الرعب يجتاح قيادات الحوثي.. وثلاث شخصيات بمناطق سيطرتها تتحول إلى كابوس للجماعة (الأسماء والصور)    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    باريس يسقط في وداعية مبابي    دموع "صنعاء القديمة"    فساد قضائي حوثي يهدد تعز وصراع مسلح يلوح في الأفق!    رسالة صوتية حزينة لنجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح وهذا ما ورد فيها    هل تُصبح الحوالات الخارجية "مكسبًا" للحوثيين على حساب المواطنين؟ قرار جديد يُثير الجدل!    "هل بصمتك ثمن معاملتك؟ بنك الكريمي يثير قلق العملاء باجراءات جديدة تعرض بياناتهم للانتهاك    تحرير وشيك وتضحيات جسام: أبطال العمالقة ودرع الوطن يُواصلون زحفهم نحو تحرير اليمن من براثن الحوثيين    عمران: مليشيا الحوثي وضعت الصحفيين في مرمى الاستهداف منذ اليوم الأول للانقلاب    كهرباء عدن تعلن عن انفراجة وشيكة في الخدمة المنهارة والغضب يتصاعد ضد بن مبارك    منصات التواصل الاجتماعي تشتعل غضباً بعد اغتيال "باتيس"    للتاريخ.. أسماء الدول التي امتنعت عن التصويت على انضمام فلسطين للأمم المتحدة    طبيب سعودي يتبرع بدمه لينقذ مريض يمني أثناء عملية جراحية (اسم الطبيب والتفاصيل)    بغياب بن الوزير: سرقة مارب لنفط شبوة ومجزرة كهرباء عدن والمكلا    استقالة مسؤول ثالث في الاحتلال الإسرائيلي.. والجيش يعلن عن اصابة نائب قائد كتيبة و50 آخرين خلال معارك في غزة    صبرا ال الحداد    استشهاد جندي من قوات درع الوطن خلال التصدي لهجوم حوثي شمالي لحج    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    عدن.. احتجاجات غاضبة تنديدا بانهيار خدمة الكهرباء لساعات طويلة    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    استئناف إضراب نقابة عمال شركة النفط بمحافظة شبوة    الأمم المتحدة تعلن فرار مئات الآلاف من رفح بعد أوامر إسرائيل بالتهجير    المبعوث الأممي يصل إلى عدن في إطار جولاته لإستئناف مفاوضات السلام مميز    بالصور.. قاعدة الدوري الأمريكي تفجر غضب ميسي    كوابيس كشفت جريمة مرعبة: فتاة صغيرة تنقذ نفسها من القتل على يد شقيقها والامن يلقي القبض على الاب قاتل ابنه!    مبابي يطارد بيريز في احتفالية الليجا    خبير اقتصادي: قرار مركزي عدن بنقل قرات بنوك صنعاء طوق نجاة لتلك البنوك    فشل ذريع لكريستيانو رونالدو السعودي.. كيف تناولت الصحف العالمية تتويج الهلال؟    "أطباء بلا حدود" تنقل خدماتها الطبية للأمهات والأطفال إلى مستشفى المخا العام بتعز مميز    إب .. وفاة أربع طفلات غرقا في حاجز مائي    بمشاركة «كاك بنك» انطلاق الملتقى الأول للموارد البشرية والتدريب في العاصمة عدن    مراكز ومدارس التشيّع الحوثية.. الخطر الذي يتربص باليمنيين    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    التوظيف الاعلامي.. النفط نموذجا!!    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    مصرع وإصابة 20 مسلحا حوثيا بكمين مسلح شرقي تعز    لو كان معه رجال!    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تحولت الصحافة من سلطة رابعة إلى سلطة تابعة..
