ضوء غامض يشعل سماء عدن: حيرة وتكهنات وسط السكان    العدالة تنتصر: قاتل حنين البكري أمام بوابة الإعدام..تعرف على مراحل التنفيذ    أتالانتا يكتب التاريخ ويحجز مكانه في نهائي الدوري الأوروبي!    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    متصلة ابنها كان يغش في الاختبارات والآن يرفض الوظيفة بالشهادة .. ماذا يفعل؟ ..شاهد شيخ يجيب    في اليوم 216 لحرب الإبادة على غزة.. 34904 شهيدا وأكثر من 78514 جريحا والمفاوضات تتوقف    قوة عسكرية جديدة تثير الرعب لدى الحوثيين وتدخل معركة التحرير    لا وقت للانتظار: كاتب صحفي يكشف متطلبات النصر على الحوثيين    الحوثي يدعو لتعويض طلاب المدارس ب "درجات إضافية"... خطوة تثير جدلا واسعا    مراكز مليشيا الحوثي.. معسكرات لإفساد الفطرة    استهداف الاقتصاد الوطني.. نهج حوثي للمتاجرة بأوجاع اليمنيين    ولد عام 1949    الفجر الجديد والنصر وشعب حضرموت والشروق لحسم ال3 الصاعدين ؟    فرصة ضائعة وإشارة سيئة.. خيبة أمل مريرة لضعف استجابة المانحين لليمن    منظمة الشهيد جار الله عمر تعقد اجتماعاً مع هيئة رئاسة الرقابة الحزبية العليا    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    أمين عام حزب الشعب يثمن موقف الصين الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة مميز    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    بعثات دبلوماسية تدرس إستئناف عملها من عدن مميز    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    منذ أكثر من 70 عاما وأمريكا تقوم باغتيال علماء الذرة المصريين    الخارجية الأميركية: خيارات الرد على الحوثيين تتضمن عقوبات    رئيس مجلس القيادة يكرّم المناضل محمد قحطان بوسام 26 سبتمبر من الدرجة الأولى    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    المحكمة العليا تقر الحكم بإعدام قاتل الطفلة حنين البكري بعدن    اعتدنا خبر وفاته.. موسيقار شهير يكشف عن الوضع الصحي للزعيم ''عادل إمام''    الأسطورة تيدي رينير يتقدم قائمة زاخرة بالنجوم في "مونديال الجودو – أبوظبي 2024"    تصرف مثير من ''أصالة'' يشعل وسائل الإعلام.. وتكهنات حول مصير علاقتها بزوجها    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و904 منذ 7 أكتوبر    وفاة الشيخ ''آل نهيان'' وإعلان لديوان الرئاسة الإماراتي    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    امتحانات الثانوية في إب.. عنوان لتدمير التعليم وموسم للجبايات الحوثية    5 دول أوروبية تتجه للاعتراف بدولة فلسطين    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ميونخ ويواجه دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا    أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية اليوم الخميس    تصاعد الخلافات بين جماعة الحوثي وحزب المؤتمر والأخير يرفض التراجع عن هذا الاشتراط !    بعد وصوله اليوم بتأشيرة زيارة ... وافد يقتل والده داخل سكنه في مكة    جريمة مروعة تهز مركز امتحاني في تعز: طالبتان تصابا برصاص مسلحين!    قصر معاشيق على موعد مع كارثة ثقافية: أكاديمي يهدد بإحراق كتبه    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    البدعة و الترفيه    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادات ملتهبة من قلب المحرقة!!
نشر في الجمهورية يوم 29 - 05 - 2012

جسدت محرقة ساحة الحرية بتعز 2011/5/29 م مشهدا ًهاماً لمواجهة حقيقية بين مشروعين،مشروع وطنى يتفاعل بساحة الحرية يشارك فيه ليس أبناء المحافظة فحسب, بل من أبناء محافظات الجمهورية ممن كانوا مقيمين فيها خلال أشهر الثورة وبين مشروع متخلف يعنى نظام استبدادي ومن لف لفه ودار في فلك مصالحه بعيداً عن أي صلة بالناس والوطن، فالبيادات التي تلقت الأوامر وهرعت لتنفيذها لتحرق ساحة الحرية بتعز،كانت قد استهدفت أفضل مكان مقدس التقى الناس عنده وراحوا يرسمون فيه أجمل لوحة لطموح جيل قدم أرواحه فداءً لفجرً جديد لعصرٍ جديد يكون لنا ويعنينا كيمنيين.مكان مُقدس
أمين شرف ثابت القدسى عضو اللجنة الإعلامية بساحة الحرية حتى ليلة المحرقة قال:
كان النظام السابق يدرك ماذا تعني ساحة الحرية بتعز بالنسبة للثورة فقد كانت ميدان عمليات إدارة الفعل الثوري والبوصلة المفعلة للحراك الثوري على امتداد الساحة الوطنية.
لذا وخلال مرحلة الثورة لم يكن النظام السابق غائباً فقد كان متواجداً يحوم حول الساحة ويتسلل عبر مداخلها يرقب ما يٌعتمل فيها أو يرصد تسارع إيقاع التحول الذي يصنعه أبناء اليمن شباب وشابات رجالاً ونساءً أطفالاً وكهولاً في سباق مع الزمن يسهمون في رسم ملامح مشروعهم الوطني في وقت اعتقد النظام السابق أنه قد تمكن من صرفهم عن الاهتمام الجمعي بكل ما يتصل بالشأن العام.
قبل الثورة كان النظام قد اطمئن فعلاً أنه قد فتك بوحدة النسيج الاجتماعي وتماسكها ما جعله يتمادى بثقة ويتجاوز الحدود في إفساده وفى الامتهان لكرامة الناس معتقداً ًأنه ما عاد في هذا البلد نفساً ًللمقاومة والغيرة التي يمكن أن تثأر لها ولوطنها من نظام أفسد كل شيء بما في ذلك القيم والمُثل ...فغاب الوطن.
ولذلك فقد انبهر النظام السابق حينما رأى أبناء اليمن يتدافعون لتصحيح قيم مرحلته من خلال ساحة الثورة حيث أعادوا الاعتبار لعلاقتهم الاجتماعية أولاً ثم لواجبهم تجاه وطنهم.
فما كان يجري تجسيد حقيقي للقيم الأخلاقية التي استُهدفت والمفاهيم الثقافية الوطنية التي ضُربت ولكل القيم المثلى التي حوربت،وهذا ما حصٌن الساحة من النيل منها وجعلها تتمدد وتتحول تعز كلها إلى ساحة ثورة بل وكل البلد.
لذا فإن المحرقة جسدت مشهداً هاما لمواجهة حقيقية بين مشروعين، مشروع وطني يتفاعل بساحة الحرية يشارك فيه ليس أبناء المحافظة فحسب بل من أبناء محافظات الجمهورية ممن كانوا مقيمين فيها خلال أشهر الثورة وبين مشروع متخلف يعنى عائلة محددة ومن لف لفها ودار في فلك مصالحها بعيداً عن أي صلة بالناس والوطن.
فالبيادات التي تلقت الأوامر وهرعت لتنفيذها لتحرق ساحة الحرية بتعز،كانت قد استهدفت أفضل مكان مقدس التقى الناس عنده وراحوا يرسمون فيه أجمل لوحة لطموح جيل قدم أرواحه فداءً لفجرٍ جديد لعصرٍ جديد يكون لنا ويعنينا كيمنيين.
ليومين متتاليين ولمدة(17)ساعة استمرت عملية اقتحام وإحراق الساحة،بمشاركة قوات من الجيش والحرس الجمهوري والشرطة العسكرية والأمن العام وموالين وزعوا في المباني المجاورة لتنفيذ عمليات قنص .
