سلسلة مقالات وجدانية للكاتبة والخبيرة في التنمية البشرية المدربة الدولية عائشة الصلاحي عن مؤلفها النوعي الصادر حديثاً (فارس النور)، من إصدارات مجلة نجاح المتخصصة في التنمية البشرية والعلوم الإدارية. يظن الكثير أن أكبر معارك الإنسان تكمن في محاربة أعدائه من حوله، والانتصار عليهم، وإن المعركة المصيرية له هي تلك التي ينتزع فيها ما يريده من الحياة، يظن أن سعادته ستكون في امتلاكه.. قد يكون هذا معتقداً أكيداً للبعض لكن الحقيقة غير ذلك تماماً، ففي فضاء الحياة المترامي الأطراف الكل هائم في فلكه، الكل يسبح تحت تأثير الآخرين من حوله.. فهذا يجذبه وهذا يستعبده وهذا يستغله وهذا يغويه..و..و..و... لكن هذا الوضع المزري لا ينطبق أبداً على أولئك الذين انتصروا في معاركهم الكبرى.. (معركة الذات).. يوماً بعد يوم يفهم المرء أن معركته مع من حوله لا تساوي شيئاً أمام معركته مع نفسه وذاته. نسبة النجاح في المعركة الداخلية ضئيلة جداً وتحتاج إلى حشد كل طاقتك وتركيزك وجهودك.. تحتاج إلى الاستمرارية والشفافية الصادقة، وإرادة لا تعرف اللين. لاحظ الآن أحوال الناس من حولك.. بل حالك أنت أولاً.. كم مرة وجدت نفسك قد سئمت ومللت من المكان الذي تعيش أو تعمل!! أو تدرس فيه؟ هكذا دون سبب مقنع!!.. كم مرة اشمأزت نفسك من التعامل مع شيء أو شخص أو مكان؟؟ هكذا دونما مبرر قوي ووجيه!! كم مرة خارت قواك أو فقدت أعصابك أمام موقف بسيط أو رداً على فعل تافه لا يستحق؟ لاحظ منحنى إنجازات حياتك.. ياه إنه أشبه بسلسة جبلية تصعد حيناً وتنخفض أحياناً كثيرة.. لماذا؟ بالتأكيد لا تعرف أو أن الأسباب التي تسوقها غير أكيدة وغير مقنعة البتة. كنت تكتب جيداً في عدة مجالات من العلوم.. لم تعد كذلك، كنت تقرض الشعر فجأة تركته، لربما كانت القراءة أحب إليك من طعامك والآن ما عدت تجد مكاناً في جدول أعمالك.. وقد تعتذر بضيق الوقت وكثرة المشاغل والحقيقة أنك ما خصصت لها وقتاً محدداً كما فعلت لنومك وطعامك.. الكثيرون – ولعلك واحد منهم – سيصارحك أحدهم إنه كان في ما مضى لاعباً جيداً في هذه اللعبة أو تلك.. أو أن له هواية أحبها وبرع فيها ثم اندثرت.. أو أنه كان كذا وكذا ولكن عفا الزمن على كل ذلك ولم تبق إلا الذكريات والتحسرات. لماذا فقد الكثير بريقهم؟؟؟ ببساطة لأنهم ليسوا شهباً.. نعم فالشهب تتألق في السماء المترامية الأرجاء ولكن ليس كتألق النجوم أو الشموس الثابتة الجامدة بل لها تميزها الخاص، فهي تتألق بجمال متحرك ولافت للنظر.. رائع بخطه المضيء الخاطف.. الشهاب.. يعرف إلى أين اتجاهه والأفضل لكل من أمامه أن يبتعد لأنه سالك في طريقه بقوة هائلة.. الشهاب يملك هدفاً ويملك الدافعية الكاسحة للوصول إلى الهدف فلا تراه متعرجاً أو متردداً أو بطيئاً، إنه يملك دافعية الحرارة والجاذبية والتوهج والحركة الدائبة.. كل هذا يجعله من أروع ومن أجمل ما في الفضاء.. وهو لا يتوقف إلا حين يموت بالاصطدام المريع أو بالوصول إلى نهاية المطاف عند غايته.. أية غاية؟؟!.. تلك هي المعضلة!! تلك هي المعركة الأولى والأهم في حياتنا لا بد أن تكسب معركتك مع ذاتك لتكن شهاباً في فضاء الحياة، ليكن لك خط وأثر طويل من الانجازات البراقة.. ولتكن لك الدافعية المتوهجة التي لا يقف لها شيء، والأهم من كل هذا ليكن لك هدف واضح تُريق حياتك أنداء سعيدة على سفوحه. صدقني لا يمكنك أن تسعد بدون كسب هذه المعركة.. إلى أين تذهب؟ وكيف تريد أن تكون؟ ما هي خطواتك؟ ما هي وسائلك؟ من سيكون معك؟ ما هي معايير الوصول إلى ما تريد؟ هيا أجب.. لا تدع نفسك للظروف والأقدار.. لا تلتفت إلى الأعذار والإسقاطات الهدامة. إنك أحق من غيرك أن تكون شهاباً متألقاً فأنت الذي قررت في بداية المطاف (نجاح) أن تكون (أنت الجيد) مهما كان الملل أو الجمود الذي يلفك، وأنت من أدركت فيما بعد أن (فن الحياة) في اقتناص الممكن للوصول إلى اللاممكن.. ولقد عزمت أن لا تهزم ولا تهرب إلى زوايا العجز مهما أحاطك المستحيل فلا بد مما يمكننا عمله، والآن ها هي الخطوة العملية الأولى في طريقنا الأكيد للنجاح بإذن الله.. حدد هدفك واتجاهك وتخصص في حياتك.. قد تتعب في الإجابة على كل الأسئلة ولا بد أن تتعب فهذه حياتك وأغلى ما تملك فإنما هو عمر واحد فلا ترخصه بالتخبط والعشوائية، لا بأس ببعض الوقت المستنفذ في التخطيط الشاق لتكسب الكثير.. ولتصبح شهاباً رائعاً سعيداً. إن العملاق الذي في داخلك يريد الانطلاق وأحرفه تنقش في أعماقك تأكيد الرغبة.. فالعين (عش ذاتك كما أنت فلن تكون غير نفسك)، والميم (مبادرة جبارة لا تعرف التهيب والتردد)، اللام (لا تيأس فالحياة جائزة المثابرين)، والألف (الألف ميل بل الألف انجاز يبدأ بخطوة واثقة وعنيدة)، ولك في السلحفاة الرائعة عبرة، والقاف (قدِر وثمِن قدراتك ومواهبك فلا نجاح بدون ثقة بالنفس واحترام لما أودع الله فيها).. وتذكر دائماً أن الطرق مهما تعقدت وتشابكت لا بد أن توصل المسافر المثابر إلى ما يريد، فقط إن كان هو ذاته يعرف ما يريد بالضبط، وتأكد أن أفضل وقت للبدء هو الآن فلا تُسَوِف، فالمارون كثر والفوز في السباقات الكبيرة يحسب بجزء من الثانية التي كانت هي فارق السرعة وقوة الانطلاق في خط البداية.. احذر من مقبرة الأجرام السابحة في فضاء مظلم من التيه والضياع.. كن شهاباً الآن وانطلق.. · أنصح بقراءة كتاب (خطط لحياتك) للدكتور صلاح الراشد فهو في قمة الفائدة. [email protected]