تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حقائق سياسية إستراتيجية على الجنوبيين أن يدركوها    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    اليمن: حرب أم حوار؟ " البيض" يضع خيارًا ثالثًا على الطاولة!    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    شبوة تتوحد: حلف أبناء القبائل يشرع برامج 2024    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    وفاة نجل محافظ لحج: حشود غفيرة تشيع جثمان شائع التركي    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأجينات».. المَقبرة الكَابُوس..!!
مسكونة بموتى بلا حصر.. شواهدهم متناثرة على امتداد البصر.. وحلم (الزليخا) المزعج يبقى الأطول.. بمراسيم عزاء لا تتوقف..
نشر في الجمهورية يوم 15 - 11 - 2012

(الأجينات) المقبرة الأشهر، ذات العمق التاريخي المُوغل في قلب (الحالمة).. المُزدحمة برفات أجيال.. دخلوا الموت من بابه الأصعب فلم يبوحوا بعد بمرارة التجربة؛ ما إن ولجت بوابتها حتى سارعت بديهتي بقراءة المثاني السبع، والدعاء بالغفران لكل الموتى المطمورين تحت أديمها المتماسك، ثمة فيض من العبرة المطحونة بالندم شدتني، جذبتني إلى ذلك الركام؛ وفي المقابل ثمة مفاتن دنيوية لم تلبث تحاصرني تطمئنني ب (أن دورك لم يحن بعد..)!!
أمام تلك التجاذبات سمحت لنفسي بالإيغال أكثر في تفاصيل الموتى، فقرأت بجلاء تاريخاً من النهايات المختلفة، تتباين فيه الأيام والأشهر والأعوام، إلا أن ولعي ب (التواريخ) طغى على رهبة الموت؛ لم أعد أتخيل صاحب القبر كيف جسده الآن!، بل كيف كان ماضيه قبل تاريخ نهايته المحتوم..!!.
رؤيا الزليخا
يتناقل أبناء تعز (ذي عدينة) حكاية أسطورية مفادها، أن (الأجينات) أو (الجنينات) كما هي تسميتها السابقة، كانت إبان الحكم الرسولي إحدى ضياعهم المُترعة بالخضرة والجمال، ولأهميتها - كونها قريبة من قصورهم الشاهقة، ومقار دولتهم الفتية- جعلها ملكهم الشهير المظفر الرسولي من صداق زوجته (الزليخا) التي حلمت أثناء نومها ذات مساء بحشد كبير من الناس يلجون من فرجها (مخرج الولد)، ولفضاعة الرؤيا وغرابتها استعانت بأحد مفسري الأحلام، الذي بدوره طمأنها بأنها ستوقف أرض (الجنينات) صداقها المعلوم، وتجعلها مقبرة لفقراء المسلمين إلى يوم الدين، الحكاية هنا نثرتها كما ترددها ألسُن العوام، وليعذرني القارئ لعدم استعانتي بمراجع تاريخية تعزز من مصداقية هذا القول؛ فالحكاية إلى حد ما معقولة وإلا لما تناقلتها الألسن وحفظتها العقول..
أشباه أشباح
(الأجينات) اليوم مسكونة بموتى بلا حصر، شواهدهم متناثرة على امتداد البصر.. و (قبارين) هم كما يصف أحدهم (عائشين بين الحياة والموت) فيما هيئتهم تفصح عن (أشباه أشباح) بأجساد كالحة لم ينفض عنها حتى غبار الموتى.
- في البدء التقيت الحاج سيف محمد سعيد 85 عاماً كبير (القبارين) ومسئولهم المباشر وأحسنهم حالاً من حيث المظهر والاستقرار العائلي، فصلته بالعالم خارج المقبرة تتكرر على الدوام فهو متزوج وأب لستة أبناء ذكرين وأربع بنات، وصل إلى عمله هذا (توريثاً) فأبوه وعمه وجده، القادم أصلاً من منطقة (الأخلود مقبنة) كانوا هنا وماتوا هنا، حتى قدر له أن يستلم الراية قبل عدة سنوات بعد أن أعلن تقاعده من عمله الرئيسي في البلدية..