وعلى إثر تظاهر الشباب عصرالأحد29/5/2011 أمام إدارة أمن مديرية القاهرة للمطالبة بإطلاق سراح زميلهم تم مجابهتهم بالرصاص وقذفهم بالأحجار ما أدى إلى استشهاد(4)شهداء وأكثر من(30)جريح .
أستمر هذا الوضع حتى الحادية عشرة ليلاً،كنا في الساحة خلال ذلك الوقت،والذي بدأ فيه إطلاق قنابل الغاز والمسيلة للدموع بكثافة كبيرة باتجاه الساحة وباتجاه النساء اللاتي أصبن باختناقات وتم إسعافهن بأعداد كبيرة،كما أطلقت القنابل الصوتية و أطلاق كثيف للنيران بمختلف الأسلحة، وكان فندق المجيدى قد استهدف بشكل كبير كما طوقت الساحة من جميع الاتجاهات .
كانت التجهيزات الكبيرة للقوات توحي بصحة المعلومات التي أفادت باقتحام الساحة،عادةً كان يجرى توافد المواطنين والشباب من المدينة لدعم الساحة في حال محاولة للاقتحام ،هذه المرة كان هناك قوة كبيرة تتأهب لاقتحام الساحة فيما تم محاصرة مداخلها بإطلاق كثيف للنيران لمنع الناس من الوصول للساحة لدعم إخوانهم.
كانت الجرافات قد بدأت بدك حواجز المدخل الشرقي للساحة كما تم إشعال الحريق بالخيام فيما إطلاق النار الكثيف لم يتوقف.
كنت قد أعددت بياناً لألقيه بالمنصة ولم أتمكن من الوصول إليها لكثافة إطلاق الرصاص باتجاه الساحة فتحركت إلى الفندق لأخذ شنطتي التي تحتوي أوراقا ووثائق بإحدى الغرف ولم نستطع الخروج بعد ذلك منه.
كنا بحدود(20)شخصا في الفندق مع إدارته من الساعة الحادية عشرة ليلاً حتى الثالثة فجراً حينما اقتحم الفندق ووصل إلينا الجنود مباشرين الاتهامات بمجرد قدومهم إلى الطابق الثاني، اتهمنا بالعمل لصالح بيت الأحمر وقيل إننا استلمنا منهم مبالغ مالية.
قال لي أحد الضباط أنت تشتغل مع قناة الجزيرة كمصور أو مع قناة سهيل لأنهم كانوا يدركون أن الإعلاميين مقيمون بالفندق.
تم تفتيشنا المبالغ النقدية التي في حوزتنا مهما كانت قيمته وأخذوا تليفوناتنا كما حتى ساعات اليد وأثناء دخولهم الفندق اقتحموا الغرف ونهبوا ما بها من أجهزة الكمبيوترات المحمولة والثابتة وكاميرات التصوير كما تم نهب إدارة الفندق مبالغ مالية وذهب وجنابي كانت مرهونة لديها ليتم تصفية الفندق من محتوياته من الفرش والأسرة.
لا أزال أتذكر شخصا لا أذكر اسمه كان بحوزته مبلغ(6000)ريال هي ضماره ورأس ماله؛ لأنه يبيع "قات" تم أخذها رغم توسلاته بإعادتها.
كنت قد وضعت مبلغ (8000)ريال في الجيب الخلفي للبنطلون لم يصلوا إليها وعند خروجنا للساحة أعاد أحد الضباط تفتيشي فوجدها وأخذها ثم سحبني بعد ذلك من بين المعتقلين وطلب من أحد زملائه أن يطلق سراحي تحت مبرر عدم عودتي للساحة بعد أن تركني لا أجد ما يوصلني إلى المنزل.
مثل خيار السلمية بالساحة سلاحاً فتاكاً أفقد بقايا النظام صوابهم، أما فائز الأوصابى مالك دباب (توت الربيع)فعرفه الكثيرون يجوب بدبابه مع كل مسيرة يومية، احتجز دبابه لمدة زمنية في الشرطة العسكرية ثم تم إطلاقه ليعاود التحرك به لبيع التوت ويشارك بمكبرات الصوت بالشعارات والأناشيد ثم يعود إلى الساحة، ليلة المحرقة أحرق باصه المصدر الوحيد لإعالة أسرته.
يوم لن ينسى
أحمد سعيد الوافي مسئول الرصد والتواصل بالمركز الإعلامي للثورة تحدث قائلاً:
ابتدأت أحداث هذا اليوم منذ الساعة الرابعة والنصف عصراً وأنا خارج من مستشفى الصفوة حيث كنت أقوم بزيارة(أياد)أحد جرحى الأحداث السابقة، متجهاً نحو المستشفى الميداني كانت المسيرة قد تحركت نحو إدارة أمن مديرية القاهرة وناداني الأخ إبراهيم اليوسفي(ياوافي هيا لنذهب نحرر المعتقلين من مديرية الأمن. الغريب في الأمر بأننا كنا نعاني صعوبة في إخراج المسيرات المسائية، ولم يتم الإعلان عنها في المنصة وكنت من أكثر الناس الذين يرتبون للمسيرات المسائية نتيجة للحصار المفروض من المنصة بحجة الخوف على دماء الناس (فكيف تحركت هذه المسيرة)وأنا بالميدان سمعت طلقات الأعيرة النارية ثم انطلقت إلى أمام مبنى المديرية حيث كان الشباب معتصمين أمام المبنى ورجال الأمن يتمترسون فوق المبنى ويرمون الحجارة ويطلقون الرصاص ولم يكن هناك داع لمثل هذه التصرفات؛ لأننا سبق واعتصمنا أمام مبنى البحث الجنائي مسبقا مرتين وتم الإفراج عن معتقلين وكان التعامل بيننا وبينهم بمستوى عال من المسؤولية.
لحظات وترى الإصابات تزداد بعدها كان هناك أحد المدنيين يقوم بتوجيه الأفراد وكان بقوم برمي الأحجار كما رمى بقنبلة إلى ظهر المبنى المجاور الذي كان لا يزال في طور الإنشاء ، بعدها أتى ثلاثة مسلحين بلباس مدني بسيارة مرسيدس سوداء و بدأوا بإطلاق النار صوب المتظاهرين بصورة غير مسبوقة كما ازداد إطلاق النار من البلكونات الخاصة بمبنى الأمن والسطح لمناصرة المسلحين الذين أمام بوابة المديرية وأتذكر أحد المسلحين الذي أطلق النار وأصاب خمسة وقتل رجلاً شائباً في الشارع المجاور للمديرية أثناء هروبهم من الرصاص كما قام الشخصان اللذان أتيا بالسيارة بإشعال النار فيها ولا ندري ما السبب. لتبدأ بعد نصف ساعة تقريباً وحدات الأمن بالاقتراب من المكان وسيارات رش المياه من الساعة الخامسة والنصف بمهاجمة الشباب في الساحة التي بين المديرية وبين مبنى المديرية واستمر لساعات إطلاق مسيلات الدموع بشكل كثيف وغير مسبوق إلى داخل الساحة من الجانب الشرقي أمام البنك الزراعي والرصاص الحي.
كنا لا نستطيع إسعاف المصابين بالرصاص وكان كادر (مستشفى الصفوه) يعانون من الغاز لأنه بجوار الساحة أما المصابين بالغازات فكانوا كجذوع النخل مجندلين في كل أطراف الساحة.
