وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    "سبحان الله".. جمل غريب ب"رقبة صغيرة" يثير تفاعلا في السعودية    "مساومة جريئة تُفاجئ الحوثيين: نجل قاضٍ يُقدّم عرضًا مثيرًا للجدل للإفراج عن والده"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    المهرة: شجاعة لا مثيل لها.. رجال الإنقاذ يخوضون معركة ضد السيول ينقذون خلالها حياة مواطن    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    خطوات هامة نحو تغيير المعادلة في سهل وساحل تهامة في سبيل الاستقلال!!    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    الإنذار المبكر بحضرموت يطلق تحذيرا هاما للساعات القادمة    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    الجنوب يفكّك مخططا تجسسيا حوثيا.. ضربة جديدة للمليشيات    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    مسيرة الهدم والدمار الإمامية من الجزار وحتى الحوثي (الحلقة الثامنة)    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفاوة مميزة
لا يزال الناس هناك محافظين على عاداتهم وتقاليدهم بكل تفاصيلها..ما جعل لرمضان في مناطق حضرموت الوادي والصحراء
نشر في الجمهورية يوم 11 - 09 - 2009

الحديث عن شهر رمضان المبارك حديث ذو شجون، ذلك أن شهر رمضان قد تميز بعدد من الخصال والصفات و الخصوصيات منها ما ميزه الله تعالى به فجعله سيد الشهور تفتّح فيه أبواب الجنان و تغلق فيه أبواب النيران و تصفّد فيه الشياطين، وفيه تضاعف الحسنات وغير ذلك كثير، فهو موسم للطاعة والعبادة والتجارة مع الحق تبارك وتعالى، لذلك يحرص المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على استغلال هذا الشهر استغلالاً أمثل بالتفرغ للعبادة والاستزادة من فعل الخير و صلة الأرحام والصدقة..وفي حضرموت لا يزال الأهالي يعتبرون شهر رمضان محطة وقوف لمحاسبة النفس وتزويدها ببعض الجرعات الإيمانية حتى تصفو وتسمو فتبدأ التهيئة لاستقبال هذا الشهر المبارك من منتصف شهر شعبان و في زمن سابق من بداية شهر رجب .
رحبوا ياصائمين
في ليلة النصف من شعبان يجتمع المسلمون في بيوت الله مساء للترحيب بشهر رمضان ، فيتذاكرون فيما بينهم حيث يذكّر إمام و خطيب الجامع ويستعرض فضائل هذا الشهر الكريم و كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام يستعدون لاستقبال هذا الضيف الكريم والكل في شوق ورغبة لقدوم الضيف فترى الجميع بين راج وخائف ومستبشر ومشفق ، ويرجو من الله عز وجل أن يبلغه هذا الشهر ويرزقه فيه الإخلاص في القول والعمل، وتنطلق حناجر الصغار و الكبار في صوت تملؤه الرهبة الممزوجة بالفرحة تقشعر منه الأبدان مرحبة بهذا الشهر بصوت جماعي تتردد أصداؤه في أرجاء المسجد وربما تجاوزها عبر مكبرات الصوت إلى ما شاء الله أن يبلغ:
رحبوا يا صائمين
شهر رب العالمين
أعاده الله علينا
وعليكم أجمعينا
ويخرج المسلمون من بيوت الله تصحبهم الأهازيج و تعلو وجوههم الفرحة يتبادلون التهاني فيما بينهم ويتذكرون من كان معهم في العام الماضي ممن توفاهم الله، وهم يرون تباشير الشهر الكريم قد حلّت بالأفق، يبدأ بعدها العد التنازلي.. و تبدأ ربة البيت في الانشغال بأمر بيتها فتعمد إلى تجهيز احتياجات رمضان و أول ما يتم التأكد منه وجود التمر في البيت و أنه قد تمت (رزامته) والرزامة هي طريقة تقليدية لحفظ التمر خلال العام، وكذا الدقيق والفتّة و الشربة ، و ما يلزم من المشروبات والحلويات التي تقدم عادة للضيوف الكرام في ليالي رمضان شهر الرحمة و التواصل.. ثم تلتفت إلى البيت من الداخل والخارج هل هناك ما يحتاج إلى إصلاح في المبنى أو مكان الجلسة المسائية هل يحتاج إلى بعض (النورة) أو المحضة وهي إصلاح المبنى من خلال طلائه بمادة الطين و تجديده، فتتفقد كل كبيرة و صغيرة، أما رب الأسرة وجميع أفرادها فهم على استعداد تام لتلبية كل الطلبات ، ففي رمضان لا وقت لذلك فهو شهر تفرغ لعبادة الله و طاعته.
