أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحريك الجبال .. بحثاً عن الحقيقة
في مشروعية إرسال اليدين وقبضهما في الصلاة
نشر في الجمهورية يوم 16 - 08 - 2012

كنت ولا أزال أعتقد أن تحريك جبال من أماكنها أهون ألف مرة من أن تقنع مسلماً بقاعدة فقهية اعتاد العمل بغيرها جهلاً، ولا سيما هيئة الصلاة التي أخذ بها منذ نعومة أظفاره، وأقصد بذلك قبض اليدين بوضعهما على البطن أو الصدر في الصلاة، والتي تحولت في ظروف غامضة إلى سُنة، فيما صار إرسال اليدين بدعة أو هيئة تخص أتباع المالكية والزيدية والشيعة دون غيرهم، وتطور الأمر حديثاً إلى اعتبارها هيئة تكشف الهوية المذهبية للمسلم إن كان سنيا أو شيعيا وفق مقتضيات دائرة الصراع المحتدمة اليوم بين السنة والشيعة .
كلنا حرصاء على أن نصلى بالهيئة التي صلاها نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله; لأننا إن لم نلتزم بتلك الهيئة نكون قد عصينا خالقنا الذي قال في محكم تنزيله: “ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم “ . وقال تعالى: “ فاستقم كما أمرت “ وقال سبحانه: “ فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين “. وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال للناس: “ صلوا كما رأيتموني أصلي» فكيف صلى نبينا الكريم وهل كان قبض اليدين سنة نبوية أم عمرية؟ وأيهما أصح في هيئة الصلاة بكمالها: القبض أم الإرسال، وهل من أدلة من السنة مرفوعة إلى نبينا بهذا الشأن؟
حديث عبد الله بن مسعود
الحديث الثالث الذي يعتمد عليه أنصار قبض اليدين في الصلاة حديث عبدالله بن مسعود الذي أخرجه النسائي وأبو داوود وابن ماجه في سننهم كما أخرجه الدار قطني من طريق أحمد بن شعيب.
والحديث بلفظ أبي داوود “حدثنا محمد بن بكار بن الريان عن هشيم بن بشير عن الحجاج بن أبي زينب عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى“.
ولعل هذا الحديث من أغرب الأحاديث التي رويت بالسند إلى الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود الذي أسلم قبل هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله ويعرفه القاصي والداني بأنه أول من جهر بقراءة القرآن، متحدياً سائر كفار قريش ولاقى ما لاقى منهم متمسكاً بدينه ومنافحا عن نبيه.
ومع ذلك فإن الحديث يقرر أن ابن مسعود كان يجهل هيئة قبض اليدين إن فرضنا أن نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عمل بها قبل الهجرة في كل يوم خمس مرات.
ويقرر الحديث أن ابن مسعود لم يعرف هيئة القبض ويقول: إن رسول الله هو من رآه يصلي بهيئة غير صحيحة وصححها له بأن وضع يمناه على يسراه وهذا لا يصح في صحابي مثل ابن مسعود إذا عرفنا أن نبينا الكريم كان يعلم أصحابه القرآن والصلاة وكل ما يتعلق بأمور دينهم فكيف جهل ابن مسعود هيئة الصلاة؟.
وفي السند فإن محمد بن بكار مجهول كما قال الذهبي ثم إن أكثر روايات هذا الحديث جاءت من طريق الحجاج بن أبي زينب الذي قال عنه النسائي إنه ليس بالقوي وقال الدار قطني ليس بحافظ وقال أحمد “ أخشى أن يكون ضعيفا” كما جاء في الميزان أن هشيم بن بشير كثير التدليس .
كما أن في سنده أيضا عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي وهو ضعيف وقال عنه البخاري فيه نظر ومعلوم أن البخاري لا يقول ذلك إلا فيما كان ضعيفا.
أحاديث أخرى في القبض
هنا خلاصة لأحكام في أحاديث أخرى اعتمد عليها البعض ميلاً للباطل لإثبات سنية قبض اليدين في الصلاة لخصها العلامة محمد المحفوظ الشنقيطي في بحثه القيم “فتح ذي المنة برجحان السدل من السنة” وأبان فيها ما يعتور هذه الأحاديث من ضعف إن في السند أو في المتن وفقا للقواعد والشروط التي حددها رجال الحديث وهي نتائج بالغة الأهمية لكونها تسقط كلياً حجية هذه الأحاديث في إثبات أن قبض اليدين في الصلاة سنة .
