زواج فاشل، وديون مرهقة، ونضال مستمر ضد السل، وسمعة متعثرة كرسام، ومن الواضح أيضاً أنه كان أسوأ عدو لنفسه، وانتحاره كان تتويجا لنمط من التدمير الذاتي الأفعال، إنه في المحصلة: مارك غيرتلر.. والذي قال “ لم يعد الحب مفهوماً لدي”. ولد مارك ماكس غيرتلر (9 ديسمبر – 23 يونيو 1896) في (سبيتلفيلدز) في طرف لندن الشرقي، وهو الابن الأصغر لوالدين يهود من المهاجرين، وعندما كان في السنة الأولى من العمر، اضطرت الأسرة بفقرها المدقع للعودة لوطنهم غاليسيا (ببولندا)، وسافر والده إلى أميركا للبحث عن عمل، ولكنه عاد إلى لندن في عام 1896 بعد أن فشلت خطته. أظهر الصبي مارك موهبة مبكرة وملحوظة في الرسم، ولذا ترك المدرسة في عام 1906، والتحق بصفوف الفن في (ريجنت ستريت) للفنون التطبيقية، التي كانت أول مؤسسة في المملكة المتحدة لتوفير التعليم (ما بعد المدرسة) للأشخاص العاملين. و مرة أخرى وبسبب فقر عائلته اضطر (مارك) إلى ترك التعليم الفني بعد عام واحد فقط، واستغرق في العمل كمتدرب في شركة (الزجاج الملون)، ومع ذلك استمر اهتمامه بالفن، وبعد حصوله على المركز الثالث في مسابقة للفنون، حصل على منحة دراسية بإيعاز من الرسام الشهير وليام روثينيشتاين إلى (مدرسة سليد للفنون) وكان من بين زملائه على مدى 4 سنوات: ديفيد بومبرج، وبول ناش، إدوارد وادسورث، وكريستوفر نيفينسون، وستانلي سبنسر، وخلال هذه الفترة التقى غيرتلر بالفنانة دورا كارينغتون الشهيرة باسمها الثاني فقط، ووقع في حبها، ودخلا في علاقة مضطربة تألم منها لعدة سنوات، وبعد انفصالهما تزوجت كارينغتون من رالف بارتريدج فحاول غيرتلر شراء مسدس وهدد بالانتحار. في عام 1913 كانت الصدفة الجميلة للفنان المضطرب، حيث اجتمع بالمؤلف وكاتب الدراما جيلبرت كنان الذي وصفه لاحقا بأنه “رجل عاطفي وذو عيون خضراء”، وقد سكن مارك مع صديقه الجديد و زوجته ماري، وأصبحوا أصدقاء حميمين، ورسم خلال تلك الفترة لوحة لجيلبرت مع كلبيه الضخمين والتي تعرض الآن في متحف أشموليان في جامعة أكسفورد،. وبعد 7 سنوات من حياته المتقلبة، ساءت حالته الصحية، و في 1920 أصيب بالسل مما أضطره إلى دخول المصحة أكثر من مرة خلال العشرينيات والثلاثينيات، و قد أصيب اثنان من أصدقائه المقربين وهما الكاتب دي اتش لورانس صاحب رواية (عشيق الليدي تشاترلي) و الكاتبة القصصية كاثرين مانسفيلد بنفس المرض. وفي عام 1930 تزوج غيرتلر امرأة تدعى مارجوري وهي أم ابنه لوقا غيرتلر، ووصف زواجه بأنه كان صعبا، وتخللته فترات من المرض وبشكل متكرر، ولكن مرضه لم يمنعه من العمل مدرسا غير متفرغ في كلية ويستمنستر للفن من أجل زيادة دخله. وفي عام 1939 وضع الفنان غيرتلر حداً لحياته، بسبب الصعوبات المالية المتفاقمة، ومشاكله العائلية بعد أن تركته زوجته الأخيرة، ووصف بيان نعيه وفاته ب“ الخسارة الكبيرة للفن البريطاني”.