استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    مركز الإنذار المبكر يحذر من استمرار تأثير المنخفض الجوي    مليار دولار التكلفة الأمريكية لإحباط هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    الحكومة تطالب بتحرك دولي لوقف تجنيد الحوثي للأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    "ابتزاز سياسي واقتصادي للشرعية"...خبير اقتصادي يكشف سبب طباعة الحوثيين للعملات المزيفة    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    إصابة 3 أطفال بانفجار مقذوف شمالي الضالع    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لرمضان في حضرموت خصوصية مميزة جعلت لياليه من أحلى الأماسي
نشر في الجمهورية يوم 16 - 08 - 2011

الحديث عن شهر رمضان المبارك حديث ذو شجون، ذلك أن شهر رمضان قد تميز بعدد من الخصال والصفات والخصوصيات منها ما ميزه الله تعالى به فجعله سيد الشهور تفتّح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفّد فيه الشياطين، وفيه تضاعف الحسنات وغير ذلك كثير، فهو موسم للطاعة والعبادة والتجارة مع الحق تبارك وتعالى، لذلك يحرص المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على استغلال هذا الشهر استغلالاً أمثل بالتفرغ للعبادة والاستزادة من فعل الخير وصلة الأرحام والصدقة.. وفي حضرموت لا يزال الأهالي يعتبرون شهر رمضان محطة وقوف لمحاسبة النفس وتزويدها ببعض الجرعات الإيمانية حتى تصفو وتسمو فتبدأ التهيئة لاستقبال هذا الشهر المبارك من منتصف شهر شعبان و في زمن سابق من بداية شهر رجب.
رحبوا ياصائمين
في ليلة النصف من شعبان يجتمع المسلمون في بيوت الله مساء للترحيب بشهر رمضان، فيتذاكرون فيما بينهم حيث يذكّر إمام وخطيب الجامع ويستعرض فضائل هذا الشهر الكريم وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكريم يستعدون لاستقبال هذا الضيف الكريم والكل في شوق ورغبة لقدوم الضيف فترى الجميع بين راجٍ وخائف ومستبشر ومشفق، ويرجو من الله عز وجل أن يبلغه هذا الشهر ويرزقه فيه الإخلاص في القول والعمل ، وتنطلق حناجر الصغار والكبار في صوت تملؤه الرهبة الممزوجة بالفرحة تقشعر منه الأبدان مرحبة بهذا الشهر بصوت جماعي تتردد أصداؤه في أرجاء المسجد وربما تجاوزها عبر مكبرات الصوت إلى ما شاء الله أن يبلغ:
رحبوا يا صائمين شهر رب العالمين أعاده الله علينا وعليكم أجمعينا ويخرج المسلمون من بيوت الله تصحبهم الأهازيج وتعلو وجوههم الفرحة يتبادلون التهاني فيما بينهم ويتذكرون من كان معهم في العام الماضي ممن توفاهم الله، وهم يرون تباشير الشهر الكريم قد حلّت بالأفق، يبدأ بعدها العد التنازلي.
وتبدأ ربة البيت في الانشغال بأمر بيتها فتعمد إلى تجهيز احتياجات رمضان وأول ما يتم التأكد منه وجود التمر في البيت و أنه قد تمت(رزامته) والرزامة هي طريقة تقليدية لحفظ التمر خلال العام ، وكذا الدقيق والفتّة والشربة، وما يلزم من المشروبات والحلويات التي تقدم عادة للضيوف الكرام في ليالي رمضان شهر الرحمة والتواصل.. ثم تلتفت إلى البيت من الداخل و الخارج هل هناك ما يحتاج إلى إصلاح في المبنى أو مكان الجلسة المسائية هل يحتاج إلى بعض (النورة) أو المحضة وهي إصلاح المبنى من خلال طلائه بمادة الطين وتجديده ، فتتفقد كل كبيرة وصغيرة، أما رب الأسرة وجميع أفرادها فهم على استعداد تام لتلبية كل الطلبات، ففي رمضان لا وقت لذلك فهو شهر لعبادة الله وطاعته.
