يتزامن مرور عربة مصفحة تابعة للجنة الأمنية في تعز مع مرور سيارات لمسئولين حكوميين تكتظ بالمرافقين المسلحين المتأهبين لأي معركة!! يبدو المشهد مثيراً للاستغراب.. ويتساءل الناس: هل المصفحة العسكرية التي تمشط شوارع تعز في مشهد يومي منذ أواخر إبريل الفائت تقوم بعملها في مكافحة مظاهر التسلح غير الاعتيادية في تعز، وبالمقابل ضبط حالات العنف المتصاعدة والمخيفة؟! تسير العربات المصفحة تاركة خلفها أرتالا من مرافقي المسئولين المسلحين والبلاطجة والمطلوبين أمنياً ممن ضاقت بهم أسواق القات والخضروات والشوارع الرئيسية والخلفية ذرعاً. لا حديث يعلو في تعز أو يستأثر باهتمام الناس هنا، على حديث الانفلات الأمني والفوضى.. وكيف أن جهود المحافظ الجديد تصطدم بعقبة كبيرة.. هي الأمن! حادثة منتصف رمضان منتصف شهر رمضان توقفت سيارة “ حبة وربع” تحمل رقماً حكومياً، وبداخلها “4” مسلحين وسائق قال شهود عيان كانوا في موقع الحادثة إنها تابعة لمدير مديرية التعزية حميد علي عبده. أحد المرافقين ويدعى عمار علي عبده (ابن أخ مدير مديرية التعزية) كان واقفاً يهدد ويتوعد البائعين في محل “الطرمبا” الشهير الكائن في منطقة الجحملية. لم يكتف “عمار” بالتطاول على من سبقوه من الزبائن، لكنه أراد تجاوز الجميع وبالقوة التي استمدها من بندقية كانت بحوزته رغم ارتدائه للباس المدني، والحملة الأمنية تؤكد مراراً وتكراراً أنها لن تسمح لأي شخص بحمل السلاح مهما كان منصبه إلا بترخيص، وإذا كان عسكرياً فلا يجوز له حمل السلاح إلاّ عند أدائه لمهام معينة تستدعي أن يكون بلباس مدني وفي موقع آخر وليس أمام بائع حلويات اشتهر بالطيبة والأخلاق الحميدة حتى اليوم لم يسلم مدير مديرية التعزية ابن أخيه رغم أن الأمن قد رفع مذكرة إلى محافظ المحافظة يطلب منه إخضاع ذلك المسئول للنظام والقانون، لكن يبدو أن النظام والقانون مقتصر على البسطاء الذين تصل إليهم الحملة الأمنية سريعاً، بينما تغض الطرف عن محدثي الفوضى والعنف في تعز وهم غالباً من المسئولين. عمار وهو بحسب مدير قسم شرطة الجحملية جندي في إدارة أمن المحافظة كان يستعرض قوة بندقيته على عمال مساكين لم يحصل أبداً أن دخلوا في شجار مع أي شخص. كان عمار يعرف أنه قريب لمسئول نافذ؛ لذلك أطلق رصاص بندقيته على أحد العمال ثم فر هارباً بعد أن مكنه من ذلك بقية المسلحين الموجودين في سيارة مدير مديرية التعزية الذين سارعوا بحسب شهود العيان إلى إشهار بندقياتهم، ثم تقافزوا إلى السيارة فيما العامل مضرج بدمائه وبإصابات بالغة وغير مستوعب لماذا حدث كل هذا؟! ليس غريباً تصرف ابن أخ مدير مديرية التعزية فقد اعتاد الناس في هذه المدينة الحالمة على مثل هكذا تصرفات لكن الغريب أن يلتزم محافظ تعز الصمت!! من المخجل أن تمر أفعاله شائنة ومقلقة لأمن تعز وناسها دون عقاب وفي عهد محافظ هلل له البسطاء والمسحوقين قبل النافذين والمسئولين، وحملوه أمانيهم بالتغيير. لقد قال كثيرين منهم: شوقي هائل قدر تعز، ثم راحوا يحلمون بالأمن والاستقرار وذلك أضعف الإيمان. مازال عامل محل الطرمبا أسيرا داخل غرفة في المستشفى العسكري، يعاني من كسور في حوضه غير أن أكثر ما يثير أوجاعه تجاهل أجهزة الأمن والمسئولين في تعز لقضيته وكأنه ليس بشراً يضمن له قانون البلد ودستوره كافة الحقوق. حمادي.. طفولة صادرتها رصاصة في ال16 من شهر رمضان وعند السادسة مساءً، تبادل عنيف للأعيرة النارية بين أسرتين في حارة.. “سائلة القمط” منطقة “الجمهوري، راح ضحيتها الطفل محمد ماجد الشوافي. كان الطفل محمد الشوافي أو“حمادي” كما كان أصدقاؤه يحبون مناداته خارجاً في ذلك السبت الأسود إلى دكان