(كفاي ) كنت قد غسلت كفي جيداً قبل الغداء بالماء والصابون كما تعلمت في المدرسة، ولأن أمي كانت لا تأبه لهذه الأشياء أصرت على معاقبتي دوماً كوني أسرف بالماء دون مبالاة، فأنا لا أغسل كفي إلا في الحمام، ودائماً ينزلق قالب الصابون منهما متدحرجاً إلى مرحاض فتضطر أمي غاضبة لشراء قالب جديد، محذرة وناهرة إياي بقولها: «الخيبة خيبة لو يغتسل كل يوم». (كف أمي) شقيقي الصغير يسلب مافي محفظتي من نقود معدنية يخفيها بين التراب ليلعب بها، أما نقودي الورقية فيقدمها طعاماً شهياً لأغنام جيراننا المساكين، حاولت مراراً ردعه ولأنه صعب المزاج ولا تلقى بالاً لمثل هذه «التوافه» حسب قولها عجزت هذه المرة أيضاً عن إقناعه، فصحت في وجهه وأنا أندب حظي العاثر في منزلنا المتخم بالمضايقات. انهمكت بعدها بجمع أوراقي المتناثرة هنا وهناك، وحمدتُ الله كثيراً أن شهادتي الجامعية بقيت سليمة، وأنها لم تكن طعاماً دسماً للأغنام. ماكدت أرفع رأسي عن الأرض حتى تلقيت صفعة من كف أمي «الفولاذي» أصابتني بعمى مفاجئ، رفعت كفي إلى خدي أتحسس ألم الصفعة وحرارتها. قالت أمي متذمرة: «بدل أن تندبي حظك ابحثي عن عريس يلمك!!» (كف حبيبي ) حينما كنت قد عملت بنصيحة أمي الموقرة، انتظرت طويلاً «سيارة أجرة» وأنا أتفحص ساعةً تخنق معصمي بين لحظة وأخرى بتوتر مفضوح وبعد نفاد صبر أوقف لي أحدهم سيارته فهرعت إليها، قلت مرتبكة ومستعجلة: «على طول لو سمحت». كنت أوزع نظراتي المفجوعة على الطرقات وساعة يدي وأنا لاأزال أفرك أصابعي بقلق حينما لمحته واقفاً في مكانه المعتاد منتظراً مجيئي بابتسامة غاضبة ونظرات مافهمت منها شيئاً محدداً. صحت إلى السائق مشيرة بأصبعي تجاهه: قف أمام ذلك الرجل لو سمحت. وطلبت منه مناداته، صعد السيارة وتكرم بالجلوس إلى جانبي، قال لي مستاءً: لماذا تأخرتِ؟ زحمة مواصلات. كنت سأذهب. لن أسامحك حينها. طيب أعطيني كفك. هل ستقرأ لي «البخت»؟ ضحكت باستحياء وأنا أمد كفي لتعانق كفه بشغف، فأحسست بدفء قلبه وجنون خفقاته، رغم أني كنت أغطيها بجورب أسود حزين، وقلت له بدلال: أني أسمع حديث قلبك. حقاً! ماذا سمعتِ؟! حينما نصل «المطعم» سأوشوش لك. هز رأسه مبتسماً ومرحباً، ثم سحب كفه من حضن كفي بهدوء، رفعها مقابل وجهه، نظر إليها متفحصاً ثم قال ضاحكاً: أوووه، لقد زال العرق من باطن كفي، شكراً لهذا الجورب، إنه اختراعٌ جميل.