غير منطقية وعبثية مازالت الإشاعات وسوء الفهم في بلادنا قادراً على خلق بؤر جديدة للصراع القبلي والمذهبي والطائفي وإزهاق الأرواح البريئة وتدمير كل مقومات الحياة في الكثير من المناطق في بلادنا, في ظل تجاهل مؤسف لهذه الصراعات بين بعض القبائل والتيارات الدينية. ولعل مجريات الصراع والحرب التي دارت رحاها أو مازالت تدور في محافظة صعدة بين جماعة الحوثي وبين السلفيين والتي راح ضحيتها المئات من القتلى من الجانبين خلال الأشهر الماضية, تجسيد واقعي لحالة الصراع العبثي بين اليمنيين لأسباب واهية واعتماد البعض على الإشاعات في تقدير الحكم على الطرف الآخر في ظل حلقة من الاتهامات التي تغذي الصراع بين الجانبين .. وفي ظل فقدان التأني في الحكم على الأمور وانعدام الثقة بين الأطراف الذي يمثل سبباً رئيسياً في خلق بؤر الحروب والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد. وفي محاولة ومبادرة لكف نزيف الدم الجاري في محافظة صعدة بين الحوثيين وجماعات السلفيين أطلق ملتقى السلم والوئام بمديرية أرحب محافظة صنعاء مبادرة ووساطة قبلية لوقف هذه الحرب العبثية التي أزهقت مئات الأرواح على مدار الأشهر الماضية ولتسليط الضوء بشكل أكبر على هذه المبادرة والوساطة التي تبناها ونفذها ملتقى السلم والوئام بأرحب واستطاعت أن توقف الحرب الدائرة هناك كان ل”الجمهورية” لقاء مع الشيخ فارس احمد حميد الحباري نائب رئيس ملتقى السلم والوئام لأبناء قبيلة أرحب ورئيس لجنة الوساطة في النزاع بين الحوثيين والسلفيين في محافظة صعدة والذي قضى فترة في محافظة صعدة لتوقيع الصلح وإنهاء الصراع هناك, وقد سألناه في البداية عن هذه المبادرة وآلية تنفيذها والنتائج التي حققتها فكانت إجابته كالتالي: طبعاً المبادرة التي تبنيناها في ملتقى السلم والوئام لأبناء قبيلة أرحب كانت انطلاقاً من الواجب الديني والوطني الذي يلزمنا بوقف نزيف الدم بين المسلمين وعمل كل جهد من أجل وقف القتال ونشر السلام بين الإخوة وقد شعرنا فعلاً بأن الصراع في محافظة صعدة وصل إلى نتائج مؤسفة سببت إراقة الدم وإزهاق الأرواح دون أي مبادرات من قبل الدولة لإنهاء هذه الحروب الدائرة بين إخواننا الحوثيين الذين يطلقون على أنفسهم لقب المجاهدين وبين السلفيين وفعلاً اجتمعت قيادات الملتقى التي تمثل معظم مشائخ وعقال قبيلة أرحب وقررنا القيام بوساطة جادة لوقف نزيف الدم هناك وتقريب وحل الخلافات بين الطرفين وبعد التواصل مع الأطراف المتقاتلة هناك بواسطة الأعيان والشخصيات الاجتماعية.. نزلنا إلى محافظة صعدة كلجنة قبلية للوساطة فيها عدد من المشائخ والوجاهات لوقف المعارك بين مايسمون أنفسهم المجاهدين (الحوثيين) والسلفيين بدعوة من قبل الشيخ حنان قطينة, ودخلنا إلى منزل الشيخ فارس محمد حسن مناع وبعد وصولنا بفترة اجتمعنا مع ممثلين من الطرفين وتم توقيع الصلح بين الحوثيين وما يعرفون بالسلفيين وبعدها توجهنا إلى وادي باجبارة وهو ممتد في القفحة (في الجبل) حوالي 60 كيلو متراً مربعاً وهو كان محلاً وساحة للقتال بين الحوثيين والسلفيين وقمنا بوصل الأخ ناصر بن عبادة وهو يعتبر كبير السلفيين وصوت لنا, وأدخلنا معسكرهم في الوادي (وادي باجبارة) وأمسينا إلى اليوم الثاني وتم جمع عدد من مشائخ (وائلة) الذين هم منحازون مع السلفيين ومنهم الطحامي وغيره من مشائخ قبيلة وائلة وتم جمع قيادات الطرفين وتقريب وجهات النظر وبحمد الله تم توقيع الصلح اليوم الثاني واشترط الجميع تنفيذه في الواقع .. وكانت بنود الصلح مكونة من سبعة بنود, أول بند وقف إطلاق النار بين الطرفين وتم تنفيذه, والبند الثاني رفع التمترس من قبل المقاتلين, وثالثاً إزالة التمترس وتم ذلك, ورابع بند إزالة النقاط المستحدثة, والخامس تبادل الجثث والقتلى بين الطرفين وهناك جثث لها خمسة أشهر متعفنة حوالي 170 جثة, وأكثر