الحارة، لكنه لم يعد إلى منزله أبداً، وفي حين كانت المنطقة كلها تعيش حالة خوف إثر ضجيج الرصاص الكثيف والمرعب كان “حمادي” يحاول الاختباء داخل أحد أزقة الحارة.. لكن عياراً طائشاً شق طريقه إلى جسد ذلك الصغير الذي لم يكن مدركاً سبب الخلاف بين جيرانه وجعلهم يواجهون بعضهم بالبندقيات. استقرت الرصاصة في الجانب العلوي الأيمن من جسد حمادي، ومحاولة إسعافه إلى المستشفى الجمهوري القريب جداً من موقع الحادثة لم تفلح.. فبحسب المحامي مختار الشوافي فقد رفض المستشفى استقبال حالة “حمادي” الحرجة دون سبب، ليسارع أهله بإسعافه إلى مستشفى الثورة، لكنه وصل وقد لفظ أنفاسه. يقول المحامي مختار الشوافي إن الأمن تمكن لاحقاً من القبض على بعض المتسببين بمقتل الطفل “حمادي” فيما بعضهم ما يزالون فارين من وجه العدالة. ويؤكد المحامي الشوافي أن إجراءات قضية مقتل حمادي قد وصلت إلى النيابة العامة ومازالت قيد التحقيقات سواء كان العيار الذي قتل “حمادي” طائشاً أم متعمداً، فقد رحل ذلك الطفل قبل أوانه.. والجميع شركاء في مقتله.. أولئك الجيران الذين تخيلوا البنادق والرصاص ستحل الإشكالية بينهم، كما وأن الأجهزة الأمنية تتحمل جزءاً كبيراً من المسئولية فإهمالها انتزع روح طفل بقي منه صورة تذكارية لتفاصيل وجه يشبه الملائكة، وعينين كانتا ترى الحياة بألوان زاهية. اشتباكات قاتلة أخبار الاشتباكات المسلحة اعتاد عليها ناس تعز رغم ما تسببه لهم من خوف، إلا أن التعايش مع الخوف أصبح ممكناً خاصة حين لا يعول الناس على الأجهزة الأمنية المعنية بفرض النظام والقانون. ظهر السبت الأول من سبتمبر شهدت منطقة كلابة بالقرب من مستشفى الحمد “الحياة سابقاً” اشتباكات مسلحة عنيفة مصدرها مسلحان قال شهود عيان إنهما استهدفا بشكل مباشر سيارة عبدالحميد عبدالواحد الصوفي وقاما بإطلاق عدة أعيرة نارية على جسده أثناء قيادته سيارته مما أدى إلى وفاته فوراً، لتعقب ذلك اشتباكات عنيفة بين المسلحين ومرافقي “الشيخ الصوفي” أدت إلى إصابة عدد من السيارات. مائة ريال تقتل الكمالي! في ال27 من شهر رمضان الفائت، أدى خلاف على مبلغ مائة ريال فقط إلى مقتل رزاز خالد ناجي الكمالي على أيدي مسلحين حاولوا إرغامه على دفع إتاوة مقابل “العرصة” في سوق القات. السبت الفائت تظاهر الآلاف من أبناء مديرية شرعب السلام أمام إدارة الأمن ثم أمام مبنى المحافظة مطالبين الأجهزة الأمنية بسرعة القبض على قاتل أحد أبنائهم.. تكررت التظاهرات المنددة بالقتل والمطالبة بتفعيل أداء الأجهزة الأمنية.. والمسألة تستدعي من محافظ تعز لملمة الجهود وتوحيدها في سبيل تحقيق أجواء آمنة؛ لأنه في ظل غياب أو تراخي الأجهزة الأمنية وعدم قيامها بواجباتها على أكمل وجه فإن أي حديث عن مشروعات تنموية أو استثمارية لا يعدو عن كونه مغامرة محفوفة بالمخاطر! لجنة أمنية “فشنج” مرعبة أصبحت تعز، المسلحون يملأون شوارعها وأحياءها.. أخبار القتل صارت اعتيادية، حتى الأعراس في هذه المدينة تحولت إلى مناسبات للضجيج الناري الذي يحمل الموت ويستمر حتى أوقات متأخرة من الليل. تختلط أصوات الأعيرة النارية التي يطلقها أصحاب “الأعراس” بتلك التي تتقصد عنوة إشاعة الخوف في قلوب الناس، كل ذلك واللجنة الأمنية خارج نطاق التغطية وهي التي قوبلت بارتياح شعبي واسع في أول شهر عملت فيها واستطاعت تحقيق نتائج جيدة، وحالياً يتساءل الناس: أين ذهبت اللجنة الأمنية الموقرة؟! في مواقع الحرب فقط يعتبر الموت استعداداً بطولياً، أما في أماكن أخرى فبالتأكيد أن لا أحد مستعد للتخلي عن الحياة. الحياة الآمنة المستقرة في اليمنوتعز على وجه الخصوص هي الرهان الأول.. والأخير.