على الرغم من جور الأزمة السياسية الطاحنة الجاثمة على صدورنا جميعاً منذ زهاء عشرة أشهر وماتزال.. استنزفت الطاقات وأصابت الحركة الحياتية للمواطنين بالشلل شبه التام على مختلف الأصعدة والمستويات رغم ذلك إلا أن المجتمع اليمني بشكيمته القوية وجلده ومصابرته على الشدائد والأوجاع لا يغفل الاهتمام والاحتفاء بالمناسبات الوطنية والدينية وإعطاءها ماهي أهله لأنه يعتبرها جزءاً من كيانه ووجوده والتنكر لتلك المناسبات ليس سوى تنكراً لهذا الكيان وهذا الوجود. ومع اقتراب حلول عيد الأضحى أعاده الله على الأمة العربية والإسلامية بالخيرات والبركات فإن اليمنيين بمختلف فئاتهم وشرائحهم يتوسلون السبل القريبة والكفيلة بتوفير أضحية يقدمونها في هذه الأيام المباركة لينالوا الأجر من الله ويدخلون السرور على قلوب أطفالهم وأسرهم الذين يتطلعون بشغف إلى رؤية رأس الماشية يشاركهم مسكنهم ولو عدة أيام وبالذات في المدن. غير أن شراء أضحية في الوقت الراهن وتداعياته يكتنفه الكثير من الصعوبات فمع ارتفاع أسعار الثروة الحيوانية المتزامنة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وضيق مافي يد المواطنين نجد أن هذه السنة النبوية صعبة المنال لأغلب الأسر. وللوقوف على هذه القضية وأبعادها في المجتمع كان لنا هذا الاستطلاع لاستشراف الوضع العام لحركة أسواق الماشية. أثمان مرتفعة ولكن عبدالولي صالح زايد: مواطن يقول : قبل يومين بعت تبيعاً وهو مابين الثور الكبير والعجل بمبلغ 260 ألف ريال ونظراً للظروف المعيشية التي تمر بها البلاد فهو مبلغ بالنسبة لي ولمن عرف جوده وسلامة التبيع من أي عيب لم يكتمل وكنت أرنو إلى أن يرتفع الثمن إلى 300 ألف ريال لكن الوساطة جعلتني أتنازل عن 40 ألف ريال وكنت أحق بها وبالذات زوجتي الفاضلة التي قدمت العناية له وتربيته وإطعامه يومياً كل الفترة الماضية أي منذ ولادته وإذا كنتم تستكثرون هذا المبلغ فما عليكم سوى الطواف في الأسواق ومعرفة أثمان رؤوس الماشية المعروضة إنها أثمان قد تفوق ال300 ألف ريال كذلك ادخل إلى المجزرة تجد أن سعر الكيلو الواحد من لحم هذا المضرب 1800 ريال وأنا أرى أن الجزارين معذورون في رفع الأسعار نتيجة للالتزامات التي تكبلهم من كل جانب سواءً في شراء الرؤوس من تهامة ونقلها إلى هنا مع ما يرافق ذلك من دفع نصف المائة تسعين كما يقولون لقدرة توفر مادة الديزل “وقود عربات التنقل فيضطر إلى شراء الكمية المطلوبة من السوق السوداء بمبالغ كبيرة وبالرغم من ذلك يحث على الجهات المختصة اليقظة من سباتها ومراقبة الأسعار التي تفرض وتسعيرها التقدير المنصف بمافي ذلك أثمان الأضاحي أما أن تظل رهن مزاجيات تجار الماشية وتلقي الحبل على الغارب فالإنسان ضعيف وجشع ويبحث عن الأرباح الكبيرة حتى وإن كانت تتعارض مع نصوص وشرائع الدين الإسلامي. عمال وليس موظفين في حين يتحدث محمد علي الربوعي عامل بلغة لا تنقصها الصراحة حيث يقول : في ظل الأزمة التي جثت على أرزاقنا ومصالحنا والتي طالت وعرضت لا نستطيع حتى الآن شراء أضحية للعيد الكبير “الأضحى” لأن حالتنا المادية صعبة جداً كما أغلب الناس وبالذات ونحن من الذين يكسبون أقواتهم وأرزاقهم بعمل أيديهم والحمدلله نحن في خير وعافية لكن هذه الأيام نتيجة الأزمة أوقفت الأعمال تماماً منذ ما يقارب السنة ولو لم يكن الدين الإسلامي قد سهل على من لا يستطيع هذه السنة النبوية لأصبحنا في هم فوق الهم الذي نعانيه ونحن في هذه الحال ممن ليست لهم المقدرة على الشراء ومعذورون في ذلك كما يعلم الجميع : في السنوات الماضية لم نواجه مثل هذه المحنة أو أمثالها أبداً لأننا كنا شغالين وما إن يدخل أول يوم أو ثاني يوم من عشر ذي الحجة إلا والأضحية جاهزة والأطفال يعتنون بها حتى يحين موعد الذبح وفي بعض الأعياد كنا نشترك مع عدد من الأصدقاء والأصهار رأس بقر كبير أو مضرب سمين. وياليت