الحديث الذي أخرجه الإمام مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري و هو أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة"عبدالكريم راوي الحديث متروك، وقال النسائي : لم يرو مالك عن ضعيف إلا ابن أبي المخارق فإنه منكر الحديث وقال ابن حجر في الجزء الأول من تهذيب التهذيب إنه ضعيف لا يحتج به .
الحديث الذي أخرجه البيهقي عن ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي عن الإمام علي أنه قال: "من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة" قال النووي في شرحه لمسلم عبد الرحمن الواسطي ضعيف باتفاق علماء الحديث، انظر إبرام النقض .
وقال محمود العيني إن إسناده للنبي صلى الله عليه وآله غير صحيح انظر كتاب القول الفصل للشيخ محمد عابد المكي وأيضا عبد الرحمن الواسطي ناقل له عن زياد بن زيد السوائي وهو مجهول نقل جهله "التقريب، الجزء الأول، ص 267 ".
و منها ما أخرجه أبو داود عن الحجاج بن أبي زينب قال : سمعت أبا عثمان يحدث عن عبد الله بن مسعود أنه قال : رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم وضعت شمالي على يميني فأخذ بشمالي فوضعها على يميني) و هذا الحديث ضعفه الشوكاني ومدار الحديث على الحجاج بن أبي زينب وليس له متابع والحجاج هذا قال ابن المديني إنه من الضعفاء وقال النسائي ليس بالقوي وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب إنه قد يخطئ ، وفي سنده أيضا عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ، و ذلك قال النووي إنه (ضعيف باتفاق، انظر: القول الفصل لابن عابد).
و منها حديث “إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل الإفطار و تأخير السحور ، و أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة “ نقل صاحب كتاب إبرام النقض عن البيهقي أنه تفرد به عبد الحميد المعروف بطلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس، وطلحة هذا قال ابن حجر في تهذيب التهذيب إنه متروك الحديث و نقل عن يحي بن معين والبخاري أنه ليس بشيء "انظر إبرام النقض ".
ومنها ما أخرجه البيهقي في قوله سبحانه: (فصل لربك و انحر) من أنه روي عن روح بن المسيب عن عمر بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال “ وضع اليمنى على الشمال في الصلاة “ و روح هذا قال فيه ابن حبان إنه يروي الموضوعات ولا تحل الرواية عنه وراويه الثاني عمرو بن مالك قال فيه ابن حجر تهذيب التهذيب إنه له أوهام و نقل في إبرام النقض عن ابن عدي أنه منكر الحديث و أنه يسرق الحديث و ضعفه أيضا أبو يعلى الموصلي فهذا الحديث في غاية الضعف "انظر إبرام النقض ".
ومما يحتجون به للقبض أيضا ما أخرجه البيهقي من رواية يحي بن أبي طالب عن ابن الزبير أنه قال “أمرني عطاء أن أسأل سعيد بن جبير أين تكون اليدان في الصلاة ، فقال له : فوق السرة، قال البيهقي: هذا أصح أثر روي في هذا الباب ، قال ابن ما يابا وهذا عجيب فيحيى بن أبي طالب – راوي الأثر – قال موسى بن هارون إنه يشهد على كذبه في آلامه ونقل عن أبي داود أنه خط على جميع ما كان مسجلا عنده من روايته ، فبان ضعفه "انظر القول الفصل للمكي، ص 7".
ومن أدلتهم ما رواه البيهقي أيضا من رواية شجاع بن مخلد عن هشيم عن محمد بن أبان عن عائشة أنها قالت : ثلاث من النبوة ، تعجيل الإفطار و تأخير السحور ، و وضع اليد اليمنى على اليسرى. ومحمد بن أبان نقل الذهبي في الميزان عن البخاري أنه قال: إنه لا يعرف له سماع من عائشة و شجاع بن مخلد الذي نقل عنه البيهقي الحديث، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: إن العقيلي ذكره في الضعفاء وبهذا تحقق ضعفه .
ومن أدلتهم ما رواه الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الحجاج بن أبي زينب عن أبي سفيان عن جابر قال : مر صلى الله عليه و سلم على رجل يصلي واضع شماله على يمينه فأخذ بيمينه فوضعها على شماله) و هذا الحديث في سنده عبد الرحمن بن إسحاق و قد تقدم خبره فقد قال عنه النووي في شرحه لمسلم إنه ضعيف باتفاق و في سند هذا الحديث أيضا الحجاج بن أبي زينب و ذلك قد تقدم خبر ضعفه ، فقد قال فيه ابن المديني إنه من الضعفاء و قال النسائي إنه ليس من الأقوياء و قال ابن حجر في تهذيب التهذيب إنه يخطئ في سنده كذلك أبو سفيان و هو طلحة بن نافع الواسطي وقد قال المديني إن علماء الحديث كانوا يضعفونه وسئل عنه ابن معين فقال إنه الا شيء ، "انظر إبرام النقض وتقريب التهذيب الجزء الأول".