لتبدأ بعدها عملية إغلاق المنطقة والشوارع جميعا المؤدية إلى زيد الموشكي وإلى مستشفى الثورة والى جولة سنان وأثناء الدفاع عن الساحة أصيب احد الجنود واسمه عزت وتم إسعافه إلى(مستشفى الصفوة)وهو احد من قاموا بإطلاق الرصاص وكانت خزينته فارغة بعدها بدأت المحاصرة الفعلية للساحة بعد أن شهد الوضع هدوءا دام نصف ساعة لتبدأ عملية التحشيد من كل الوحدات العسكرية إلى كل الشوارع المحيطة ابتداءً من الساعة العاشرة وكانوا يطالبون بخروج عزت الجندي الذي كان يرفض خوفا من الاعتداء عليه وهو يشعر بالأمان داخل الساحة. أما عدد الشهداء فقد وصل في تلك اللحظة إلى أحد عشر شهيدا وأكثر من ثمانين جريحا وقد تفاوضت مع بعض الضباط بان يقوموا باعتقالي حتى يتم تسليم عزت الذي يتكلمون عنه إلا أنهم رفضوا ذلك كما فاوضهم الاخ نبيل الأديمي فدعاني أحد الذين يلبسون زياً مدنياً وقال لي أنا صهر الجندي الذي بالمستشفى واسمه عزت وأنا من منطقة آنس ونحن جيران مع الشيخ حمود سعيد المخلافي سابقا في حي الروضة وليس الأمر أمر عزت ونحن غير قلقين عليه لكن أفضل تنسحب قبل ما يقومون بإطلاق الرصاص عليك.
كانت حالة الجنود غير طبيعية وفي حالة تشنج و أناملهم ترتعش وشفاههم أيضاً ًوتكرر التحذير لي من الجنود بالرجوع إلى الخلف، انسحبت عدة أمتار إلى طرف الساحة حيث كان هناك كثير من الشباب على بعد أمتار من الجنود وهم على محاذاة الساحة وكان هناك ممن اذكرهم الأخ عمار الكناني ونبيل الأديمي ومجيب المقطرى والكثيرمن الشباب وتكلمنا مع الشباب بأن يسلم الجندي إلى النيابة وتواصلت مع الأستاذ خالد العسلي أحد المحامين ليتواصل مع رئيس النيابة وقد بدأ الترتيب لذلك إلا أن الحملة العسكرية لم تتوقف تحت أي تأثير وكانت كل لحظة تزداد فيها ضراوة.. إطلاق الرصاص ومسيلات الدموع وعمليات تقدم إلى طرف الساحة وتأخر وكأنهم يقيسون الوضع وقاموا بإرسال مجموعة من الضباط لأجل التفاوض إلا أن الغرض كما يبدو القيام بمعاينة الساحة والتأكد من خلوها من السلاح وما يؤكد ذلك كان قبلها بلحظات تمت عملية الحرق للخيام التي بطرف الساحة و إطفاؤها بسيارات المياه ليدخل بعدها الضباط إلى الساحة وحين خروجهم بدأ الرصاص والغازات المسيلة للدموع تنهمر من ذلك الاتجاه صوب الساحة.
كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة والنصف لتستمر لأكثر من ساعة كان الناس لا يستطيعون التحرك من أماكنهم فناموا على الأرض كنا نتواصل حينها مع البعض تواصلت مع الشيخ حمود سعيد وطلبنا منه الدفاع عن الساحة، لكنه رد بأنه لا يمتلك سلاح، كما تواصلت مع سلطان السامعي وقال إنني بالخارج تواصلنا مع تكتل الدفاع والأمن أيضاً كانوا يؤكدون بعدم استعدادهم وليس لديهم أي سلاح مما يؤكد سلمية التوجه كان هناك من يتواصل معي من الخارج ويقول بأن شوارع تعز المنطقة الشرقية كلها مغلقة احذروا اليوم يومكم بحسب قوله لم يشهد استعدادا امنيا وتجهيزات للاقتحام وفي تمام الساعة الثانية عشرة والنصف كان قد تحول مدخل الساحة الشرقي إلى ما يشبه بعرض عسكري بالآليات المدرعة والأطقم ومرشات المياه والجرافات لتبدأ عملية الحرق في الساعة الواحدة ومحاولتنا المقاومة بالحجارة وفصل الخيام إلا أن الرصاص ومسيلات الدموع كانت تطلق بكثافة بالغة، كما كانت تجري عملية حماية وتقدم ورش للبترول.
موقف لن ننساه حينها كنا نسمع إطلاق الرصاص من اتجاهات عدة ليبلغنا بأنهم مغلقون الجهة الجنوبية جهة مدرسة الشعب وأثناء محاولتنا فصل الخيام والتصدي أصبت برصاصة في الفخذ الأيسر بعدها حاولت التحرك مستندا إلى الجدار لدخول احد الأزقة ليتم إسعافي إلى المستشفى الميداني.
كان ذلك ما بين الواحدة والواحدة والنصف بعد منتصف الليل وتم إسعافي من الطريق الخلفي لأنه لم يكن احد يستطيع أن يتحرك بداخل الساحة نتيجة الرصاص المتجه إليها وكل المباني ألمجاورة وإلى فندق المجيدي بعدها تم إيصالي إلى المستشفى الميداني وكان قد تم إحراق أكثر من عشرين خيمة هناك فتم إجراء الإسعافات الأولية على يد د. عبدالله المخلافي ود. عبدالودود السامعي وتم إرسالي إلى مستشفى طيبة لأن الصفوة ممتلئ واليمن الدولي مغلق الخطوط إليه.
عند إخراجي من المستشفى كان الاتجاه الجنوبي شارع الهريش أيضاً محاصرا وفيه أرتال من الجنود بحسب ما كان يدور في تلك اللحظة كانت الثانية صباحا.
حاله من الرعب كانت تسود المكان لا أستطيع وصف المشهد الذي لم أشاهده إلا في السينما وفي أفلام الرعب خصوصا، لكنني وبرغم ألم الإصابة وكل هذه المشاهد المرعبة كانت رغبتي الطبيعية في الحياة تجعلني سعيدا لأني مازلت حيا بعد عشر ساعات من مساومات مع وكلاء عزرائيل الذين كانوا يحصدون الأرواح لم تكن الرغبة الملحة للبقاء مطلقا في ذهني ونحن أمام الرصاص بقدر ما تكون موجودة في ذهنك وأنت في مكان آمن ...كلما أتذكر هذه اللحظات تذكرت ما يجري للشعب الفلسطيني.. صعب أن ترى الموت يحصد من حولك ،صعب أن ترى من يقوم بقتلك والذي طالما عمدت إلى إهدائه ورده في كل مسيراتك ... بقيت في مستشفى طيبة حتى الفجر لم يكن بجواري احد ولا احد يعلم مصير الآخر ليصل إلي أحد الزملاء سليم الأصبحي بعد صلاة الفجر ليخبرني بأن الساحة قد أحرقت بالكامل كان ألم هذا الموقف اشد علي من ألم الرصاصة التي أصابتني اتصل بي بعض الزملاء وقالوا لا تحدد مكانك تم الاعتداء على الجرحى في الصفوة وهم يبحثون عن الجرحى في كل المستشفيات وبالفعل أتوا إلى المستشفى يبحثون عن جرحى، لكن إدارة المستشفى نفت أن هناك جرحى هذا بحسب ما قيل لي من بعض الممرضين.