ويتم تجهيز الثياب الخاصة بالأطفال وخصوصا (قمصان الصلاة) للبنات الصغار ، كي يتم تعويدهن على الصلاة وتعميق الإحساس بروحانية الشهر الفضيل فتجد الصغيرات في شوق لدخول رمضان،وفي المساجد تكون الاستعدادات مضاعفة .. هل المسجد جاهز لاستقبال ضيوف الرحمن؟ هل كل المحتاجات والمتطلبات متوافرة المصاحف، الإضاءة، الفرش، المياه، الصوت ومكبرات الصوت جاهزة، التمر للفطور، ناهيك عن توفير البخور والروائح الطيبة التي ستجعل المصلين في راحة حينما يؤدون الصلوات وخصوصا صلاة التراويح التي ربما أحضر لأجلها إمام إضافي من خارج المسجد ممن يحفظون القرآن وصوته حسن ليؤم الناس في صلاة التراويح، وكذا حلقات القرآن والدروس التي تلي الصلوات ويحضرها الكثيرون.
وفي الزمن السابق كانت التهيئة تبدأ بدخول شهر رجب حيث يستغل الدعاة والخطباء المواسم الدينية مثل زيارة نبي الله هود في وادي حضرموت وبعض المناسبات الدينية الأخرى ليذكروا الناس بقدوم شهر رمضان والاستعداد النفسي والروحي لهذا الضيف المبارك واستغلال كل أوقاته في العبادة وتصفية الحسابات مع الآخرين حتى يهل الشهر والنفس طيبة قابلة للتطهير الرباني.. ملبية نداء: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
البلدة كلها وأهل الحي جميعهم يعملون على التهيئة والاستعداد لاستقبال هذا الشهر المبارك فلا تكاد تمر أمام بيت لله أو لعبد من عباد الله إلا وترى التحضيرات جارية على قدم وساق ويستمر ذلك الحال حتى يهل الضيف الكريم.
خصوصية أول ليلة
تعد الليلة الأولى من شهر رمضان ليلة متميزة و لها خصوصية يستشعرها جميع المصلين، فبعد صلاة المغرب يخرج المصلون متوجهين بأبصارهم جهة المغرب يدعكون أعينهم علهم يرون هلال شهر رمضان فاليوم هو التاسع والعشرون من شعبان، ويبقون في شوق لمعرفة اليوم التالي هل هو المكمل أو الفاتح، وفي غمرة هذا التلهف والتحسس يأتي الخبر عبر وسائل الإعلام بأن يوم الغد هو أول أيام الشهر الكريم فتنطلق الأعيرة النارية ابتهاجا بهذه المناسبة في بعض قرى الوادي ويمارس الأولاد بعض الألعاب النارية (القراطيس) فرحا بقدوم رمضان، وفي السابق كان الحاكم يخرج في حاشيته وجماعة من أهل الحل والعقد ورجل حاذق لديه الخبرة بمنازل الهلال للتمكن من رؤية هلال رمضان في موعده ، فإذا تمكن من رؤيته أو أحد آخر.. تصرف الأنظار جهة أخرى ثم تعاد الكرة فإذا تمت الرؤية مرة ثانية بشكل صحيح أثبت الهلال، حينئذ يشرع الأطفال الصغار الحاضرون بالتكبير والصخب الشديد الذي يعبرون به عن فرحتهم بدخول الشهر ويتسابقون في إيصال الخبر إلى الأهالي وهم يرددون: رمضان جاء يا حيا به جاب العشاء في جرابه فينتشر الخبر، ويرسل الحاكم مكاتبيه إلى المناطق الأخرى فينطلق أناس مخصصون لهذه المهمة وتشعل النيران في أماكن محددة ليرى من لم يصله الصوت فيعرف أن الهلال قد ثبت وتطلق الأعيرة النارية بطلقات معدودة تعارف عليها الناس يتبادل الناس التهاني بقدوم الشهر والفرحة تشرق على وجوههم، ويتوجه المصلون بعد أذان العشاء بشوق شديد ورغبة عارمة نحو المساجد لأداء صلاة التراويح فتكتظ بيوت الله بضيوفها الذين أتوا من كل حدب وصوب يرجون رحمة الله تعالى وبركة هذا الشهر المبارك.