نشر في الجمهورية يوم 21 - 10 - 2012

شهدت الصحافة في اليمن منذ بداية 90م حتى نهاية 98م تقريباً عقداً ذهبياً ، لما حمله ذلك العقد من حضور وتنوع سياسي واجتماعي وتأثير فعال وحيوي على المستوى الجماهيري والشعبي والثقافي معاً، تخلقت من خلاله أسماء وأصوات صحفية بارزة انتصرت لقضايا وحقوق الناس والمجتمع، لا الانتصار عليه ورغم تباين، واختلاف تلك الأقلام في وجهات النظر والقناعات السياسية والحزبية لإيمان ونبل وقداسة الرسالة التي حملتها تلك النخب..
رغم كل الظروف والمصاعب التي واجهتها وبأقل الإمكانيات شكلت ظلاً وسقفاً عالياً للحرية والفكر والانتماء، وكانت الصحافة بمثابة نافذة مضيئة، تطل من المجتمع على المجتمع، لا من الحزب على الحزب ومن الحاكم على مايخدم مصالحه ومشاريعه، وكانت بالفعل سلطة من لا قرار له ومحكمة من لاعدالة تنصفه ولا قضاء، وكانت السلطة الأعلى على كل السلطات والمتسلطين، حتى تم الانحدار التدريجي والانتكاسة والسقوط المنظم لصاحبة الجلالة، التي حولها النظام السابق ومنظومة حكمه إلى خادمة تحت “مرته مطوعاً أكبر إمكانياته للاستيلاء والاستحواذ على سلطة الصحافة بطرق مباشرة وغير مباشرة، إما عن طريق حلفائه وأعوانه، أو عن طريق المعارض له مستغلاً ظروف ووضع ذلك الطرف المتخبط والمتصارع سياسياً مغيباً قضايا الصحافة والجوهرية وشرف مهنتها بطرق وأساليب مدروسة، مستغلاً الصحافة بأزماته ومشاريعه الزائفة والهشة، تحت مسميات ومعطيات وطنية بعيدة كل البعد عن الوطن ومضامينه.. شاغلاً إياها بالخلافات الشخصية العقيمة والجوفاء التابعة له، ومن البوابة الثامنة أن الوضع والحالة التي وصلت إليها الصحافة في اليمن، والحديث عنه خصوصاً بعد أن تم تفريخها وتفريغ مضامينها واستيلاء وسيطرة الدخلاء على غالبية منابرها، ووضع أصحاب المشاريع الإعلامية الحقيقية والفعالة في الهامش، وضعنا أمام أمر خطير لما آلت إليه الصحافة والصحف في اليمن، وغياب صدى المجتمع المتفاعل.. مما دعانا بإلحاح إلى طرح سؤال حساس عن العوامل والظروف، التي ساعدت على تحول الصحافة في اليمن من سلطة رابعة إلى سلطة تابعة.. على مجموعة من ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والثقافي في سياق هذا التحقيق من خلال هذه الحصيلة.
إفلاس في المبدأ أو أزمة في القناعات
استهل التحقيق والإجابة عن سؤال الصحافة وتحولاتها في اليمن الأكاديمي السياسي والاقتصادي في جامعة صنعاء د. سلطان عبدالواسع غالب بتشخيص دقيق ومختزل لبيئة الصحافة اليمنية وانعكاسها النفسي على الأداء الصحفي بقوله: إن مستوي أي مجتمع إنساني في العالم كان مدنياً حداثياً معاصراً أو متخلفاً أو متوسطاً ليس سوى انعكاس تاريخي وسياسي واقتصادي وسياسي واقتصادي إما أن ينتج فعلاً ثقافياً وعلمياً ومعرفياً أو يلغية من الذاكرة الاجتماعية ويحوله إلى قيمة كاسدة تتأثر بالكثير من معطيات بيئتها الاجتماعية وطبيعتها، ولا تؤثر عليها بحجم ذلك التأثر الذي أغلب ما يكون سلبياً، خصوصاً في مجتمعنا اليمني