والتقى الآنسي والمرشدي والقمندان والتقينا الجميع في عرس حسنا وحسان هكذا قال فيهم الشاعر المرهف إبراهيم الحضراني رحمة الله عليه.. لكن الآنسي رحل إلى جوار ربه في العام 1982م، تبعه الشاعر الإنسان، شاعر الطبيعة والوجدان أحمد فضل القمندان. وفي عامنا هذا 2013م لحق بركبهم عملاق في زمن الأقزام، وسفير الأغنية اليمنية منذ الخمسينيات. ولد في عدن في العام 1929م من أب يمني وأم صومالية عشق اليمن أرضاً وإنساناً. خير بأكثر من جنسية عربية لكنه رد عليهم بقوله “أنا لا أستطيع مفارقة هواء صنعاء وماء عدن” عاش متواضعاً من القاع حتى النخاع، أنشد وتغنى بلسان حال الشعب بقوله: أنا الشعب زلزلة عاتية ستحرق أصواتهم صيحتي ستخمد نيرانهم غضبي أنا الشعب أنا الشعب أنا الشعب قضاء الله في أرضي أنا الشعب عاصفة طاغية وفعلاً جابه الحكم البريطاني المستعمر والحاكم لجنوباليمن في الخمسينيات والستينيات فزلزلهم، وأحرقهم، وأخمد نيرانهم، فودعوا جنوباليمن ورحلوا خاسئين منها بلا رجعة. عاش مع رفيق دربه الشاعر الثائر رحمه الله لطفي جعفر أمان، وكما قال: إنني كنت ألتقي به في حفلات وأعراس في عدن وقال لي: علي الشعر وعليك الألحان فقال لطفي وأنشد المرشدي قائلين: يا بلادي يانداءً هادراً يعصف بي يا بلادي ياثرى ابني وجدي وأبي يا رحيباً من وجودي لوجود أرحب أقفزي من قمة الطود لأعلى الشهب أقفزي فالمجد بسام السنا عن كثب اقفزي فالمجد مادان لمن يثب فالوطن هو الذي يحب بلده، يدافع عنها، ويسعى لصالحها، ويعمل على تقدمه ورخائه لأن الوطن مهوى ومهبط رأس الشاعر الثائر، والفنان الأصيل الذي نشأ على ترابه وتغذى من خيراته، وشرب من ماءه. إنه الفنان الكبير المرحوم محمد مرشد ناجي المعروف بالمرشدي ومن لا يعرفه ؟ عشق اليمن فأهمله حكام اليمن. غنى لكثير من الشعراء الكبار كلطفي جعفر أمان، وسلطان الصريمي، وعبدالله البردوني والكثير الكثير من الشعراء حتى من شعراء العصر الأموي غنى أغنيته المشهورة، أغنيته الرومانسية الجميلة، تلك الأغنية العذبة، والأعذب منها صوت وأوتار المرشدي. وأنا في الابتدائية في الصباح عند ذهابي إلى إلى المدرسة كنت أسمعها من راديو إذاعة صنعاء، وأنا لا أعرف معنى غناء أو أغنية فتأتي هذه الأغنية في الراديو فينجذب سمعي لها، وأظل واقفاً كي أسمعها ولا أسير نحو المدرسة إلا بعد ما تنتهي أو يقطعها المذيع، بالرغم من رفع صوت أمي عليَّ هيا يابني اذهب إلى المدرسة سيفوتك الطابور. إنها أغنية أدهشت وأذهلت كثيرا من الناس وإن قلت أكثرهم،إنها: أراك طروباً والهاً كالمتيم تطوف بأكناف السجان المخيم أصابك سهمً أم بُليت بنظرةٍ فما هذه إلا سجية مبرم على شاطئ الوادي نظرت حمامة فطالت علي حسرتي وتندمي خذوا بدمي منها فإني قتيلها ولا مقصدي إلا تجود وتنعمي ولا تقتلوها إن ظفرتم بقتلها ولكن سلوها كيف حل لها دمي ولا تحسبوا أني قُتلتُ بصارم ولكن رمتني من رباها بأسهمٍ مهذبة الألفاظ مكية الحشا حجازية العينيين طائية الفم أغارُ عليها من أبيها وأمها ومن خطوة المسواك إن دار في الفم أغار على أعطافها من ثيابها إذا ألبستها فوق جسمٍ مُنعمِ وأحسد أقداحاً تُقبل ثغرها إذا أوضعتها موضع اللثم في الفمِ ولما تلاقينا وجدت بنانها مخضبة تحكي عُصارة عندم فقلت خضبت الكف بعدي أهكذا يكون جزاء المُستهام المُتيم!؟ فقالت وأبدت في الحشا حرق الجوى مقالة من في القول لم يتبرم وعيشك ما هذا خضابٌ عرفتهُ فلا تكُ بالبهتان والزور مُتهمِ ولكنني لما رأيتك نائياً وقد كنت لي كفي وزادي ومعصمي ولو قبل مبكاها بكيتُ صبابةً لكنت شفيت النفس قبل التندم بكيت دماً يوم النوى فمسحته بكفي وهذا الأثر من ذلك الدم ولكنها بكت قبلي فهيجني البكى بكاها فقلت الفضل للمُتقدم هذه الأغنية هي التي جعلتني أحب المرشدي، وبُليت بالحب من صغري ومنذ طفولتي الأولى، أحببت الأغنية وحفظت كلماتها حفظاً عن ظهر قلب فما أجملها أغنية! وما أجمل وما أرق وما ألطف! من تغنى بها. مضى المرشدي يدندن بأغانيه العاطفية والحماسية ويؤجج لهيب الثورة أصبحت أغانيه السياسية والاجتماعية مُسخرة للجماهير، وضد كل أعداء الوطن تاق إلى الثورة ضد الظلم، أشعل معه كل صوت الشعب حتى اليوم. حرك العواطف الجامدة، وأنعش المشاعر التواقة. تعرض للمُسألة في أغنيته السياسية التي كتب كلماتها سلطان الصريمي نشوان يا نشوان لا يفجعك طاهش الحوبان إلى آخر ما قال.. كما ذهب إلى البحر ين برفقة الفنان محمد عبده ليُحي حفلة فنية وكان متهيئاً ليلقي أغنيته “يا نجم يا سامر فوق المُصلى” إلا أنه فوجئ بفنان خليجي يُغنيها وبألحان المُرشدي نفسه، فأختار المرشدي والتفت إلى الفنان محمد عبده وقال له: يا محمد عبده هذه أغنيتي فكيف سُرقت المرشدي إن غنى أطرب، وإن أنشد دندن. جمع في قلبه حبين “حب اليمن، وحب الوطن العربي الكبير” لذلك هو يمني المنبع وطني الهوى. تحالف عليه منذ طفولته الفقر والاستعمار، فكان يذهب إلى مدرسته حافياً من منزله في الشيخ عثمان إلى كريتر، يحمل في ذكرياته سطورٌ وصفحات مُرةٌ ومُظلمةً لكنه ترجمها إلى سطور حلوة ومشرقة، تفنن في إنتقاء الكلمة، واتقان اللحن. غنى الشعر الحميني “والمكحل عيوني بالسهر، وكذلك عليك سموني وسمسموني وبالملامة فيك عذبوني، مال كثيراً إلى الفصحى وإلى الشعر الفصيح حسب قوله. غنى للبردوني: من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر من جوها هذه الأنسام والسحرُ من السعيدة هاذي الأغنيات ومن من ريفها هذه الأطياف والصورُ قال عنه فنان العرب محمد عبده: إنه نبراسنا، وأستاذنا، لقننا الفن الأصيل والجميل، ونحن من مدرسة الفنان الأستاذ/ أبو علي “محمد مرشد ناجي” ويعتبر أسطورة كأسطورة زرياب وقال عنه الفنان الدكتور/ أبو بكر سالم: المرشدي مُرشد الجميع، فهو زميل ورفيق دربي، وقد عشنا معاً أكثر من 43سنة. لك في الذود عن حماك صراعٌ بجنون أمضى من المشرق عاش سفيراً للأغنية اليمنية في اكثر البلدان العربية ذهب إلى مدريد من قبل المجمع العربي للموسيقا وألقى محاضرته أمام عمالقة من كبار الموسيقيين، فكان رائداً للموسيقا، وجنرالاً للعود. وداعاً يا مرشدي وطيب الله ثراك وآخر قولي مثلما قلتُ أولاً وداعاً يا فنان اليمن!