عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن طريق الخروج من الظلمات
نشر في الجمهورية يوم 27 - 08 - 2012

سنحاول ان نوضح العلاقة بين السياسة و الدين كما بينه القرآن. لقد ورد في القرآن ما يشير الى السياسة في عدد من الايات و قد ستخدم من اجل ذلك لفظ الملك. و ما من شك ان الملك كان و لا يزال رمزا للسياسة حتى في ايامنا هذه.
و اذا ما تتبعنا مدلولات هذا اللفظ من الناحية السياسة فسنجد ان هناك في القرآن ثلاث دلالات. اي الحياد و الاشادة و التحذير. ففي الآيات التالية فلفظ الملك يعني السياسة و ان الآية لا تنتقد ذلك و لا تشيد به مع انه قد ورد ذلك في اطار الحديث عن ملك سليمان الذي يعتبر في القرآن ملكا و نبيا من انبياء الله. واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من احد الا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الاخرة من خلاق ولبئس ما شروا به انفسهم لو كانوا يعلمون.
رغم ان القرآن قد برأ البني سليمان من الكفر الا انه لم يعمل سليمان كملك على منع هذه الممارسات و ان كان قد عمل على تحذير الناس منها. و لا شك ان لذلك دلالة قوية و هو ان الملك لا يستطيع ان يفرض رأيه على الناس و ان كان عليه ان يحذر الناس من ذلك و هذا ما فعله نبي الله سليمان. و لا شك ان ذلك يوضح الفرق بين وظيفة النبي و وظيفة الملك حتى لو اجتمعت كلاهما في شخص واحد كما حدث في حالة سليمان عليه السلام.
«واذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت احدا من العالمين». «وقال الملك اني ارى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات يا ايها الملأ افتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون». أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت ان أعيبها وكان وراءهم ملك ياخذ كل سفينة غصبا».
في الايات التالية يستخدم القرآن لفظ الملك بالمعنى السياسي و لكنه يشيد به. وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252).
تبين الآيات سلفة الذكر الحكمة من الملك للقيام بالوظائف السياسية. و مما يثير الانتباه ان الله لم يكلف هذا النبي بالقيام بالوظائف السياسية الى جانب وظائف النبوة. وقد وضح ذلك ان القيام بالوظائف السياسية في هذه الحالة تتطلب قوة الجسم و العلم و لعل ان هذه الصفات لم تتوفر في الملك. و لا شك انه يمكن القول بان وظائف السياسة تختلف عن وظائف النبوة و بالتالي فان الخصائص المطلوبة لكل منهما قد لا تتوفر في شخص واحد مما يوجد الفصل بينهما.
«رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين
في الآيات التالية تبين ان الملك قد لا يكون محايدا و لا مفيدا بل انه في حقيقة الامر قد يكون مدمرا و ضارا. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258). فقد استخدم الملك في هذه الآية لتبرير التأله و التكبر و التجبر. و من ثم فان القوة السياسة قد استخدمت ضد الذين يرفضون هذا الادعاء و ان لم يكونوا يرفضون سلطتهم السياسية. و هكذا يتم الخلط بين الوظائف السياسة و الوظائف الدينية فيتم مصادرة حقوق الناس السياسة و الدينة و ربما الاجتماعية و الاقتصادية. و لا شك ان ذلك هو قمة الطاغوت. و هذا ما حدث في حال فرعون.
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54).
و مع ان القرآن قد وضح الاسباب التي يمكن اعتبار الملك او السياسة محايدة و ذلك اذا كان نفعاها يتساوى مع ضررها. و الحالات التي تكون مرغوبة و التي تكون فيها فوائدها اكبر من ضررها. و الحالات التي تكون سياسة مضرة و ينبغي اصلاحها و ذلك عندما لا يكون لها اي فوائد و بالتالي فانها كلها مضار او على الاقل ان ضررها اكبر من نفعها. و من خلال الآيات السابقة فإن المدخل للتفرقة بين هذه الحالة هو العلاقة بين السياسة و الدين .