ويتم تجهيز الثياب الخاصة بالأطفال و خصوصاً (قمصان الصلاة) للبنات الصغار، كي يتم تعويدهن على الصلاة وتعميق الإحساس بروحانية الشهر الفضيل فتجد الصغيرات في شوق لدخول رمضان.
وفي المساجد تكون الاستعدادات مضاعفة.. هل المسجد جاهز لاستقبال ضيوف الرحمن؟ هل كل المحتاجات والمتطلبات متوافرة؟ المصاحف، الإضاءة، الفرش، المياه، الصوت و مكبرات الصوت جاهزة ، التمر للفطور.. ناهيك عن توفير البخور والروائح الطيبة التي ستجعل المصلين في راحة حينما يؤدون الصلوات وخصوصا صلاة التراويح التي ربما أحضر لأجلها إمام إضافي من خارج المسجد ممن يحفظون القرآن و صوته حسن ليؤم الناس في صلاة التراويح.. وكذا حلقات القرآن والدروس التي تلي الصلوات و يحضرها الكثيرون.
وفي الزمن السابق كانت التهيئة تبدأ بدخول شهر رجب حيث يستغل الدعاة والخطباء المواسم الدينية مثل زيارة نبي الله هود في وادي حضرموت وبعض المناسبات الدينية الأخرى ليذكروا الناس بقدوم شهر رمضان و الاستعداد النفسي والروحي لهذا الضيف المبارك واستغلال كل أوقاته في العبادة و تصفية الحسابات مع الآخرين حتى يهل الشهر والنفس طيبة قابلة للتطهير الرباني .. ملبية نداء: «ياباغي الخير أقبل.. وياباغي الشر أقصر».
البلدة كلها و أهل الحي جميعهم يعملون على التهيئة والاستعداد لاستقبال هذا الشهر المبارك فلا تكاد تمر أمام بيت لله أو لعبد من عباد الله إلا وترى التحضيرات جارية على قدم و ساق ويستمر ذلك الحال حتى يهل الضيف الكريم.
خصوصية أول ليلة
تعد الليلة الأولى من شهر رمضان ليلة متميزة و لها خصوصية يستشعرها جميع المصلين، فبعد صلاة المغرب يخرج المصلون متوجهين بأبصارهم جهة المغرب يدعكون أعينهم علهم يرون هلال شهر رمضان فاليوم هو التاسع و العشرون من شعبان ، ويبقون في شوق لمعرفة اليوم التالي هل هو المكمل أو الفاتح، وفي غمرة هذا التلهف والتحسس يأتي الخبر عبر وسائل الإعلام بأن يوم الغد هو أول أيام الشهر الكريم فتنطلق الأعيرة النارية ابتهاجا بهذه المناسبة في بعض قرى الوادي ويمارس الأولاد بعض الألعاب النارية (القراطيس) فرحا بقدوم رمضان، وفي السابق كان الحاكم يخرج في حاشيته وجماعة من أهل الحل و العقد ورجل حاذق لديه الخبرة بمنازل الهلال للتمكن من رؤية هلال رمضان في موعده، فإذا تمكن من رؤيته أو أحد آخر.. تصرف الأنظار جهة أخرى ثم تعاد الكرة فإذا تمت الرؤية مرة ثانية بشكل صحيح أثبت الهلال، حينئذ يشرع الأطفال الصغار الحاضرون بالتكبير والصخب الشديد الذي يعبرون به عن فرحتهم بدخول الشهر ويتسابقون في إيصال الخبر إلى الأهالي وهم يرددون:
رمضان جاء يا حيا به
جاب العشاء في جرابه
فينتشر الخبر، ويرسل الحاكم مكاتيبه إلى المناطق الأخرى فينطلق أناس مخصصون لهذه المهمة مرددين بصوت عال “علا وانه هل“ وتشعل النيران في أماكن محددة ليرى من لم يصله الصوت فيعرف أن الهلال قد ثبت و تطلق الأعيرة النارية بطلقات معدودة تعارف عليها الناس . يتبادل الناس التهاني بقدوم الشهر والفرحة تشرق على وجوههم ، ويتوجه المصلون بعد أذان العشاء بشوق شديد ورغبة عارمة نحو المساجد لأداء صلاة التراويح فتكتظ بيوت الله بضيوفها الذين أتوا من كل حدب وصوب يرجون رحمة الله تعالى وبركة هذا الشهر المبارك.
