لم يكن يخطر بالبال انه سيأتي اليوم الذي تتحول فيه الفضلات والمخلفات إلى ثروة اقتصادية والى مورد متجدد بل وتصبح القمامة احد مصادر الدخل القومي في بعض الدول وسوقاً للتبادل التجاري فيما بينها .تعرف المخلفات الصلبة بأنها جميع المواد الناتجة عن النشاط البشري ويتم الاستغناء عنها عند انتهاء الحاجة إليها ، ومعظم هذه المواد قابلة للتدوير وإعادة الاستفادة منها وذلك باستخدامها كمواد خام لصناعات جديدة فلم تعد هذه المخلفات مشكلة بيئية يصعب التعامل معها او التخلص منها بقدر ما أصبحت ثروة قومية متجددة ومورداً اقتصادياً متميزاً، لقد أدركت الكثير من بلدان العالم هذه القيمة الاقتصادية المتجددة كمواد خام للكثير من الصناعات بالإضافة الى الاستفادة منها في توليد الطاقة الكهربائية وكل ذلك يتم بأرخص الأثمان وبكلفة اقل ولذلك عمدت الدول المتقدمة الى وضع المخلفات من ضمن الموارد الاقتصادية لتلك الدول ولا نبالغ اذا قلنا بأنها تدخل ضمن الموازنة العامة للدولة في الدول المتقدمة بل وسنت قوانين بيئية تتعلق بإعادة التدوير ، اما بالنسبة لنا فتعتبر من أهم المشكلات البيئية الكبرى وذلك لتأثيراتها الضارة على الصحة العامة وتشويه الوجه الحضاري للبلاد وتتكبد الدولة خسائر كبيرة في رفع المخلفات الصلبة وترحيلها إلى المقالب خصوصاً مع الزيادة الكبيرة لتلك المخلفات والتي تصل إلى 400طن يومياً بالنسبة لمدينة تعز لتصل الى أكثر من مائة ألف طن سنوياً، والزيادة المستمرة لعدد السكان تزيد من الاستهلاك يوما بعد يوم مما يؤدي الى زيادة مستمرة في حجم وكمية المخلفات والتي يجب التخلص منها، ومع غياب الإدارة المتكاملة للمخلفات الصلبة تظهر المشكلة الكبيرة التي تعاني منها مدينة تعز وهي مشكلة التخلص من القمامة وتراكمها في الشوارع او في المقلب المكشوف في منطقة حذران مما يؤدي الى مشاكل صحية ويشكل بؤرة لنمو الحشرات والحيوانات وناقلات الأمراض كما ان تعرض المقلب للأمطار يؤدي الى تحلل تلك المخلفات وتسربها الى التربة والى خزانات المياه الجوفية في المنطقة وإذا ما تم التخلص منها عن طريق الحرق فهذا ينتج عنه كميات كبيرة من الغازات والأدخنة والروائح الكريهة التي تلوث المنطقة خصوصاً مع قرب المقلب من البيئة الحضرية للمدينة ووقوعه على الطريق الإقليمي الذي يربط مدينة تعز بالحديدة ، وكان بإمكان الدولة ان توفر تلك النفقات الكبيرة في معالجة الآثار السلبية الناجمة عن تلك المخلفات لو فكرت بطريقة صحيحة في كيفية التعامل الجاد مع هذه المخلفات وكيفية الاستفادة منها وليس ما هو حاصل الآن حيث تحتاج تلك المخلفات الى نفقات كبيرة للتخلص منها مما يضيف أعباءً إضافية على الخزينة العامة للدولة ولابد من المعالجة الجادة لهذه المشكلة من جذورها والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في تحويل القمامة من مشكلة الى مورد اقتصادي هام وإعداد مشروع كبير يتم من خلاله استغلال تلك الكميات الكبيرة من القمامة والتي تمتلئ بها شوارع المدينة خصوصاً المخلفات القابلة للتدوير والاستفادة منها كمواد خام والتي تشمل الورق والبلاستيك والزجاج والمعادن والقماش والحديد والألمونيوم والعظام كما انه بالإمكان إعادة تدوير المواد العضوية وذلك بهدف استخلاص غذاء للحيوانات بحيث يتم تجميع المواد العضوية المتبقية من المنازل والمطاعم والفنادق وغيرها وتعالج بحيث يتم تجفيفها وقتل الكائنات الدقيقة المسببة للأمراض بواسطة الأشعة فوق البنفسجية. ويعتبر الغذاء المستخلص بهذه الطريقة غنياً بالزلاليات والدهنيات وذا جودة عالية وقبل ذلك لابد من التعرف على نسب تلك الأصناف المكونة للمخلفات وتوفير قاعدة معلومات دقيقة ومعتمدة للمستثمرين والباحثين وتشجيع الاستثمار في مجال المعالجة وإعادة التدوير. ان القمامة التي تعتبر من أهم المشكلات المزمنة بالنسبة لنا هي في الأساس ثروة قومية من الممكن ان تمثل احد أهم مصادر الدخل القومي لليمن بدلاً من أن تكون مصدراً من مصادر استنزاف الخزينة العامة للدولة كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر ان مشكلة القمامة لن تنتهي أبداً إلا إذا أيقن الجميع بأهمية الاستفادة منها وتحويلها إلى ما يفيد وبدلاً من حرقها في الهواء مسببة تلوث الهواء بالإمكان حرقها بطرق صحية وآمنة والاستفادة من تلك الطريقة في توليد طاقة كهربائية ونحن اشد ما نكون إليها خصوصاً مع العجز المستمر والانطفاءات المتكررة كما انه بالإمكان فرز المخلفات المنزلية والاستفادة منها في إنتاج السماد البلدي بحيث يتم معالجتها بيولوجياً وبطرق سهلة وتحويلها الى سماد عضوي والاستفادة منه في رفع إنتاجية المحاصيل الزراعية بالإضافة الى إنتاج البيوغاز من معالجة المواد العضوية حيث يتكون غاز الميثان والتي تعتبر مقالب القمامة من اكبر مصادر هذا الغاز والذي يستعمل كمصدر للطاقة والإنارة والتسخين والطهي وغيرها من الاستعمالات المختلفة فضلاً عن توليد الطاقة الكهربائية وذلك أثناء حرق المخلفات لتسخين المياه داخل أنابيب بحيث ينتج عن ذلك طاقة بخارية كبيرة توظف في توليد الطاقة الكهربائية وكذلك في تسخين المياه وتوزيعها على المنازل لاستخدامها كطاقة حرارية في تدفئة المنازل أثناء فترة الشتاء القارس البرد.. لقد ازدهر في العالم المتقدم هذا القطاع الاقتصادي الهام الذي اثبت نجاحه وربحيته وهو تحويل القمامة الى طاقة بواسطة التكنولوجيا والاستفادة منها في عدة مجالات حيوية هامة ، وأصبحت القمامة ثروة بعد أن كانت مشكلة ، أصبحت اليوم نعمة وليست نقمة.. وفي الفترة الأخيرة عرضت الشركات الأوروبية شراء المخلفات الصلبة من جمهورية مصر العربية بحيث يتم ضغطها داخل حاويات وتصديرها إلى أوروبا مقابل 100 دولار لكل طن مخلفات بغرض تحويل تلك المخلفات العضوية إلى غاز الايثانول الذي يستخدم كمصدر من مصادر الطاقة وكبديل للبترول في محركات السيارات وينتج حالياً الاتحاد الأوروبي نحو 65مليون طن من المخلفات العضوية سنوياً، أي ما يكفي لإنتاج نحو 12مليون طن من الايثانول والذي يستخدم في صناعات متعددة ولنا ان نعرف اهميته إذا علمنا انه يستخدم كبديل للبنزين في تسيير المركبات في دول مثل أمريكا والهند والبرازيل، فالأخيرة 80 % من سياراتها تسير بالايثانول.. ان سوق البترول الذي يمكن استبداله بالايثانول يعادل نحو 100 مليون طن سنوياً وحالياً يتم استخدام ما يزيد عن نصف كافة المخلفات. العضوية في الاتحاد الأوروبي لهذا الغرض وتزداد ثقة العالم بهذه العمليات المتطورة لأنها توفر طاقات متجددة مأمونة ومجربة تتماشى مع المعايير البيئية العالمية وتسعى الدول المتقدمة إلى تحويل 1،6مليار طن مخلفات إلى مصادر للطاقة النظيفة والصديقة للبيئة. ان كل ما سبق ذكره يتم في الدول المتقدمة التي أدركت أهمية تلك المخلفات كمورد اقتصادي متجدد يسهل الحصول عليه ومعالجته والاستفادة منه بما يحقق حماية الثروات الطبيعية والمواد الخام في تلك الدول فضلا عن إيجاد فرص عمل جديدة والتخفيف من الآثار البيئية لتلك المخلفات إن أهم العوامل المهمة لإنجاح هذا المشروع في اليمن هو المشاركة الشعبية من كل أفراد المجتمع عن طريق الإسهام في فصل المخلفات من المنازل بحيث يتم إعطاء كل بيت او محل نوعين من الأكياس احدهما للمخلفات العضوية مثل بقايا الطعام والثاني للمخلفات الصلبة مثل البلاستيك والزجاج ونحوهما ولا نغفل المشاركة الشعبية في التمويل بحيث تتكون شراكة كبيرة تضم عدداً كبيراً من المشاركين والمساهمين بحيث يحصل كل مساهم على عائد سنوي بجانب عائد تراكمي نهاية المدة فنحن عن طريق إعادة التدوير الكامل لهذه المخلفات وتحويلها الى قيمة مالية تفيد في تحسين دخل الأفراد..وسوف نتمكن من تحقيق عائد اقتصادي كبير بحيث ستكون من أهم عوائد هذا المشروع توفير مصادر ثابتة ومستمرة للطاقة، فالقمامة لن تنتهي أبدا وكذلك توفير الملايين من الريالات والتي ستسهم في دعم الدخل القومي للبلاد إضافة إلى تشغيل آلاف الشباب العاطلين عن العمل ولقد حان الوقت للقطاع الخاص أن يجرب الاستثمار في هذا القطاع الحيوي الهام خدمة للبيئة ورعاية للإنسان .