المخلفات الصلبة أو ما يُعرف في اليمن بالقمامة هي المواد التي تم استهلاكها من قبل الإنسان وأصبحت مواد تضر بالبيئة ولقد زادت كمية المخلفات الصلبة نتيجة لارتفاع المستوى المعيشي والتقدم الصناعي والتطور الاقتصادي بحيث شهد العصر الحديث تقدماً مذهلاً في كمية المخلفات الصلبة وخصوصاً القمامة المنزلية بحيث تعتبر من أهم المشاكل البيئية المعاصرة والتي تواجه العالم وخصوصاً الدول النامية وذلك لكونها احد مصادر التلوث في هذه الدول، فوجود المخلفات بصفة عامة يسهم بشكل مباشر في تلوث البيئة وهذا بدوره له آثار سلبية على صحة الإنسان وإنتاجه ، كما يساعد على انتشار الأمراض وزيادة نسبة الوفيات وانخفاض نسبة الرفاهية، فالصحة المعتلة تزيد من عرقلة التنمية . تنبع مشكلة القمامة في المجتمعات الحديثة من تراكم المخلفات المنزلية والتي تمثل مكوناتها من بقايا الطعام والصحف وورق الكرتون ومكونات متعددة من البلاستيك والزجاج والصفائح المعدنية وبقايا الأثاث. وتتناسب مع ارتفاع دخل الفرد والمستوى الاقتصادي للبلد , وتختلف بين الدول المتقدمة والدول النامية ، ويبدو ان مشكلة المخلفات المنزلية من أهم المشاكل التي تواجه الدول والمجتمعات وخصوصاً دول العالم الثالث والتي منها الجمهورية اليمنية، حيث أدت الزيادة الكبيرة للسكان والتوسع الكبير للمدن خصوصاً بعد الهجرة الكبيرة من الريف الى المدينة وانتشار المناطق العشوائية وعدم قدرة الجهات المعنية بجمع وتصريف المخلفات والسيطرة على الكميات المتراكمة من القمامة والناتجة عن الاستهلاك البشري مما يؤدي إلى تراكمها في الشوارع والأزقة والحارات مسببة الكثير من الأمراض كما ان الطرق الحالية والمعمول بها في كثير من الدول النامية والتي منها اليمن للتخلص من المخلفات الصلبة تعمل على تدمير البيئة فأماكن النفايات المكشوفة تعمل على الإساءة والتشويه للمجال الطبيعي للأرض وتخلق ما يسمى بالتلوث البصري كما توفر مأوى للفئران والحيوانات الضالة الأخرى الناقلة للأمراض وقد تحتوي تلك الأماكن المكشوفة على مواد سامة قد تتسرب إلى المياه الجوفية او مجاري المياه العذبة ويتم التخلص من المخلفات الصلبة في اليمن بإلقائها في المقالب المكشوفة والتي يبلغ عددها 20 مقلباً تتوزع في معظم محافظات الجمهورية بحيث تلقى تلك المخلفات من دون فرز والتي تحتوي على مخلفات طبية وصناعية لا يتم فصلها او فرزها لعدم وجود نظم مستقلة بها.. ولا تدرك الجهات ذات العلاقة خطورة تلك المخلفات وكيفية الاستفادة منها كمصادر للطاقة او إعادة تدويرها وسوف نأخذ مثالاً على ذلك مقلب مدينة تعز حيث يتم تصريف المخلفات الصلبة بحيث ترمى من سيارات الجمع وتركها دون أي معالجة بحيث لا تتم في المقلب عمليات التدوير عدا إشعال ذاتي للنيران بفعل تفاعلها الكيميائي او حرقها من قبل الأفراد المعنيين بالتخلص منها مما يؤدي الى تصاعد الأدخنة والغازات السامة في أماكن متعددة في المقلب ويساهم في زيادة التلوث الهوائي في المنطقة ناهيكم عن الروائح الكريهة والأبخرة المتصاعدة والكلاب الضارة بالإضافة الى الأبقار والأغنام التي ترعى في نفس المقلب والتي تصاب بالعديد من الأمراض وتنقلها الى الإنسان والطيور التي تملأ فضاء المكان متزامنة مع تطاير أكياس البلاستيك والتي تنتشر بصورة كبيرة ومذهلة، كما ان رطوبة المكان تؤدي الى سرعة تخمر المواد الغذائية مما ينتج عن ذلك روائح كريهة تمتد آثارها إلى المساكن المجاورة للمقلب ، كل تلك الأسباب أدت إلى تدهور الوضع البيئي في المناطق المجاورة للمقلب بشكل كبير والتي قد يصل تأثيرها الى داخل