حولوها من ساحة للحياة والأحلام إلى ساحة للموت والدمار
مطلق الأكحلى أحد قيادات شباب نحو التغيير(ارحل) قال:
أدى اعتقال أحد الشباب من قبل إدارة أمن مديرية القاهرة إلى خروج الشباب حوالي الرابعة عصراً إلى أمام مبنى المديرية للمطالبة بالإفراج عنه، و ماهي إلا دقائق حتى سمعنا أصوات الطلقات النارية الكثيفة وصوت انفجار قنبلة وتواجد قناصة يعتلون مبنى المديرية وآخرون أمام المبنى، كما وصلت سيارة تقل بعض المسلحين المدنيين، أما بعد توارد الأنباء عن وفاة أحد المصابين الخمسة وملاحقة المسلحين للشباب إلى الأزقة وبدأ تساقط الشباب أمثال الشهيد(فاروق الصبرى)،فقد كان إصرار الشباب يزداد بضرورة الإمساك بهؤلاء القناصة وعدم ترك المجال لهروبهم من المسألة الجنائية.
ولإلصاق التهمة بشباب الساحة قام بعض أفراد المديرية بإحراق سيارة أمام مبنى المديرية لتأتي بعدها سيارة مرسيدس سوداء لأخذ هؤلاء المسلحين المدنيين، حوالي الخامسة والنصف أتت ثلاثة أطقم أمن وعربة مكافحة الشغب، لتبدأ هذه القوات باستخدام الغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه العادمة والقيام بتشكيل جدار أمنى بيننا وبين مبنى المديرية وهنا شاهدنا مجموعة من المسلحين الملثمين بعضهم يرتدي زي الأمن العام يلوذون بالفرار.
ولتزداد بعدها كثافة إطلاق القنابل المسيلة للدموع و التي كانت تصل حتى منتصف الساحة، هنا وفى هذه اللحظات شاهدنا الصمود الأسطوري للشباب وحتى للنساء اللاتي كن في مقدمة الصفوف..لقد عجزنا عن ثني المناضلة الشهيدة(تفاحةالعنترى) التي كانت تقاوم هي وعشرات الشباب الرصاص ومسيلات الدموع والمياه العادمة من خراطيم مكافحة الشغب ب(الحجارة والدعاء)عن العودة إلى حدود الساحة.
وهنا بدأنا نتساءل لماذا لا تنسحب قوات الأمن خاصةً بعد أن أتمت المهمة التي أتت من أجلها؟!حتى تفاجئنا حوالي الثامنة مساءً بحضور جرافتين وبدأت الشكوك تحوم حول خطرً يهدد الساحة.
تواصل نداء منصة الساحة للشباب بالصمود وتوافدت العديد من النساء إلى خط المواجهة منهن (د. ألفت الدبعي المحامية ياسمين الصبرى الصحفية مهاالشرجبى)وأخريات.
وبدأت المعلومات تصلني من قيادات في المشترك بوجود اجتماع استثنائي للجنة الأمنية بالمحافظة وأن هناك أمراً بالاستنفار أعطي لبعض الوحدات العسكرية، وحضر مجموعة من شباب الاشتراكي لإقناعي بالعودة إلى الساحة وصلتني قائمة ب(6)شهداء و(14)جريحاً حالة(3)منهم حالاتهم حرجة فأصبت
بحزن شديد وأيقنت بأن تلك الليلة لن تمر مرور الكرام،وبعدها وصلتنا معلومات بأن الإشكالية لم تعد مبنى إدارة أمن مديرية القاهرة بل أصبحت الآن إشكالية بقاء الساحة.. وبينما نحن بالقرب من مطعم الراسنى (داخل الساحة)حتى اتصل بي أحد الشباب في العاشرة والنصف مساءً ليخبرني بأنهم قد أمسكوا بأحد جنود الأمن من الذين كانوا يطلقون النار على الشباب وتم اقتياده إلى الساحة وإدخاله إلى مستشفى الصفوة برفقة (3)من الشباب فدخلت المستشفى وجلست مع الجندي وكان يظهر على وجهه بعض الكدمات والجروح وكان متأثراً ويبكي وقال لي: لم أطلق النار على أحد بل تقدمت وحدي لإقناع الشباب بالعودة إلى الساحة وأنا من مناصري الثورة، وأنا اسمي عزت وأسكن بالقرب من الساحة.
تم السماح لشخص مدني بالجلوس معه أخبرنا أنه قريبه، وأخبرتهما بأننا لسنا جهة ضبط أو نيابة لكي نقبض عليه وأننا سوف نسلمه إلى الجهات المختصة بعد أن تهدأ الأمور.
بعد ذلك وصلتني معلومات بأن قوات تدخل المدينة من جهة الحوبان وبير باشا من الحرس والأمن وأن الشرطة تقوم بتمشيط الشوارع المحاذية لمنافذ الساحة.
في حدود الواحدة صباحاً من صباح الاثنين 30/5/2011 بدأت فعلياً عملية اقتحام الساحة بدءًا بإحراق الخيام الواقعة بجوار بنك التسليف الزراعي باستخدام مواد مشتعلة كانت تقذف بخراطيم المياه وعندها سمعنا أصوات الشباب ممتزجاً بطلقات الرصاص(الكلاشينكوف-12/7).
اتجهت نحو نافذة الدور الثانى من المشفى لأرى مشهداً نعجز عن وصفه..مشهدا اختلطت فيه كل المتناقضات بين آلة تحرق وتقتل وتسحق كل شيء يقف أمامها وبين أجساد بشرية عارية تقاوم ما يمكن إنقاذه وتسعف من يسقط منها..أسرعنا بالخروج من المستشفى إلى الساحة فذهلت من إصرار الشباب على عدم التراجع،بل إن بعضهم افترش الأرض على ظهورهم وبعضهم أخذ يصلى وبعضهم يكبر ويطلب المدد من الشباب الواقفين بمنتصف الساحة المذهولين وغير المستوعبين لفكرة اقتحام الساحة.
كان عدد الشباب الذين يدافعون عن منفذ الصفوة لا يزيد عددهم عن (300)شاب قاموا بصنع جدار بشري واستمرت المواجهة نحو ساعة بين مجموعة من الشباب الذين كان سلاحهم(الحجر والدعاء)مع قوات الأمن بمختلف وحداتها خصوصا مجموعة لأول مرة نرى أزيائهم وطريقة تقدمهم عرفنا بعدها بأنهم مجموعة من القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب.
كانت مضادات الطيران(12/7)تضرب فندق المجيدي بكثافة وذلك لإرعاب الشباب ولإيقاف البث المباشر الذي كان يتم من الدور الثالث من الفندق.
رفعت بصري إلى أعلى الساحة باتجاه حارة الكوثر فإذا بالخيام جميعها تشتعل.
كان بعض الشباب يبكي ويصرخ بأنهم سوف يحرقون الساحة بأكملها..فهم لم يتوقعوا أن الخوف الذي كان يعترينا في الأسابيع الأولى من الثورة من اقتحام الساحة بدأ يتحقق في الشهر الخامس وفى وقت أصبحت الثورة في كل بيت من ربوع الوطن هذا الوطن الذي اختصره شباب الثورة بتعز بساحة من شارعين متقاطعين كان اسمه ساحة صافر فأصبح يعرف بساحة الحرية فى 13فبراير2011.
حاول الشباب عند منفذ الجامعة الأردنية منع التوغل ولكن حجم القوات وطريقة استخدام القوة المفرطة وكثرة الإصابات التي لم نقدر على إسعافها لوصول القدرة الاستيعابية لمستشفى الصفوة و الميداني للمدى الأقصى.
الصامدين من الشباب حتى الرمق الأخير كانوا من أبناء الريف وشباب النواة الأولى من ثورة(11)فبراير إنهم على سبيل المثال لا الحصر:محمدحسن الزبيرى(شعلةالثورة)،صديق فهدالمعمرى،مجيب المقطرى،ذى يزن المقطرى،وشباب حارات المدينة و مالكي الدراجات النارية والذين كان لهم دور كبير في الدفاع عن الساعة حتى الربع ساعة الأخيرة قبل سيطرة قوات الأمن على الساحة.