على الرغم من الجدل الكبير حول الدين و طبيعته منذ ان خلق الله الانسان و حتى اليوم فانه يمكن الاشارة الى بعض الحقائق المستخلصة من هذا الجدل و ذلك على النحو التالي. الحقيقة الاولى ان الظاهرة الدينية هي ظاهرة انسانية بامتياز لانها تخص الانسان و لا تخص المخلوقات الاخرى. الحقيقة الثانية ان تاريخ الظاهرة الانسانية هو تاريخ الانسان اي ان الظاهرة الدينة ربما سبقت كل من الظواهر الاجتماعية و الظواهر الاقتصادية. الحقيقة الثالثة تكمن في فشل محاولات القضاء على الظاهرة الدينية او الانتقاص منها. الحقيقة الرابعة انه من المتوقع ان تستمر الظاهرة الدينية حتى يرث الله الارض ما عليها.
و على الرغم من هذه الحقائق فإن الظاهرة الدينة قد تطورت مع تطور الانسان و قد اخذت مضامين و اشكال و صورة متعددة. و يمكن ان نشير هنا الى تطورين اساسين للظاهرة الدينة و هما التوحيد و الشرك. فما من امة او جماعة او فرد الا قد اتخذ اما إلها واحدا او عدداً من الالة. فحتى أولئك الذين يدعون أنهم لا دين لهم فانهم قد اتخذوا اما الها معيناً او عدداً من الآلهة.
و في هذا الاطار فانه لا بد من التميز في اطار دراسة الظاهرة الدينية بين الاله او إلهة من جانب و بين الدين او الاديان من جانب اخر. فالله او الالهة هو الركن الضروري للدين و لكنه ليس الركن الكافي. و بلغة اخرى فان الايمان بالإله لا يحتم الايمان بدين من الاديان و لكن الايمان بأي دين من الاديان يحتم ضرورة وجود إله او إلهة فيه. و بدون ذلك يتحول الدين اما الى ظاهرة اجتماعية و اما الى ظاهرة اقتصادية و اما الى ظاهرة ثقافية و اما الى خليط من هذه الظواهر.
الإله ضروري لانه لا يمكن ان يفهم الانسان من اين أتى و لا الى أين يذهب. فالله تعالى يقول «ما اشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم». و بالتالي فانه يستحيل حتى على العلم مهما بلغ من التطور من فك لغز الخلق. فالعلم يدرس العالم كما هو و بالتالي فإنه لا علاقة له بما كان موجودا قبل وجود العالم. و كذلك فان العلم لم يستطع حتى الان ان يحل لغز تطور العالم و العلاقة بين عناصره و بالتالي فانه يستحيل عليه ان يساعد الانسان في فهم من أين أتى أو الى أين سيذهب؟
لقد استغل المنتمون بالظاهرة الدينية اهتمام الانسان بالحصول على اجوبة لمثل هذه الاسئلة فحاولوا ان يجيب عليها. و من الغريب في الامر ان التاريخ قد سجل عددا لا حصر لها من الاجابات لمثل هذه الاسئلة. ان ما يميز هذه الاجابات انها كلها قد اتفقت على ضرورة وجود خالق لهذا الكون. و لكنهم اختلفوا في تسمية هذا الخالق و بالتالي فيما يمارسه الخالق في هذا الكون.
هناك عدد كبير ممن اعتبروا خالقين لهذا الكون اما بصفة منفردة او بصورة مشتركه. فاعتبار ان خالق الكون واحد قد مثل اساس ما اطلق عليها بالأديان التوحيدية وتعدد الخالقين قد مثل اساساً للأديان الشركية. و على الرغم من العلم الحديث يؤيد فكرة الخالق الواحد لهذا الكون اي فكرة الاديان التوحيدية الا ان ذلك لم يحل المشكلة في هذا الاطار. فقد ادعى العديد ان خالق هذا الكون خالق واحد و لكنهم أخطأوا في تسميته. فالبعض قد اعتبر الشمس خالقا او البعض قد اعتبر القمر خالقا و البعض قد اعتبر بعض النجوم خالقا و هكذا. وبتأمل كل ذلك فسيدرك الامر خطأ هذا الاعتقاد لان هذه الآلهة هي مخلوقة و بالتالي يستحيل ان تكون خالقا لغيرها.
