هكذا سمعناه يردد ويقول عبر كلمات الشاعر المرحوم عبدالرحمن عبدالجليل (يا ركنتي عادك محب أركن؟) وهي عبارة عن تساؤل في بيت شعري مغناة بصوته وعبر أحبال حنجرته الصوتية، إلا أن تساؤله الغنائي الذي يفيد ويقول: هل يبقى ويستمر ويواصل الانتظار والركون على من ادعى إنه محبه وركنته هل هو المقصد الذي ينتظره اليوم فنان اليمن الكبير والمالك الأول للأغنية الوطنية والثورية في اليمن الفنان الذي يلهب حماس المشاعر ويحرك جمود القلوب الميتة وتهتز طرباً من حنجرته سكون الأشجار وصناديد الأحجار. الفنان الذي لصوته أجمع الفرقاء واجتمعت له ولأجله قلوبهم المتفرقة ليبقى حاضراً عند الجميع ولا داعي أن اسميه أو أقول لكم إنه فنان الشعب الأول (أيوب طارش نائف العبسي) كون الجميع سوف يعرفه من خلال الشرح.. ومفردات الطرح.. فهل ما قصده بالبيت الغنائي الموضح في بداية السطور هو التساؤل بالركون والانتظار لذلك المحب الغائب الذي حان اليوم طلب وصوله إليه لينتشله من محنته المرضية ويخفف عنه من مواجعه وآلأمه؟ ولماذا غبنا نحن عنه جميعاً ولم يقف أحدنا بجانبه وهو من يعطر صباحاتنا بنسيم الكلمات.. ويظلل نهارنا بغمام الذكريات.. وعند الغروب تأوي لهاجسه القمريات.. ومع النجوم يسامر ليلنا بالغناء والمحاكاة..مردداً (وأذكرك وأنت نائم ملء عينيك هناء).. **أيوب طارش الفنان اليمني الأصيل والمتأصل الذي قال: لم أترك وطني قط أو أرحل عنه خارج أسواره بحثاً عن مميزات الشهرة حتى لو عشت فيه على كسرة خبز يابسة، لكنه اليوم ينتظر النجدة ولسان حاله يقول: (كوخي حديد غنيت ما سمعنيش) أي أنه يتأوه ويتوجع والجميع يسمع أناته لكن لا حياه لمن تنادي، رغم الإيضاح والتوجع والترديد بقوله (قلبي المعذب أمانة كم شكون صبري). نعم كلنا يعلم وكلنا يؤمن وكلنا يصدقك القول: إنك المريض والمعذب والصابر على قضاء الله وقدره فإذا كنت أنت بقلبك العاطفي والرحيم والحساس تحس بآلأم الآخرين وتتوجع لأجلهم وتنوح شجناً لكل محبيك مع هديل ونواح الطيور وقلتها فعلاً (نوح الطيور أثار بي الأشجان) لكن نحن وبالأخص من بأيديهم إمكانيات الخرش والربط أومن يمتلك صلاحية قراءة التقارير الطبية والموافقة على تذييل بعضها بتوقيعه المبجل وعلى الأقل وضع كلمة (لا مانع وبشكل مستعجل) بجانب الترويسة مع وضع التوقيع الذي يمثل شيكاً مقبول الدفع أي توقيع وبعده متابعة حثيثة لتنفيذ التعليمات وليس كحال عبارة وتوقيع مولانا الإمام عندما كانت تُكتب كلمة (حياكم الله أنصفوا المظلوم) تعني بالشفرة الإمامية (زيدوه قيداً آخر) المهم لا وقت ولا مجال هنا لقراءة الأمثلة ووضع التشبيهات والمقارنات كون موضوعنا الأساسي يحمل مفارقات كبيرة عما تتحدث عنه أقلامنا وكتاباتنا اليومية بالصحف، والسبب أن هذا الموضوع أو المواضيع التي سبقتني والتي تتحدث عن نفس الفكرة الإنسانية أو بالأصح التي تبكي وتحاكي مواجع إنسان عظيم فاقت عظمته وشهرته وعطاءه الكثير من الزعماء وأصحاب السمو.. كيف لا وهو الفنان الوطني العاطفي الحماسي الشعبي الذي يمتد عطاؤه وتتمخض أفكاره وأحاسيسه بمثل هكذا إنتاج وعطاء منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اللحظة، أي ما يقارب 57عاماً عاصر معها الكثير من رؤساء الوطن الذين لا يخلو بيت أو مسكن أي منهم إلا ويردد فيه أو بداخله صوت الفنان أيوب طارش عبسي، بل سوف يظل صوته وصورته سنوات وقروناً متعاقبة تتوارثه الأجيال التي سوف تأتي من بعدنا فهو الصوت الذي لا يبلى ولا ينقرض كما انقرضت أصوات كثيرة أتت من بعده وعطفت سجاجيدها وامتحت ذكرياتها. بينما أيوب طارش وصوته وألحانه التي كان يفصلها تفصول على مقاس الأحداث والمناسبات الدينية والوطنية وستبقى حاضرة متجددة تستقبل قدوم وعودة أية مناسبة وكأنها ولدت وصيغت وتركبت وساماً جديداً في رأس هذه المناسبة أو تلك. ومع كل هذا التمييز تظل هذه القامة السامقة ليس لها من خيرات ومكاسب هذا الوطن سوى راتب تقاعدي يساوي راتب فرّاش متقاعد مثله ومع ذلك راض ومقتنع بما كتبه الله له ولم يتأفف ولم يشك أو يبكي ظروفه لأحد بل يقابل أي متسائل بالحمد والشكر والثناء لله حتى جاء القدر وجاء اليوم الذي هو مسجل له بصفحة عمره منذ أن خلق جاء به القدر ليقول لفنان الوطن هذه جائزتك من الله وإن كانت مؤلمة وموجعة، وكلنا يعرف أن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً ابتلاه بصحته أو بولده أو بماله.. والفنان أيوب طارش ابتلاه الله سبحانه وتعالى بصحته.. لكن رغم إيماننا العميق بالقضاء والقدر والذي ليس منه مفر إلا أننا نقول ونتساءل أين دور الجهات المختصة لمثل هكذا تعامل مع الرموز الوطنية عند محنتها؟ ولماذا نترك رموزنا الوطنية تتكبد ويلات الألم والمتاعب ولا نقول إن الدولة سبق لها أن سافرت به إلى الخارج وأعادته، والسبب أن هذا الفنان العملاق مايزال يتحمل ويلات الألم الذي يتردد عليه ويردد مع نفسه قلبي الجريح.. فهل لنا من وقفة صادقة معه؟