باغتنا أحد الأطقم مع مدرعة بهجوم سريع من منفذ الصفوة لتبدأ القوات الخاصة مع قوات الأمن المركزي بالظهور مع إطلاق ناري كثيف جعل الكثير من الشباب ينبطحون أرضاً، أثناء ذلك تقدم أحد أفراد الأمن مغطياً وجهه بمشدة بيضاء وأخذ يطلق النار بشكل مباشر لأشاهد بعدها ثلاثة من الشباب يسقطون واحداً إثر الأخر.
انسحب الشباب إلى وسط الساحة قرابة الثالثة صباحاً بعضهم اتجه نحو منفذ معهد العلوم الإدارية ونحن تسربنا بين الخيام باتجاه الشباب الذين علمنا بأنهم لجأوا إلى المركز الإعلامي بالمدرسة، وفوراً تم إدخال الشهيد إلى إحدى غرف المدرسة، جاء أخي صلاح ليخبرني بإصابة أحد أقربائي(نشوان الأكحلى)بطلق ناري بالقرب من الكلية اليمنى وكذلك شخص آخر بطلقة في ساقه اليمنى.
عند تفحصنا لوجه الشهيد بواسطة تلفون أحد الشباب تعرف عليه أحد شباب حارة الكوثر قائلاً بأنه الشهيد(نزيه المقطرى)كانت إصابته قريبة من القلب.. خرجت إلى ساحة المدرسة ووقفت مع صديقي الرائع(مجيب المقطرى)أحد القيادات التي فجرت ثورة(11)فبراير، كنا جميعاً عاجزين عن الكلام وبالأصح لا نعرف ماذا نقول لأننا ببساطة لم نكن نعرف ماذا يحدث؟وكيف نتصرف؟ أو ماذا نعمل الآن؟
كنت حقيقةً في وضع لا يمكن أن يستوعب عقلي ما ترسله حواسي من مشهد فيه كثير من المتناقضات حيث أصبحت أكثر الأماكن أماناً في المدينة على العكس تماماً..تحولت من ساحة للحياة والأحلام إلى ساحة للموت والدمار..كنا نشاهد ألسنة النار اللعينة وهى تلتهم الساحة بشراهة بجميع خيامها بما فيها من ذكريات، وفندق المجيدي وكذلك العمارة التي على يمينه وهما يتعرضان لإطلاق النار من طقم عسكري ومدرعة..وأصوات الأطقم العسكرية وهى تجول وتمرح داخل الساحة محتفلين بإجهاض الثورة..كنا نشعر بالقهر لوجود القتلة في أرضنا المقدسة، لكننا لم نصل إلى التفكير المدمر الذي كنت أسمعه من بعض الشباب حينها بتمنيهم وجود سلاح لديهم وأن مسألة سلمية الثورة أصبحت من السخف بمكان وكانوا يشتاطون غضباً من عدم حماية الأحزاب للساحة وبعضهم أخذ يسخر من البعض الذين كانوا دائماً ما يقولون بأنهم سوف يحمون الساحة وأنها عندهم خطُ أحمر!!وهذا ما كان يجعلني أتنهد من عدم دخول أي طرف مسلح ليحمى الساحة لأنه عندها نكون قد أسقطنا نصرنا الوحيد في هذه الملحمة التاريخية وهى (سلمية نضالنا).
كان أثر الإرهاق واضحاَ على الشباب بعد(17)ساعة من المواجهات مع مختلف أنواع الأسلحة ومسيلات الدموع وكان أكثرهم لا يستطيع تحريك يده اليمنى من شدة الألم(العظاء)من الرمي المتواصل للحجارة كوسيلة وحيدة للدفاع عن أنفسهم.
أتصل بي الدكتور ماجدالعبسى من داخل مستشفى الصفوة ليخبرني بمدى فضاعة ما تقوم به قوات الأمن داخل المستشفى...وهنا بدأ هدوء مريب يخيم على المكان ماعدا أصوات النيران،شعرنا بتحركات خفية تحوم حول المدرسة ومن الظلام الدامس خيل لبعض الشباب بأن هناك جنوداً يقتربون منا فحدثت حالة من الاستنفار والتدافع..ذهلت حينها من عدد الموجودين داخل المدرسة الذي كان يفوق مائة شاب وبعدها تحول الأمر إلى موجة من الضحك قام خلالها مجموعة من الشباب بتحطيم بلوك أحد النوافذ ليقوم أحد الشباب باستكشاف الحارات الخلفية والعودة إلينا وإخبارنا بأن الطريف أمن ,ليبدأ الشباب بالخروج بشكل هادئ حتى حدوث طلق ناري إلى داخل المدرسة وحينها بدأت عملية الخروج تتم بشكل أسرع لشعورنا بأن اقتحام المدرسة أصبح وشيكاً..وقبل أن تنفذ المجموعة قمنا بأخذ الشهيد(نزيه المقطرى)إلى طرف الغرفة وغطيناه ببطانية, ثم بقيت أنا ورفيقي ذي يزن على نعمان ننادى إلى الطرف الآخر من المدرسة: هل بقي أحد؟ولما لم نسمع أي إجابة أيقنا بأنه لم يبق غيرنا لنخرج ونمر في الأزقة بحذر وبعض سكان المنازل أخرجوا لنا بعض الخبز والماء،تركنا أحد الجرحى ليجروا له إسعافات أولية..وكأنني كنت أسمع بعض النسوة يناديننا من النوافذ للدخول والالتجاء إلى منازلهن، واصلنا طريقنا بتتبع صوت الأذان إلى جامع اكتظ بشباب الساحة، وهنا علمت بأن بعض الشباب مازالوا في المدرسة وأنهم لم يستطيعوا أن يردوا على ندائنا.
ظللنا أمام الجامع حتى طلع ضوء الصباح ثم اتفقت مع مجيب المقطرى والشباب الباقين بالتفرق حتى لا نكون محل شك في الشوارع فأخذت معي أخي صلاح وذي يزن على نعمان المقطرى وانطلقنا نحو مسجد فى شارع الأشبط كان فيه الجريح(نشوان الأكحلى)برفقة ابن عمى نشوان أحمد، فتم خياطة الجرح العميق الذي لم يتوقف عن النزيف في عيادة بسيطة بالقرب من سوق الأشبط ثم اتجهنا نحو المركزي..ونحن في طريقنا كنا نلاحظ غيمة سوداء فوق موقع الساحة ونلاحظ شباب الساحة يمشون في كل الشوارع الفرعية والأطقم العسكرية في حالة طوارئ وتمنع حصول أي تجمع .
بدأنا بالتواصل بإمكانية الخروج بمسيرة غضب في ظل هذه الظروف وظلينا إلى قرابة العاشرة صباحا ًولكننا عجزنا فبدأنا بالتفكير في كيفية التجمع من جديد وكيف نعود لاستكمال ثورتنا بوسائلنا السلمية وكيف نجعل من محافظة تعز كلها ساحة بدلاً عن ساحتنا المغدورة..فقررنا أخذ قسط من الراحة لكي نستكمل ما بدأناه في(11)فبراير.
محرقة الحقد الأسود
مجيب المقطرى أحد قيادات(11)فبراير تحدث بالقول: هذه الذكرى أشبه إلى حد كبير بأفلام الخيال والرعب فيوم 29/5/2011م كانت محرقة الحقد الأسود فعلا فكيف يمكن أن يتحول هؤلاء الجنود من بشر إلى مصاصي دماء ،كم كان ذلك اليوم مخيفاً ومرعباً وأنت تشاهد بأم عينيك عدداً مهولاً من البشر يتساقطون كأوراق الخريف.
