طوفان كبير من الإعلانات يخترق منظومة قيمنا..يجتاحنا يستحوذ على شبابنا.. يتحرش بهم يلهيهم..ولاحق لنا في الاعتراض أو حتى التعليق..!، إنه مزلق خطير ومعاداة صريحة لكرامة المرأة وحريتها واستقلالها..والأدهى والأمر من ذلك أنه أصبح أمراً واقعاً ومقبولاً لا يتجاوز غرضه الدعائي سوى لفت الانتباه وجذب الأنظار على مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة».. حافة الهاوية ذهب كثيرون إلى توصيف هذه المُعضلة «بالكارثة» المُهددة بطمس الهوية وتغييب الذات، فيما تندرج تحت الإطار إشكاليات كثيرة ليست موضوعنا أصلاً..وهنا أجدني ملزماً بالاختزال قدر الإمكان خاصة وأن هذا التشتت يحتاج لأكثر من تناولة.. «لقد تغيَّرت المفاهيم وتبدّلت الصور وانقلبت الموازين.. وأصبح التطور يقاس بحجم قدرة المرأة على أن تكون متحررة قادرة على إفصاح تقاسيم جسدها دون خجل كاسرةً كل القيود التي تفرضها العادات والتقاليد وقبل كل هذا الدين..» بهذه المقدمة ابتدأ هشام شمسان «طالب جامعي»حديثه مضيفاً: إن المَشهد برمته صورة من صور إسفاف الفضائيات الكثيرة التي صار أصحابها يلهثون وراء المادة «قيمة الإعلان» دون أدنى مراعاة لنفسيات المُشاهدين، المُهم عندهم «فلوس»..كما أن المعلن يهمه كثيراً شد انتباه المستهلك من خلال إثارة انتباهه..وخلق الرغبة لديه..وحثه على الشراء..ولا أفضل من أن يرسخ السلعة في ذهن المواطن من خلال تطعيمها بفتاة جميلة الملامح. ويستدرك هشام: نحن في عصر انقلبت فيه الموازين وضاع فيه الحد الفاصل مابين«الإيجابي والسلبي»، وما بين الفينة والأخرى تقترب فضائياتنا أكثر وأكثر صوب حافة الهاوية، وتنحدر بسرعة الصاروخ إلى عصر كل ما فيه يعج ويموج بالتفاهات.. مُجرد جسد وفي ذات السياق يقول حلمي البعداني: إن الإعلانات التجارية تكرس مفهوم دونية المرأة فهي تقدمها ككائن تابع للرجل يقتصر دوره في المجتمع على «غسل الملابس والتنظيف والطبخ..» بينما دورها الفعال في التنمية والإنتاج والتربية مُهمش، فهي ليست أكثر من جسد مغر يستعرض سلعة مشتهاة لا علاقة لها بالمنتوج المعلن عنه، ويتساءل: لماذا لا يستغل الإعلان في حملات لتوعية الأم في كيفية رعاية الطفل صحياً واجتماعياً وتربوياً ووقايته من الأمراض؟! ولماذا لا يقوم الإعلان بتوعية الأسرة وتعليم أفرادها عادات غذائية سليمة، وإرشادها للاستهلاك السليم والمتوازن، أو تشجيعها على أن تكون منتجة في بيتها..؟!. ويرى حلمي أن هناك وسائل عديدة للإعلان، بعيدة عن المرأة ومن الممكن أن تكون مثيرة وجذابة وهي استخدام الرسوم المتحركة أو المناظر الطبيعية وهذه قد تحقق الغرض وتصل إلى الهدف المطلوب أكثر من استخدام المرأة كسلعة في سوق الإعلانات..مضيفاً أن الغالبية العظمى من هذه الإعلانات مزلق خطير ومعاداة صريحة لكرامة المرأة وحريتها واستقلالها، فالمرأة تظهر في الإعلان كجسد، مجرد جسد، تحركه أصابع أصحاب المنفعة من اجل الترويج للسلعة الاستهلاكية بواسطة دغدغة مشاعر المشاهدين واللعب على غرائزهم المكبوتة.. مُتخلفون!! -عبير علوي «موظفة»ترفض وبشدة هذا الاستخدام الرخيص للمرأة..وتعتبر ظهورها -ذاك- منافيا للأخلاق والدين، ومؤثراً على أخلاق المجتمع خاصة المراهقين، وسيقود حتماً إلى «كارثة اجتماعية»؛ لأن ظهور صورة المرأة سيساهم بشكل تدريجي في هدم البناء الأسري، وتؤكد بأن هبوط المستوى الفكري والثقافي والأخلاقي لوظيفة الإعلان سوف يجعله يفقد جمهوره في النهاية..