بوعيه وثقافته التقليدية السائدة، وعقله السياسي الذي لم يرق إلى أدنى مضامين المدنية ومعاني الدولة، وسؤالك عن الصحافة في اليمن أنها كانت سلطة رابعة تحولت كما ذكرت إلى حالة تابعة، وعن ظروف وعوامل تحولها، فأمر يحتاج منا إلى إعادة النظر وإعادة القراءة لإيجاد قناعة علمية ومنهجية للسلطة الصحفية، أو سلطة الصحافة متى كانت كذلك؟.. وما هو الدور الفعلي الذي قدمته كسلطة؟.. وكيف تحولت إلى صحافة سلطة..؟ إن اطلاقك على الصحافة سلطة رابعة كتعبير مجازي لأهمية الصحافة وكونها خلاصة أمل وألم المجتمع والمنتصر الحقيقي لقضاياه، يجعلنا هنا نتفق أنها سلطة رابعة مجازاً.. كما أعتقد أن عوامل وظروف تحولها إلى صحافة سلطة أو تابعة لأية فئة أو حزب أو سياسة فناتجة أولاً عن البيئة الاجتماعية، التي ولدت وترعرعت داخلها، وتخلقت ونشأت فيها مبادئها وقناعاتها في التعبير عن ذاتها وعن محيطها.. فماذا ننتظر من صحافة تربت وسط أحضان مجتمع قبلي، وإن غلف بالمدنية، أصابه إفلاس في المبادئ، ظل محكوماً بالأزمات السياسية، تقوم قناعاته على أسس انفعالية، بعيدة تماماً عن العدالة العلمية والموضوعية ومنهجية الطرح والتناول.. هو الجواب الموجز عن سؤالك الذي طرحت.
صناعة رأي + انتاج موقف مجتمع متفاعل
أما الناشط السياسي علي الشرعبي.. فتطرق إلى جزئية من حالة الصحافة ووظيفتها قائلاً: إن دور ووظيفة الصحافة في اليمن لازالا شاغرين لكونهما مرتبطين بالأداء الصحفي المستوعب للوظيفة الاجتماعية ولكونهما لا يرتبطا بالواقع المنتج لها، لذلك فالصحافة الفاعلة والمؤثرة بحاجة إلى تفاعل أكثر من طرف صحفي متمكن يصنع رأياً وينتج موقفاً ثم مجتمعاً متفاعلاً وقارئاً، يكون أداء الصحفي المبدع الذي لازال غائباً في أغلب حالاته، وللوصول إلى تصور أوسع فإن الصحافة المؤثرة لا تأتي مقطوعة الصلة بأدواتها إذ إن السلطة الرابعة الممنوحة للصحافة لا تعطى بقرار، وإنما بصناعة رأي يتحول حاملاً لكتلة اجتماعية والصحفي المتمكن ثقافياً.. الملتزم أخلاقياً بقضايا المجتمع لابد أن يكتسب المصداقية التي بدونها لا يمكن أن يمتلك ثقة الناس ويؤكد الشرعبي: لا يمكن أن تتوفر الشروط السابقة للصحفي بعيداً عن الوضع المعيشي والمستوى التعليمي قبل الارتباط بشكل النظام السياسي بمساحة حقيقية للحريات، والحلم الجمعي الذي ينعكس ويتطابق مع وعي وضمير الصحفي، كما لا يمكن أن تنشأ صحافة فاعلة في ظل غياب الحرية، ولا يمكن أن تقوم سلطة الصحافة بغياب أدواتها، لذا فرهان الصحافة في اليمن يرتبط بإنتاج اليمنيين لمشروع حياة.
تبعية النخبة كسلطة الاستبداد وثقافتها
يتباين المهندس محفوظ القاسمي مع بعض ما سبق برؤية تشخيصية أكثر دقة وواقعية لواقع مجتمع الكتابة بقوله: إن غياب سلطة الشعب هو العامل الأساسي لغياب السلطة الرابعة، فالسلطة الشعبية منظومة متكاملة تمارس عبر المؤسسات الرسمية للدولة، وعبر المؤسسات الرسمية المدنية والأهلية، والصحافة التابعة مؤشر رئيسي على تبعية النخب لثقافة وسلطة الاستبداد.
