم حالياً انتجوا برنامج “سلوك في صورة” بعدد ثلاثين حلقة سيتم بثها نهاية العام الحالي، كما أنتجوا حملة فلاشات توعوية “60 فلاشاُ توعوياً” تحت شعار “معاً من أجل عاصمة تشرف كل اليمنيين” وتم انتاجها لأمانة العاصمة حيث سيتم بثها نهاية العام الجاري، متوجهاً بالشكر لعبدالقادر هلال أمين العاصمة وعبدالله الفائق مدير مكتب الإعلام بالأمانة.. ووجه اللوم باتجاه القنوات مستثنياً قناتي “يمن شباب واليمن اليوم” قائلاً إن سياستهما الإدارية جيدة للغاية في التعامل معهم كشركة، مؤكداً أن قناة “اليمن اليوم” تعد القناة الأكثر احتراماً للأعمال المنتجة بحسب الكفاءة والمهنية والجودة، وتوقع أن لقناة “يمن شباب” مستقبلاً جيداً بحيث تشعرهم كشركات إنتاج بأن القناة لكل اليمنين وليس لطائفة أو لأصدقاء، داعياً قناة “اليمن الفضائية” إلى أن تحذو حذوهما.. مشيراً إلى إن القنوات الجديدة الأخرى “موجهة” وليس لها أي اهتمام بالدراما أو تطوير العمل الفني، واطار عملها يخدم توجهاتها وايدلوجيتها السياسية التي ظهرت لأجلها.. وعن الدراماً اليمنية وما تحويه من مشاكل فنية وقصصية قال إن الدراما الرمضانية في القناة الرسمية، انتجها أشخاص ليس لهم علاقة بشركات الانتاج، مستثنياً مسلسل “عيني عينك” وقال “أما بقية الأعمال فلم أشاهد مسلسلاً محترماً من كافة النواحي الفنية والإخراجية والموضوعية”.. خاتمة.. سنبالغ إذا طالبنا بتحسين وضعنا الفني ليصل إلى ما وصلت إليه الدراما العربية على الأقل، لكننا نطالب بدراما حقيقية تجسد شخصية الإنسان اليمني بثقافته المتعددة وتوزيعه الجغرافي دون العبث بشكله أو لهجته أو تعامله مع الغير..