وبعد ليلة عامرة بالطاعة و العبادة و التواصل والتزاور والمباركة بحلول الشهر الفضيل ، يستيقظ من غلبه النوم في تلك الليلة قبل الفجر بساعة أو نحوها لتناول وجبة السحور (الفلاح) فترى الكبار والصغار مجتمعين حول المادة يتسحرون لأن في السحور بركة، ثم يتوجه الرجال نحو المسجد لأداء فريضة الفجر في أول أيام شهر الرحمة وقد بدأت حقيقة الصوم تزكي النفوس.
بعد الصلاة و الذكر ينتشر الكثيرون في أرجاء المسجد يتلون آيات القرآن الكريم و قد حدد كل واحد لنفسه مقدارا من كتاب الله يقرأه و قرر البعض أن يختم خلال الشهر مرتين أو مرة على الأقل و من كانت له همة أكبر ربما ختم المصحف خلال عشر ليال أو أقل وهكذا.. بينما يأخذ البعض من الصائمين قسطاً من الراحة بعد ركعتي الشروق في بيت الله أو في داره.
أهل الأعمال الخاصة من أهل الحرف الشعبية خصوصاً البنائين قد أخذوا شهر رمضان عطلة وتفرغاً للعبادة ، أما الموظفون فقد تأخر موعد حضورهم من الثامنة إلى العاشرة ظهراً ليواصلوا أعمالهم حتى الثالثة عصراً.. الكل منشرح صدره، وتأتي عشية أول يوم من أيام رمضان وبعد أن يحضر غالبية المسلمين الدروس في المساجد بعد صلاة العصر يتجهون نحو السوق العام ليشتروا ما ترغب فيه أنفسهم من الحلويات والفواكه والخضار وغير ذلك ثم يعودون إلى منازلهم في انتظار أذان المغرب الذي يسبقه صوت مدفع الإفطار.
إنها لحظات ربانية تلفها روحانية الشهر المبارك مصحوبة بدعاء الصائمين قبيل الأذان، صفاء القلوب ونقاء النفوس، حينما تجتمع الأسرة كبارا وصغارا حول مائدة الإفطار الكل مطرق برأسه تتحرك شفتاه مناجية الحق سبحانه بأن يتقبل الصيام و الصلاة والقيام امتثالاً لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «للصائم دعوة مقبولة لا ترد» (دعوة فطره) في انتظار أن يصدع المؤذن بصوت الحق: الله أكبر، الله أكبر.
مائدة الإفطار
في بيوت حضرموت ، عادة ما تتزين مائدة الإفطار بأشياء ضرورية لابد من وجودها: التمر، القهوة، البقل (الفجل)، الشربة، السمبوسة، الباجيا، المطبق (المقصقص)، وربما حضر الشراب (العصير)، المكرونة، والماء البارد الذي يطفئ حرارة العطش في الجو الحار الجاف الذي يميز وادي حضرموت خصوصا عن بقية مناطق حضرموت واليمن عموما.. وما إن يصدع صوت الحق مجلجلا في سماء الدنيا، تمتد الأنامل لتأخذ حبة التمر الأولى و تسمي الله معلنة اجتياز اليوم الأول بقبول و عفو و رحمة من المولى جل وعلا.. «للهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت.. ذهب الظمأ و ابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله».. وتبدأ الجلسة العائلية اللطيفة بعد أن يؤدي الذكور صلاة المغرب في المساجد، وتجتمع النسوة في البيت لتصلي المغرب في جماعة.