ومنها حديث هُلب الطائي الذي أخرجه الدار قطني عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هٌلب عن أبيه أنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وآله يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه" و سماك بن حرب الذي في السند قال فيه أحمد بن حنبل إنه مضطرب الحديث و ضعفه شعبة و سفيان و قال النسائي إنه إذا انفرد بأصل لم يكن حجة ويقول الشيخ عابد إنه انفرد بهذا الحديث ، و فيه أيضا قبيصة بن هُلب ، وقد قال في التهذيب إنه مجهول وقال الترمذي في هذا الحديث إنه منقطع. "انظر كتاب القول الفصل".
انتهى كلام صاحب كتاب “فتح ذي المنة برجحان السدل من السنة” إلى هنا وبنبغي الإشارة إلى أن الملخص الذي أورده ركز على الأحاديث الشهيرة في هذا الباب وهناك أحاديث أخرى تحدثت كذلك عن سنية القبض في الصلاة لكن أكثرها أحاديث ضعيفة أو موضوعة لا يعتد بها ولا تستحق الذكر أو التمحيص.
مشروعية إرسال اليدين
لعل أهم الأحاديث التي اعتمد عليها في إثبات مشروعية إرسال اليدين في الصلاة الذي رواه محمد بن يحيى بسنده إلى أبي حُميد الساعدي في حضور عشرة من الصحابة وبينهم سهل بن سعد رواي حديث “ كان الناس يؤمرون “ وفي هذا الحديث شرح فيه كيفية صلاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وعمده جل الصحابة الحاضرين .
أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم في الصحيحين وأحمد في مسنده وأبن حبان في مسنده ، والترمذي وابن ماجة في سننهما والبيهقي في السنن الصغرى والبغوي في شرح السنة من طريق محمد بن عمرو عن أبي حُميد الساعدي .
والحديث بلفظ البخاري “حدثنا يحيى بن بكر قال: حدثنا الليث عن خالد عن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء وحدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء : أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه و سلم فقال أبو حميد الساعدي أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته”.
وحتى نتجنب الوقوع في فخ الغموض والحذف المعتمد لدى البخاري سنعرض الرواية التي أخرجها البيهقي في السنن الصغرى لأنها أكثر وضوحا وهي بلفظه “ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا أبو الحسن محمد بن سنان القزاز البصري ببغداد نا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر حدثني محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي فقال أبو حميد الساعدي: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا: لمَ ما كنت أكثرنا له تبعة ولا أقدمنا صحبة، قال: بلى قالوا: فاعرض علينا، قال: فقال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عضو منه في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر ويرفع حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يضع ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه حتى يعود كل عظم منه إلى موضعه معتدلاً ثم يقول الله اكبر ثم يهوي إلى الأرض ثم يرفع رأسه فيثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ثم يعود ثم يرجع فيقول الله اكبر ثم يثني برجله فيقعد عليها معتدلا حتى يرجع أو حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا ثم يصنع في الركعة الأخرى مثل ذلك ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما فعل أو كبر عند افتتاح الصلاة ثم صنع مثل ذلك في بقية صلاته حتى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر ، فقالوا جميعا :صدقت. إسناده صحيح وقال الترمذي حسن صحيح .
ثمة ملاحظات مهمة ينبغي طرحها على عجل في شأن هذا الحديث فهو مروي بشهادة عشرة من الصحابة ما يمنحه قوة ترجحه على غيره في سائر الفرائض والسنن والمندوبات التي ذكرها أبا حميد الساعدي في هذا الحديث والتي يلاحظ أنه لم تشمل ولو مجرد الإشارة قبض اليدين بعد تكبيرة الإحرام وهو ما شهد عليه الصحابة العشرة ولم ينكر عليه أحد منهم وهم بلا شك أكثر دراية بهيئة الصلاة التي صلاها نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وحجية هذا الحديث لا يمكن أن تقارن بحديث "كان الناس يؤمرون" ... لسهل بن سعد .
علينا أن نؤكد ونكرر أن علماء الحديث لم يسجلوا لهذا الحديث أي علة بل صنف على أنه حديث سالم حسن صحيح متنا وسندا كما أنه من أكثر الاحاديث التي رويت بإسناد ومتن صحيحين عن صفة الصلاة بكمالها .