وبعد ليلة عامرة بالطاعة والعبادة والتواصل والتزاور والمباركة بحلول الشهر الفضيل ، يستيقظ من غلبه النوم في تلك الليلة قبل الفجر بساعة أو نحوها لتناول وجبة السحور (الفلاح) فترى الكبار والصغار مجتمعين حول المادة يتسحرون لأن في السحور بركة ، ثم يتوجه الرجال نحو المسجد لأداء فريضة الفجر في أول أيام شهر الرحمة وقد بدأت حقيقة الصوم تزكي النفوس.
بعد الصلاة و الذكر ينتشر الكثيرون في أرجاء المسجد يتلون آيات القرآن الكريم وقد حدد كل واحد لنفسه مقدارا من كتاب الله يقرأه وقرر البعض أن يختم خلال الشهر مرتين أو مرة على الأقل ومن كانت له همة أكبر ربما ختم المصحف خلال عشر ليال أو أقل وهكذا بينما يأخذ البعض من الصائمين قسطا من الراحة بعد ركعتي الشروق في بيت الله أو في داره.
أهل الأعمال الخاصة من أهل الحرف الشعبية خصوصا البنائين قد أخذوا شهر رمضان عطلة وتفرغاً للعبادة، أما الموظفون فقد تأخر موعد حضورهم من الثامنة إلى العاشرة ظهراً ليواصلوا أعمالهم حتى الثالثة عصرا .. الكل منشرح صدره، وتأتي عشية أول يوم من أيام رمضان وبعد أن يحضر غالبية المسلمين الدروس في المساجد بعد صلاة العصر يتجهون نحو السوق العام ليشتروا ما ترغب فيه أنفسهم من الحلويات والفواكه والخضار وغير ذلك ثم يعودون إلى منازلهم في انتظار أذان المغرب الذي يسبقه صوت مدفع الإفطار،إنها لحظات ربانية تلفها روحانية الشهر المبارك مصحوبة بدعاء الصائمين قبيل الأذان، صفاء القلوب ونقاء النفوس، حينما تجتمع الأسرة كبارا وصغارا حول مائدة الإفطار الكل مطرق برأسه تتحرك شفتاه مناجية الحق سبحانه بأن يتقبل الصيام و الصلاة والقيام امتثالا لقول الرسول الكريم: للصائم دعوة مقبولة لا ترد (دعوة فطره) في انتظار أن يصدع المؤذن بصوت الحق : الله أكبر، الله أكبر.
مائدة الافطار
في بيوت حضرموت، عادة ما تتزين مائدة الإفطار بأشياء ضرورية لابد من وجودها: التمر، القهوة، البقل (الفجل)، الشربة، السمبوسة،الباجيا ،المطبق (لمقصقص) ، وربما حضر الشراب (العصير)، المكرونة، والماء البارد الذي يطفئ حرارة العطش في الجو الحار الجاف الذي يميز وادي حضرموت خصوصا عن بقية مناطق حضرموت واليمن عموما .. وما إن يصدع صوت الحق مجلجلا في سماء الدنيا، تمتد الأنامل لتأخذ حبة التمر الأولى وتسمي الله معلنة اجتياز اليوم الأول بقبول وعفو ورحمة من المولى جل وعلا ..اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت.. ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله..وتبدأ الجلسة العائلية اللطيفة بعد أن يؤدي الذكور صلاة المغرب في المساجد، وتجتمع النسوة في البيت لتصلي المغرب في جماعة.