ويضع القاسمي عوامل وأسباب تلك التبعية في:
غياب أجهزة الدولة وعدم فاعليتها، جعل الصحافة ليست ذات قيمة لدى المجتمع فمهما كانت الملفات التي تنشر ساخنة فلا تلاقي تفاعلاً مجتمعياً، كما لا يوجد التفاف شعبي لصناعة رأي عام لشعور الناس بالإحباط من أجهزة الدولة الفاسدة والخاملة وعلى رأسها الجهاز القضائي كذلك، فالمواضيع المهمة للصحافة تأخذ طابع الاستهلاك اللحظي في المقايل.
غياب المعلومة وغياب سلطة القانون الذي يلزم الجهات الرسمية وغير الرسمية على الالتزام بالشفافية وتوفير المعلومة
غياب الشفافية في المؤسسات وغياب الرقابة المجتمعية عليها
السوق الخفي “غير المرئي” للوثائق وتوظيفها للابتزاز أخل بالمهنية وتحول الكثير من الصحفيين إلى تجار ومبتزين.
الديلوج والميتولوج “الصحافة الحرة والمؤدلجة”
أما الشيخ والقيادي الناصري زيد عرجاش بين الولاء الوطني والولاء للحاكم حول الصحافة الحرة والصحافة المؤدلجة عن وضع الصحافة قال:
لقد كان هنالك مصطلحان يطلقان عليهما في شأن الصحافة هما.. الديلوج والميتولوج يعبر أحداهما عن لغة الصحافة الحرة والحقيقية التي تستشعر حجم وقيمة المسئولية المناطة بها وتسير على نهجها في طرح الحقائق كما هي مهما كانت صادمة، أما الأخر فيعبر عن الصحافة المؤدلجة والمبتذلة القابلة للانتفاع والارتزاق، وعلى نفس السياق أضاف عرجاش: أعتقد أن الصحافة في اليمن أو الغالبية منها قد تأثرت سلبياً بواقع بيئتها ومحيطها وبتوجهات ضيقة وتراكمات سادت على مدى عقود من الزمن عملت على توجيه الصحافة وحرفتها عن أداء الرسالة وطوعت الثقافة الصحفية لما يخدم ذلك التوجه المؤدلج الذي يعمل على تغييب الحقائق وتضليل الرأي العام حد تأثره و تأثيره السلبي الكبير إضافة للثقافة على الولاء الوطني نفسه محولاً أياه إلى ولاء للحاكم الفرد بإظهاره وإبرازه تحت مسميات وشعارات وطنية فاختزلها أي الحاكم واستغلها بإمكانيات دولة تتماشى مع مصالحه الذاتية لا مصالح الوطن رافق ذلك وبشكل منظم شراؤه للأقلام والمنابر الإعلامية والمؤثرة والفاعلة في المجتمع، ممارساً شتى وسائل الإلغاء والتهميش لجميع الأقلام الشريفة الحاملة للمشاريع الوطنية الحقيقية داعماً وبأكبر الإمكانيات جميع الوسائل الإعلامية التابعة له محولاً المؤسسات الإعلامية الوطنية إلى مؤسسات مؤدلجة ومحصورة عليه وكشاهد على ذلك أضاف عرجاش:
إذا عدنا إلى ما يدرس في المناهج التعليمية فإننا لن نجد فيها تربية وطنية حقيقية خالصة وهذا من أشد الجوانب الخطيرة التي عليها تقاس وسائل الإعلام الموجهة.
