بدا فنان اليمن الكبير“ أيوب طارش عبسي” حزينا للغاية في تصريحاته الصحفية الأسبوع الماضي “ لا أطلب شيئاً سوى الدعاء فأنا بأمس الحاجة اليه” وكأن الرجل يصرخ في وجه هذا البلد “ وانا غريب جوال”. أيوب طارش” الذي غنى للإنسان والطبيعة ولكل المخلوقات، لا يجد من يقف الى جانبه في عزلته المرضية ليساعده، لم يكن يتوقع “ ملحن النشيد الوطني” أن ينشغل الجميع عنه، وتركه وحيداً يصارع المرض، وهو الذي ما فتئ يفرح الحزين ويشاركنا كل صباحاتنا الجميلة وأفراحنا المضمخة بصوته الشجي والعذب، وعندما اشتدت حالته الصحية سوءاً وسط كل هذا الإهمال، قرر خلال الأيام الماضية عرض سيارته الخاصة للبيع، تخيلوا معي أن يصل فنان شعبي بحجم “ ايوب طارش” الى اتخاذ مثل هكذا قراراً..؟! لم يغب“ أيوب” عن جمهوره حتى وهو يرقد على فراش المرض، واليمن تشهد ثورة ضد الظلم، بل كان حاضراً وبقوة في “ ساحات التغيير” وفي“ تجمعات النظام السابق” بأناشيده الوطنية التي تلهب الحماس في القلب وتعمق فينا حب الوطن، لكن الجميع غاب وتناسى“ أيوب طارش” الإنسان، وهو يعيش هذه العزلة المرضية المؤسفة، في منزله بمدينة تعز، بعد أن أجبرته ظروفه المادية على عدم العودة لاستكمال العلاج، والذي كان قد بدأه سابقاً في الأردن. كان أيوب خلال الفترة الماضية سعيداً وهو يرى اليمنيين لا يجتمعون على شيء إلا على صوته، ومثلما كان عبدربه منصور هادي” رجل التوافق السياسي” ؛ فقد كان الفنان الوطني الكبير“ أيوب طارش عبسي” هو فنان التوافق الوطني الأول.! أتذكر جيداً كيف كان “ طارش” حاضراً في كل مسيرات الثورة وخاصة في مسيرة الثورة الأكبر“ مسيرة الحياة” واجتاز مع شبابها 262 كيلو من تعز وصولاً الى صنعاء، “ وهبناك الدم الغالي وهل يغلى عليك دم” يقول أحد شباب المسيرة “ كان أيوب أحد الأسباب الرئيسية لنجاح المسيرة، كان صوته يحفزنا ويشعرنا بالفخر ومواصلة التحدي وخصوصا في هذه الأغنية الوطنية”.! “ أيوب” ليس فناناً عادياً، بل هو “ آيدول اليمن الأول” ولا يشبه ايوب الا أيوب نفسه، ويعد مدرسة فنية بذاتها، جمعت بين الموروث، وبين الإبداعات في مختلف الأغراض الإنسانية والفنية- بحسب مختصين-..! يحضر“ طارش” في أكثر التفاصيل اليومية من حياتنا كيمنيين، يحضر مع الطالب في مدرسته” النشيد الوطني” ويعيش مع العاشق لحظات الحب والهيام” “ يا حب يا ضوء القلوب” و“ قال الذي قد هام في حب الذي قد هيمه“ و” تليم الحب”، ويعيش مع المغترب لحظات الغربة والفراق، وأصبحت أغنيته” ارجع لحولك” من أكثر الأغاني انتشاراً بين المغتربين اليمنيين، وزرع أجنحة من الشوق في قلوبهم من خلال اغنيه“ جنحت”..! لا تحلو“ الأعراس” الا بصوت أيوب” ذلك المضمخ بالعاطفة والإحساس والحب، وزفته المشهورة يحفظها الصغير قبل الكبير، ويسمعها ابن “ صعدة” قبل ابن“ تعز” هو” فنان الشعب” إذا، لكن أيوب يتساءل.. اين الشعب مني..؟! ما يعانيه الرجل، يكشف حجم القبح في قلوبنا، وكم نحن ناكرون للجميل، يكشف كم هذا البلد لا يدعم مبدعيه وكيف يقتلهم، ولو كان أيوب قيادياً في حزب من الأحزاب السياسية التي تعج بها البلاد، لتم تسفييره في طائرة خاصة وصرفت عليه ملايين الدولارات وأدخل أفخم المستشفيات ، لكنه أيوب طارش“ الفنان” الذي ظل لسنوات طويلة بدون وظيفة رسمية، وعندما أرادت الدولة تكريمه، عينته مستشاراً لمحافظ تعز السابق“ أبو راس” كتحصيل حاصل.. هكذا يعامل المبدعون هنا..! طوال مسيرته الغنائية، حصل أيوب على عدد من الجوائز والأوسمة؛ منها: وسام (الفنون) من الدرجة الأولى سنة 1979، ودرع الثقافة سنة 2003. وتم تكريمه من وزارة الثقافة، ومؤسسة العفيف الثقافية ومحافظة تعز وجامعة الملكة أروى ومجلة بلقيس والقنصلية اليمنية بجدة ومحافظة عمران ومؤسسة السعيد للعلوم والثقافة وجامعة عدن، وهذا كله قليل على مدرسة غزيرة بإنتاجها كأيوب طارش عبسي. يقول عيدروس النقيب“ أيوب طارش ثروة وطنية تمشي على قدمين، إنه مفخرة للبلد التي ينتمي إليها، ويحق لكل يمني أن يفخر إنه ينتمي إلى بلد ينتمي إليها هذا الفنان”. أيوب يعاني من الإهمال ويعيش عزلة قاسية على رجل مثله، ويجب على كل الخيرين الوقوف الى جانبه ومده باللازم. لا تكفي توجيهات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بعلاج الفنان الكبير ايوب طارش عبسي في الخارج على نفقة الدولة، وإنما يجب الاهتمام به أكثر.. على هذا الوطن واجب كبير تجاه رجل خدمه طيلة سنواته ال70 وتزيد. لك المجد يا ايوب، لك الحب، ولك الصحة والشفاء العاجل، لك“ كل القناديل تضوي من أجلك“ ولك“ مزهريات روحي” و“لك ايامي” و “ مدارب السيل”.