عادة أو في الأغلب الأعم ما يجري الحديث عن دور ايجابي للصحافة بوسائلها المختلفة والتعبير عن الحاجة لهذا الدور من قبل قيادات فرقاء العمل الحزبي والحياة السياسية بعد كل خلاف ينشب وأزمة تتطور وصراع ينشأ ويتصاعد ليخلع رداء السياسة وليكتسي طابع العنف ويتمظهر بالمواجهة المسلحة في بعض حالاته.ويحدث السعي إلى الدور الايجابي للإعلام، للمساعدة على تجاوز الوضع السلبي الذي آلت إليه الأمور، بعد توصل الأطراف الداخلة والضالعة فيه، إلى قناعة أو تقدير مشترك مستخلص بأن في الاتفاق على تجاوز الحالة الأزماتية أو مجرد التهدئة ولو من باب المناورة السياسية فيه،من الاستفادة وتحقيق المصالح أكثر من المضي في طريق التصعيد والتعقيد. ويكون البحث عن الدور الصحفي والايجابية الإعلامية من قبل هؤلاء عقب اتفاقهم على الانتقال إلى مرحلة جديدة أو شكل مختلف «لاتفاقهم على ألا يتفقوا” ومن أهم بنود اتفاقهم إن لم يكن في صدارته وقف الحملات الإعلامية المتبادلة وهو الأمر الذي يتضمن في ديباجته أو مقدماته ومبرراته ،إدانة للصحافة خلال حمى الخلاف والصراع وتحميلها مسئولية تأزيم العلاقات والأوضاع، في الوقت الذي لم تكن فيه سوى أداة مستخدمة ومسيرة من قبل الأطراف المهيمنة على شئونها والمحددة لمجالاته والمسيرة لأفعالها وممارساتها، لتتحول الصحافة إلى شماعة بعد أن استخدمت كأداة ، وتكون في كل الأحوال عرضة لإلقائها في النار ويستريح السياسيون من قبل ومن بعد الاستخدام وينأون بأنفسهم عن نقاط ومناطق التبعات. تلك واحدة من المشاهد البائسة والمثيرة للاستغراب والباعثة على التذمر في هيئة أو مكون العلاقة بين السياسي والإعلامي، حيث يكون اللجوء للإعلام والإعلان عن الاحتياج لمساعدته، ولما يجف بعد حبر الاتفاق على إدانته. ويبعث أو يقود هذا التحول نحو استدعاء الحاجة لايجابية الدور الصحفي إلى التساؤل أكثر منه إلى التأكيد والاقتناع، تأسيساً على الواقع الإعلامي قبل الادعاء السياسي أو بدون هذا الادعاء ويتمحور أو يتركز التساؤل المهني البحت حول ارث أو موروث إعلامنا من السوابق والانجازات العملية التي تشهد بالدليل القاطع المانع بأن لصحافتنا وإعلامنا عموماً دوراً ايجابياً قام به ونتائج إنمائية أحرزها وحققها على كافة أو بعض مجالات أوجه حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فهل لصحافتنا وإعلامنا سوابق من هذا النوع يمكن أن نعول عليها في سعينا إليه أو مطالبتنا له بأن يؤدي دوره المنشود؟ من الناحية النظرية يمكن التفاؤل بالدور الصحفي ، خاصة وأن كافة التشريعات والأنظمة، أكانت قوانين الصحافة التي توضع من قبل الحكومات بعيداً عن الصحفيين أو بمشاركتهم “ مع ملاحظة عدم الأخذ بملاحظاتهم”، ومطالبهم وكذا الأنظمة التي يضعها الصحفيون بأنفسهم ولأنفسهم عبر إطارهم النقابي، جميعها تتحدث عن دور اجتماعي وسياسي للصحافة ولكنها التي تصاغ في نصوصها عمومية قابلة، للتأويل وللاستخدام ضد العاملين في الصحافة، وخاصة ما تتضمنه عن السلم الاجتماعي وحماية المعتقدات. وفي ظل الديمقراطية التعددية تكون الصحافة ملزمة باحترامها وإفراد مساحة للرأي والرأي الآخر، فإلى أي حد جسدت ذلك في محتوياتها والمسألة تتجلى في حالات قليلة إن لم تكن نادرة ومعدومة في أغلب الأحوال. وأمام هذا الالتزام ما هو الموقف المطلوب في الصحافة ؟ هل علينا أن نتعامل مع المطالب ووجهات النظر المختلفة أم يكون لها رأيها ومنهجها الخاص؟ - هل هي المعنية بالتشجيع على الحوار ومراقبة كيفية سير مجرياته وممارسة النقد والتصويب لما تراه خروجاً عن مساره، أم المشاركة فيه؟ سوابق الحوار.. لا تقدم سوابق الحوار وما جرى منها البراهين الكافية والمطلوبة للتحقق من أن الحوار دليل عافية وإمكانية للتوصل إلى الحلول وإيجاد المخارج، وقد انتهت أهم فعالياته ومحطاته ذات الطابع المصيري إلى الاحتراب وصارت عامل إشعال بدل أن تكون وسيلة نزع الفتيل. والحوار الوطني المطروح على الساحة الآن بلا عنوان وبلا موضوع وهدف محددين، ما يثير تساؤلاً جديداً وإضافياً عن دور الصحافة فيه، وإذا ما كانت المعنية بمساعدة أطرافه على الاتفاق أولاً حول محدداته، هل هي المطالبة بالتأكيد على حق كل طرف في التعبير عن مطالبه والدعوة للاستجابة لها؟ خاصة وكما يظهر على السطح أن لكل جهة شكاواها ومطالبها الخاصة؟ كيف ينبغي للحوار أن يكون وعلامَ يركز في ظل الثورة المطالبة بالتغيير ؟ وهل المطلوب في الصحافة أن تعنى بمبدأ التغيير والدفع بالمواقف نحو التوافق عليه، علماً أن التغيير بتوجهاته الواضحة وملامحه الكاملة لم تتبلور تماماً بعد. وواقع الحال أن دور الصحافة بوسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية يواجه بنفس درجات الصعوبات والتعقيدات وربما الاضطرابات التي يشهدها الحال السياسي ويعاني منها الواقع الاجتماعي ويزداد الأمر حدة مع الميول التي تبرز بين الحين والآخر وتقوى وللأسف الشديد في اندفاعها ودفعها للأوضاع نحو التشرذم والتشظي. ولا نجد حتى في المناهج النظرية التي تعتمدها مراكز تدريس الإعلام ما يساعد على استنهاض الدور الصحفي وهي التي تبحر في خضم التمنيات والتناقضات تارة بالتأكيد على كون الصحافة رسالة وأخرى على أنها مجرد مرآة عاكسة للواقع ، وفي حين أن الواقع الإعلامي يعيش ذلك التوالد والتكاثر المذهل والمخيف، في الوقت نفسه لواقع وأساليب العمل الاكتروني وما يرافقه من ظهور المدونات والمساحات الخاصة”الفيس بوك”. وأهم ما في هذا التطور أو الثورة الإعلامية تقنياً أنه الذي تفوق على الصحافة التقليدية أو المعروفة وانتزع منها موقع الريادة، بل هو الذي افقدها مكانة التأثير أو كل المكانة ، وقد صار وسيلة ثورة الربيع العربي وسلاحها إن لم يكن هو صانعها ومبدعها. التغيير ويدعو وجود الارتباط الوثيق بين الحوار والتغيير للتساؤل : ما الذي نغيره وكيف نحقق التغيير؟ ذلك هو السؤال المطلوب تقديم إجابة له شافية وناجعة، وشخصياً أميل إلى التأكيد على النهج المستقبلي للحوار، وتدفعني إلى ذلك المقدمات التي ظهرت في التعامل مع مبدأ الحوار والمشحونة بالتوجهات نحو طرح القضايا الذاتية،بل النزوع إلى ترديد الشكاوى الخاصة والسعي لانتزاع الإعتراف بها والتوصل إلى تعويضات عن مكايداتها والحصول على ضمانات لعدم تكرارها . وشخصياً لست مع الحوار حول مشكلات ومسائل تقع في صميم دائرة اختصاص النظام والقانون ومسئولية أجهزة وإدارات الدولة. وإذا كان ولابد من تناولها والتشديد عليها فمن باب تأكيد أدوار ومسئوليات الأجهزة الرسمية من الوجهتين الدستورية والقانونية، عن معالجتها وإيجاد حلول لها. وإذا كان للمسألة أن تندرج في إطار القضية الحوارية فمن هذا الباب،باب إشاعة وإرساء سلطة دولة النظام والقانون،باعتبار ذلك الضامن الحقيقي للسلم الاجتماعي وللمواطنة المتساوية المقرونة بوجود المواطن الحر. واقع الحال ..طغيان السياسي على الإعلامي واقع الحال الصحفي يشير في ظاهره ومن الوجهة النظرية الصرفة، عن دور غير عادي في ايجابيته لوسائله في الدفع بالعملية الديمقراطية والتعددية في المجتمع استناداً إلى التعدد والتنوع الذي يفترض أن يقوم و يكون عليه، ولكن الحصيلة العملية والواقعية تدل على خلاف ذلك جراء طغيان السياسي على الإعلامي والذي فرض عليه أن يكون وسيلة التعبير عن وجهة النظر والرؤية وحيدة الجانب لمالكه والمتحكم في مفاتيحه المسيطر على منابع وموارد مقدراته وقدرته على الأداء والاستمرار ، وهو المال الذي نشاهد ونلمس تأثيره على الوسائل ذات النشأة المستقلة شكلاً وغير المستقلة مضموناً، فكان له دوره في إدخال وإضافة حالة التفقيس والتفريخ إلى عالم الصحافة، مثلما حدث في الحالة السياسية والحياة العامة في البلاد. فهل بوسعنا والحال كذلك أن نتوقع دوراً للصحافة في إنجاح عملية الحوار الوطني أم أنها التي ستظل على الدور الذي حدد لها وحتم عليها أداءه سلاحاً في أيدي المتحاورين لا وسيلة للتقريب بين الاختلافات والتوفيق بين المختلفين. مطلوب من الصحافة ..