صحافة استثمارية وأجندة أحزاب
التقى الإعلامي والناشط عبدالجليل اليوسي مع غالبية الآراء السابقة من ناحية ومن ناحية أخرى مضيفاً:
من وجهة نظري أن من أهم العوامل التي ساعدت على تحول الصحافة في اليمن من سلطة رابعة إلى تابعة عوامل كثيرة ومتشعبة أهمها: تبعية الصحف لجهات حزبية حيث تمارس الصحافة وفق أجندة الحزب والقناعات الشخصية التي تتبع في الغالب جهات نافذة تسير في إطار ما تراه متوافقاً مع أجندتها وتقوم بتحييد المعارض لها متحولة إلى صحافة استثمارية ترضي وتخطب ود الجميع كي تحافظ على مواردها المادية، وهنالك الكثير من الصحفيين امتهنوا الصحافة كمصدر للدخل المادي لا الأخلاقي ومهني بدرجة أساسية، ومما زاد الطين بلة ذلك الأفق المسدود الذي خيم على الصحفي اليمني نتيجة عدم حصوله على الرفد المطلوب وتنمية قدراته وطاقاته أو حتى تحفيزه على أن يكون إعلامياً من ضمير الشارع وإليه متمسكاً برسالته بالثوابت الوطنية، والجريمة الكبرى هي هيمنة جهة معينة على الصحافة الوطنية وتجييرها لصالحها كالصحف الرسمية غالباً والتي ينبغي أن تكون مهمتها وطنية تخدم المواطن اليمني وما يمس حقوقه وكرامته.. أفراحه واتراحه فإذا لم تكن الصحافة بهذا وعلى هذا المبدأ المهني والأخلاقي فهي عالة إضافية على المجتمع قبل أن تكون وسيلة لخدمته.
المشاريع الموءودة والإرهاب الفكري
أما الكاتب د. علي مجدلي فتطرق لقضية الصحافة وأسباب انحصار وانكفاء رسالتها لعوامل وظروف وتحولات تاريخية وقومية داخلية وخارجية بقوله: أن الانتكاسة التي تعيشها صاحبة الجلالة “الصحافة” ناتجة عن ظروف ووقائع ومتغيرات خارجية وداخلية منذ فترة طويلة من الزمن بدأت أولى ملامحها عند انحسار المد القومي وغياب رواد العمل الصحفي أو تغييبهم ووأد المشاريع التي كانوا يحملونها فبدأت في تصفية العصر الذهبي للصحافة مع فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وطمس تلك الحقبة المزدهرة من تاريخ الإعلام وصولاً إلى ترويض هذه المهنة بأساليب وممارسات ممنهجة اختلفت في الوسائل والطرق وحالة القمع والإرهاب الفكري والتي أن اختلفت بدورها من مكان إلى آخر فإنها اتفقت على نهاية سلبية واحدة سواءً في اليمن او المحيط العربي.. لعب دور البطل في هذه العملية ذلك الطابور الخامس المدعم بالدخلاء على المهنة الصحفية الذين لا يرتقون إلى مستوى وأخلاقيات الرسالة الصحفية وعملت على تغيير سلوكيات هذا العمل المهني الشريف وأضاف مجدلي: لقد زاد من حدة هذه الانتكاسة تلك الروح الانهزامية التي استولت على المثقف والكاتب والقارئ على حدٍ سواء إضافة إلى حالة الانهاك الناتج عن الظروف الاجتماعية والمعيشية التي وصل إليها الصحفي وتحول توجهات المجتمع وتحوله إلى متلق من الخارج، ناهيك عن حالة الطغيان وافتعال الأزمات والخلافات بين أبناء البيت الواحد واحتدامها في ظل غياب أو انعدام أفق الحوار وإخفاق الكتاب والأدباء ونقابة الصحفيين في لملمة أزماتها والانتصار لقضايا وحقوق المجتمع العادلة.
سير داخل حقل ألغام ودور نقابي ضعيف
أما الصحفي عبدالرحمن الشيباني فبقناعة ونظرة تشاؤمية كبيرة نفى فيها وجود الصحافة “أصلاً” بقوله: أن واقع الصحافة في اليمن كان انعكاساً لما هو سائد في التركيبة الاجتماعية التي لا تتقبل أن يطل المهتم والباحث والصحفي على ما يحتويه جوف المجتمع من تعقيدات شتى وإشكالات لا تحصى فالمجتمع اليمني متحنط على الكثير من مشاكله وقضاياه وهذه الأساليب وانعكاساتها جزئية هامة من العوامل التي جعلت الصحافة في اليمن بهذا الوضع المزري لهذا وقبل البحث في العوامل والظروف التي أدت إلى تحول الصحافة اليمنية إلى سلطة تابعة يجب أن نجيب أولاً على: هل توجد صحافة في اليمن حتى نتحدث عن كونها سلطة رابعة أو تابعة..؟!