- الحاج سيف صلته بالمقبرة قديمة جداً، فهو دائماً ما كان يتردد عليها ليمارس مهمة آبائه وأجداده ويساعدهم باقتدار، له غرفة مستقلة أمام البوابة الرئيسية للمقبرة من خلالها يستقبل حجوزات القبور، ويتفاوض على أسعارها، ويشرف على أحوال المقبرة بتواصله المستمر مع مكتب الأوقاف في المحافظة.
حياة مُعذبة
هناك عذاب القبر وعذاب (القبارين).. وأقصد بتوصيفي الأخير تلك الحياة القاسية التي يعيشها أولئك (القبارون) الذين تسنت لي مقابلة غالبيتهم، أثناء رحلة الغوص في تفاصيل الموتى، استوقفتني غرفة صغيرة (دُشمة) كما هي تسميتها في اللغة الدارجة؛ تستوطن قلب المقبرة، يطوف عليها حشد كبير من الكلاب الضالة، رغم ذلك العائق قررت الاقتحام، فإذا بي أقف أمام عجوز كهل مستلق بجانب تلك الغرفة، يدعى محمد الزعيل عمره (80) عاماً، النصف من ذلك قضاه في دهاليز هذه المقبرة قادماً من بلاده (آنس) محافظة ذمار، فلا زوجة ولا ولد ولا شيء من هذا القبيل، حتى العقل بلا شماتة صار غير موزون؛ بدليل تباهيه أنه المسئول عن المقبرة؛ وأن تلك الغرفة لا تخصه فهو لا ينام إلا على الهواء الطلق وبجانب كل هذه الكلاب؛ فيما قاطعني أحد زوار المقبرة ب (سيبك منه هذا قد هو ميت.. يأكل ويشرب من المقبرة.. يوماً يأكل وخمسة أيام بلا أكل).
خفيف نظيف
داخل تلك الغرفة ينام قرير العين، سليمان محمد سعيد، حاولت جاهداً إيقاظه من نومه العميق، أو موتته الصغرى لأفاجأ أن حاله كما تحدث لاحقاً لا يختلف عن الزعيل، وإن كان أصغر منه بسنوات قليلة، إلا أن عمره المهني في هذه المقبرة تجاوز ال (47) عاماً، وهو الآخر صلته بالعالم الخارجي محدودة فأهله وزوجته وخلانه هي هذه المقبرة العتيقة.
- سألت سليمان عن طبيعة مهامهم فكانت إجابته أنهم يختصون بحفر القبر وتهيئته وإعداده حسب طلب أصحاب الميت، ومن ثم البناية عليه وطوايته أو تركه في التراب، مفصحاً عن وجود أنواع مختلفة من القبور سواء من حيث الهيئة أو التصميم أو من ناحية السعر.
- وعبر سليمان عن ارتياحه لهذه المهنة التي كما يصف فهي (تكفيه مشقة السؤال.. وأنه قانع بعمله هذا.. الأهم عنده راحة البال حتى ولو بجوار الموتى.. وأجمل شيء في هذه الحياة أن يرحل الواحد منا إلى العالم الآخر (خفيف نظيف) لا آذى هذا ولا سرق هذا ولا .. إلخ.
سليمان صار في آخر حديثه واعظاً وهذا باعتقادي كونه قضى ما مضى من عمره مجاوراً للقبور وأنين الموتى وصدق رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه حين قال (كفى بالموت واعظاً)
- وعن العدد المتوسط للموتى الذين تستقبلهم (الأجينات) في الأسبوع الواحد أجاب سليمان يختلف العدد من أسبوع لآخر أحياناً تستقبل واحداً وأحياناً اثنين وأحياناً ثلاثة وأحياناً أكثر وأحياناً (ما فيش).