متطلبات للصحافة وقبل الإجابة النظرية على السؤال عن الدور المطلوب ومن المهم أيضاً بل الأهم أن يترافق معه وبتواز الرد العملي على التساؤل عن متطلبات قيام هذه الصحافة بدورها وتلبية هذه المتطلبات. والمطلوب بداية أن يجد التعدد والتنوع السياسي طريقه نحو التجسيد العملي والواقعي في مواد وتناولات ومناهج عمل صحافتنا ، بحيث يكون للرأي الآخر متسع ومكانة في مساحة الوسائل الحزبية والمستقلة والأهلية، فاتساع صدر كل طرف للآخر والترحيب بوجوده مقدمة لإمكانية الحوار وضمانة لنجاحه. وإخراج الحرب الإعلامية من دائرة الاستعمال في أوضاع التخندق والحرب الكلامية مطلوب، الأمر الذي نجد أنفسنا نذهب معه إلى تأكيد الحاجة إلى السلام والأمان الإعلامي أو الشعور به من جهة مكونات الحوار الوطني كمدخل شرطي لمؤداه التوافقي. قضية الحوار والمستقبل هو الموضوع والقضية وما لم يكن الأمر كذلك فإن المتاهة هي النتيجة والمآل الذي ينتظر عملية التغيير برمتها وليس الحوار وحده. ووسط الكم الصحفي الهائل أو المهول فإن من أقوى الاحتمالات وروداً واحتمالاً أن تتحول وسائله إلى ساحات للمهاترات والتنابز بين الصحفيين أنفسهم. ويقفز تبعاً لذلك إلى سطح الاهتمامات والمهام المنوطة بدور الصحافة في قضية الحوار الوطني المطروح العمل على إيجاد شي من الضوابط يتفق عليها الصحفيون لتعاملهم مع بعضهم ومع الدور المنتظر منهم يجعلهم يلتفون حول المبادئ العامة والتوجهات الأساسية لأدائهم ويمكن لإطارهم النقابي أن يسهم في ذلك مع الاحتفاظ بالحق في التعبير عن الرأي الآخر في إطار من الموضوعية والاحترام المتبادل. و لأن الاستقلالية تقع خارج نطاق التحكم والإمكانية تقتضي الايجابية الحوارية أن تتوافر على وسيلتها المستقلة الصادرة عن هيئتها المعنية بالتحضير لها وإدارة عملياتها وربما تصدر عن هيئة وطنية مستقلة تطوعية تتشكل لحماية الحوار . والعمل على بلورة القضايا والأهداف أول الخطوات وبداية المسيرة الصحفية نحو لعب دور ناجح. ولابد من تحفيز ودفع المواقف والتوجهات لانتهاج سبيل الأداء والبنّاء المستقبلي حتى تجنب الحوار البقاء في الماضي والغرق في مستنقعه. لابد إذاً أن نحدد ونقول ما الذي نريده ونبتغيه من الحوار حتى يتسنى لنا التعاطي مع مسألة ومسئولية الدور المنتظر والمتوخاة من الصحافة أن تؤديه بشأنه. وكما أن المطلوب لإيجابية الدور الصحفي أن يراقب ويقيم ممارسات الآخرين ، لابد أيضاً للصحافة من آلية لمراقبة وتقييم أدائها. والصحافة الايجابية باعتبارها وسيلة جماهيرية بحاجة إلى مساندة جمهورها الذي يصطف معها في ميادين ومعارك الدفاع عن حقها في النقد البناء وقول الحقيقة وإشاعة الحق وتمكين العدالة في العلاقة بين مكونات المجتمع وإرساء دعائم السلم الاجتماعي. ولابد من توجيه التفكير والجهد الجماعي ومن الآن نحو العمل على إيجاد آلية وبيئة مستدامة للحوار الذي يمنع وقوع الصراعات والأزمات . الحوار السابق لا الحوار اللاحق..ونتندر عليه بالقول : ولحق حوار فوق الكارثة وشر البلية ما يضحك. وختاماً.. ما حاولته وعملته هنا لا يعدو كونه مساهمة في إثارة النقاش حول:«دور الصحافة “ ولا أتحرج من الإفصاح عن موافقتي على أي مقترح يدعو للتحاور في الدور الصحفي ذاته وأياً كان الحوار فهو الذي يحتاج لأن يستند على البحث والدراسة المساعدين على التقييم والتقويم إذ بدونهما لا أمل في التغيير. * نقيب الصحفيين اليمنيين