أعتقد أن الإجابات ستكون واحدة وأن اختلفت أدواتها.. لا صحافة حقيقية وفاعلة في اليمن وإن رأى البعض أنني متحامل إلا أن هذه هي الحقيقة في نظري على الأقل، وعلى نفس السياق استرسل عبدالرحمن واصفاً حال الصحافة والصحفيين بالقول: أن وضع الصحفي في اليمن كمن يسير داخل حقل ألغام في ظل دور نقابي ضعيف الأداء ولا قانون يحمي حقوقه ويتجلى ذلك بوضوح من خلال قانون الصحافة التي قدمته الحكومة السابقة سيء الصيت الذي رفضته نقابة الصحفيين والصحفيين جميعاً حينذاك.. وهذا من أكبر الأدلة على أن الصحافة في اليمن لا يمكن لها أبداً أن ترتقي فعلياً لمسمى سلطة رابعة.. كما أن ما وصل إليه الصحفي من وضع معيشي في الحضيض يجعلنا نكرر نفس السؤال: هل توجد صحافة في اليمن؟!
كيفية استعادة الصحافة لسلطتها..!!
وعن الناشط الحقوقي مروان الأصبحي الذي بدا متفائلاً نسبياً بعد رحيل النظام السابق وقيام ثورة فبراير واضعاً جملة من الأسباب التي أعاقت الصحافة وجملة من المقترحات بقوله: أعتقد أن هنالك عوامل عديدة أدت إلى تبعية الصحافة من أهمها.. وزارة الإعلام وخروجها عن لوائح وقوانين الصحافة ووقوفها كعائق أساسي أمام حرية الرأي والتعبير، إضافة إلى نقابة الصحفيين نفسها التي ظلت لعقود طويلة تحت سيطرة وهيمنة الحزب الحاكم، وما نقترحه ونأمله نحن كناشطين وشباب ثائر خصوصاً بعد زوال نظام الثلاثة عقود من الاستبداد والفساد ومصادرة الحقوق أن يكون من أهم ثمار الثورة في عملية التغيير أن تتحول وزارة الإعلام إلى مؤسسة أو هيئة وطنية مستقلة مالياً وإدارياً وهذا يأتي ضمن أهداف ثورة 11 فبراير ..من أجل خلق وصناعة دور ووعي إعلامي حر من خلال ثقافة مجتمعية رائدة، وبهذا أو من هنا فقط تستطيع الصحافة والصحفيين استعادة سلطتها الرابعة وهيبتها المستمدة من حقائق وأدلة من قضايا ومطالب كل الوطن لا من املاءات حكام أو أنظمة.
تأرجح المعتقدات والقناعات
- أما القيادي المؤتمري م/ عبدالله صبرة فقد أكد على وجود الصحافة الحرة وأدواتها المهنية مع بعض الخلل موجزاً: أننا في اليمن نمتلك صحافة حرة نزيهة ومهنية وإن كانت تعاني الكثير من الإحباطات تتعلق أسبابها باعتقادي بالكاتب والصحفي نفسه أو بالمؤسسة الصحفية ومسألة تحول الصحافة من سلطة فعل إلى تابع فأظن أن هنالك خلل ما، ربما يكون ناتجاً عن شحة الموارد المادية والإعلامية أو نتيجة لتأرجح القناعات والمعتقدات والقناعات الصحفية والتي قد تكون متعمدة في بعض الأوقات وفق وحسب ما تقتضيه الظروف والمصالح، إلا أن ما تعودناه ونأمل استمراره وبقاءه أن تظل الصحافة سلطة رابعة تنتصر بالكلمة لقضايا المجتمع ومطالبه وأن لا تكون تابعة لأحد غير هموم وآمال الجماهير وهذه المسألة تعتمد أولاً وأخيراً على نظام وسلامة ضمير الصحفي.