وتجزم عبير بأن هذا الانحطاط وفد إلينا من الغرب بفعل العولمة والسموات المفتوحة. وهو ذاته الاعتقاد المسيطر على كثيرين..فهذا مختار الراسني يقول متحاملاً: إن الغرب لم ولن يحترم المرأة أو يُعطيها المكانة اللائقة التي تستحقها، بل استمر في امتهانها وإجحاف حقها يوماً بعد آخر، وهم على دراية تامة بأن هذه ليست حرية أو تطوراً، إنما تجارة لبيع اللحم الرخيص، والتي أدواتها امتساح ملامح الحياء والخجل لتحل مكانها ملامح الوقاحة والغزل..وهو رغم ذلك يؤكد أننا على الدرب سائرون..نتلقف كل ما هب ودب دون دراية خوفاً من أن ينعتنا الآخرون «بالمُتخلفين». تنبيه مُهم صمت المجتمع المريع تجاه هذه الظاهرة سيؤدي إلى استمراريتها..وبالتالي يصعب التوقف عنها..بهذا التنبيه المُهم ابتدأ المهندس/جميل الصامت حديثه، منبهاً إلى أن هذه الإعلانات أصبحت أمراً واقعاً ومقبولاً لا يتجاوز غرضه الدعائي سوى لفت الانتباه وجذب الأنظار على مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة». ويضيف: إن الشركات الدعائية بشكل عام تفننت في تبني هذا المبدأ متجاوزة المعقول والمقبول إلى خانة الخطوط الحمراء، وقد ساعدتها على ذلك وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة التي تهتم بالعائد الإعلاني الذي تحصل عليه نظير مساحات زمنية أو مكانية تشغلها تلك الإعلانات والتي تعوّل عليها إلى حد كبير في استمرارها أو توقفها. ويستدرك: من غير المجدي إلقاء اللوم على وسائل الإعلام وحدها فنحن أيضاً شركاء فيما تبثه..باستمرارنا في شراء تلك المنتجات والتي تثبت مبيعاتها مدى نجاح أو فشل الحملة الدعائية، ومعايير الربح والخسارة قد تضطر القائمين ومالكي تلك الوسائل إلى غضّ البصر والتعامي عن بعض الضوابط، وخصوصاً إذا أصبحت مسألة الاستمرار أو التوقف على المحك. بشرى - فؤاد القاضي «مسئول التسويق في إحدى الشركات الخاصة» له وجهة نظر مغايرة للتوجه السابق برمته، فالدعاية الناجحة -حد وصفه- تقوم على استخدام المفتاح الأقوى لتوصيل الفكرة، وبما أن طبيعة دور المرأة في أغلب المجتمعات مسئولة عن احتياجات المنزل ومتطلبات أسرتها من زوج وأطفال كانت هي بمثابة المحرك والدافع للشراء. ونظريات التسويق بشكل عام -كما يعتقد- تقوم على عوامل نفسية واجتماعية تتعلق بأفراد المجتمع الذين يتلقون الرسالة الدعائية من حيث المحتوى والتصميم أو الإخراج، وبذلك أضحت المرأة عنصراً رئيسياً للمادة الدعائية؛ لما لها من مواصفات في توفير وتوصيل الفكرة، خاصة الإعلانات عبر التلفاز؛ لأنها تشمل الصوت والصورة والحركة أيضا، إلا أنه لا يمكن تعميم الأدوات أو الوسائل المستخدمة نفسها من مجتمع إلى آخر. من جهته عبد الحكيم الرازي «مندوب تسويق» في إحدى وكالات الدعاية والإعلان قال بأن غالبية المعلنين يطلبون أن تحتوي الرسالة الإعلانية لمنتجاتهم على صورة المرأة على اعتقاد بأنها محببة للشراء. مشيراً إلى أن السواد الأعظم من وكالات الدعاية والإعلان لا تخضع إلى أية أسس تسويقية علمية صحيحة، مرجعاً السبب إلى الربح المادي السريع والخضوع لرغبات العميل..وهي الاستراتيجيات المتبعة لتصميم الإعلان، موضحاً بأن المستقبل يبشر بخير خاصة وأن هناك جمعيات أوروبية بدأت تنادي بالتوقف عن الترويج للمنتجات والسلع عن طريق إظهار أنوثة المرأة بصورة تجارية بحتة و استغلال جسدها في عمليات البيع والشراء والتسويق.