بدأت أحداث هذا اليوم في اعتصام لنا أمام إدارة أمن القاهرة بسبب اعتقال شاب من شارع جمال عبدالناصر طالبنا بالافراج عنه إلا أنهم أنكروا، وعندما ذهبنا للوقفة الاحتجاجية كان العسكر هناك مع مسئوليهم قد استعدوا بكل شيء أتذكر أنهم أطلقوا الرصاص من كل طوابق المبنى وأتى احد الافراد ليرمي بقنبلة يقال إنها صوتية على سطح قريب جدا من الشارع لتهز الحي وترعب الموجودين هناك تلاه إطلاق نار سقط على إثره العشرات بين شهيد وجريح ثم أتى الإمداد من مديرية الأمن لقمعنا واستمروا بإطلاق الغاز السام حتى انتشر في جزء كبير من المدينة.
كان هذا مؤشرا قويا لاقتحام الساحة وإطلاق النار باتجاهنا وبشكل هستيري ينم عن حقدً دفين وكأن هؤلاء كانوا يحاربون بلد آخر وليس شبابا معتصمين بصدورهم العارية.
وهنا حوصرت الساحة من الاتجاه الأول وهو كاك بنك (شارع الزراعة)وفي الساعة 8 مساء بدأ إحراق أول خيمة في هذا الشارع ولينتشر الحريق بسرعة الريح حتى التهم جميع الخيام هناك قاومنا؛ لكي نطفئها لكن لا جدوى بعدها بدأ الزحف للجنود الأشاوس!! نحو الساحة وكانوا يطلقون النار علي الموجودين أمامهم. والله لقد شاهدت بأم عيني الكثير من الشباب الذين كانوا يسقطون أمامي وعلى مقربه مني حتى عندما هميت بأخذ حجر لأصد بها عن الساحة كما فعل الكثير من الشباب لعدم وجود طلقه واحدة ولا حتى طماشه نخيفهم بها،كان بيني وبين الحجر شبر تقريباً حاولت الإمساك بها إلا أن الرصاصة سبقتني إلى الحجر وبين أقدامي.
هنا هرب جميع الشباب في ثلاثة اتجاهات المعهد القومي المدرسة القديمة و خلف فندق المجيدي.
وأنا في وسط الساحة أهم بالهروب وجدت بعض الشباب يسحلون جثة احد الشباب الذي استشهد وآخر جريح نحو المدرسة القديمة في هذه اللحظة أتت القوى الأخرى التي كانت قد بدأت في المساء من مدرسة الشعب في اتجاه الساحة لنحاصر في المدرسة حتى الفجر،كنا ننظر إلى الساحة تحترق خيمةً خيمة وقلوبنا تحترق معها كيف يحصل ذلك ما الجرم الذي ارتكبناه كان إذا رأوا أياً كان يطلقون عليه الرصاص,حاولت مع بعض الشباب الدخول إلى الساحة الملتهبة المحترقة ارتدينا بطانية وجدنا أن كل شي قد انتهى ووجدنا أيضاً في الشارع ثلاجة مشروبات غازية وعصائر كان قد أخذها الجنود ولم يتبق إلا كرتون ماء أخذته أنا وأحد الإخوة وعدنا به إلى المدرسة للإخوة المحاصرين هناك.
بعدها بدأت الجرافات في جرف الساحة من أمام الجامعة الأردنية لتغطية آثار الجريمة كما خيل لهم، حوصرنا في المدرسة حتى الفجر بعدها تمكنا من الهروب بمساعدة أحد الشباب من أبناء الحي وأوصلنا جميعاً إلى مسجد خارج الساحة وتركنا الشهيد بعد أن غطيناه ببطانية في المدرسة لصعوبة أخذه كما قام الشباب بمساعدة أحد الجرحى الذي كان معنا والذي أصيب بطلقة في بطنه ويده ومكثنا في المسجد حتى الصباح ثم تسربنا من هناك نحو المدينة بعدها أعلنت تعز كلها ساحة حتى انتصر الشباب على بلاطجة النظام وعلى النظام السابق.
معركة بلا أخلاق
في تلك الليلة استقبلنا(12)شهيداً انتقلوا إلى بارئهم حتى الساعة الثانية ليلاً(500)مصاب بغازات مسيلة للدموع و(150) جريحاً بالطلقات النارية بألم طاغ يتذكر د.صادق الشجاع مدير المستشفى الميداني بساحة الحرية ليلة المحرقة بالقول:
كانت ليلة مأساوية بكل ما للكلمة من معنى، أما الممارسات التي تمت من قبل الجنود ضد الشباب العزل فلا يمكننا وصفها إلا بجرائم ضد الإنسانية، وحتى أخلاق الحرب لا تسمح بها.
ويسترسل الشجاع بالقول: عصر هذا اليوم بدأت الخطة لاقتحام الساحة من الاتجاه الشرقي وبدأنا باستقبال أعداد كبيرة من المصابين بالغازات المسيلة للدموع والذين وصل عددهم إلى(500)مصاب بغازات مسيلة للدموع انتهت صلاحيتها في 1987 وهو الأمر الذي تسبب بحالات موت واختناق وتشنجات شديدة وانهيار عضلي يمنع المصابين من الوقوف على أقدامهم.
(150)جريحاً هم الجرحى بالطلقات النارية معظمهم في حالة حرجة،وبعضهم لايزال يعاني من شدة الإصابة حتى الآن، جميع مستشفيات تعز عصر وليلة المحرقة استقبلت مصابين بإصابات شديدة في الرأس والرقبة والبطن والأطراف، ومنها مستشفى الصفوة الذي استقبل عدداً كبيراً من الجرحى الذين غطت دماؤهم غالبية غرفه وأرضيته.. في تلك الليلة استقبلنا(12)شهيداً انتقلوا إلى بارئهم حتى الساعة الثانية ليلاً، وتم اقتحام المستشفى الميداني ونهبه على دفعتين، فبعد حصارنا في المستشفى والذين كان عدد المحاصرين فيه(172)فرداً من أطقم طبية وجرحى كنا نسمع الطلقات النارية تقترب ولم نكن نتخيل للحظة أنهم سيقتحمون المستشفى الميداني.
كنا ننتظر قدرنا تم اقتحام المسجد في الساعة السادسة والنصف صباحاً وتم إخراج المرضى منه وكذا الطاقم الطبي مع الإهانات المختلفة وضرب الجرحى في أماكن جراحهم وحسب ما سمعت من بعض الزملاء فإن بعض الجرحى كانوا يحبون على الأرض غير قادرين على المشي،بعد ذلك نهبت محتويات المستشفى الميداني والتي قدرت قيمتها ب(60) مليون ريال..مهما وصفنا هذه المحرقة فلن نستطيع وصفها.
انتهاك لكل الشرائع والقوانين والمواثيق الدولية
المحامية. معين سلطان العبيدي مسئولة الحقوق والحريات في نقابة المحامين بتعز قالت: مثلت محرقة ساحة الحرية انتهاكاً لكل الشرائع والقوانين والمواثيق الدولية ففي ذلك اليوم وتحديداً بعد الساعة الخامسة مساء تجمع الشباب المعتصمين في المدخل الشرقي لساحة الحرية وهو المدخل المجاور لمبنى إدارة أمن مديريه القاهرة،وقبل أن يبدأوا بالتحرك إلى أمام المبنى للاحتجاج على اعتقال أحد زملائهم في إدارة امن المديرية فوجئوا بوابل من الرصاص تنهال عليهم من أمام وفوق مبنى المديرية وكذا من احد السيارات التي كانت تحمل مجموعة من المسلحين بالقرب من بنك التسليف التعاوني الزراعي.