جلسة عائلية
في كل ليلة من ليالي الشهر الكريم تجتمع الأسرة في كل بيت من بيوت حضرموت بعد الإفطار في جلسة عائلية يتجاذب فيها الجميع أطراف الحديث و بينهم حبات اللب (الحنظل الحضرمي) وبعض المكسرات والحلويات، وفناجين الشاي الصغيرة اللطيفة وصوت الملاعق وهي تحرك السكر في فناجين الشاي الأنيقة الذي يضفي جوا بديعا على هذه الجلسة فتعلو الضحكات البريئة و تنبعث الابتسامات الهادئة وتنسى كل الخلافات و المشاحنات ويفتح الكل صفحة جديدة ، الأب ،الأم، الإخوة والأخوات، الكل مستبشر بحلول شهر رمضان، وتستمر الجلسة حتى يحين موعد صلاة العشاء فتفترق الأبدان و تبقى القلوب مجتمعة على الخير و المحبة و الصفاء.
عادات في الليالي الأولى من رمضان
في الليالي الأولى من شهر رمضان يبدأ الأرحام بزيارات بعضهم البعض فيزور الأخ أخاه والجار جاره، والبنت وزوجها يذهبون بعد الإفطار أو ربما بعد العشاء إلى بيت أهلها، ليباركوا بحلول الشهر الكريم و هكذا تعج شوارع البلدة بالحركة بين ذاهب و آيب.. ويتم تحديد المواعيد مسبقا حتى لا تختلف الزيارات فالكل مهيأ لأن يزور أو يزار، يا لله.. صلة الأرحام تتجسد جليا في هذا الشهر الكريم، يأتي الأباعد ليزوروا الأقارب ويذهب هؤلاء ليزوروا أولئك.. و تترك الزيارة أثرا في النفس لا يمحى.. بل يترقب الجميع حضور من يتعودون حضورهم في الليلة المحددة في الوقت المعروف، وربما سبب غيابهم إشكالا عند بعض الأسر.. فهذه من الأمور التي يحسب لها ألف حساب والمعروفة عند أهل حضرموت ب(التشهير أو المشاهرة) من الشهر والمباركة به، (ويقال بانشاهر أو با نشهّر لآل فلان) أي سنبارك لهم بحلول الشهر المبارك في بيتهم.
إفطار الصائم
ومن العادات الجميلة في رمضان (التفاطير ، ومفردها تفطير) والمقصود به إفطار الصائم فمنذ الليلة الثالثة وربما الثانية يبدأ الأهالي بدعوة أقاربهم و أرحامهم وجيرانهم للإفطار لديهم الليلة الفلانية، وربما أصبح من المعروف في معظم مناطق الوادي أن الليلة الفلانية هي ليلة الإفطار عند آل فلان سنويا كليلة الحادي عشر من رمضان مثلا فهي ليلة من الليالي الوتر التي يتم فيها ختم القرآن في مسجد عيديد بمنطقة مدودة (من ضواحي سيئون)، ففيها يحتفل كل جيران المسجد في ساحتهم وفي حارتهم بهذه الليلة فيدعون ذويهم للإفطار وهكذا.. وتبدأ هذه العادة منذ الليلة الثالثة و ذلك بحسب اعداد المساجد في المنطقة بل قد يكون في الليلة الواحدة أكثر من ختم لأكثر من مسجد.