و قد قبل بهذه الحجة حتى من كانوا يعتقدون ان هذه الاشياء خالقة لغيرها. و لكن بدلا من الاعتراف بالخالق الحقيقي فانهم حاولوا ان يحلوا هذا الاشكال من خلال الاعتقاد بان هناك عدد من الخالقين بدلا من الخالق الواحد. و لا شك ان هذا الاعتقاد اغبى من الاعتقاد السابق. اذ انه كيف يعقل ان يكون مجموعة من الخالقين خالقين بدلا من الخالق الواحد. صحيح ان قوة العدد اكبر من قوة مكوناته لكن فان العدد يواجه مشكل التنسيق و التخطيط و الاتفاق.
و على هذا الاساس ان توحيد الخالق لم يحل المشكلة و كذلك فإن تعدد الخالقين قد جعل الامر اكثر تعقيدا. و نتيجة لذلك فإن غالبية الاديان قد اخطئت في تحديد الخالق و بالتالي فإنها قد اخطأت في تصوراتها الدينية المترتبة على ذلك سواء فيما يخص تفسير ما قبل الكون و تفسير ما بعد نهاية الكون. و مع ذلك فقد ركزت على العلاقات التي يجب ان تسود في الكون اي في الحياة.
و من المهمة ان تركيزها على ذلك قد مكنها من تسويق نفسها. و يرجع ذلك الى ان الله قد ترك هذه الامور الى الانسان نفسه من خلال بحثه للقوانين التي تحكم الطبيعة و للقوانين الى تحكم بعض تصرفات الانسان. لقد استغل المتأهلون ذلك من خلال ادعائهم انهم وحدهم الذي يفهمون هذه القوانين من دون الناس. و بما ان هذه القوانين موجودة و بالتالي فإن تطبيقها له نتيجة فقد أوهم هؤلاء المدعون ان هذه القوانين لا تطيع سواهم و بالتالي فانهم اما آلهة او ممثلين عن الالهة. و قد ضللوا بذلك انفسهم و غيرهم.
لكن مع تقدم العلوم فقد اكتشف الانسان بطلان هذه المعتقدات فالطبيعة و الانسان يستجيبان لهذه القوانين بغض النظر عمن يطبقها و بالتالي فإن يطبقها ليس الها لأن كل انسان اخرى يستطيع ان يعمل ذلك. و في هذه الحالة فان كل انسان يصبح الها اي خالقا لنفسه. و من ثم فان لا معنى للتأله الذي كان يهدف في الاساس الى تاله بعض البشر على بعضهم البعض من اجل الحصول على مكاسب مادية و معنوية.
و مما يثير الانتباه في تطور الاديان السماوية التوحيدية انها كانت تبدأ توحيدية و تنتهي شركيه. ولعل من الامثلة البارزة على ذلك اليهودية و المسيحية. فكتبها تحتوي على نصوص تعترف بأن خالق الكون هو الله و هو واحد لا شريك له و لكن في نفس الوقت فانها تتضمن نصوصا تعطي لبعض خلقه سلطة مساوية لله و بالتالي تبرر الشركة من خلال التوحيد. و على الرغم من هذا التناقض الا انه لأسف الشديد فقد تم الباس الحق بالباطل فبرر الشركة بحجة التوحيد.
و لقد ترتب على ذلك حدوث تشوه كبير سواء من ناحية الايمان بالله او من خلال التعاليم التي ادعيت ان مصدرها الله. و قد انطبق على هذه الاديان خصائص الاديان الشركية حتى ان ادعي غير ذلك.
فقط الدين الاسلامي هو الدين الوحيد الذي حافظ على الفصل بين الله و غيره و بالتالي لم يتسرب اليه الشرك حتى اليوم لأن الله قد حفظ القرآن من التحريف.