كثير من الخوف
مما لاشك فيه أن مجاورة الأموات فيه مخاطرة كبيرة، وتحتاج إلى قلب جامد ومن حديد..!!
فأنا شخصياً حتى أمر فوق مقبرة وفي هجعة الليل قضية أعمل لها ألف حساب.. أجبرتني الظروف - ذات مساء قديم- بأن أمر فوق مقبرة كبيرة تطل على قريتي في جبل صبر، فإذا بي مع هدأة الليل أستمع وبوضوح أنات مكلومة، لميت دفن حديثاً، فما كان مني إلا أن وليت هارباً وبسرعة البرق ومن طريق لا أعرف كيف مررت عليها.
- تلك حكاية لا أتحرج من البوح بها، هناك في (الأجينات) تذكرت تفاصيلها جيداً قد يكون دوي المدينة المزعج فيه كثير من الاطمئنان؛ إلا أن المقبرة في نظري تبقى مقبرة؛ وفيها ما يبعث الرهبة والخوف..
- هنا لا ينكر سليمان محمد سعيد بأن العيش مع الموتى (حياة مليئة بالكوابيس المزعجة..) يشاركه الرأي الحاج سيف محمد الذي صادف أن خرج ذات ليلة لقضاء حاجته فإذا به يرى رجلاً لابساً (بذلة جديدة) بيضاء من الحذاء حتى العمامة؛ اقترب منه والرجل يبتعد؛ يسأله عن هويته ولا جواب وبعد أن قرأ الحاج سيف (والسماء والطارقِ) اختفى الرجل بلا عودة!!.
- بينما يقول خالد سفيان، أحد جيران المقبرة إنه قبل سنتين رأى من نافذة منزله المطل على المقبرة جذوة نار تهبط من السماء مستهدفة أحد القبور، وأنه كان لارتطامها فوق القبر دوي مسموع.
- ولتعزيز الاستشهاد فقد حكى لي أحدهم أن امرأة سيئة السمعة توفيت في مدينة تعز أيام الإمام، وقد نسي أحد القبارين في مقبرة الأجينات (معوله) في المجنة التي قبرت فيها ولم يكونوا بعد قد أتموا الردم، فأقنع زملاءه بأنه يريد استعادة معوله مما اضطرهم للحفر من جديد، فإذا بذلك الحفار يرى ثعباناً كبيراً ممتداً أمام المرأة ويلدغها فوق لسانها وهو الأمر الذي أفزع حينها الجميع وتناقله كل أبناء تعز.
الجيش الدفاعي
يقول الحاج سيف محمد بأن مقبرة (الأجينات) لم تكن بهذه المساحة المحصورة داخل هذا السور يقصد سورها المستحدث فهي كانت أكبر من ذلك، مستشهداً بأن غالبية المنازل والشوارع المجاورة قامت على أنقاضها وبعثرت بكرامة الكثير من الأموات، الحاج سيف نشر أيضاً جانباً من تاريخ المقبرة الحديث، فهي كما يصف حافلة بالكثير من القبور القديمة المطلية بالقضاض، كما شيدت عليها الكثير من (المجن) وهي قبور جماعية محصورة داخل أنفاق عريضة وضيقة قد تضم أكثر من (خلوة) غرفة صغيرة، وطاروداً طويلاً يصل إلى الباب.
- وهنا يتذكر الحاج سيف والده الذي كان أيام الإمام عندما اجتاح مرض مميت الجيش الدفاعي، كان لا يخرج من داخل هذه “ المجن، إلا بعد أن تمتلئ بالموتى نظراً لكثرة عددهم، وأن أباه أيضاً كان ينام داخلها جوار الموتى الجدد، مضيفاً في ذات السياق أن مقبرة (وادي المدام) أسفل المستشفى الجمهوري أسست في ذلك الوقت وقد ملأها جيش الإمام الدفاعي تماماً.