ختم القرآن
والختومات جمع ختم، أو ختامى والمراد به ختم المصحف خلال ليالي شهر القرآن في المسجد المعين، إذ إن على إمام المسجد قراءة القرآن ابتداء من الليلة الأولى من رمضان و يقسم أجزاؤه بعدد الأيام التي تفصله عن اليوم المحدد لختام مسجده، و يترك جزء من القرآن (من سورة الضحى إلى الناس) ليقرأ ليلة الختم بمشاركة الحاضرين .. حيث يجتمع المصلون في هذا المسجد بعد صلاة العشاء من ليلة الختم ويقرأون ما تيسر من القرآن ثم دعاء ختم القرآن ، و غالبا ما تكون ليالي الختم من الأوتار لعلها تصادف ليلة القدر، وتكون ليلة السابع والعشرين ختم الجوامع (أي المساجد الكبيرة التي تقام فيها الجمع والأعياد) بعد دعاء الختم والتأمين من قبل الحاضرين، يتم تلاوة بعض القصائد والأناشيد الدينية في مدح النبي الكريم بأصوات المنشدين الجميلة المطربة الشجية التي تذهب بك بعيداً فتثير لديك مشاعر الحب والقرب من الله سبحانه و رسوله الكريم في هذه الليالي المشرقة والمنيرة من هذا الشهر الكريم ، و ربما تليت بعض القصائد في الزهد و الوعظ ، و خطبة للتذكير و التحذير ، ينفض بعدها المجلس وقد حصل كل حاضر على شحنة إيمانية تعينه على بذل المزيد من الخير له و لإخوانه.. وفي بعض المناطق يخرج الحاضرون مرددين بعض الأهازيج و الأناشيد الرمضانية بصوت جماعي يضربون الدفوف و يمشون إلى موقع محدد يتوجهون فيه بالدعاء إلى الله ثم يختمون بقراءة الفاتحة و ينفض الختم، كما جرت العادة في مناطق أخرى أن يعقد الختم في النصف الآخر من الليل ويستمر إلى وقت السحور باعتبار هذا الوقت وقت استجابة و نزول المولى جل وعلا إلى السماء الدنيا منادياً: «هل من مستغفر، هل من تائب، هل من طالب حاجة؟» وربما تعددت الختومات في الليلة الواحدة عند كثرة المساجد فيذهب كل قريب إلى مسجده..
ابتهاج الأطفال
في عصر رمضان يجتمع الأولاد والأطفال بنين وبنات مع أولياء أمورهم أو إخوانهم الكبار حول المسجد الذي ختمه الليلة ، فتجد الباعة مفترشين الباحة أمام المسجد، وقد ارتدى الصغار الحلل الجميلة والبدلات الجذابة و مع كل واحد منهم سلة يضع فيها ما يشتريه من البسكويت والكاكاو والنعنع وغير ذلك مما يعجب الصغار، وترى المكان كله منتعشا بالحركة و الفرحة تطغى على المكان، وهناك البنات الصغيرات يلعبن في براءة ويرددن بعض الأهازيج الرمضانية الأثيرة التي لا تسمعها على الإطلاق إلا في رمضان:
ليت رمضان يقعد عندنا سبعة أشهر
والمديني ملا جحلة و معنا له البُر
والمقصود بالمديني نوع من أنواع التمور يشتهر به وادي حضرموت الغني بأنواع التمور المختلفة كالمجراف و السريّع و الهجري ، و الجزاز و غيرها الكثير و يعد المديني من أجود الأنواع ، أما الجحلة فهي الزير الذي يحفظ فيه التمر و البر معروف (القمح).
وإذا ما اقترب وقت صلاة المغرب رددت البنات بصوت واحد حاد ورقيق تصحبه البراءة المعهودة لدى الأطفال:
يامغرب أذّن شف أمي صيمة
ياعلي بن كرامة
شو شو فوق المنارة
بغت لقيمة من البريمة
طلع طلع للمنارة
شو شو صندوق جاوة
ثم ينصرف الجميع نحو بيوتهم ليجتمعوا يوماً آخر عند مسجد آخر وهكذا طيلة أيام الشهر الكريم
بدقاته المتتالية .. تنهض ربات البيوت
في سيئون للمسحراتي «باصالح» طبلة ذات دقات مميزة على صوتها تنهض ربات البيوت كتوقيت لإعداد وجبة السحور كما أصبحت أنشودة يرددها أطفال مدينة سيئون طوال ليالي رمضان.
