أما الحق الثالث المتولد من حق الكرامة اي حماية و صيانة العرض فهو حق الأمن. فالأمن بشكل عام هو ضمان عدم تعرض الانسان اي انسان لأي اذى مثل الخطر الطبيعي و البشري و الضرر المادي و المعنوي او التهديد به. فالكوارث مثل الزلازل و الفيضانات و الجفاف اخطار طبيعية. والحروب والتعذيب والسجن و اهانة تمثل الاخطار البشرية. فضمان حق الامن للانسان يعني أن الانسان لا يتعرض لمثل هذه المخاطر و لا حتي يهدد بها في الحاضر او المستقبل. و لذلك فإن الامن هو حالة نفسية. بمعنى ان الشخص قد لا يتعرض لهذه المخاطر فعلاً و لكنه قد يهدد بها او يتوقع الوقوع فيها و في هذه الحالة فإنه يعاني من حالة انعدام الامن. لا يستطيع الانسان أن يحيا حياة طبيعية يكون فيها قادرا على تحقيق ما منحه الله من مواهب. اي ان يختار نمط الحياة الذي يختاره و يمارس الهويات و المواهب التي حباه الله اياها في ظل عيشه في ظل الخوف و الحزن. فلا حياته الدنيا تستقيم و لا حياته الاخرة تصلح الا في ظل تمتع الانسان بالقدر الطبيعي من الامن. صحيح ان الانسان قد يعاني من الخوف و الحزن الطبيعين اي ان يخاف من خطر حقيقي مرتبط بتصرفاته و ان يحزن على الاخطاء التي وقع فيها. ان ذلك جزء من الحياة و ضروري لاستقامتها. فالانسان الذي لا يخاف من الحريق لن يحترس في تجنب مسبباتها و كذلك فإن الانسان الذي لا يحزن على ما ارتكب من اخطاء لن يتوقف عن ممارستها و لن يكفر عما اقترفه من اخطاء. إن ذلك الخوف و الحزن يختلف عن الخوف و الحزن من مخاطر لا علاقة له بها او هي اكبر من قدرته على مواجهتها. فالمخاطر البشرية لا علاقة للانسان بها. و ذلك عندما يهدد بالقتل لانه عبر عن رأيه او طالب بحقه او عندما يقتل او يسجن او يعذب لمجرد التهمة او الوشاية. و كذلك فإن المخاطر الطبيعية الكبيرة من الزلازل و الفيضانات والجفاف هي مخاطر تفوق قدرة الفرد و ربما الجماعات على مواجهتها. وعلى هذا الاساس فإن للفرد حقاً على الجماعة في توفير هذا النوع من الامان و ذلك من خلال المؤسسات الاجتماعية او السياسية او الاجتماعية او غيرها من المؤسسات و التي قد تكون محلية او عالمية. و في هذا الاطار فإنه ينبغي التنبيه ان حاجة الانسان للأمن قد تؤدي في حالات كثيرة الى سلبه منه. فعلى سبيل المثال فإن حماية السلطة قد تؤدي الى اهدار حقوق المواطنين في الامن عندما يتم اختزال الامن العام بأمن السلطة و التي قد تكون شرعية او غير شرعية. و كذلك فإن امن الوطن الذي يعبر عن امن المتنفذين قد يكون على حساب امن الناس العاديين. و هكذا. و الأمثلة على ذلك في العالم الحاضر كثيرة و عصية عن الحصر. و من اجل منع ذلك فإن القرآن قد اكد على الامن للجميع. يا بني ادم اما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. قلنا اهبطوا منها جميعا فاما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. آن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. و الدليل على ذلك ان رسل الله لم يمارسوا العنف الا في حالات نادرة و في ظل شروط صارمة تبرره من اجل الدفاع عن النفس و منع عنف اكبر و ليس ابتداء و ليس بدون قيود. وما كان جواب قومه الا ان قالوا اخرجوهم من قريتكم انهم اناس يتطهرون. قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا او لتعودن في ملتنا قال اولو كنا كارهين. ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط. الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم اول مرة أتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين. وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا فأوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين. وان كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها واذا لا يلبثون خلافك الا قليلا. فالأصل في الاسلام كما جاء في القرآن هو السلام اي رحمة النفس البشرية من القتل او الترويع او الاخافة تحت اي سبب من الاسباب. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93). مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32). و كذلك فإن القرآن قد حرم على اتباعه اخافة الآخرين الذين يختلفون معهم في الدين او الوطن او الثقافة. والدليل على ذلك انه اعاب على مخالفيه من ممارسة ذلك معه. و ما كان ليعيب عليهم و يبيح لاتباعه ممارسة نفس التصرف. ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها اولئك ما كان لهم ان يدخلوها الا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم. الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا اذى لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات واقاموا الصلاة واتوا الزكاة لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين. واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً. وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين فمن امن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ألا إن اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وضرب الله مثلاً قرية كانت امنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. آن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. و قد وضع القرآن شروطاً صارمة في حال الاضطرار الى دفع العنف بالعنف و ذلك من اجل حفظ الامن للجميع. فبعض الانفس البشرية للأسف تضيق ذرعاً من الامن و تستمرئ اشاعة الخوف و بدون اي اسباب منطقية و مقبولة له. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31). ثم انتم هؤلاء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون. ولقد اتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون. واذا قيل لهم آمنوا بما انزل الله قالوا نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين. ان الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يامرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم. ضربت عليهم الذلة اين ما ثقفوا الا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بانهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الانبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. وقال الملا من قوم فرعون اتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض ويذرك والهتك قال سنقتل ابناءهم ونستحيي نساءهم وانا فوقهم قاهرون. واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. واذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم ثم اقررتم وانتم تشهدون. ثم انتم هؤلاء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان ياتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون. و من اجل مواجهة التصرفات الفردية فإن الله شرع القصاص. ايها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفي له من اخيه شيء فاتباع بالمعروف واداء اليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم. و من اجل مواجهة تهديد الامن من قبل المجموعات فإن الله شرع القتال كرد للعدوان فقط. وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة اشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين. «الم تر الى الملا من بني اسرائيل من بعد موسى اذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا قالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم والله عليم بالظالمين. أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41). و اذا كان حفظ الامن ضرورة فإن من يكلف بذلك لا بد و ان يعد اعدادا خاصا سواء من حيث متطلبات القيام بهذه المهمة او من حيث الانضباط و عدم التجاوز الى تصرفات تعمل على اضعاف الامن المقصود من ذلك. ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100). فاستجاب لهم ربهم أني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب. لم يكتف القرآن بأن اباح بل حرض على دفع العدوان بمثله بل انه قد شجع المؤمنين على دفع الظلم عن الآخرين و ان لم يكونوا منهم على اعتبار ان الامن امر كلي و لا يمكن ان يتجزأ. وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربناً اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيراً. الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا اولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفاً. الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا اخرتنا الى اجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا. لكن و في نفس الوقت فإن القرآن قد اوضح ان من لا يعتدي و من يجنح للسلم اي للأمن من غير المسلمين فإنه لا يحق لهم قتالهم ابتداء تحت اي مبرر من المبررات. الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق او جاؤوكم حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94). وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل انه كان منصورا. لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين. انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون. يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله والفتنة اكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. و قد أوضح القرآن ان مساعدة الآخرين في الحصول على القدر الممكن في الامن هو استضافة و استقبال من ظلموا من قبل قومهم و حرموا من الامن الضروري للحياة الانسانية. ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله وكان الله غفورا رحيما. مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (10). فالأصل في الحياة البشرية كما اوضح ذلك القرآن هو الامن اي السلام. فإن حاجوك فقل اسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين ا اسلمتم فإن اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد. قل امنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم. لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون. وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم. والله يدعو الى دار السلام ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم. قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك وامم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم. فما احوج العالم المجنون الذي يعاني من الحروب و الارهاب و التعذيب و التصفيات العرقية و القتل لمجرد القتل ان يتوقف ولو ملياً امام ما احتواه القرآن من علاج لكل ذلك. الحق الثالث المرتبط بالكرامة اي العرض والتعليم. و ما من شك فإن التعليم من الاهمية بمكان. و الدليل على ذلك ان القرآن نزل بالعلم و دعا الى العلم و ربط ذلك بالعلم. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5). وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين. قال يا أدم انبئهم بأسمائهم فلما انبأهم باسمائهم قال ألم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون. التعليم بمعناه الواسع يعني القدرة على التفرقة بين الاشياء وفقاً لخصائصها المميزة و من ثم اطلاق اسماء مميزة لها. و بما أن الاشياء الموجودة في الارض و تلك التي يحتاج اليها الانسان كثيرة فلا يمكن حصرها و فظها. ان الاستفادة منها يتطلب قدرة الانسان على كتابتها و قراءة ما كتب فيما بعد. هذا من ناحية و من ناحية اخرى فإن الاستفادة من تجارب الآخرين سواء الذي سبقوا من قبل او المتفرقين في الاماكن لا يمكن ان يتحقق الا اذا تم تسجيل ذلك من خلال الكتابة. و لا ينكر احد فوائد الكتابة و القراءة في الحياة على الانسان. فعن طريقها يتكامل الانسان مع الآخرين و من خلالها يتعرف الانسان على الحقيقة. فبدونها فقد يتخيل الحقيقة تخيلاً و لكن ما يتخيله يتناقض مع الحقيقة. فمن خلال جعل ما يتم التفكير به متاحا للآخرين يستطيع الانسان ان يحصل على تقييم لما يعتقده. فإن كان هذا التقييم ايجابياً فإنه يثق بما يعتقد و ان كان التقييم غير ذلك فإن على الانسان ان يعيد النظر بمعتقداته و هكذا حتى يأتيه اليقين. ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين». و ما من شك ان العلم يبدا بالقراءة فلا علم بدون قراءة و ذلك فإن محو الامية في العصر الحديث يعتبر حقا من حقوق الانسان. ذلك ان الانسان لا يستطيع ان يعبر عن انسانيته و يتصرف كانسان الا اذا كان على الاقل قادر على القراءة و الكتابة و الحساب. و لا شك ان ذلك ينعكس ليس فقط على حياته العامة بل انه ينعكس بالفعل على دينه. فلا يمكن فهم الدين الا من خلال القدرة على القراءة و الكتابة و اإا تعرض للتضليل. «واذا قيل لهم آمنوا كما امن الناس قالوا أنؤمن كما امن السفهاء الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون». و من الواضح كما جاء في القرآن ان مهمة النبي صلى الله عليه و سلم هي تعليم قومه و العالمين. «كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم. يا اهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون». الكرامة الانسانية لا تعرف بحدودها الواسعة و لا يتم المحافظة عليها على ارض الواقع الا من خلال العلم. «هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب. شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم. لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين». و قد استغل جهل الناس بالقراءة و الكتابة لتضليل الناس بدينه. أفتطمعون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. ومنهم اميون لا يعلمون الكتاب الا اماني وان هم الا يظنون. وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تأتينا اية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الايات لقوم يوقنون. ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل ان هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير. التعليم هو الذي يمنع إلباس الحق بالباطل. فمن لا يستطيع ان يقرأ او يكتب قد يكون عرضة ذلك تحت حجة انه لا يعلم الحقيقة و بالتالي فما عليه الا ان يصدق الاخرين كيفما كانوا. ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون. وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون. ولئن اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية ما تبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين. الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون». و ما من شك بأن إلباس الحق بالباطل يؤدي الى الحاق الاضرار بالإنسان كفرد و بالإنسان كجنس. ففي هذه الحالة فإن المنكر قد يصور على انه معروف و المعروف و كإنه منكر. و لا شك ان ذلك اهانة لكرامة الانسان. «انما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون. وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقينا. لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الاخر اولئك سنؤتيهم اجرا عظيما». فبالعلم يتم المحافظة على الكرامة و به يتم استعادة الكرامة. «وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم. فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت واتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين. بالعلم يمكن فضح الكذابين و منعهم من التكبر على بقية العباد. ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب. ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل. فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. ها انتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وانتم لا تعلمون». التعليم حق اصيل للانسان و جزء لا يتجزأ من شخصيته و كرامته. و الدليل على ذلك ان الله قد خلق الاشياء في هذا الكون و هي قابلة للتعرف عليها اي انها تمتلك خصائص معينة تميزها عن غيرها من الاشياء و قد مكن الانيان فقط من التعرف على ذلك. فعلى سبيل المثال فإن الكون كله مكون من اكثر من مئة عنصر مثل الاكسجين و الهيدروجين و الحديد و الذهب و النحاس و غير ذلك من العناصر. و في نفس الوقت فإن كل هذه العناصر مكونة من ذرات و الفرق بينها ينبع فقط من عدد الذرات المتشابهة و علاقة الارتباط بينها و لذلك فإن العناصر المكونة من الذرات تقاس اما من خلال حجمها او كثافتها و يعكس ذلك ما يطلق عليه بالوزن الذري او الالكتروني. و بما ان الانسان يحتاج في حياته لمعرفة خصائص هذه العناصر و بالتالي القوانين التي نحكم حالتها الطبيعية و تغير ذلك من خلال الثلاث الحالات الاساسية هي الصلبة و السائلة و الغازية فإن العلم يكون ضروري لحياة الانسان و من ثم فإن مستوى حياته يعتمد عليه. و الدليل على ذلك ان تقدم الأفراد و الامم تاريخيا كان مرتبطا بمقدار ما تحصله من علم. فما من حضارة قامت على الجهل او السفه الذي هو عكس العلم. و قد لفت الله انتباه الانسان الى هذه الحقيقة عندما ميزه على غيره من الخلوقات و خصوصا الملائكة بالعلم الى اهمية العلم في حياته. و مع ذلك فإن الانسان لسوء الحظ لم يعي هذا الدرس جيدا. فالعلم هنا هو مقدرة الانسان على فهم الاشياء التميز فيما بينها. و بذلك فإن العلم لا علاقة له مباشرة بالقراءة و الكتابة. فالقراءة و الكتابة لا تخلق العلم و انما هما ناتج او مستلزم من نواتجه و مستلزماته. فكما ان الانسان يعلم او يتعلم فإنه كذلك ينسى. و لذلك فإن عليه ان يبذل كل جهده للتذكر و عدم النسيان. و اذا ما حدث ان نسي لأي سبب من الاسباب فإن عليه ان يتذكر و لا يمكن ان يتحقق ذلك الا من خلال العلم. فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا. قال ا رأيت اذ اوينا الى الصخرة فإني نسيت الحوت وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا. قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من امري عسرا. و لو عمل الانسان كل ما في وسعه لما استطاع الشيطان ان يظل ادم. فعندما وسوس له في الجنة جعله ينسى ما امره الله به. ولقد عهدنا الى ادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما. و عندما تذكر تاب الى الله فقبل الله منه توبته و حذره و ذريته من النسيان مرة ثانية. وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39). لكن الشيطان لم ييأس من ذلك فتوعد بالاستمرار في بذلك لكل ما في وسعه لا نساء الانسان. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65). إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117) لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (120) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121). الم تر الى الذين يزعمون انهم آمنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا». و قد حذر الله ذرية آدم كما حذر أباهم «ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون. سنقرؤك فلا تنسى. أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون. لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فإنصرنا على القوم الكافرين». و للأسف الشديد فإن الشيطان قد نجح فعلا في استدراج البعض الى هذا الفخ و بالتالي فإنه قد نجح كذلك في تخريب الحياة الانسانية لهؤلاء«قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من اولياء ولكن متعتهم واباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا. وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم». يستغل الشيطان الظروف الخاصة و ينفذ الى الانسان من خلال التهويل و الاغراء فينجح لدى الجاهلين و يفشل مع العالميين«واذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا اليه ثم اذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو اليه من قبل وجعل لله اندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا انك من اصحاب النار. استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله اولئك حزب الشيطان الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون. فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم الا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين. ومن الذين قالوا انا نصارى اخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون. فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون. واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين. الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون. هل ينظرون الا تأويله يوم ياتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا او نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون. فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون. المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون ايديهم نسوا الله فنسيهم ان المنافقين هم الفاسقون. وقال للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين. ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه فاعرض عنها ونسي ما قدمت يداه انا جعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا وان تدعهم الى الهدى فلن يهتدوا اذا ابدا». ....يتبع