الدين هو المنظمات و الاشخاص و النصوص والممارسات التي تتناول الجانب الروحي او الجانب الاخلاقي من الحياة البشرية.
ذكرنا ان هناك تشابهاً بين المؤسسات السياسية والمؤسسات الدينية و في نفس الوقت فان هناك اختلاف. وفي مناقشتنا للظاهرة الدينية فإننا اوضحنا انها متعددة و انها كل تقوم على اساس وجود إله او آلهة و كذلك على تنوع وجهات هؤلاء حول ما يخص الاجابة عن الاسئلة الانسانية الاساسية و هي من اين اتى الانسان و كيف ستكون حياته و ماذا سيحدث له بعد موته.
اذن فالدين هو الطريقة التي يتم الاجابة بها على هذه الاسئلة من خلال نصوص مقدسة اي فوق انسانية و المؤسسات التي تتولى شرح الاجابات. و من الواضح ان هناك تداخلا بين الجانب الميتافيزيقي والجوانب الاخلاقية والقانونية والسياسية. و نتيجة لذلك فان هناك تداخلا بين الدين بهذا المعنى والسياسة و الاقتصادي والإجتماع والثقافة. لكنه يمكن القول بان التداخل بين الدين و السياسة اكبر بكثير من التداخل بينه و بين الموضوعات الاخرى.
ولمناقشة ذلك فانه لا بد من استعراض اهم مراحل تطور الظاهرة الدينية. و لقد اندهشت كثيرا انني وجدت القرآن الكريم قد تضمن ذلك بطريقة عجزت عن القيام بها افضل و اعرق و اكبر المجامع التاريخية هناك عن قدر مؤرخ بمفرده عن القيام بذلك.
فالقرآن من حيث المبدأ يقر بأهمية الدين في الحياة البشرية لانه يقوم بوظائف رئيسية في هذه الحياة الدينا و في الحياة الآخرة. لكنه في نفس الوقت فرق بوضوح و بقوة بين الدين الحق و الاديان الاخرى. ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين. يسالونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله والفتنة اكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون».
الدين الحق هو الاسلام. و الاسلام وفقا للقران دين قديم و ليس دينا حديثا لكنه كان يتم تصحيح انحرافه من وقت الى اخر. و كان التصحيح الاخير في رسالة محمد صلى الله عليه و سلم. فالقرآن الذي انزله الله عليه ليبلغ و ينذر به العالمين و كان اخر الكتب. «ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فان الله سريع الحساب».
ان اهم ما يميز الدين الحق انه يدعو الناس الى الايمان بالله تعالى باعتباره هو الخالق و المدبر. فلا خالق غيره و لا مدبر لهذا الكون غيره. و رغم ان المؤشرات الكثير و العديد الموجودة في الانسان و في الطبيعة فان الله قد اكد ذلك من خلال رسله و كتبه. و كذلك فانه لا حد غير الله قائم بنفسه فمن ادعي او ادعيت له الألوهية يقر و يقر غيره و يشهد كل ما حوله انه يحتاج الى غيره ناهيك عن قدرته على القيام باحتياجات غيره كاملة.
و مع كل هذه الادلة فإن القرآن و التاريخ يشهد ان بعض البشر قد نجح في تضليل نفسه و غيره بانه اله لأنه يتميز بميزات لا توجد عند عامة البشر و ان كانت موجودة مع عدد قليل من البشر غيره. فاستخدم ذلك ليدعي انه يعرف من اين اتى الانسان و كيف ستكون حياته و ماذا سيحدث له بعد الموت. و على الرغم من ان ادعاءاته هذه كاذبة لان الواقع يختلف كثيرا عما يقوله لكنه عن طريق القوة المادية و المالية التي اكتسبها من تضليل الناس قد اجبرهم على القبول بهذه الادعاءات و لو ظاهريا.
ذلك بانهم قالوا لن تمسنا النار الا اياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون. «ولا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم قل ان الهدى هدى الله ان يؤتى احد مثل ما اوتيتم او يحاجوكم عند ربكم قل ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. أفغير دين الله يبغون وله اسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون».