سيقول قائل: إن هذا الحديث يتعارض مع حديث سهل بن سعد “ كان الناس يؤمرون “ فأيهما نصدق؟ لكن قاعدة في علم الأصول اعتمدها أكثر علماء الحديث ومنهم الإمام الشوكاني قد تحسم الجدل نهائيا وهي تقول باختصار إن الحديث الموقوف لا يعارض المرفوع بمعنى أنه إذ ثبت المرفوع سقطت حجية الموقوف وحديث وائل بن حجر موقوف وحديث أبي حميد الساعدي مرفوع وقضي الأمر .
من المهم الإشارة إلى أن هذا الحديث ورد في سنن أبي داوود بصيغة مشابهة للتي أوردها البيهقي وأخرجه أبو داوود من طريق أحمد بن حنبل قال: "اجتمع أبو حميد مع نحو عشرة من الصحابة من بينهم سهل بن سعد، فذكروا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ولمَ، فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعاً ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فاعرض، قال: كان إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلاً ثم يقرأ ثم يكبر فيركع .... ولما فرغ قالوا له صدقت”.
ولأبي حميد رواية أخرى في نعت كيفية صلاته صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل ترك فيها اليدين حتى استقرتا في موضعهما، وهذه الرواية الفعلية التي ذكرها الطحاوي وابن حبان .
على أن حجية هذا الحديث كافية لإثبات أن إرسال اليدين سنة نبوية ثابتة ومؤكدة لا تقبل النقاش ولا الاجتهادات التي تجانب الحقيقية فإن المصادر الدينية لاتخل من أدلة أخرى كثيرة.
من ذلك حديث الطبراني في الكبير ولفظه “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبال أذنيه فإذا كبر أرسلها) وهذا الحديث يوافق المعنى الذي جاء في حديث أبي حُميد الساعدي.
حديث المسيء صلاته
من الأحاديث البالغة الدلالة على أن إرسال اليدين في الصلاة سنة نبوية ثابتة حديث المسيء صلاته الذي أخرجه الحاكم في المستدرك، الشافعي في الأم ، أبو داوود ، النسائي ، الترمذي ، ابن ماجة والدارمي ، احمد ، أبن خزيمه ، ابن حبان ، عبد الرزاق ، الطحاوي ، البيهقي وابن حزم ، البغوي في شرح السنة من طرق عن علي بن يحيى بن خلاد بن رفاعة بن رافع ، عن أبيه ، عن جده رفاعة .
والحديث بلفظ البخاري في باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة “حدثنا مسدد قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبيد الله، قال حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثاً فقال والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره فعلمني قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم افعل ذلك في صلاتك كلها“.
وبلفظ النسائي “ أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ أبو يحيى بمكة وهو بصري قال حدثنا أبي قال حدثنا همام قال حدثنا إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة أن علي بن يحيى بن خلاد بن مالك بن رافع بن مالك حدثه عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ونحن حوله إذ دخل رجل فأتى القبلة فصلى فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك: اذهب فصل فإنك لم تصل فذهب فصلى فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمق صلاته ولا يدري ما يعيب منها فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك اذهب فصل فإنك لم تصل فأعادها مرتين أو ثلاثا فقال الرجل يا رسول الله: ما عبت من صلاتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله عز وجل ويحمده ويمجده قال همام وسمعته يقول ويحمد الله ويمجده ويكبره قال فكلاهما قد سمعته يقول قال ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله وأذن له فيه ثم يكبر ويركع حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ثم يقول سمع الله لمن حمده ثم يستوي قائما حتى يقيم صلبه ثم يكبر ويسجد حتى يمكن وجهه وقد سمعته يقول جبهته ‏حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ويكبر فيرفع حتى يستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه ويسترخي فإذا لم يفعل هكذا لم تتم صلاته ”.. والحديث إسناده صحيح وقال الترمذي حديث حسن وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ولعل اتفاق الروايات حول هذا الحديث تكسبه قوة وحجية لا تقارن بسواه .. والجزئية الأهم في هذا الحديث أن نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ذكر فروض الصلاة ومندوباتها ولم يذكر فيها قبض اليدين في الصلاة.
قال ابن القصار وغيره إن هذا من أوضح الأدلة على عدم طلب القبض في الصلاة.
وقال ابن رشد في الجزء الأول من كتابه "بداية المجتهد ص 117": جاءت آثار ثابتة نقلت صفة صلاته عليه الصلاة والسلام ولم ينقل فيها أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى وهذه الآثار أكثر من الآثار التي تضمنت أنه صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك.
... يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.