جلسة عائلية
في كل ليلة من ليالي الشهر الكريم تجتمع الأسرة في كل بيت من بيوت حضرموت بعد الإفطار في جلسة عائلية يتجاذب فيها الجميع أطراف الحديث وبينهم حبات اللب (الحنظل الحضرمي) وبعض المكسرات والحلويات، وفناجين الشاي الصغيرة اللطيفة وصوت الملاعق وهي تحرك السكر في فناجين الشاي الأنيقة الذي يضفي جوا بديعا على هذه الجلسة فتعلو الضحكات البريئة وتنبعث الابتسامات الهادئة وتنسى كل الخلافات والمشاحنات ويفتح الكل صفحة جديدة ،الأب ،الأم، الإخوة والأخوات، الكل مستبشر بحلول شهر رمضان ،وتستمر الجلسة حتى يحين موعد صلاة العشاء فتفترق الأبدان وتبقى القلوب مجتمعة على الخير والمحبة والصفاء.
عادات في الليالي الأولى من رمضان
في الليالي الأولى من شهر رمضان يبدأ الأرحام بزيارات بعضهم البعض فيزور الأخ أخاه والجار جاره، والبنت وزوجها يذهبون بعد الإفطار أو ربما بعد العشاء إلى بيت أهلها، ليباركوا بحلول الشهر الكريم وهكذا تعج شوارع البلدة بالحركة بين ذاهب وآيب .. ويتم تحديد المواعيد مسبقا حتى لا تختلف الزيارات فالكل مهيأ لأن يزور أو يزار، يا لله.. صلة الأرحام تتجسد جليا في هذا الشهر الكريم ، يأتي الأباعد ليزوروا الأقارب ويذهب هؤلاء ليزوروا أولئك وتترك الزيارة أثرا في النفس لا يمحى.. بل يترقب الجميع حضور من يتعودون حضورهم في الليلة المحددة في الوقت المعروف، وربما سبب غيابهم إشكالا عند بعض الأسر، فهذه من الأمور التي يحسب لها ألف حساب والمعروفة عند أهل حضرموت ب (التشهير أو المشاهرة) من الشهر والمباركة به (ويقال بانشاهر أو با نشهّر لآل فلان) أي سنبارك لهم بحلول الشهر المبارك في بيتهم.
افطار الصائم
ومن العادات الجميلة في رمضان (التفاطير ، ومفردها تفطير) والمقصود به إفطار الصائم فمنذ الليلة الثالثة وربما الثانية يبدأ الأهالي بدعوة أقاربهم وأرحامهم وجيرانهم للإفطار لديهم الليلة الفلانية، وربما أصبح من المعروف في معظم مناطق الوادي أن الليلة الفلانية هي ليلة الإفطار عند آل فلان سنويا كليلة الحادي عشر من رمضان مثلا فهي ليلة من الليالي الوتر التي يتم فيها ختم القرآن في مسجد عيديد بمنطقة مدودة (من ضواحي سيئون) ففيها يحتفل كل جيران المسجد في ساحتهم وفي حارتهم بهذه الليلة فيدعون ذويهم للإفطار وهكذا ..وتبدأ هذه العادة منذ الليلة الثالثة وذلك بحسب اعداد المساجد في المنطقة بل قد يكون في الليلة الواحدة أكثر من ختم لأكثر من مسجد .