الأسعار تتفاوت
هناك كلام مشاع بأن أسعار القبور اليوم صارت في (العلالي) وهي الشكوى ذاتها التي تبادرت إلى مسامعي من أكثر من مواطن، وإن كانت تتفاوت من لسان إلى آخر، إلا أن الأمر الذي هالني حين أفصح أحدهم أن قبر أبيه المتوفى كلفه (35,000) ريال (راتب شهر) هكذا قال!!
- حين سألت الحاج سيف محمد سعيد ، مشرف مقبرة (الأجينات) نفى ذلك قطعاً مضيفا: صحيح أن أسعار القبور تتفاوت ولكنها لم تصل إلى ذلك السعر المهول ولن تصل، محدداً أسعار القبور لديهم(بثلاثة آلاف أو أربعة آلاف أو خمسة آلاف وقد تصل إلى عشرة آلاف مع الإسمنت) مع العلم الكلام لي هنا أن وزارة الأوقاف حددت قبل أكثر من عام أسعار القبور في المقابر التي داخل المدن وقد حددت سعر القبر ب (7) آلاف ريال لكبار السن، والأطفال ب(4) آلاف ريال فيما الفقراء ب (3) آلاف ريال.. كما أردف الحاج سيف أنهم أحياناً يدفنون الموتى بأقل من ذلك السعر.. كما أنهم يستقبلون عادة موتى من المستشفيات أو مجانين ومشردين في الشوارع ويدفنوهم ب (بلاش) ثواباً لله تعالى.
وأضاف: أحياناً يأتي شخص أو شخصان ومعهم طفل ميت أو عجوز يريدون دفنه، في هذه الحالة لا ندعهم يعملون شيئاً حتى يأتوا بتصريح دفن أو شهادة وفاة فمن يدري ربما كان ذلك الميت ضحية حادث مروري أو جريمة قتل غامضة.
استر ما ستر الله..
قيل لي مسبقاً إن مقبرة (الأجينات) تحولت إلى مرتع خصب للمتسكعين ومحببي (الديزبام) وسكارى (الأسبورت وقناني الديتول) وإن كنت أثناء جولتي الاستطلاعية قد لا حظت بقايا تتناثر هنا وهناك.. إلا أنها - واقعاً - لا تؤكد ما ذهبت إليه آنفاً؛ لأنها حسب ما وجدته لم تتجاوز بقايا أعواد القات وعلب السجائر الفارغة، وما خفي يعلمه الله.. رغم ذلك، الشكوك لم تفارق مخيلتي، ولتفنيدها أو تأكيدها التقيت بالأخ نديم الذبحاني ، حارس المقبرة المعتمد من مكتب الأوقاف في المحافظة ، الذي، بدوره لم يفند تلك الشكوك؛ لأنها كانت موجودة ومعاشة من قبل.
- وبالنسبة للحال الآن فهو حسب وصفه مختلف للغاية، وتغير إيجاباً بصورة بات يلحظها الجميع، نديم قال إنه يصادف أثناء عمله مجموعة من أولئك المتسكعين إلا أنه يتعامل معهم برفق فهو ليس لديه سلاح ناري أو أبيض، لأن (الكلام الحسن) هو سلاحه الذي يردع به أولئك المتسكعين؛ وقد أثمر.. والواقع حسب توصيفه يشهد.
- طلبت من (نديم) أن يحدثني بأبرز موقف حدث له خلال عمره المهني مع أولئك المتسكعين أو سواهم، فأجاب بتكتم: استر ما ستر الله.. وهي العبارة التي ولدت في رأسي ألف سؤال وسؤال.. ورغم إصراري الشديد وسعيي لكشف المستور، إلا أن صاحبنا نديم أبى واستعصى أن يبوح بأي شيء.