مدينة تعز بثقلها التاريخي وحاضرها البيئي التعيس . وحيث ان المقلب فضاء عام غير مراقب فقد اتخذه مجموعة من الفقراء كمنقذ من فقرهم دون وعي بالأخطار التي تهددهم حتى الصغار بأجسامهم النحيلة يتسابقون على نبش وتفتيش تلك المخلفات والبحث عن مواد قابلة للبيع والاسترجاع ومما ضاعف من مشكلة المخلفات الصلبة في مدينة تعز هو ان العاملين في قطاع النظافة محرومون من الكثير من الحقوق مقارنة بالعاملين في قطاعات العمل الأخرى حيث ان غالبية عمال النظافة يتقاضون أجوراً متدنية واقل من الحد الأدنى للأجور مما يدفع بهم في كثير من الأحيان إلى الإضراب المستمر عن العمل لعدة أيام مما يؤثر سلباً على تراكم المخلفات وبقائها في الشوارع لعدة أيام ناهيك عن العادات الاجتماعية السائدة في المجتمع اليمني والتي تنظر باحتقار الى كل من يزاول مهنة النظافة، كل تلك الأسباب جعلت العمل في قطاع النظافة من أسوأ الخيارات . يتضح لنا مما سبق ان المخلفات بالنسبة لنا ولكثير من الدول النامية مشكلة بيئية كبيرة يصعب التعامل معها وتتفاقم يوماً بعد يوم وتؤرق همّ الجميع لكن لو نظرنا إلى هذه المشكلة من منظار الدول المتقدمة سنجد انها ليست مشكلة وإنما تعتبر مورداً اقتصادياً هاماً من مصادر الدخل بالإضافة الى اتخاذ تلك الدول سياسة الوقاية خيرمن العلاج حتى لا يتم إهدار المال العام في معالجة الآثار السلبية لتلك المخلفات فعلى سبيل المثال تدخل المخلفات الصلبة من ضمن موارد الدولة في المملكة المتحدة ضمن الميزانية السنوية للدولة ويعود السبب في ذلك الى كثرة المواد الهائلة من المخلفات في بريطانيا والتي يتم فرزها وجمعها ومن ثم إعادة تصنيعها كمواد خام للكثير من الصناعات وهذا ما يُعرف بتدوير المخلفات الصلبة، حيث عمدت تلك الدول إلى إعادة استعمال تلك المواد كمواد أولية في عدة صناعات كصناعة البلاستيك والصناعات المعدنية والصناعة الكرتونية والورقية وصناعة الأسمدة والمخصبات الزراعية ، ففي جمهورية ألمانيا الاتحادية واستراليا يتم فرز القمامة من المصدر بحيث توضع ثلاث حاويات للقمامة بألوان مختلفة واحدة للمواد القابلة لإعادة التدوير والثانية للمواد العضوية وواحدة للمخلفات العامة فضلاً عن وجود ثلاث حاويات للزجاج بألوانه المختلفة كما توجد في دول أوروبا في كل بناية قنوات تفرغ فيها القمامة المنزلية إلى أسفل البنايات و في كندا والولايات المتحدةالأمريكية توجد إرشادات خاصة بتغليف وتعبئة المنتجات بحيث توضع إرشادات فوق تلك العلبة بحيث يعرف المستهلك ان كانت قابلة للتدوير او يمكن إعادة تعبئتها.. كما تم فرض رسوم على المنتجات التي تستعمل مرة واحدة فقط والتشجيع على شراء المنتجات التي يمكن استعمالها عدة مرات وتشجيع استخدام الأكياس الورقية والقطنية كبديل للأكياس البلاستكية وشراء الاحتياجات في عبوات كبيرة وتجنب شراء المنتجات ذات التغليف الزائد والعمل على زيادة عمر المنتج بزيادة قوة تحمله وإمكانيات إصلاحه لإعادة استعماله مرة أخرى ، كما عمدت تلك الدول إلى تخفيض إنتاج المخلفات من المصدر وعملت على توعية المستهلك بشراء المنتجات القابلة للتدوير والتي يمكن التخلص منها بعد انتهاء وضيفتها بحيث لا تضر بالبيئة، لقد عمدت تلك الحكومات في الدول المتقدمة إلى تغيير العادات الاستهلاكية لتقليل استهلاك المواد من خلال برامج تثقيف وتوعية مستمرة للمستهلك هذا بالنسبة للمخلفات عندما تكون في المصدر أو بيد المستهلك لكن بالنسبة للمخلفات التي تم فرزها ونقلها الى المقلب فيتم التعامل معها بالطرق التالية: تدخل كثير من المواد العضوية في