حوالي الساعة السادسة مساء توجه المحامون بعد أن سمعوا بما حصل إلى مستشفى الصفوة والمستشفى الميداني لعمل حصر للحالات التي وصلت إليهم، وفوجئنا بالدماء تملأ أرضية المستشفى والمصابين في كل مكان إصابات برصاص حي في أنحاء متفرقة واغلبها في الأجزاء العليا من أجسادهم، فور وصولنا كان هناك ثلاثة من الشباب استشهد أحدهم..لفظ أنفاسه الأخيرة أمام أعيننا، كانت إصابته طلقة نارية في الرقبة، وشاب آخر لفظ أنفاسه في غرفه العمليات أثناء محاولة الأطباء إنقاذه كانت أيضاً إصابته طلقة نارية في الرقبة، رجل في الخمسينيات من العمر توفي من اثر طلقة نارية في أعلى الفخذ كان مجهول الهوية لم يعرفه احد ظل في الدور الأرضي للمستشفى ونقل إلى جواره الشابان الآخران حتى تحضر سيارة الإسعاف وتم نقلهم إلى ثلاجة مستشفى اليمن الدولي، امتلأ مستشفى الصفوة بالجرحى فقد كانت الحالات في تزايد مستمر ولم تعد طاقته الاستيعابية كافية فكان يتم إحالة الحالات إلى مستشفى الروضة واليمن الدولي، ولم يكن المستشفى الميداني بأكثر حظاً بل كان مليئاً بالمصابين والجرحى وكان يتم نقل المصابين بإصابات بليغة إلى المستشفيات الأخرى، استمر إطلاق الرصاص على الشباب وتم تعزيز القوات الأمنية في مدخل الساحة الشرقي وكان يتم رش الشباب بمياه المجاري والغازات السامة إلى داخل الساحة حتى وصلت الغازات إلى مستشفى الصفوة وهو مليء بالجرحى، غرفة عمليات المستشفى لم تتوقف طوال الليل، وكانت التعزيزات الأمنية في ازدياد ومن وحدات عسكرية وأمنية مختلفة .
تواصلت لجنة الحقوق والحريات من داخل مستشفى الصفوة مع رئيس استئناف محافظه تعز لإبلاغه بما يحدث للشباب وطلبنا منه اتخاذ الإجراءات القانونية لإيقاف الاعتداء والانتهاك للشباب المعتصم، ووعدنا بالتواصل مع إدارة الأمن والمحافظة، والنيابة العامة هي الجهة المختصة قانوناً في التحقيق بهذه الانتهاكات وفقاً للدستور والقانون، والجهات الأمنية ما هي إلا منفذة لتوجيهات النيابة العامة، ولكن يبدو أن الأمور لم تسر على هذا الأساس فلم تستطع النيابة عمل شيء واستمر إطلاق الرصاص على الساحة من مدخلها الشرقي والشباب يردون على الرصاص بالحجارة وبالهتاف بأنها سلميه وبالتكبير.
خلال هذا الأثناء تم نقل جثتين من الشهداء من مستشفى الصفوة إلى ثلاجة مستشفى اليمن الدولي بصحبة احد محامي الفريق القانوني بعد أن تم عمل الإجراء الخاص بتحويلهم وبقيت جثة الرجل المجهول الهوية كما هي حتى يتم التعرف عليه وحتى يتم توفير سيارة أخرى لنقله ، وصلت الغازات كما قلنا إلى داخل المستشفى وهو مليء بالجرحى والأطباء والممرضين الذين قرروا البقاء لتقديم المساعدات الطبية الإنسانية للجرحى، وبعد الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل بدأ الحرق للخيام في مدخل الساحة الشرقية وإطلاق الرصاص المصاحب للإحراق حيث كان يتم إطلاق قنابل تصل إلى الخيام وتحرقها مباشره إضافة إلى إن إطلاق النار كان بشكل كثيف على فندق المجيدي وكان يتم من آليات ثقيلة وهي الآليات التي كانت تتقدم أفراد الأمن ، حيث كان الهدف من ذلك منع النقل المباشر للاقتحام الذي كان يتم نقله من فندق المجيدي، واستمر الأمر حتى الثانية بعد منتصف الليل وصلت القوات الأمنية إلى أمام مستشفى الصفوة، وكان بصحبة هذه القوات عدد من الأشخاص بلباس مدني وكلهم مدججون بالأسلحة.. بعد هذا الوقت قامت القوات بتوزيع المهام بينها فبعضها تولى إكمال إحراق الخيام ، والبعض الأخر قام باقتحام مستشفى الصفوة ، ونهب كل ما فيه والاعتداء على الجرحى وعلى الطاقم الطبي بالسب و الإهانة، تم نزع الأكسجين من فوق المرضى، نهب وسلب المستشفى وكسرت الأشياء التي لم يستطيعوا حملها.
بقي أحد المحامين في المستشفى حتى اليوم الثاني ظهراً مع ستة جرحى وممرضين، محاصرين غير قادرين على نقل الجرحى إلى أي مكان كون المستشفى ما يزال مليئا بالجنود ولم يكن لديهم أي وسيلة لنقلهم ولم تستطع أي سيارة إسعاف الوصول إليهم كون الجنود كانوا يطلقون النار على أي مار أو سيارة تحاول الاقتراب من الساحة،حتى تم نقلهم الساعة الحادية عشرة ظهراً بعد أن استطاعت سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر نقلهم إلى مستشفيات أخرى، لم يكن حال المستشفى الميداني بأحسن حالاً فقد تم اقتحامه وسلب ونهب كل محتوياته من علاجات وأدوات طبية، طبعاً المستشفى الميداني كان عبارة عن مسجد ، دخل الجنود إليه بعد الساعة الواحدة من منتصف تلك الليلة تم الاعتداء على الجرحى داخل المستشفى وتم اخذ كل ممتلكاتهم مع اخذ مقتنيات الطاقم الطبي، تم إطلاق الرصاص داخل المستشفى الميداني وتم حرق حتى المصاحف داخلة من قبل الجنود والمصاحبين لهم ، دخل الجنود اللجنة الطبية التي تقع في دكاكين غير مكتملة البناء في الجهة الغربية للساحة ، كانت أيضاً مجهزه بالأدوات الطبية ومليئة بالعلاجات التي كانت تتلقاها اللجنة من التبرعات وجميع ما كان فيها تم نهبه وتم إخراج الجرحى منها وإحراق الأشياء التي لم يستطيعوا حملها ،وتم أيضاً نهب فندق المجيدي بما فيه كان مليء بالصحفيين والمراسلين للقنوات الفضائية الذين كان لديهم عشرات من الكاميرات وأجهزة الكمبيوترات المحمولة ، تم نهب كل ما كان في الخيام وإحراقها، فصول المدرسة غير المكتملة البناء كانت عبارة عن أماكن مجهزة للتدريب وعن مركز إعلامي و بها أثات للشباب تم نهبها وإحراقها، أكد لنا شهود عيان أنهم كانوا يسمعون صرخات الجرحى أثناء دهسهم بالجرافات وأن الخيام كانت تحرق وهناك بعض المعتصمين بداخلها لم يتمكنوا حتى من الخروج منها وأكد شهود آخرون مشاهدتهم لجثث متفحمة تم إخفائها بقايا الخيام المحترقة ،نقلت أربع جثث من الساحة كانت في مستشفى الصفوة وفي اللجنة الطبية إلى مستشفى الثورة العام، وست جثث نقلت إلى مستشفى اليمن الدولي، هذه الجثث تم عمل الإجراءات القانونية المتعلقة بإجراءات الدفن