فما يميز الاديان الباطلة انها تعتبر وأقوالها واقوال بعض النافذين فيها كأقوال الله. و في نفس الوقت فانه يعترفون بانهم مخلوقون من خلق الله. و الاكثر استغرابا انهم يعطون انفسهم هذا الحق و لا يعطينهم غيرهم حتى أولئك الذي يدينون لله و ليس لأنفسهم ولا لغيرهم. «من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو انهم قالوا سمعنا واطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم واقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا. «يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته آلقاها الى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم انما الله اله واحد سبحانه ان يكون له ولد له ما في السماوات وما في الارض وكفى بالله وكيلا. قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل.
بل ان بعض الامم قد صادرت حق الله في تحديد اختصاصاته فعلى الرغم من اعترافها بوجوده و بأنه الخالق بأنه المميت و بأنه الرازق فانه بزعمهم لا يحق له ان يقول بانه سيبعثهم بعد موتهم و انهم سيحاسبهم فيدخل المحسن الجنة و المسيء النار. و الاكثر استغرابا انهم قد تجرؤوا و حددوا له ماذا يعمل و من هو شريك لها. فالنصر و علم الغيب ليست من اختصاص الله و انما من اختصاص شركائه بزعمهم. و مقابل ذلك فقد خصصوا لشركائهم جزءا مما رزقهم الله و فرضوا على انفسهم ان ينفذوا تعاليم هؤلاء الشركاء رغم ان هذه التعاليم لم يضعها الله و انما وضعها بعض المتنفذين منهم و ان تطبيق هذه التعاليم لا فائدة منها بل هي الشر و الضرر المبين نفسه مثل قتل الاولاد و تحريم الطيبات و تبرر اكل اموال الناس بالباطل.
والاكثر استغرابا انهم سمحوا لمن اعطوهم القداسة كآلهة مزعومة او كشركاء مزعومين لله ان يمارسوا وان يأمروا بكل ما ارادوا أو رغب من الاثم و الظلم و الطغيان والكذب و التضليل. وفي نفس الوقت فانهم لم يكونوا ليقبلوا مثل ذلك ممن يتبعون الهة غير آلهتهم. فهذه الازدواجية المقيتة قد دفعتهم لقتل بعضهم بعضا من اجل اجبار بعضهم بعضا للقيام و الامتناع عن امور لا يقبلون بها او يمارسونها جميعا.
«وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به ان تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها اولئك الذين ابسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون. «وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون.« ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء انما امرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم وأباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون.
هكذا نرى أن التاثير السياسي على الاديان المحرفة و الاديان المفتراة اكبر بكثير من تأثير الدين على السياسة. فهذه الاديان قد حرفت او ابتدعت بهدف تبرير الظلم و الاكراه و قتل الانفس و اخذ الاموال وانتهاك الاعراض. و ذلك فان الدين و السياسة في الامم والمجتمعات كانت وجهين لعملة واحد فالملك هو الاله و الاله هو الملك السياسي. و من المثير للانتباه ان الدين الاسلامي كما فصله و ووضحه القرآن يختلف تلك الاديان اختلافا جذريا.
لقد شرح القرآن طريقة ظهور و تتطور الظاهرة الدينية بطريقة فاقت كل ما تضمنته الفلسفة من حيث الدقة و الشمول. فالآية التالية تلخص كل ذلك على نحو معجز. «كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فأخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون».
عندما كان الناس امة واحدة متفقة ما كان هناك للدين. و يجب هناك ان نستعيد التفرقة بين الإله و الدين. فالإله ضروري و لا يمكن الاستغناء عنه لكن الدين وفقا لهذه الآية يمكن الاستغناء عنها و ذلك في حال الاتفاق بين الناس على ما ينفعهم و ما يضرهم و بالتالي لا يظلمون و لا يظلمون. فالله عندما امر آدم بالهبوط لم يعطه دينا و انما وعد بذلك في حال حدوث ما يستدعي ذلك و بالتالي فانه اوصاه ان من يتبع هد الله اي فانه لن يضل و لن يشقى. اذن فوظيفة الدين هي مواجهة الضلال الذي يؤدي الى شقاء الانسانية. «ولكل امة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام فالهكم اله واحد فله اسلموا وبشر المخبتين». لكل امة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الامر وادع الى ربك انك لعلى هدى مستقيم».