ختم القرآن
والختومات جمع ختم ، أو ختامي والمراد به ختم المصحف خلال ليالي شهر القرآن في المسجد المعين ، إذ إن على إمام المسجد قراءة القرآن ابتداء من الليلة الأولى من رمضان و يقسم أجزاءه بعدد الأيام التي تفصله عن اليوم المحدد لختام مسجده ويترك جزءاً من القرآن (من سورة الضحى إلى الناس) ليقرأ ليلة الختم بمشاركة الحاضرين حيث يجتمع المصلون في هذا المسجد بعد صلاة العشاء من ليلة الختم ويقرأون ما تيسر من القرآن ثم دعاء ختم القرآن، وغالباً ما تكون ليالي الختم من الأوتار لعلها تصادف ليلة القدر، وتكون ليلة السابع والعشرين ختم الجوامع (أي المساجد الكبيرة التي تقام فيها الجمع والأعياد) بعد دعاء الختم والتأمين من قبل الحاضرين يتم تلاوة بعض القصائد والأناشيد الدينية في مدح النبي الكريم بأصوات المنشدين الجميلة المطربة الشجية التي تذهب بك بعيدا فتثير لديك مشاعر الحب والقرب من الله سبحانه ورسوله الكريم في هذه الليالي المشرقة والمنيرة من هذا الشهر الكريم، وربما تليت بعض القصائد في الزهد والوعظ، وخطبة للتذكير والتحذير، ينفض بعدها المجلس وقد حصل كل حاضر على شحنة إيمانية تعينه على بذل المزيد من الخير له ولإخوانه وفي بعض المناطق يخرج الحاضرون مرددين بعض الأهازيج والأناشيد الرمضانية بصوت جماعي يضربون الدفوف ويمشون إلى موقع محدد يتوجهون فيه بالدعاء إلى الله ثم يختمون بقراءة الفاتحة وينفض الختم، كما جرت العادة في مناطق أخرى أن يعقد الختم في النصف الآخر من الليل ويستمر إلى وقت السحور باعتبار هذا الوقت وقت استجابة ونزول المولى جل وعلا إلى السماء الدنيا مناديا هل من مستغفر هل من تائب هل من طالب حاجة ؟؟ وربما تعددت الختومات في الليلة الواحدة عند كثرة المساجد فيذهب كل قريب إلى مسجده.
ابتهاج الأطفال
في عصر رمضان يجتمع الأولاد والأطفال بنين وبنات مع أولياء أمورهم أو إخوانهم الكبار حول المسجد الذي ختمه الليلة ، فتجد الباعة مفترشين الباحة أمام المسجد، وقد ارتدى الصغار الحلل الجميلة والبذلات الجذابة ومع كل واحد منهم سلة يضع فيها ما يشتريه من البسكويت و الكاكاو والنعنع وغير ذلك مما يعجب الصغار، وترى المكان كله منتعشا بالحركة والفرحة تطغى على المكان، وهناك البنات الصغيرات يلعبن في براءة ويرددن بعض الأهازيج الرمضانية الأثيرة التي لا تسمعها على الإطلاق إلا في رمضان:
ليت رمضان يقعد عندنا سبعة أشهر
والمديني ملا جحلة ومعنا له البُر
والمقصود بالمديني نوع من أنواع التمور يشتهر به وادي حضرموت الغني بأنواع التمور المختلفة كالمجراف والسريّع والهجري، والجزاز وغيرها الكثير ويعد المديني من أجود الأنواع ، أما الجحلة فهي الزير الذي يحفظ فيه التمر والبر معروف (القمح).
وإذا ما اقترب وقت صلاة المغرب رددت البنات بصوت واحد حاد و رقيق تصحبه البراءة المعهودة لدى الأطفال:
يا مغرب اذ!ن شف أمي صيمة
يا علي بن كرامة
شو شو فوق المنارة
بغت لقيمة من البريمة
طلع طلع للمنارة
شو شو صندوق جاوة
ثم ينصرف الجميع نحو بيوتهم ليجتمعوا يوماً آخر عند مسجد آخر وهكذا طيلة أيام الشهر الكريم بدقاته المتتالية تنهض ربات البيوت
في سيئون للمسحراي «باصالح» طبلة ذات دقات مميزة على صوتها تنهض ربات البيوت كتوقيت لإعداد وجبة السحور كما أصبحت أنشودة يرددها أطفال مدينة سيئون طوال ليالي رمضان.