ومتابعة النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية بإرسال الطبيب الشرعي والمعمل الجنائي لمعاينة الجثث واخذ أقوال أولياء الدم، وأخذ أقوال المصابين في المستشفيات الذين يزيد عددهم على (130) جريحا كلهم مصابون بالرصاص الحي، تم اعتقال عدد يزيد على (50) من الشباب والصحفيين والأطباء في ليلة المحرقة ، قام الفريق القانوني في لجنة الحقوق والحريات بالمتابعة القانونية للإفراج عنهم بناء على توجيهات من النيابة ، وهنا نود أن نشير إلى انه وفقاً للقانون كان يتوجب على النيابة العامة التوجه إلى الساحة باعتبار الجريمة التي ارتكبت في حق الشباب فيها هي جريمة من الجرائم المشهودة، حتى تبدأ التحقيق بما حدث وتحرير محاضر معاينه فوريه للمكان، ولكن للأسف لم تتحرك إلا بعد أن تم تقديم طلب لها بذلك ورغم تقديم الطلب إلا أنها لم تنتقل إلى مكان ارتكاب الجريمة ولم تحرر أي محضر لمعاينة المكان ، انتقلت نيابة الأموال العامة إلى إدارة امن مديرية القاهرة، وعملت محاضر معاينة لأداره امن المديرية وصورتها ، بحكم اختصاص نيابة الأموال بالتحقيق في أي أمور تتعلق بالمال العام، ولنكن منصفين بعد أن تم تكليف احد أعضاء نيابة شرق تعز بالتحقيق في الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية فقد تم اخذ أقوال أولياء الدم، وتم اخذ أقوال بعض الجرحى الذين كانوا في المستشفيات وحالاتهم تسمح لهم بالتحدث ، وبقي عدد من الجرحى حتى هذه اللحظة لم تأخذ أقوالهم، إضافة إلى أنه لم يقدم أي شهود للإدلاء بشاهدتهم فيما حصل وذلك حرصاً على حياتهم في هذه الفترة نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة في المحافظة، وحتى تستقر الاحوال سيتم تقديم الشهود في جميع الوقائع وكذا تقديم الأدلة المصورة والموثقة للنيابة حتى تستكمل إجراءاتها بالقبض على المتهمين والمرتكبين للجريمة وكل من ساهم أو شارك أو وجه أو تمالأ في ارتكابها.
أسرى حرب
أما ربيع السامعي أحد معتقلي ليلة المحرقة فقال: بدأت القنابل الصوتية والأعيرة النارية بالانهيال على الشباب من سطح مبنى إدارة أمن مديرية القاهرة إثر تنفيذ الشباب لوقفة احتجاجية أمام المبنى للإفراج عن الشباب المعتقلين، وتلا ذلك إطلاق النار بشكل كثيف على الشباب بغرض القتل، لتصل بعدها وحدات من مكافحة الشغب وبدأوا بإطلاق القنابل الغازية والمسيلة للدموع إلى الساحة،وكذا إزالة الحواجز والسياج الأمني للساحة.. كان المشهد مروعاً وكنا حينها في مستشفى الصفوة والذي غطت أرضيته الدماء الزكية للشهداء والجرحى، اضطررنا للالتجاء إلى فندق المجيدي والذي كان يتم إطلاق النار عليه وعلى نوافذه برشاشات(12/7)،مكثنا في سلالم الفندق والرعب منا قد بلغ مبلغه، وسمعنا أصوات الجنود وهم ينادون (سلموا أسلحتكم)ظنا منهم أننا مسلحون، ثم ابتدأ اقتحامهم للفندق بدخولهم وصراخهم(وجوهكم للحائط)وإطلاق الرصاص على السلالم، قاموا بتجريدنا من كل ما نملك، أنزلونا إلى الطابق السفلى ثم بدأوا بإخراجنا من الفندق في طابور واحد وكأننا أسرى حرب،ومن كان ينحرف قليلاًَ عن الطابور كانت الاهانات والاعتداءات لا تتوانى في الوصول إليه.
أخرجونا وكانت الساحة محروقة تماماً وحرارة الأرض تلذع أقدامنا وقبل أن يحملونا إلى الأطقم التي كانت ممتلئة بالثلاجات وأثاث مستشفى الصفوة، قاموا بتجريد الأخ (أمين شرف ثابت القدسي)أحد أعضاء اللجنة الإعلامية من كل شيء حتى نظارته ثم تركوه يذهب.
وقبل أن ينطلقوا بنا صوب الشارع قاموا بإطلاق النار على المنازل المجاورة، أما عند وصولنا فكان هناك أحد الجنود الذي كان خارجاً عن الوعي ممسكاً بزجاجة في يده صارخاً فينا(جينا اليوم على شأنكم، تشتوا علي يرحل)ثم يقوم بالاعتداء علينا وأخذ ما بقي بحوزتنا من ساعات، ثم قام أحد جنود الحرس بإعطاء سلاح لأحد المعتقلين منا محرضاً إياه بالقول: اقتلهم وأنا باخرجك، ثم أخذونا إلى قسم الجحملية وقاموا بالتحقيق معنا وصورونا مرقمين كالمجرمين مجبريننا على التوقيع على محاضر مفادها اعتداؤنا على مبان حكومية وأننا من مثيري الشغب.
عبدالعزيز محمد المحيا أب أحد جرحى المحرقة قال: تلقيت اتصالاً من مستشفى الصفوة فى الحادية عشرة والنصف ليلاًً بإصابة ابني عمر بطلقة مباشرة من أمام أمن مديرية القاهرة ووصلت إلى الساحة في الثانية عشرة ليلاً لأرى مشاهد القتل من قبل الجنود ضد شباب الساحة.
دخلت إلى المستشفى ووجدت ولدي مصاباً في غرفة العناية المركزة برصاصة دخلت من خلف الأذن وأبعدت جزءًا من تحت الدماغ وحطمت العين اليمنى وخرجت من أسفلها.
كانت المحرقة دائرة على أشدها..الساعة الثانية إلا ربع دخل جنود كنا في الدور الأعلى سمعت صوت التهشيم والتكسير..أخذوا خزانة المستشفى بكل ما فيها..بحدود الساعة الثانية والنصف تركت الولد في غرفة الإنعاش دخل الجنود..كنت أتوقع الموت في أي لحظة وحتى الساعة الحادية عشرة والنصف من ظهر30/5 دخل علينا أكثر من (8) جنود شاهرين أسلحتهم في حالة توتر وجاهزية قتالية كأنهم أمام عدو، أحدهم صرخ في وجوهنا: ماتشتوا أقلقتونا، أزعجتونا، أنهكتونا أربعة أشهر.
دخلوا بعد ذلك إلى غرف العمليات والعناية المركزة وقاموا بتهشيم الأجهزة الطبية، كنت أتوقع أن يصفوا الجرحى والذين كانوا بحدود(7)استمروا حتى ما بعد الحادية عشرة والنصف، خلال ذلك أخذت زوجة أنس النهاري مع ابنتيها إلى غرفتها وكانوا كل لحظة يدخلون عليهن وآخر مرة أتوا فيها كان أحد الجنود يحمل في يديه بحدود(5-6)علاقيات تلفونات ومبالغ مالية قام بأخذ تلفوني والكنبة في الغرفة وأخذ شنطة أحد الفنانين ونهب المبالغ المالية منها...أحد الجنود أخذ تلفون إحدى الممرضات وكانت تبكي ثم أرجعه إليها بعد أن أخذ منها(6000)آلاف ريال.
الذي لن أنساه هو دخول أحد الجنود على ولدي في غرفة الإنعاش قائلاً: ابن الكلب هذا عاده ما ماتش!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.