الجثث كانت للسلفيين والجثث كاملة بين الطرفين حوالي 1800 جثة تم تبادلها, وهذا الأمر شكل لنا صدمة بأن هناك هذا العدد الكبير من القتلى بين أناس مسلمين يعرفون حرمة سفك الدماء البريئة وبحمد الله كانت آخر نقطة في الصلح تنص على صلح دائم بين الطرفين وتدخل الكثير من الأطراف الذين ساهموا في قبول توقيع الصلح ومنهم الشيخ حسين الأحمر الذي يحظى باحترام بين الطرفين وقد اتصل بالأطراف من جهته ودعاهم إلى نبذ الخلافات وصيانة دمائهم فكان له دور أيضاً في توقيع هذا الصلح. .. ماهي خلفية الصراع بين الحوثيين والسلفيين حسبما لمستم أثناء زيارتكم لمحافظة صعدة؟ في الحقيقة إننا اكتشفنا أن الصراع بين الطرفين كان بأسباب واهية وغير منطقية ولم يتم التأكد من صحتها قبل الدخول في الحرب وإزهاق الأرواح وقد سألتهم شخصياً هذا السؤال عندما رأيت الجثث متناثرة بين الطرفين وبشكل مأساوي, فأحد السلفيين قال: إن الحوثيين يدوسون القرآن الكريم والعياذ بالله ويلعنون السيدة عائشة رضي الله عنها وهذا كلام استنكره الحوثيون بشدة واعتبروه زوراً وبهتاناً, فالقرآن الكريم موجود في جيب كل الحوثيين القتلى وعائشة رضي الله عنها لا يقولون فيها إلا كل خير وقد جمعنا مندوب الحوثيين والسلفيين وتصافحوا بعد أن عرفوا كذب هذه الادعاءات والإشاعات وأنها مجرد افتراء لتغذية الحرب وسفك الدماء بين الإخوة وتصافحوا كما قلت وصورناهم في قناة المسيرة وأكلوا سوياً وهم أبو الحارث مهدي مندوب الحوثيين ويحيى شويط مندوب السلفيين وقد جنح الحوثيون للسلم وهم ملتزمون بقول الله تعالى: “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها”, وحتى عندما تحدثنا معهم عن الستة الحروب التي خاضوها مع الدولة وقالوا: إن الدولة هي التي كانت تبدأ الحرب وتوقفها من تلقاء نفسها ونحن ملتزمون بالسلام في أي وقت ونجنح للسلم وتجاوب السلفيون مع الصلح أيضاً. .. في ظل المعارك التي دارت هناك ماهي أبعاد هذه الحرب وماهو رأي الطرفين في مسألة قتل المسلمين بعضهم البعض؟ أعتقد أن أبعاد الصراع في صعده أبعاد إقليمية تغذي هذا الصراع بشكل قوي والجميع يدرك هذه الأبعاد, أما ما يخص قتل المسلمين بعضهم البعض ونحن سألناهم هذا السؤال وقلنا لهم: أنتم تقتلون إخوانكم المسلمين وهذا ليس جهاداً في سبيل الله وقلنا للسلفيين: أنتم أيضاً لا تجاهدون في سبيل الله وأنتم تقتلون إخوانكم المسلمين فالحوثي أيد رأينا بأنهم بقتلهم إخوانهم المسلمين ليسوا في سبيل الله وقالوا: إنهم يدافعون عن أنفسهم ولم يذهبوا لقتال الآخرين وقالوا: مسلم يقتل مسلماً ليس في سبيل الله وهذا حرام والحرب فرضت علينا ويقسمون بالله بأنهم لم يقاتلوا إلا اتقاء من القتل ودفاعاً عن أنفسهم بينما بعض إخواننا السلفيين ثاروا علينا كلجنة وساطة ولم يوافقوا على رأينا لأنهم كانوا يعتبرون الحوثيين أعداء للدين عندما ظنوا أنهم يسيئون للصحابة رضي الله عنهم ويسيؤوا إلى السيدة عائشة رضي الله عنها والعياذ بالله وهذا أمر يؤكد أن هناك أطرافاً تحاول إثارة الفتنة وإذكاء الصراعات بين المسلمين. وأيضاً من أسباب الحرب مثلاً أن آل وائلة منهم مجموعة منعهم السيد عبدالملك الحوثي من ممارسات كانوا يمارسونها في السابق وهي أشياء ليست من الدين أو القانون حسب ما قالوا لنا وحسب ما فهمنا فقاموا برد فعل بالتحريض على قتال الحوثيين وجمعوا التابعين لهم لقتال الحوثيين وتجدهم أناساً مقاتلين من البنغال ومن الصومال وهنود ومن المغرب ومصر وأفغان وقادات المواقع منهم من زبيد, أما أهل وائلة فهم جالسون تحت الطلح لا يقاتلون وتموينهم كله من الخارج وهذا يؤكد أن الحرب في صعدة تصفية حسابات من قبل جهات خارجية. .. من خلال لقائكم بالحوثيين هل لمستم جدية منهم للمشاركة في الحوار الوطني؟ طبعاً الحوثيون جادون في المشاركة في الحوار. .. ملتقى السلم والوئام في أرحب شكل من أجل أهداف معينة كما تقولون, ماهي هذه الأهداف؟ نعم المجلس يعتبر وسيلة وقاعدة قوية من اجل إنهاء الصراعات بين أبناء القبيلة والقضاء على الثارات ومنع محاولات تعكير أمن واستقرار المنطقة وأيضاً لحل قضايانا الاجتماعية المختلفة ومنها مثلاً ارتفاع المهور وأيضاً مواجهة التحديات التي تواجه أبناء قبيلة أرحب بمعنى أنه جاء من اجل حل قضايانا بيننا البين لكي نقف صف واحداً في وجه الطاغي والذين يطغون في الأرض فسادًا ومن اجل الحفاظ على وحدة الصف, وهذه البداية انطلقت في قبيلة أرحب وبعدها سنحاول توسيع التجربة على مستوى بكيل وبعدها على مستوى حاشد وبكيل ومن ثم نوسع الأمر لنحاول تأليف القلوب وتحقيق الإخاء بين اليمنيين كافة في مختلف مناطق الوطن وذهابنا إلى صعدة كان من اجل نقل أهداف الملتقى إلى خارج القبيلة فالملتقى وجد من اجل خير أبناء قبيلة أرحب وخير الشعب اليمني جميعًا. .. هناك جهات حاولت أثناء الأزمة تصفية حساباتها من خلال قبيلة أرحب, كيف تواجهون هذا الأمر؟ نعم ولا شك في ذلك ومن يسمع بعض وسائل الإعلام يعتقد أن أبناء أرحب طغاة وهذا شيء كاذب فأرحب ورجالها من خيرة رجال اليمن وتاريخهم المشرف معروف في كل مراحل التاريخ. وبالمناسبة الثورة وأي ثورة تقوم ضد الظلم والطغيان, لكن كل شخص قام بالثورة له هدفه فالبعض يقوم بالثورة للمطالبة بحقوقه وأناس قاموا بالثورة مدفوعين من دول أخرى لأهداف سياسية والبعض استغل الثورة بالتخريب والتفجير وكل شخص كما قلت له مطالبه وأسبابه للقيام بالثورة ونحن من الناس الذي لا يريدون سوى حقوقهم ويريدون بناء اليمن بناء صحيحاً. إننا نريد أن نبني وطننا بناء صحيحاً دون ظلم أو تهميش لأحد وبعيداً عن الفساد والمفسدين ونريد أن نلتف حول حاكم عادل ينصف الناس جميعا ويعطيهم حقوقهم ويقضي على منابع الفساد حتى تتطور بلادنا ولا يقل تطورها عن أي مدينة في العالم المتقدم أو كما هي دبي أو غيرها من الدول الأخرى. .. هل انتم مستعدون للتنازل عن بعض العادات في سبيل بناء دولة النظام والقانون والدولة المدنية الحديثة كالتنازل مثلا عن حمل السلاح؟ نعم وبكل تأكيد ونحن بالفعل نتمنى أن نسير بدون أي حراسات أو أسلحة ونحب أن نسير آمنين وهذا ما نؤمله, لهذا نريد أن نرى دولة تعمل على توفير الأمن والأمان وتحافظ على امن الوطن والمواطن وسنكون سنداً قوياً لها ونساعدها بكل ما تطلبه منا. .. ما هو موقفكم وموقف الملتقى من الحوار الوطني؟ نعم سنشارك بروئ نطرحها بعيدا عن أي وصايات أو إملاءات من احد وما تجمعنا في الملتقى إلا من اجل توحيد موقفنا وتوحيد رؤانا لندخل في الحوار ونحن كتلة واحدة ولنا رؤانا التي نستطيع من خلالها المشاركة الايجابية في بناء دولة النظام والقانون ودولة العدالة والمساواة بين جميع أبناء اليمن الواحد. ونحن بكل تأكيد مع جهود الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية الذي يعمل من اجل صالح البلاد وأمنها واستقرارها ومن ينشر الأمن والاستقرار ويحافظ على مكتسبات ووحدة الوطن فنحن معه بأي صورة من الصور ومن يقيم العدل وينشر الأمان في بلادنا فنحن معه بقلوبنا ودمائنا والأرواح. .. ماهي رسالتكم لأبناء اليمن في هذه المرحلة التي يعيشها الوطن؟ رسالتنا لأبناء اليمن أن يعملوا بجد وبإخلاص من اجل نبذ الخلافات وتناسي الثارات بينهم ويوحدوا صفوفهم من أجل مواجهة كل التحديات التي تواجهه اليمن التي تعتبر سفينتنا جميعاً ولابد من حمايتها حتى لا نغرق في وحل الخلافات والتناحر ويجب عدم تهميش أو إقصاء أي أشخاص لأي أسباب كان, ففي الأخير كلنا يمنيون وتهمنا مصلحة بلدنا ولا يصح أن نصنف الناس حسب انتمائهم الحزبي والسياسي أو القبلي والطائفي أو نصنفهم بأنهم من أصحاب النظام السابق أو النظام الجديد فالكل يمنيون ومن حقهم ان يساهموا في بناء الوطن بدون تمييز.