إنتاج السماد البلدي من المخلفات العضوية المنزلية واغلبها بقايا أطعمة بحيث يتم معالجتها بيولوجيا وبطرق سهلة وتحويلها الى سماد عضوي والاستفادة منه في رفع إنتاجية المحاصيل الزراعية.. كما يتم إنتاج البيوغاز من معالجة المواد العضوية حيث يتكون غاز الميثان والذي يستعمل كمصدر للطاقة في الإنارة والتسخين والطهي وغيرها من الاستعمالات المختلفة ، فضلاً عن توليد الطاقة الكهربائية وذلك أثناء حرق المخلفات لتسخين الماء داخل أنابيب ينتج عنه طاقة بخارية كبيرة توظف في توليد الطاقة الكهربائية وكذلك في تسخين المياه وتوزيعها على المنازل لاستخدامها كطاقة حرارية وتزداد ثقة العالم بهذه العمليات المتطورة لأنها توفر طاقات متجددة مأمونة ومجربة ففي عام 2007م كان هنالك أكثر من 600 محطة كبيرة لتحويل المخلفات الصلبة الى طاقة في اكثر من 35 بلداً حول العالم وتأتي الدنمرك كأول دولة في استغلال المخلفات وتحويلها الى مصادر طاقة تليها السويد وبلجيكا وألمانيا وهولندا واسبانيا واليابان والولايات المتحدةالأمريكية وقد تمكنت الشركة الأمريكية فود لكروم بولاية نيفادا من تحويل 40 مليون لتر ايثانول من 95 ألف طن من المخلفات والذي يستخدم كوقود للسيارات وقد بدأت بعض الأقطار العربية في إقامة مثل هذه المشاريع كدول الخليج العربي والأردن وتونس ولبنان، كما يتم تحويل المخلفات العضوية الى حدائق عامة بحيث يتم وضعها وضغطها في حفر كبيرة وتغطى بالتراب فتعمل البكتريا على تحليلها وتحويلها الى أسمدة عضوية حيث تقام عليها الحدائق والمتنزهات العامة . ان كل ما سبق ذكره يتم في الدول التي أدركت أهمية تلك المخلفات وكيفية ترشيدها والاستفادة منها بما يحقق حماية الثروات الطبيعية والمواد الخام في تلك الدول فضلاً عن إيجاد فرص عمل جديدة والتخفيف من البطالة. وإننا في الجمهورية اليمنية وفي مدينة تعز بحاجة إلى الاستفادة من خبرة تلك الدول في إدارة المخلفات الصلبة للاستفادة منها والتقليل من آثارها البيئية ولابد من التوعية البيئية بأهمية الفصل الميكانيكي لمكونات المخلفات والتي تتمثل في إرسال المخلفات الصلبة لفرزها وتصنيفها ثم إعادة تدويرها مرة أخرى ومن ثم إرسالها إلى المصانع كمواد أولية للصناعات الورقية والمعدنية والبلاستكية والزجاجية مع الأخذ في الاعتبار ان هذه المواد لا تحتاج إلى كثير من الطاقة كما هو الحال في حالة المواد الخام التي تدخل في الصناعة لأول مرة . وفيما يتعلق بالمخلفات العضوية الناجمة عن الأطعمة فيمكن إعادة تدويرها في صناعة الأسمدة العضوية والاستفادة من ذلك في رفع درجة خصوبة التربة وزيادة المحاصيل الزراعية وما يصعب تدويره فيمكن معالجته عن طريق الدفن او الحرق الآمن والاستفادة من ذلك في توليد الطاقة الكهربائية كما يمكن الاستفادة من المقلب بتحويله إلى غابات خشبية تروى بمياه الصرف الصحي المعالجة فتكون الاستفادة ذات وجهين اقتصادية وبيئية وختاماً نقول: ان عمليات إدارة المخلفات الصلبة في المدينة يمكن ان تساهم بدور كبير في الحفاظ على بيئة المدينة إلى جانب دورها في النمو الاقتصادي للعديد من الصناعات الوطنية على اعتبار ان تدوير المخلفات من اهم الطرق التي سوف تساهم في توفير المواد الخام وتوليد الطاقة الكهربائية والحرارية وهذا بدوره يحتاج إلى إرادة سياسية وقرارات شجاعة ووعي سكاني كبير بأهمية الفصل وإعادة التدوير خدمة للبيئة ومحافظة على الصحة العامة ولا نغفل دور القطاع الخاص في القيام بدوره الفعال في تفعيل هذا الجانب الاقتصادي الهام . *امين عام جمعية اصدقاء البيئة وتنمية المجتمع - تعز