{ألا بذكر الله تطمئن القلوب} نتناول فيها آية من كتاب الله نتفيأ ظلالها جرعة إيمانية أو شبه يومية، في ظلال آيه الوارفة ونستنير بهديها المنير ونسير على صراطها القويم ونتفكر في معانيها السامية، ومضاميتها الإيمانية.. نقرأ كلام المفسرين حولها لنفهم مراد الله منها فليس كمثل كلامه كلام وليس بعد بيانه بيان.في رحاب قوله تعالى:{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} “الروم :41” قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: “ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه يعرف أن جميع الفساد في جوه ونباته وحيوانه، وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه،ولم تزل أعمال نبي آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام،والأمراض،والأسقام،والطواعين والقحوط،والجدوب،وسلب بركات الأرض،وثمارها، ونباتها وسلب منافعها، أو نقصانها أموراً متتابعة يتلو بعضها بعضاً، فإن لم يتسع علمك لهذا فأكتف بقوله تعالى:{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} “الروم : 41” ونزل هذه الآية على أحوال العالم، وطابق بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخرى متلازمة، بعضها آخذ برقاب بعض،وكلما أحدث الناس ظلماً وفجوراً،أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم،وأهويتهم ومياههم،وأبدانهم،وخلقهم،وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات، ماهو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم، ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكثر مما هي اليوم، كما كانت البركة فيها أعظم،وقد روى الإمام أحمد بإسناده أنه وجد في خزائن بعض بني أمية صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها هذا كان ينبت أيام العدل،وهذه القصة ذكرها في مسنده،على أثر حديث رواه،وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عذبت به الأمم السالفة، ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم، حكماً قسطاً، وقضاء عدلاً وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله في الطاعون «إنه بقية رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل» وكذلك سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم سبع ليال وثمانية أيام، ثم أبقى في العالم منها بقية في تلك الأيام، وفي نظيرها عظة وعبرة، وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لابد منه، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سبباً لمنع الغيث من السماء، والقحط والجذب..وجعل ظلم المساكين،والبخس في المكاييل والموازين وتعدي القوي على الضعيف سبباً لجور الملوك والولاة الذين لايرحمون إن استرحموا، ولايعطفون إن استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارة بتسليط الشيطانين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزاً، لتحق عليهم الكلمة، وليصير كل منهم إلى ما خلق له، والعاقل يسير بصيرته بين أقطار العالم، فيشاهده، وينظر مواقع عدل الله وحكمته وحينئذ يتبين له أن الرسل وأتباعهم خاصة على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البوار صائرون، والله بالغ أمره، لا معقب لحكمه،ولا راد لأمره، وبالله التوفيق”.