المسحراتي
اعتاد الناس منذ القدم على عمل المسحراتي الليلي، الذي يمر بطبله ذي الدقات المميزة معلنا وقت إعداد السحور فتنتبه ربات البيوت على صوت المسحراتي لتنهض بهمة ونشاط لإعداد السحور أو (الفلاح) كما هو معروف بين الناس في حضرموت ولا يزال المسحراتي يمارس عمله بحب ورغبة رغم وجود الفضائيات اليوم واعتياد الناس على السهر حتى أوقات متأخرة من الليل وربما إلى أذان الفجر.. فتسمعه بعد منتصف الليل يسير مسرعا و قد شمر عن ساعديه وساقيه بدقات متتالية قوية يوقظ النائم لا يلتفت خلفه فلديه عمل مهم وشاق ودقيق ربما آخذه بعض الناس على تركه، فينطلق مسرعا حتى لا تفوت الفرصة وحيدا في ظلمة الليل الحالكة عند الغيام أو في البدء والنهاية.. متحملا كل المشاق والصعوبات وربما السخرية في وقتنا الحالي لمن لايقدر مثل هذا العمل و انعكاساته و ما يحمله من موروث إسلامي لا تراه إلا في هذا الشهر المبارك.
وتأتي العشر الأواخر ليستلم المسحراتي أجرته من الأهالي الذين يدفعونها إليه بكل محبة ومودة ، فهذا الرجل قد ضحى بنومه من أجلهم وسهر الليالي كي ينعموا بنوم هادئ مطمئنين بأن هناك من سيوقظهم للسحور في الوقت المناسب وهو المأمون أكثر من غيره لأنه إنسان ولديه شعور وإحساس، ولسان حالهم يردد قوله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) فينهض المسحراتي نهارا أو ربما بعد الإفطار ويدور على هذه البيوت بصحبته مجموعة من الأطفال تردد أناشيد خاصة بهذه العادة والمهمة اللذيذة والمتعارف عليها بمسمى (الوريقة) أو الشامية وربما تعدت المهمة وشملت مناسبات أخرى ففيها تتم المباركة لعرسان العام الفائت ومواليده وكذا القادمين من الاغتراب ومن أنعم الله عليهم بنعمة سابغة وغير ذلك ومن هذه الأناشيد والأهازيج:
إذا دار من يا محلاه
الله يسلّم مولاه
الله يسلم أهل جاوة
أهل الذهب و التجارة
الله يسلم أهل جده
أهل الوفاء و المودة
الله يجيب أهل السواحل
أهل الثياب و المكاحل
عمر هات حقنا
عمر لي من ربنا
ما عمر سلم لأبوه
وأمه با تجيب خوه
وقد يكون عمر هو اسم المولود الجديد أما العريس سالم فيرددون من أجله:
ما سالم بغى له مرة
وجهها كما المنظرة
ما سالم بغى له عروس
وجهها كما الفانوس
باعروس اندري با شوفش
ياعروس كحلي عيونش
أما باصالح ذلك المسحراتي الذي يقوم بهذه العملية مع مجموعة الأطفال فله نشيده الخاص:
با صالح قم فقع شنّك
باصالح عطوه البر
باصالح عطوه الذرة
باصالح عطوه سجادة
باصالح خل الجلح كنّك
باصالح بغوه يكبر
باصالح يومه ود مره
باصالح بغوه يصلى
وغير ذلك، وبا صالح هو اسم لأحد المسحراتيّة في مدينة سيئون.. وعادة ما يحدد الأهالي أجرة المسحراتي و أطفاله المصاحبين، فقد تكون طعاما (بر، ذرة، أرز، ...) أو نقودا، أو أي شيء آخر و ليس للمسحراتي حق في الاعتراض بل يقبل ما تجود به نفوس الكرام من أهل الحي بل ربما وجدها حاضرة في رف ( الضيقة ) فأخذها بكل حب ورضا فهي بركة الشهر الكريم وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
كلمة أخيرة
رمضان أحبابي الكرام شهر متميز بكل ما فيه ، فروحك أخي المسلم في رمضان تسمو بك نحو العلا و نظرتك لكل شيء تختلف ، وبرنامجك اليومي يعدل ، ونفسك تسمو وتسمو ، فكل شيء له خصوصية ونكهة مميزة .
هذا ما حضرني من عادات وتقاليد وخصائص رمضان في بعض مناطق حضرموت وربما هناك بعض الفروقات البسيطة بين منطقة وأخرى ولا شك أنني لم استوف كل ما يختص بهذا الشهر المبارك ولكن هذا غيض من فيض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.