- نديم أخرج نفسه من ذلك (المطب) الذي أدخل نفسه فيه إلى حديث آخر عن أناس يزورون المقبرة في أوقات متقطعة، أسماهم ب ( الضباحى) فهو ما إن يبادر بسؤال أحدهم عن سر تواجده، حتى يباشره الآخر بعبارة “أسألك بالله خلي لي حالي!، وأضاف: أن زيارة المقبرة تزيل الهم والحزن وتجعل المكروب ينسى همه فهو يبوح بأسراره المكلومة للموتى الذين إن سمعوا كانوا خير كاتم للسر، كما أن المقبرة تضفي على زوارها مزيداً من القناعة والروحانية وتكشف قبح الدنيا وحقارتها وأنها لا تساوي شيئاً..
اعتداءات متكررة
صادف في مرات سابقة أن قام بعض هؤلاء المتسكعين بالاعتداء بالضرب أو ما شابه على(قباري الأجينات) وهنا يقول الحاج سيف محمد أنه لم يسلم من مثل ذلك فقد ظل لفترة ضحية لأحد أولئك المتسكعين الذي لم يرحم (شيبته) ولا سنه الكبير - كما قال- وقد تجاوزت أساليب ذلك المتهور التهكم بألفاظ نابية إلى الاعتداء المباشر، وهو الأمر الذي أخرج الحاج سيف عن صمته حيث سارع لإبلاغ الجهات الأمنية التي بدورها أنصفته وجعلت ذلك المعتدي يوقع على ورقة فيها التزام شخصي بأنه إذا ولج مقبرة (الأجينات) فإن دمه مهدور، كما أضاف: أنه يقابل بين الفينة والأخرى بعضاً من أولئك المتسكعين، وإذا ما سألهم عن ماذا يفعلون هنا، يزجرونه بقوة ب (رحلك من هنا يا عجوز..) أو (خلي لنا حالنا قبل ما....).
وفي هذا الصدد طالب خالد سفيان - أحد جيران المقبرة، بتوفير حراسة أمنية مشددة، أو تسيير دوريات من رجال الأمن مهمتهم الحراسة والمراقبة الليلية، وهذا بدوره سيعزز من قيمة المقبرة المبعثرة وستجعل أولئك المحببين والمتسكعين يعملون لمجيئهم إليها في الساعات المتأخرة من الليل ألف حساب، وحسب توصيف خالد أن ثمة أعمالاً مشينة، تتم داخل المقبرة والضرورة تستدعي الوقوف أمامها بشدة وأن تلك الأعمال ليست حكراً على المتسكعين والمحببين فحسب بل حتى المجانين يأتون إليها.
التين الشوكي
يؤكد المسئولون على (الأجينات) أن هذه المقبرة تستقبل الموتى من عهد الدولة الرسولية التي كانت في القرن السادس الهجري أي قبل ثمانمائة عام، والملاحظ خلو تلك الأضرحة المقضضة دليل قدمها من تواريخ الوفاة، والذي أثار استغرابي وجود أحد تلك القبور مهدماً، وأيادي النبش قد دخلت في عمقه كثيراً.. حينها سألت الحاج سيف مسئول المقبرة بأنه متهم وزملاؤه بنبش القبور القديمة واستبدالها بقبور جديدة؟!، سؤالي الاستفزازي لم يكن بسيطاً عند الحاج سيف؛ بل تهكم على من يقول مثل هذا الكلام مضيفاً بسخرية: المقبرة أولاً وأخيراً كبيرة، وهناك مساحات منها غير مستغلة، فأشجار التين الشوكي مسيطرة عليها وهي بحاجة إلى الاستغلال الأمثل وهذا العمل المشين لا يقوم به حتى الكافر.. ودعا الحاج سيف مكتب الأوقاف إلى زيادة الاهتمام بمقبرة (الأجينات) سواء الاهتمام بمتطلبات القبارين وتوظيفهم ولو حتى برواتب رمزية، وإكمال تسوير المقبرة وسد الثغرات المستحدثة، وتخليص الأراضي المجتزأة منها نهباً من بعض المتنفذين، وخلص إلى أن حرمة المقابر اليوم صارت منتهكة، والواجب أن تتكاتف الجهود في سبيل الحفاظ عليها دون إهدار لكرامة المدفونين تحت ترابها..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.