إنتاج السلطة بأشكال وأدوات المعارض لها
- ومن الجانب الآخر تماماً وإضافة لما ذكر سابقاً عن وضع الصحافة وأوضاع الصحفي المعيشية الصعبة وعمليات الإقصاء التي تمارس ضد الصحافة الحرة وأدواته القمعية وغياب الهامش الديمقراطي تطرق د/ عادل الهويدي إلى حالة الانفصام السياسي لدى الصحافة في: أن كان هناك عوامل ما عملت على تحول الصحافة عن مبادئ وثوابت رسالتها بعد غياب الهامش الديمقراطي وقسوة المقص الرقابي على الصحافة بعدم وجود القضية والنفاق السياسي للمراكز القوى المتنفذة والمواقف المتذبذبة وعمليات التفريغ السلطوي لصحف المعارضة التي أعادت إنتاجه بأشكال وأدوات المعارض له.
الصحافة والسلطة ومستويات الوعي الاجتماعي
- أما الباحث السياسي والحقوقي ورئيس الرابطة الوطنية للموظفين المقصيين/ هائل المحجري فأعطى ترجمة نظرية لواقع الصحافة وتركيبة ووعي المجتمع والسلطة وبأكثر من جانب قائلاً: لا يمكن تناول الصحافة في بلادنا ودورها والمهام المناطة بها بمعزل عن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة على المستويين الرسمي والشعبي، أي بمعزل عن تركيبة وبنية المجتمع المختلفة، فالصحافة هي المرآة التي تعكس مختلف مستويات الوعي الاجتماعي والوعي الديني والسياسي والثقافي.
- واسترسل المحجري: إن العوامل والظروف والمتغيرات التي أثرت على الصحافة عائدة إلى السلطة ومنظومتها والمجتمع ومؤسساته المدنية ومستوى الوعي الفردي والجمعي الحقوقي- القانوني- السياسي والثقافي لدى العاملين في الصحافة ومؤسساتها وذلك يلعب دوراً هاماً في الوصول إلى مستوى الوعي الاجتماعي وحديثنا عن الصحافة ودورها الاجتماعي في ظل استفحال وهيمنة سلطة استبدادية وديكتاتورية لا تؤمن بالحقوق والحريات وقيم المساواة وأساليبها المختلفة في القمع والبطش والتعذيب الجسدي والنفسي لا يمكن له ولا للصحافة من الوصول إلى ما تسميه سلطة رابعة بشكل فعلي وملموس لأنها لم تكن في أي وقت من الأوقات في اليمن كذلك ولا يمكن لها أن تكون إلا في ظل تحول تاريخي ومصيري للمنظومة الحاكمة بشكل كامل وارتفاع وعي المجتمع وتفاعله الحقيقي مع قضاياه المصيرية وإيمانه الكامل بها.
تراخي الأداء السياسي والمعادلة الصحفية
- أما الناشط العمالي/ عبد الرحمن الهرش فقام بعملية ربط تاريخي للوضع السياسي والصحفي وأثر الصحافة في صناعة التحولات منذ قيام الوحدة حتى انطلاق ثورة فبراير منتصراً للصحافة عكس غالبية الآراء التي طرحت بقوله: لقد حدثت تحولات تاريخية في العمل الصحفي في اليمن بعد قيام دولة الوحدة عام 1990م حيث تسارعت وتيرة النشاط الصحفي في غضون ثلاث سنوات شكلت معادلة حقيقية لعمل الصحفي ودوره في التأثير على الشارع والجماهير أعقبتها انتكاسة حرب صيف 94 التي أثرت على الحياة الاجتماعية والسياسية بشكل عام وخفوت صوت الصحافة والأقلام الحرة نتيجة استمرار الوضع السياسي الرديء كنتاج للسلطة الفردية ذات الطابع العشائري الذي عكس نفسه على كافة المجالات ومنها سلطة الصحافة الرابعة وما رافق ذلك من انتهاكات وممارسات تعسفية تحت ضد أصحاب الأقلام والمواقف الوطنية الحرة إلا أنه ومع كل الظروف والمتاعب التي وأجهت النخب الصحفية
- وأضاف الهرش مسترسلاً: إن ما حدث بعد انتخابات 2003م من تراخ كبير في الأداء السياسي كان من أبرز العوامل التي أثرت على مستوى الصحافة في اليمن إلا أننا لا ننسى الصحافة المستقلة وما قدمته حينها من أدوار حقيقية وموازية بعد أن تم أجهاض الصحافة الحزبية وتميع مشروعها السياسي والاجتماعي الذي بدا متقطعاً وشحيحاً عكس ما كان عليه في السابق وما اعقبه ذلك من ركود وخمول إعلامي باستثناء القلة المقصية من النخب المستقلة حتى انطلقت ثورة 11 فبراير بانتفاضتها العفوية التي لم تكن إلا بفعل الوعي الوطني والسياسي المتراكم لدى المجتمع وفعل التوعية المدنية التي أنتجتها الصحافة والصحفيين ذوي الأقلام الحرة.