و فعلا فإن الله وفى بعهده هذا وفقا لما تضمنته الآية سالفة الذكر. فعندما اختلف الناس و بالتالي لم يستطيعوا ان يتفقوا بسبب تعنت بعضهم و رغبتهم بالبغي على بعضهم البعض متجاهلين العقل و المنطق بعث الله النبيين و المرسلين و انزل معهم الكتب لمنع الظلم. وعلى الرغم من ذلك فان بعض البشر اصروا على تجاهل الدين الحق و من اجل مواجهته اخترعوا لهم اديانا تتناسبا مع اهوائهم و تبرر ظلمهم لغيرهم.
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (30) يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (34) يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36).
و على الرغم من ذلك فان الصراع ظل مستمرا طوال تاريخ البشرية بين الدين الحق و الاديان الباطلة. «كذبت قبلهم قوم نوح والاحزاب من بعدهم وهمت كل امة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب. «ولو شاء الله لجعلهم امة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير. «بل قالوا انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مهتدون.
و قد شاءت حكمة الله ان يثبت الدين الحق و الى الابد و ان كان قد سمح بتعدد الايان الباطلة. وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون. انا ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وان من امة الا خلا فيها نذير. شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16). قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19).
اذن الدين الحق هو الدين الذي يتضمن الحكم الفصل العادل لما اختلف عليه الناس. اما الموضوعات المتفق عليها لا يتعرض لها. اما الدين الباطل و المفترى فانه يدس انفه في شيء سواء اختلف الناس عليه ام لم يختلف بهدف ممارسة الطاغوت. «وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم. وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل امة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون. وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) . إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91).
الدين الحق هو الذي يتضمن العدل و الخير والاحسان. انه عادل مع اتباعه و مع مخالفيه. لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم. ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فان الله سريع الحساب. اما الأديان الأخرى فظالمة لاتباعها و لغيرهم.
الدين الحق شامل لكل ما يحتاجه الانسان و ليس غير ذلك. اما الأديان الباطلة فما تحتويه من بعض المفيد فانه مؤخذ من دين الله بهدف ان تلبس باطلها بهذا الحق. ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وان الظالمين لهم عذاب أليم».
و لعل ما يميز الدين الحق ضبط السياسيين من خلال ضبط الدين نفسه. فبما ان الدين ضروري فهو مقدم على السياسي فانه لا يحق له التدخل بالدين الحق او الحلول محله و بالتالي فان الدين الاسلامي كما ورد في القرآن مهيمن على السياسية و ضابط لها و حامي الناس كل الناس من تعدى بعضهم بعضا باسم الدين او الوطن او العدل او غير ذلك من التبريرات.
فمن المدهش ان القرآن قد ضبط السلطات السياسية و المؤسسات التابعة لها بشكل لم تقدر عليه كل الدساتير السياسية. و يمكن توضيح ذلك من خلال النقاطة التالية. النقطة الاولى تكمن في أن القرآن فيما يخص الحياة الدين قد اعتبر الدين اي دين بما في ذلك الدين الحق اختياري للأفراد و ليس للجماعات على الاطلاق. و لا شك ان ذلك له دلالة هامة. فاذا كان الدين و الذي هو اهم من السياسية أيا كان نوعها او حجمها او مبرراتها فانه من باب الاولى ان تكون المؤسسات السياسية.
و تتضاعف اهمية ذلك اذا ما عرفنا ان القرآن قد اعطى للدين و خصوصا الدين الحق وظائف اساسية في الحياة البشرية و لعل من اهمها تنوير الانسان عن حقيقة خلقه وعن حقيقة مستقبله بعد موته. و قد انفرد الدين الحق اي دين الله في ذلك. إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3). قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10).
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.