أننا موظفون لكان بالإمكان جلب أضحية بكل بساطة عن طريق التقسيط المريح من المرتب لكن الأمور في خير وإن شاء الله تنجلي هذه الغمة عن هذه الأمة المكروبة ويعود الوضع إلى ما كان عليه وأحسن. الكهرباء تقاطع عملية شراء الأضاحي أما حسن محمد العفيري الموظف في القطاع التربوي فقد لفت انتباهنا إلى شيء مهم فهو يقول من وجهة نظره طبعاً : يبدو أنني أقف إلى صف المقاطعين لشراء الأضاحي هذا العام فقط والسبب أن لحم الأضحية الذي يقسم إلى كميات متعددة كي تكفي الأسرة أسبوعاً قد تتعفن وتذهب هباء ولا نستفيد منها لأن ثلاجات التبريد هذه الأيام خارج نطاق الخدمة لانقطاع التيار الكهربائي وإذا كان هناك من إثم فنحن لا نتحمله لأننا مجرد مستهلكين مساكين وإذا كان هناك من يتحمله فوزارة الكهرباء والطاقة ومن ورائها الحكومة التي تتمكن من ضبط المعتدين على الأبراج الكهربائية. أضاح لأصحاب الدخل المحدود على نفس الصعيد التقينا الأخ/ عبد الوهاب احمد المعاين مدير عام مكتب الواجبات الزكوية بمحافظة ذمار الذي علق على الموضوع قائلاً: من البدهي سلفاً أن الموطنين من أصحاب الدخل المحدود فالموظف أو أغلبهم لا يمتلكون سوى مرتباتهم لتصريف شئونهم الحياتية وبالتالي ليس في استطاعة الموظف مواجهة احتياجات العيد وتوفير أضحية في وقت واحد لذلك نتدخل دائماً لتذليل العقبة التي تواجه الموظفين في شراء الأضاحي لمن يرغب في ذلك طبعاً وفي هذا العام قمنا بالتنسيق مع الإدارة العامة للاستثمار بجامعة ذمار وإبرام عقد يتضمن تزويد إدارة الاستثمار بالجامعة برؤوس الأغنام المطلوبة حسب الاستمارات على أن يسدد مكتب الواجبات المبلغ المفروض عليه على ثلاثة أقساط وكثير الإدارات والمؤسسات الحكومية يلجأون إلى هذا الحل وليس حكراً على إدارتنا. ربع الأضحية ب50ألف ريال نجيب السماوي: (مقوت) يؤكد: الأضحية التي هي عبارة عن رأس من البقر جاهزة في القرية منذ أربعة أيام وقد تشاركنا فيها أربعة أنفار (أشخاص)وبما أن صاحب رأس الماشية من الأنساب وكلنا من أبناء العموم الواحدة فقد ابتعناه ب200ألف ريال وكان نصيبي منها 50 ألف ريال تم دفعها كاملة والثمن للعارفين يعتبر قليلاً نوعاً ما فلو كان هذا المضرب (رأس البقر في سوق مدينة ذمار لن يقل سعره عن ال 300ألف ريال. طلاب لا يلتحقون بالمدارس محمد عبدالكريم سهيل “صاحب مكتبة الأخوة بذمار يشير بدون تردد: نحن لن نشتري أضحية صغيرة أو كبيرة لأننا أصبحنا منذ فترة بالكاد نعمل لتوفير المصروف فالحركة التجارية في المكتبة من بيع وشراء ضعيفة جداً هل تصدق أن هناك أسراً عديدة اضطرت إلى منع أطفالها من الذهاب إلى المدرسة وتأجيل إلتحاقهم بالعام الدراسي الحالي حتى تنقشع الأزمة فلم يعد أرباب الأسر على مقدره على تلبية ما نسبته 50 %من احتياجات عائلته ألا يدعو هذا الظرف العصيب إلى التحسر على وضعنا الراهن..إذاً لا يمكن بأي صورة أن نتحدث عن الأضحية فديننا يسر على المعسر في مثل هذه الأمور بما فيها الفرائض. الأرحام أولى أما محمد صالح السفياني ..موظف فهو ينظر إلى هذا الموضوع من زاويته الخاصة وحساباته الذاتية حيث يفيدنا بالقول: أنا من الأشخاص الذين ليس لديهم دخل مالي سوى مرتباتهم فقط لهذا أتعامل مع هذه القضية وفق قدراتي المالية المحدودة وبما أن والدي رحمه الله قد خلف لي ولإخواني تركة من البنات وهن الخير والبركة طبعاً فإني استقطع مبلغاً مالياً من المرتب لأعودهن أيام العيد فهن في نظري أولى من جلب الأضحية والتقرب بصلتهن أعلى منزلة من الأضحية فالرحم اسم مشتق من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله خاصة وأني تمكنت بعون الله من كسوة الأولاد في عيد الفطر وتم الاحتفاظ بالكسوة إلى عيد الأضحى أما إذا إمتلكنا فضل مال حتى في الأيام القليلة القادمة فلن أبخل أبداً في المسارعة وشراء أضحية حتى ولو كانت أسعار الماشية بلغت عنان السماء.