معانات الصحفيون
- ومن جانب آخر ورغم تطرق الكثير أو غالبية الآراء السابقة في التحقيق للوضع المعيشي والمادي الصعب للصحفي اليمني ونتائجها السلبية التي أدت إلى تبعية النخب الصحفية وركضها خلف من يلبي مطالبها واحتياجاتها المادية قبل العمل على إيصال رسالتها بطرق وقناعات متوازية كان رأي الأخ/ عبده أحمد زيد أكثر دقة وتقييماً لهذه الحالة واصفاً أولئك الصحفيين بشكل أكثر حدة( بالتباعة الجدد) من خلال قوله: إن الوضع والحالة المعيشية التي وصل إليها الصحفي اليمني مع كل الأسف وضع وحال أكثر من مأساوي يدعو إلى الحسرة على هذه النخبة والمكلفة بحمل الرسالة والقضية الوطنية والاجتماعية في ظل الإهمال المتعمد لهذه الشريحة من قبل الجهات المعنية، ومن المؤسف جداً أن نلقى الصحفي الأكثر مهنية واحترافية لهذا العمل هو الأكثر فقراً وتعاسة والعكس وما وصل إليه من وضع مزر يزداد سوءاً يوماً بعد يوم يجعل الصحفي أمام خيارين إما أن يظل على مبادئه ومواقفه متحملاً كل تبعات ونتائج ذلك منتظراً نزول ليلة القدر أو انقياده وتحوله إلى صحفي تابع مهما كان الثمن.
إقطاعية الصوت الفردي
- ويختتم الأخ/ فهمان عبد الرقيب التحقيق بالعودة إلى الزمن الجميل للصحافة متطرقاً لانعدام التنافس الشريف للصحافة والشراكة في الصوت والموقف بقوله: أن الضبابية التي غلفت الرؤى والقضايا التي تطرحها الصحافة اليمنية اليوم وعشوائية ما يتناوله الصحفي بطرق مبطنة بعيدة عن مضامين المهنة وبما يخدم المصالح والأهواء الذاتية صار اشبه ما يكون بالمقولة المتداولة ( المعنى في بطن الشاعر) وهذا ما يدعو ويصيب بالحسرة ويضع الصحافة في خانة العدمية ويجعلنا نعود بالذاكرة إلى أيام عبد الحبيب سالم مقبل ورفاقه التي كانت مقالاتهم وكتاباتهم تحدث زلازل ثورة وصحوة إرادة تحرك الجماهير بكافة شرائحها ومستوياتها وتوجيهاتها فأين الصحافة اليوم من صحافة الأمس التي لم يتبق منها سوى كومة من الذكريات المنسية ..أعتقد أن عبارة عبد الحبيب سالم مقبل الخالدة( الديمقراطية كلمة مرة) ليست إلا ترجمة بليغة لحال الصحافة اليمنية الراهنة التي سمحت وساعدت بخضوعها وانقيادها مقابل مصالحها ومشاريعها الذاتية على سطوة الصوت الفردي كلسلطة وشركائها واستقطاع الصحافة على حساب الشراكة والتنافس الحقيقي للصحافة وإجهاض المشروع الاجتماعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.