المسحراتي
اعتاد الناس منذ القدم على عمل المسحراتي الليلي ، الذي يمر بطبله ذي الدقات المميزة معلنا وقت إعداد السحور فتنتبه ربات البيوت على صوت المسحراتي لتنهض بهمة ونشاط لإعداد السحور أو (الفلاح) كما هو معروف بين الناس في حضرموت ولا يزال المسحراتي يمارس عمله بحب ورغبة رغم وجود الفضائيات اليوم واعتياد الناس على السهر حتى أوقات متأخرة من الليل وربما إلى أذان الفجر فتسمعه بعد منتصف الليل يسير مسرعا و قد شمر عن ساعديه وساقيه بدقات متتالية قوية يوقظ النائم لا يلتفت خلفه فلديه عمل مهم وشاق ودقيق ربما آخذه بعض الناس على تركه ، فينطلق مسرعا حتى لا تفوت الفرصة وحيدا في ظلمة الليل الحالكة عند الغيام أو في البدء والنهاية .. متحملا كل المشاق والصعوبات وربما السخرية في وقتنا الحالي لمن لايقدر مثل هذا العمل وانعكاساته و ما يحمله من موروث إسلامي لا تراه إلا في هذا الشهر المبارك, وتأتي العشر الأواخر ليستلم المسحراتي أجرته من الأهالي الذين يدفعونها إليه بكل محبة ومودة ، فهذا الرجل قد ضحى بنومه من أجلهم وسهر الليالي كي ينعمون بنوم هادئ مطمئنين بأن هناك من سيوقظهم للسحور في الوقت المناسب وهو المأمون أكثر من غيره لأنه إنسان ولديه شعور وإحساس، ولسان حالهم يردد قوله تعالى (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) فينهض المسحراتي نهارا أو ربما بعد الإفطار ويدور على هذه البيوت بصحبته مجموعة من الأطفال تردد أناشيد خاصة بهذه العادة والمهمة اللذيذة و المتعارف عليها بمسمى ( الوريقة ) أو الشامية وربما تعدت المهمة وشملت مناسبات أخرى ففيها تتم المباركة لعرسان العام الفائت ومواليده وكذا القادمين من الاغتراب ومن أنعم الله عليهم بنعمة سابغة و غير ذلك و من هذه الأناشيد والأهازيج :
اذا دار من يا محلاه الله يسلّم مولاه
الله يسلم أهل جاوة أهل الذهب و التجارة
الله يسلم أهل جده اهل الوفاء و المودة
الله يجيب اهل السواحل أهل الثياب و المكاحل
عمر هات حقنا عمر لي من ربنا
ما عمر سلم لأبوه و امه با تجيب خوه
وقد يكون عمر هو اسم المولود الجديد أما العريس سالم فيرددون من أجله
ماسالم بغى له مرة وجهها كما المنظرة
ما سالم بغى له عروس وجهها كما الفانوس
باعروس اندري با شوفش يا عروس كحلي عيونش
أما باصالح ذلك المسحراتي الذي يقوم بهذه العملية مع مجموعة الأطفال فله نشيده الخاص:
با صالح قم فقع شنّك
باصالح عطوه البر
باصالح عطوه الذرة
باصالح عطوه سجادة
باصالح خل الجلح كنّك
باصالح بغوه يكبر
باصالح يومه ود مره
باصالح بغوه يصلى
وغير ذلك ، وبا صالح هو اسم لأحد المسحراتيّة في مدينة سيئون . وعادة ما يحدد الأهالي أجرة المسحراتي و أطفاله المصاحبين ، فقد تكون طعاما ( بر ، ذرة ، أرز ، ... ) أو نقودا ، أو أي شيء آخر و ليس للمسحراتي حق في الاعتراض بل يقبل ما تجود به نفوس الكرام من أهل الحي بل ربما وجدها حاضرة في رف ( الضيقة ) فأخذها بكل حب ورضا فهي بركة الشهر الكريم وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
كلمة أخيرة
رمضان أحبابي الكرام شهر متميز بكل ما فيه ، فروحك أخي المسلم في رمضان تسمو بك نحو العلا و نظرتك لكل شيء تختلف ، وبرنامجك اليومي يعدل ، ونفسك تسمو وتسمو ، فكل شيء له خصوصية ونكهة مميزة .
هذا ما حضرني من عادات وتقاليد و خصائص رمضان في بعض مناطق حضرموت وربما هناك بعض الفروقات البسيطة بين منطقة و أخرى ولا شك أنني لم استوف كل ما يختص بهذا الشهر المبارك ولكن هذا غيض من فيض.
وشهر مبارك ، وتقبل الله منا و منكم صالح الأعمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.